الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أقسام النسخ:
وقد قسموا النسخ عدة تقسيمات، أهمها بالنسبة لدراستنا هنا هذه الأقسام:
أ- نسخ الحكم مع بقاء التلاوة
، وهو أكثر الأقسام وقوعا، مثل نسخ آية العدة: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ، فكانت العدة للمتوفى عنها زوجها حولا، ثم نسخت بأربعة أشهر وعشرا: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً.
ب- نسخ القرآن بالقرآن
كما سبق ذكره.
ج- د- نسخ القرآن بالسنّة أو العكس
.
مثل نسخ استقبال بيت المقدس بالتوجه إلى القبلة فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، فهذا نسخ للسنّة بالقرآن.
هـ- نسخ التلاوة مع بقاء الحكم
كما ورد عن عمر رضي الله عنه أنه نزلت آية في رجم الزاني المتزوج، وقد نسخت التلاوة وبقي الحكم.
ونسخ الحكم والتلاوة معا
مثل حديث السيدة عائشة: كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرّمن، ثم نسخ بخمس رضعات معلومات يحرّمن، والجملة الأولى منسوخة التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي من منسوخ التلاوة فقط وحكمها باق عند الشافعية، ولم يعمل المالكية والحنفية بهذه الرواية من أصلها. ومما يؤيدهم في ذلك أن الرواية غير متواترة، ولا تثبت قرآنية شيء إلا بالتواتر، كما لا ينسخ القرآن إلا بالتواتر، وهذا الاعتراض يرد على ادعاء قرآنية آية الرجم.
حكمة وقوع النسخ:
يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الأديان، لما كان يتحقق به من نقل الإنسان إلى الدين الذي يأتي به كل نبي بعد النبوات التي قبله، حتى جاءت
شريعة الإسلام أكمل الشرائع وخاتمة الشرائع جميعا، فكان من حكمته سبحانه أن نسخ بها الشرائع والأديان السابقة كلها.
وتفصيل هذا وشرحه: «أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دورا غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة وبساطة، وضعفا وجهالة، ثم أخذوا يتحولون من هذا العهد رويدا رويدا، ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متباينة، من ضآلة العقل، وعماية الجهل، وطيش الشباب، وغشم القوة على تفاوت في هذا بينهم، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعا لهذا التفاوت.
حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه جاء هذا الدين الحنيف ختاما للأديان، ومتمما للشرائع، وجامعا لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية ومرونة القواعد، جمعا وفّق بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد وأسر وجماعات وأمم وشعوب وحيوان ونبات وجماد مما جعله بحق دينا عاما خالدا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها» (1).
لذلك لم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود، فأنكروا جواز النسخ عقلا، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وتذرعوا بذلك الزعم لإنكارهم نبوة عيسى ونبوة سيدنا محمد عليهما الصلاة والسلام.
وأثاروا الشبهة فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى، لأنه يدل على البداء، أي ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء علم بعد أن لم يعلم، والبداء مستحيل في حق الله تعالى، لأنه واجب له تعالى لذاته وصف العلم المحيط بكل شيء من الأزل إلى الأبد.
والجواب عن هذا من وجوه:
(1) مناهل العرفان ج 2 ص 90 - 91.
1 -
قال الإمام الغزالي (1) يرد هذه الشبهة محتكما إلى فهم معنى النسخ فقال: وهو عبارة عن الخطاب الدال على ارتفاع الحكم الثابت المشروط استمراره بعدم لحوق خطاب يرفعه، وليس من المحال أن يقول السيد لعبده:
«قم» ، ولا يبين له مدة القيام، وهو يعلم أن القيام مقتضى منه إلى وقت بقاء مصلحته في القيام، ويعلم مدة مصلحته ولكن لا ينبه عليها، ويفهم العبد أنه مأمور بالقيام مطلقا وأن الواجب الاستمرار عليه أبدا إلا أن يخاطبه السيد بالقعود، فإذا خاطبه بالقعود قعد ولم يتوهم بالسيد أنه بدا له أو ظهرت له مصلحة كان لا يعرفها والآن قد عرفها، بل يجوز أن يكون قد عرف مدة مصلحة القيام وعرف أن الصلاح في أن لا ينبه العبد عليها ويطلق الأمر له إطلاقا حتى يستمر على الامتثال، ثم إذا تغيرت مصلحته أمره بالقعود.
2 -
إن القرآن الكريم رد على خرافة هؤلاء في شأن النسخ في قوله تعالى في سورة البقرة: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فبين أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال: نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْها أَوْ مِثْلِها، ثم عقّب فقال: أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ.
3 -
الاستدلال بوقوع النسخ بين شرائع الأنبياء من لدن آدم إلى موسى عليه السلام، واليهود يعترفون بذلك وبنبوة هؤلاء الأنبياء الذين نسخت شرائعهم أحكاما من شرائع أنبياء قبلهم، فلماذا يجحدون بنبوة عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام متذرعين بزعم استحالة النسخ
…
وقد ذكر العلماء من النسخ الذي وقع في الشرائع السابقة أمثلة: منها أنه أحلّ لآدم تزويج بناته من بنيه من بطن آخر ثم حرم ذلك. وأباح الله تعالى لنوح بعد خروجه من السفينة أكل جميع الحيوانات ثم نسخ حل بعضها. وكان نكاح الأختين مباحا لإسرائيل وبنيه، وقد حرم ذلك في شريعة التوراة وما بعدها،
(1) في كتاب الاقتصاد في الاعتقاد أول القطب الرابع ص 99.