الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليلة في شهر رمضان حتى ينسلخ، يعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن، فإذا لقيه جبريل كان أجود بالخير من الريح المرسلة» أخرجه البخاري (1).
وقال أبو هريرة: «كان يعرض على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض، وكان يعتكف كل عام عشرا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض» أخرجه البخاري (1).
حفظ الصحابة للقرآن الكريم:
توفرت للصحابة العوامل التي تجعلهم يحرصون على حفظ القرآن إلى أقصى حد، وتجعل حفظ القرآن يتوفر فيهم إلى أبعد مدى، ومن تلك العوامل:
1 -
قوة ذاكرتهم الفذة التي عرفوا بها واشتهروا، حتى كان الواحد منهم يحفظ القصيدة الطويلة من الشعر بالسمعة الواحدة.
2 -
نزول القرآن منجما كما عرفنا من قبل.
3 -
لزوم قراءة شيء من القرآن في الصلاة، وما هنالك من الفضل والثواب في تطويل المنفرد صلاته لنفسه.
4 -
وجوب العمل بالقرآن، فقد كان هو ينبوع عقيدتهم وعبادتهم، ووعظهم وتذكيرهم، وقد ترجموه إلى سلوك وخلق وحضارة.
5 -
حض النبي صلى الله عليه وسلم على قراءة القرآن، والترغيب بما أعد للقارئ من الثواب والأجر العظيم، والقوم أميون لا سبيل لهم إلا الحفظ عن ظهر قلب، وقد حددت السنة أقصى مدة للمسلم يختم بها القرآن شهرا، أو أربعين يوما.
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله
(1) في فضائل القرآن ج 6 ص 186.
عليه وسلم يقول: «من قرأ حرفا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول «الم» حرف ولكن «ألف» حرف و «لام» حرف و «ميم» حرف» أخرجه الترمذي.
وعن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اقرأ القرآن في شهر، قلت: إني أجد قوة، حتى قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك» متفق عليه.
6 -
تعاهد النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بتعليم القرآن:
فكان الصحابة تلامذة للنبي صلى الله عليه وسلم يتعلمون منه القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم شيخهم، يتعاهدهم بتعليم القرآن، فإذا أسلم أهل أفق أو قبيلة أرسل إليهم من القرّاء من يعلّمهم القرآن، وإن كان في المدينة ضمه إلى حلق التعليم في جامعة القرآن النبوية.
وقد وافتنا الوثائق الثابتة الصحيحة بنماذج عن كثرة الحفاظ بين الصحابة، فهذه حرب المرتدين في اليمامة يقتل فيها، سبعون من القراء، بل ثبت بأوثق الإثباتات أنه صلى الله عليه وسلم أرسل في وفادة واحدة لتعليم بعض القبائل سبعين من القراء، وهم الذين غدر بهم المشركون في طريقهم وقتلوهم، كما في الصحيحين.
وإننا إذ نوضح هذا نذكّر أولا جيلنا بواجبهم تجاه القرآن الكريم وأن يحذوا حذو سلفهم الصالح في حفظ القرآن، أو على الأقل أن يجعل المسلم من تحصيله ودرسه للقرآن حصة كسائر ما يدرسه ويتحفظه من المعارف، ونذكّر ثانيا بتلك الصيانة الكبيرة الواسعة التي أحيط بها القرآن منذ عصره الأول ولم يزل كذلك حتى وصل إلينا بنقل الكافة عن الكافة.
على أن التاريخ إذ يسجل بدقة سمات مجتمع سلفنا، فإنه في الظواهر العامة لا يستطيع أن يسجل كل حالة على انفراد من حالات السمة العامة، إنما يسجل الحالات الخاصة والمتميزة عن سائر الأفراد فهو لا يسجل من الأطباء كل طبيب ولا من المهندسين كل مهندس ولا من العباد كل عابد، ولا من الفقهاء
كل فقيه، إنما يسجل من هؤلاء وهؤلاء الأفذاذ الذين بزّوا أقرانهم، وفاقوا أندادهم، حتى يكونوا كالمراجع لهم، وحتى لا يتبادر إلى الذهن لدى ذكر اختصاصهم غيرهم.
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى كبار المقرئين ليأخذوا عنهم القرآن، كما أرشد وذكر مناقب اختص بها واحدا منهم أو اثنين بالذكر، ولم يفهم من ذلك أحد حصر القضية فيهم.
عن مسروق أنه قال: «ذكر عبد الله بن عمرو عبد الله بن مسعود فقال:
لا أزال أحبّه، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:«خذوا القرآن من أربعة: من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ، وأبيّ بن كعب» أخرجه البخاري (1).
وعلى هذا النحو ورد الحديث عن قتادة قال: سألت أنس بن مالك رضي الله عنه: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال:
«أربعة كلهم من الأنصار: أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت، وأبو زيد» أخرجه البخاري (2).
فقد ذكر أنس هؤلاء لمعنى خاص لاحظه، أو أنهم هم الذين حضروا لذهنه (3).
(1) في فضائل القرآن ج 6 ص 186.
(2)
ج 6 ص 187.
(3)
وأما رواية قول أنس: «مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة:
أبو الدرداء، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو زيد»، أخرجها البخاري أيضا عقب الرواية السابقة، فليس يصلح أن نأخذ منها ما يخلّ بما قدمنا الدلالة القاطعة عليه.
أما السند: فقد انتقده العلماء بأنه خالف الرواية الأولى وهي الأصح عند البخاري كما أشار لذلك البخاري نفسه، والمخالفة جاءت من وجهين: أحدهما التصريح بالحصر، والآخر ذكر «أبي الدرداء» بدل «أبيّ بن كعب» ، وقد استنكر جماعة من الأئمة الحصر في الأربعة.
وقد تنوعت المواصفات التى سردت فيها قوائم القراء من الصحابة، فهناك الأئمة الذين اشتهروا أكثر، وكانوا مصادر تلقى عنهم المسلمون وهم سبعة:«عثمان بن عفّان، وعلي بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن مسعود، وأبو الدرداء، وأبو موسى الأشعري» (1).
وهناك آخرون كثيرون ذكرهم العلماء.
وقد ذكر الإمام أبو عبيد القاسم بن سلّام- في كتاب القراءات الذي صنّفه (2) - القراء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فعدّ من المهاجرين: الخلفاء الراشدين الأربعة، وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان، وسالما مولى أبي حذيفة، وأبا هريرة، وعبد الله بن السائب، والعبادلة (وهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وعبد الله ابن عمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير)، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة.
وحفظ القرآن من الأنصار في حياة النبي صلى الله عليه وسلم: عبادة ابن الصامت، ومعاذ أبو حليمة، ومجمّع بن جارية، وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مخلّد.
واما المتن: فلا يصلح فهمه على معنى نفي الحفظ عن غير هؤلاء، وحسبنا حديث أنس الأول دليلا حاسما في المسألة، وغاية ما هنالك أن الراوي فهم الحصر من الحديث فرواه على المعنى الذي فهمه، فأخطأ فيه، وخالف الثقات، لذلك قال الإمام البيهقي في المدخل «الرواية الأولى أصح» .
وأجيب عن المتن على تقدير صحته وسلامته من أي علة بأن المراد به الحصر الإضافي لا الحقيقي، والمعنى: لم يجمعه على جميع الأوجه والأحرف والقراءات التي نزل بها إلا أولئك النفر.
الإتقان ج 1 ص 70، ولا يشكل على ذلك ورود الرواية في البخاري لأن البخاري قد يورد الحديث من أكثر من وجه، لبيان قوة أصل الحديث، والتنبيه على ما في بعض الروايات فلا يقدح ذلك فيه لأن العمدة على الأصل.
(1)
الإتقان ج 1 ص 72.
(2)
كما نقل عنه السيوطي في الإتقان ج 1 ص 72 وقال إنه صرح بأن بعضهم كمله بعد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا لا يخل.
لكن هذا التعداد ليس للحصر قطعا، فهناك أبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وأبو الدرداء، وأنس بن مالك.
وقد أضاف الإمام الذهبي (1) جملة من القراء إلى ما ذكره أبو عبيد وهناك غيرهم كثير يستخرجهم القارئ من دراسة الكتب المؤلفة في الصحابة، ومما تتوارد به الروايات في المراجع (2).
وهكذا ثبت حفظ الصحابة للقرآن في صدورهم بما يبلغ رتبة التواتر بل يزيد عليها أضعافا، تجعلنا تتيقن ما قاله الإمام أبو الخير بن الجزري:«إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور لا على حفظ المصاحف والكتب أشرف خصيصة من الله تعالى لهذه الأمة» .
وذلك مصداق البشارة التي وردت عن الأنبياء السابقين في وصف هذه الأمة: «أناجيلهم في صدورهم» ، وهو تحقيق للحديث القدسي: «إني مبتليك ومبتل بك، ومنزّل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان
…
» (3)، كما أن هذا من تحقيق الإعلان القرآن الذي كرره القرآن وأكده:
وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ.
(1) في كتابه طبقات القراء كما نقل عنه الزركشي في البرهان ج 1 ص 242 - 243.
(2)
ومن ذلك: أبو زيد الذي ورد اسمه في الصحيح. وكمثل هذه الصحابية التي وجدها السيوطي ولم يعدها أحد وهي أم ورقة بنت عبد الله بن الحارث: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزورها ويسميها الشهيدة، وكانت قد جمعت القرآن، أنظر الإتقان ج 1 ص 72، وكذلك أبو أمامة، وكان يقرئ في مسجد دمشق مع أبي الدرداء.
(3)
أخرجه مسلم في الجنة ج 8 ص 158 - 159 في حديث طويل.