الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القسم الثاني من أقسام التفسير التفسير بالرأي
معنى التفسير بالرأي:
هو تفسير القرآن بالاجتهاد اعتمادا على الأدوات التي يحتاج إليها المفسّر.
وقد اختلف العلماء من قديم الزمان في جواز تفسير القرآن بالرأي: فقوم تشددوا ولم يبيحوا تفسير شيء من القرآن ما لم يرد فيه أثر من المرفوع أو الموقوف، وقوم لم يروا بأسا من أن يفسروا القرآن باجتهادهم.
وقد استدل المانعون بما يلي:
أولا: التفسير بالرأي قول على الله بغير علم، وذلك منهي عنه لقوله تعالى: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ. والقول بالظن قول على الله بغير علم كذلك.
وقد رد المجيزون هذا الدليل بمنع دلالته لأن الظن نوع من العلم، إذ هو إدراك الطرف الراجح وعلى تسليمها نمنع الاستدلال الآخر لأن الظن منهي عنه إذا أمكن العلم اليقيني القطعي بأن يوجد نص شرعي قاطع أو دليل عقلي موصل لذلك.
ثانيا: قال الله تعالى: وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، فقد أضاف بيان القرآن إليه فعلم أن ليس لغيره شيء من ذلك.
وأجيب بأن النبي لم يبيّن كل شيء، وقد اكتفينا ببيانه فيما بيّنه، وما لم يرد بيانه عنه ففيه اجتهاد أهل العلم كما قال في آخر الآية: وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ.
ثالثا: استدلوا بما ورد في السنة المرفوعة، كحديث ابن عباس أنه صلى الله عليه وسلم قال:«اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فمن كذب عليّ متعمّدا فليتبوّأ مقعده من النار، ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار» . حديث حسن.
وحديث جندب: عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ» .
وقد أجيب بأن النهي محمول على من قال برأيه فيما لا يعلم إلا عن طريق النقل وأنه أراد بالرأي الرأي الذي يغلب على صاحبه من غير دليل يقوم عليه، فيتناول من يعرف الحق لكنه يميل إلى رأي من طبعه وهواه فيتأول القرآن وفق هواه، ويتناول من كان جاهلا فيحمل الآية على ميله وهواه، ويتناول من يستدل بالقرآن على غرض صحيح غير مقصود به ما أراد، كمن يستدل ب اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى على مجاهدة النفس بحمل فرعون على النفس.
وأجيب أيضا بحمل النهي على من يقول في القرآن بظاهر العربية دون رجوع لما يجب معرفته على من يتكلم في التفسير. على أن حديث جندب ضعيف، فيه: سهل بن أبي حزم وهو ضعيف متكلم فيه (1).
واستدل الفريق الثاني وهم الجمهور على جواز التفسير بالرأي بما يأتي:
أولا: بنصوص كثيرة وردت في القرآن نحو أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ مُبارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آياتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ. فقد حثّ سبحانه على تدبر القرآن، بل وبخ الذين لا يتدبرونه.
ثانيا: لو كان التفسير بالرأي غير جائز لما كان الاجتهاد جائزا، وهذا باطل بيّن البطلان.
ثالثا: ثبت أن الصحابة قرءوا القرآن واختلفوا في تفسيره، ومعلوم أنهم لم يسمعوا كل ما قالوه في تفسير القرآن من النبي صلى الله عليه وسلم، بل توصلوا إلى معرفة البعض بعقولهم، ولو كان التفسير بالرأي محظورا لما فعلته الصحابة.
(1) راجع مقدمة التفسير لابن تيمية ص 29 - 31 ومقدمة التفسير للراغب الأصفهاني ص 422.