الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وغير ذلك كثير جدا، يحكم بالبطلان على من زعم تأثر العقيدة أو الدين في القرآن وفي دعوة الأنبياء بعادة أو عرف أو أثر من المجتمع
…
ويثبت أن القضية إنما هي قضية حجة وبرهان، فنقول لمن خالف القرآن في الإيمان بالله وتوحيده ما قاله القرآن وتحدّى به كل مخالف: قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.
قصص القرآن حقيقة تاريخية:
لقد صرح القرآن بأنه يقص القصص الحق أي الثابت الواقع، فكان ذلك دلالة على أن ما جاء في هذا الكتاب الكريم تبيان لوقائع حدثت في غيب الماضي الذي اندثر علمه عن الناس، وكان هذا القصص وجها من أوجه إعجاز القرآن الدالة على أنه من عند الله تعالى.
غير أن التحريف والدس في قصص الأنبياء الذي وقع في تراث الأمم السابقة عامة، وفي المرويات الإسرائيلية خاصة دفع الباحثين العلميين الأجانب إلى التشكك في هذه القصص بل إلى الغلو في التشكك، حتى في القضايا البدهية، مثل وجود بعض الأنبياء المتقدمين الذين تدل دلائل اليقين القاطع على وجودهم، بل من كان له الأثر الكبير في تحول الإنسانية مثل إبراهيم أبي الأنبياء أو موسى وعيسى عليهم السلام.
ثم جاء ببغاوات الثقافة الأجنبية من أبناء ملتنا ليرددوا بغير علم قالة أولئك، ويطبقوها على قصص القرآن، ويثيروا حوله الشك والريب، وكأنّ ثمة فئة من الناس تستكثر
على هذا الإنسان أن يبقى له مرجع واحد ثابت لا يتطرق إليه الظن، يرقى بهذا الإنسان مما آل إليه من الانحدار.
والعجيب أن القرآن الكريم أحال الناس من قديم على مخلّفات الأمم البائدة وآثارها، قبل أن يتقدم علم الآثار ليقرأ فيها الباحثون أخبار الأمم ويستنطقوها أحوالها، تأمل قوله تعالى: وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ .. ، وقال لفرعون: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً
…
لقد أثيرت أسئلة حول موسى عليه السلام وعلاقة فرعون بقومه، وزعم بعض المبشرين أنه كان مجرد طاغية كافر، ليس بينه وبين قومه علاقة عبادة، وأطلق بعض المبشرين ألسنتهم بما شاء لهم أدبهم في حق القرآن. وأثيرت أيضا ريبة حول إبراهيم عليه السلام ووجوده، أثار المستشرق اليهودي جولد تسيهر هذه الريبة (1).
لكن تقدم علم الآثار وتفوق العلماء في قراءة الأحافير جاء ليسجل مصداق ما جاء به القرآن الكريم، وأنه صحح أخطاء في تراث الأمم السابقة، وتفرّد بمعلومات دقيقة لم تكن معروفة عند أحد من العالم.
أما بشأن فرعون فقد تبين من الآثار أنه كان يقيم نوعا من علاقة التأليه مع شعبه. كما اكتشفت جثته التي تفرد القرآن بالإخبار عن نجاتها: فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً. وعقد الدكتور موريس بوكاي فصلا هاما (2) حول هذه القضية وهو قد شاهد «مومياء» فرعون هذا بنفسه في متاحف القاهرة واختتم الفصل بقوله: «أيّ بيان رائع لآيات القرآن ذلك الذي يخص بدن فرعون والذي تهبه قاعة الموميات الملكية بدار الآثار بالقاهرة لكل من يبحث في معطيات المكتشفات الحديثة عن أدلة على صحة الكتب المقدسة» .
وأما بشأن إبراهيم الخليل عليه السلام فقد جاءت الحفريات لتثبت أخبار القرآن عنه وعن قومه تلك التي قام بدراستها «ليوناردو وولي» وألّف بناء عليها كتابه عن إبراهيم، وإذا به يخبر عن قوم بابل وعبادتهم للنجوم، وأن عبادة القمر سابقة على عبادة الشمس خلافا لما قد يتبادر للذهن، وأن رب الأرباب عند اليونان هو كوكب المشتري وليس الشمس أو القمر، ومن ذلك قدم القرآن
(1) في أوائل كتابه: «العقيدة والشريعة في الإسلام» ص 12 وما بعدها.
(2)
في كتابه القيم «دراسة الكتب المقدسة في ضوء المعارف الحديثة» ص 149 - 271.