الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4 -
(بَاب الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ)
أَيْ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ لَا أَنَّهُ يَكُونُ دَائِمًا كَذَلِكَ
(إِنَّا) أَيِ الْعَرَبُ وَقِيلَ أَرَادَ نَفْسَهُ (أُمَّةٌ) أَيْ جَمَاعَةُ قُرَيْشٍ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى أُمَّةً من الناس يسقون وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْأُمَّةُ الْجَمَاعَةُ
وَقَالَ الْأَخْفَشُ هُوَ فِي اللَّفْظِ وَاحِدٌ وَفِي الْمَعْنَى جَمْعٌ وَكُلُّ جِنْسٍ مِنَ الْحَيَوَانِ أُمَّةٌ وَالْأُمَّةُ الطَّرِيقَةُ وَالدِّينُ يُقَالُ فُلَانٌ لَا أُمَّةَ لَهُ أَيْ لَا دِينَ لَهُ وَلَا نِحْلَةَ لَهُ وَكَسْرُ الْهَمْزَةِ فيه لغة
وقال بن الْأَثِيرِ الْأُمَّةُ الرَّجُلُ الْمُفْرَدُ بِدِينٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى إن إبراهيم كان أمة قانتا لله قَالَهُ الْعَيْنِيُّ (أُمِّيَّةٌ) بِلَفْظِ النَّسَبِ إِلَى الْأُمِّ فَقِيلَ أَرَادَ أُمَّةَ الْعَرَبِ لِأَنَّهَا لَا تَكْتُبُ أَوْ مَنْسُوبٌ إِلَى الْأُمِّ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ هَذِهِ صِفَتُهَا غَالِبًا وَقِيلَ مَنْسُوبُونَ إِلَى أُمِّ الْقُرَى وهي مكة أي إنا أمة مكية
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ قِيلَ مَعْنَاهُ بَاقُونَ عَلَى مَا وَلَدَتْ عَلَيْهِ الْأُمَّهَاتُ
وقال الداودي أمة أمية لم يأخذ عَنْ كُتُبِ الْأُمَمِ قَبْلَهَا إِنَّمَا أَخَذَتْ عَمَّا جاءه الوحي من الله عزوجل انْتَهَى (لَا نَكْتُبُ وَلَا نَحْسُبُ) بَالنُّونِ فِيهِمَا وَهُمَا تَفْسِيرَانِ لِكَوْنِهِمْ أُمِّيَّةٌ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ أَهْلُ الْإِسْلَامِ الَّذِينَ بِحَضْرَتِهِ عِنْدَ تِلْكَ الْمَقَالَةِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَكْثَرِهِمْ أَوِ الْمُرَادُ نَفْسُهُ صلى الله عليه وسلم
وَقِيلَ لِلْعَرَبِ أُمِّيُّونَ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِيهِمْ عَزِيزَةً
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأميين رسولا منهم وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يَكْتُبُ وَيَحْسُبُ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ كَانَتْ فِيهِمْ قليلة نادرة
والمراد بالحساب هنا حِسَابُ النُّجُومِ وَتَسْيِيرِهَا وَلَمْ يَكُونُوا يَعْرِفُونَ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا إِلَّا النَّزْرَ الْيَسِيرَ فَعَلَّقَ الْحُكْمُ بَالصَّوْمِ وَغَيْرِهِ بَالرُّؤْيَةِ لِرَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُمْ فِي مُعَانَاةِ حِسَابِ التَّسْيِيرِ انْتَهَى
قَالَ الْعَيْنِيُّ وَقَوْلُهُ لَا نَحْسُبُ بِضَمِّ السِّينِ (الشَّهْرُ) أَيِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ أَوْ جِنْسُ الشَّهْرِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ (هَكَذَا) مُشَارًا بِهَا إِلَى نَشْرِ الْأَصَابِعِ الْعَشْرِ (وَهَكَذَا) ثَانِيًا (وَهَكَذَا) ثَالِثًا خَبَرُهُ بَالرَّبْطِ بَعْدَ الْعَطْفِ وَفَسَّرَهُ الرَّاوِي بِتِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ وَثَلَاثِينَ
قُلْتُ لَفْظُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هَكَذَا وَهَكَذَا مَرَّتَانِ وَكَذَا أَوْرَدَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِي رِوَايَةٍ مُخْتَصَرًا وَلَفْظُهُ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ هَكَذَا ذَكَرَهُ آدَمُ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرًا وَفِيهِ اخْتِصَارٌ عَمَّا رَوَاهُ غندر عن شعبة
أخرجه مسلم عن بن الْمُثَنَّى وَغَيْرِهِ عَنْهُ بِلَفْظِ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَعَقَدَ الْإِبْهَامَ فِي الثَّالِثَةِ وَالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يَعْنِي تَمَامَ الثَّلَاثِينَ أَيْ أَشَارَ أَوَّلًا بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ الْعَشْرِ جَمِيعًا مَرَّتَيْنِ وَقَبَضَ الْإِبْهَامَ فِي الْمَرَّةِ الثَّالِثَةِ وَهَذَا الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ وَأَشَارَ مَرَّةً أُخْرَى بِهِمَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَهُوَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ثَلَاثُونَ انْتَهَى
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهُ الشَّهْرُ هَكَذَا يُرِيدُ أَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَلَيْسَ يُرِيدُ أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ وَإِنَّمَا احْتَاجَ إِلَى بَيَانِ مَا كَانَ مَوْهُومًا أَنْ يَخْفَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْعُرْفِ وَغَالِبِ الْعَادَةِ ثَلَاثُونَ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْبَيَانُ فِيهِ مَصْرُوفًا إِلَى النَّادِرِ دُونَ الْمَعْرُوفِ مِنْهُ فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا حَلَفَ أَوْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا بِعَيْنِهِ فَصَامَ فَكَانَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ بَارًّا فِي يَمِينِهِ وَنَذْرِهِ وَلَوْ حَلَفَ لَيَصُومَنَّ شَهْرًا لَا بِعَيْنِهِ فَعَلَيْهِ إِتْمَامُ الْعِدَّةِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا
وَفِي الْحَدِيثِ مُسْتَدَلٌّ لِمَنْ رَأَى الْحُكْمَ بَالْإِشَارَةِ وَإِعْمَالِ دَلَالَةِ الْإِيمَاءِ كَمَنْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الثَّلَاثِ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ ثَلَاثُ تَطْلِيقَاتٍ عَلَى الظَّاهِرِ مِنَ الْحَالِ
(وَخَنَسَ سُلَيْمَانُ أُصْبُعَهُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ أَيْ أَضْجَعَهَا فَأَخَّرَهَا عَنْ مَقَامِ أَخَوَاتِهَا وَيُقَالُ لِلرَّجُلِ إِذَا كَانَ مَعَ أَصْحَابِهِ فِي مَسِيرٍ أَوْ سَفَرٍ فَتَخَلَّفَ عَنْهُمْ قَدْ خَنَسَ عَنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ لَفْظُ خَنَسَ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ وَفِي آخِرِهِ سِينٌ مُهْمَلَةٌ مَعْنَاهُ قَبَضَ
وَالْمَشْهُورُ أَنَّهُ لَازِمٌ يُقَالُ خَنَسَ خُنُوسًا وَيُرْوَى حَبَسَ بَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بِمَعْنَى خَنَسَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْكُشْمِيهَنِيِّ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وبن مَاجَهْ
(الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ) ظَاهِرُهُ حَصْرُ الشَّهْرِ فِي تِسْعٍ وَعِشْرِينَ مَعَ أَنَّهُ لَا يَنْحَصِرُ فِيهِ بَلْ قَدْ يَكُونُ ثَلَاثِينَ وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ الشَّهْرَ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ أَوِ اللَّامُ لِلْعَهْدِ وَالْمُرَادُ شَهْرٌ بِعَيْنِهِ أَوْ هُوَ محمول على الأكثر الأغلب لقول بن مَسْعُودٍ مَا صُمْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تِسْعًا وَعِشْرِينَ أَكْثَرَ مِمَّا صُمْنَا ثَلَاثِينَ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ
قَالَهُ فِي الْفَتْحِ (فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ) أَيِ الْهِلَالَ لَا يُقَالُ إِنَّهُ إِضْمَارٌ قَبْلَ الذِّكْرِ لِدَلَالَةِ السِّيَاقِ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ منهما السدس أَيْ لِأَبَوَيِ الْمَيِّتِ
قَالَهُ الْعَيْنِيُّ
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ لَيْسَ الْمُرَادُ تَعْلِيقَ الصَّوْمِ بَالرُّؤْيَةِ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بَلِ الْمُرَادُ بِذَلِكَ رُؤْيَةُ بَعْضِهِمْ وَهُوَ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ ذَلِكَ إِمَّا وَاحِدٌ عَلَى رَأْيِ الْجُمْهُورِ أَوِ اثْنَانِ عَلَى رَأْيِ آخَرِينَ انْتَهَى (وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ) أَيْ هِلَالَ شَوَّالٍ
وَقَدِ اسْتُفِيدَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ وُجُوبَ الصَّوْمِ وَوُجُوبَ الإفطار عتد انتهاء الصوم متعلقا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ (فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَيْمٌ
قَالَهُ الْحَافِظُ
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ أَيْ فَإِنْ سُتِرَ الْهِلَالُ عَلَيْكُمْ وَمِنْهُ الْغَمُّ لِأَنَّهُ يَسْتُرُ الْقَلْبَ وَالرَّجُلُ الْأَغَمُّ الْمَسْتُورُ الْجَبْهَةِ بَالشَّعْرِ وَسُمِّيَ السَّحَابُ غَيْمًا لِأَنَّهُ يَسْتُرُ السَّمَاءَ وَيُقَالُ غُمَّ الْهِلَالُ إِذَا اسْتَتَرَ وَلَمْ يُرَ لِاسْتِتَارِهِ بِغَيْمٍ وَنَحْوِهِ وَغَمَمْتُ الشَّيْءَ أَيْ غَطَّيْتُهُ انْتَهَى (فَاقْدُرُوا لَهُ) أَيْ لِلشَّهْرِ
قَالَ الطِّيبِيُّ أَيْ فَاقْدُرُوا عَدَدُ الشَّهْرِ الَّذِي كُنْتُمْ فِيهِ
انْتَهَى
وَقَالَ الزَّرْكَشِيُّ يَعْنِي حَقِّقُوا مَقَادِيرَ أَيَّامِ شَعْبَانَ حَتَّى تُكْمِلُوهُ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَكَسْرِهَا يُقَالُ قَدِرْتُ لِأَمْرِ كَذَا إِذَا نَظَرْتُ فِيهِ وَدَبَّرْتُهُ انْتَهَى
وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ
قَالَ فِي الْفَتْحِ قَالَ الْجُمْهُورُ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فَاقْدُرُوا لَهُ أَيِ انْظُرُوا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاحْسِبُوا تَمَامَ الثَّلَاثِينَ وَيُرَجِّحُ هَذَا التَّأْوِيلَ الرِّوَايَاتُ الْأُخَرُ الْمُصَرِّحَةُ بَالْمُرَادِ وَهِيَ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَنَحْوُهَا
وَأَوْلَى مَا فُسِّرَ الْحَدِيثُ بَالْحَدِيثِ انْتَهَى
قَالَ الْخَطَابِيُّ قَوْلُهُ فَاقْدُرُوا لَهُ مَعْنَاهُ التَّقْدِيرُ بِإِكْمَالِ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يُقَالُ قَدَرْتُ الشَّيْءَ أَقْدِرُهُ قَدْرًا بِمَعْنَى قَدَّرْتُهُ تَقْدِيرًا وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى وقدرنا فنعم القادرون وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَذْهَبِ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ غَيْرَ هَذَا الْمَذْهَبِ وَتَأَوَّلَهُ عَلَى التَّقْدِيرِ بِحِسَابِ سَيْرِ الْقَمَرِ فِي الْمَنَازِلِ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَصُومُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا حَدَّثَنَاهُ جَعْفَرُ بْنُ نُصَيْرٍ الْخَالِدِيُّ حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بن سعد عن بن شهاب عن بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم إن الله عزوجل جَعَلَ الْأَهِلَّةَ مَوَاقِيتَ لِلنَّاسِ فَصُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَعُدُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَعَلَى هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ
وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ نَهْيُهُ صلى الله عليه وسلم عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ
وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِعِلَّةٍ فِي السَّمَاءِ صَامَ النَّاسُ فَإِنْ كَانَ صَحْوٌ لَمْ يَصُومُوا تِبَاعًا لِمَذْهَبِ بن عُمَرَ (نُظِرَ لَهُ) بِصِيغَةِ
الْمَجْهُولِ أَيْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ (فَإِنْ رئي) أي الهلال (فذاك) يعني أصبح بن عُمَرَ صَائِمًا (وَإِنْ لَمْ يُرَ) أَيِ الْهِلَالُ (وَلَمْ يَحُلْ) مِنْ حَالَ يَحُولُ
(وَلَا قَتَرَةٌ) بِفَتَحَاتٍ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْقَتَرَةُ الْغَبَرَةُ فِي الْهَوَاءِ الْحَائِلِ بَيْنَ الْإِبْصَارِ وَبَيْنَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ (دُونَ مَنْظَرِهِ) أَيْ قَرِيبُ مَنْظَرِهِ (سَحَابٌ أَوْ قَتَرَةٌ) أَيْ غُبَارٌ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَهِيَ لَيْلَةُ الثلاثين من شعبان (أصبح) بن عُمَرَ (صَائِمًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَانَ مَذْهَبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ إِذَا كَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ أَوْ قترة فإن كان صحو وَلَمْ يَرَ النَّاسُ أَفْطَرَ مَعَ النَّاسِ انْتَهَى
قال بن الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ لِأَحْمَدَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَا إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهَا يَجِبُ صَوْمُهُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ ثَانِيهَا لَا يَجُوزُ فَرْضًا وَلَا نَفْلًا مُطْلَقًا بَلْ قَضَاءً وَكَفَّارَةً وَنَذْرًا وَنَفْلًا يُوَافِقُ عَادَةً وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ وَيَجُوزُ عَمَّا سِوَى ذَلِكَ ثَالِثُهَا الْمَرْجِعُ إِلَى رَأْيِ الْإِمَامِ فِي الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ
وَاحْتَجَّ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِ الصَّحَابِيِّ رَاوِي الْحَدِيثِ
قَالَ أَحْمَدُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عن بن عُمَرَ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ فَاقْدُرُوا لَهُ قَالَ نافع فكان بن عُمَرَ إِذَا مَضَى مِنْ شَعْبَانَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ فَإِنْ رَأَى فَذَاكَ وَإِنْ لَمْ يَرَ وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا وَإِنْ حَالَ أَصْبَحَ صَائِمًا
وَأَمَّا مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ فِي جَامِعِهِ عن عبد العزيز بن حكيم سمعت بن عُمَرَ يَقُولُ لَوْ صُمْتُ السَّنَةَ كُلَّهَا لَأَفْطَرْتُ الْيَوْمَ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ فَالْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ فِي الصُّورَةِ الَّتِي أَوْجَبَ فِيهَا الصَّوْمَ لَا يُسَمَّى يَوْمُ شَكٍّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ خَصَّ يَوْمَ الشَّكِّ بِمَا إِذَا تَقَاعَدَ النَّاسُ عَنْ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ أَوْ شَهِدَ بِرُؤْيَتِهِ مَنْ لَا يَقْبَلُ الْحَاكِمُ شَهَادَتَهُ فَأَمَّا إِذَا حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ شَيْءٌ فَلَا يُسَمَّى شَكًّا وَاخْتَارَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ الثَّانِيَ انْتَهَى
قُلْتُ قَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَأَبِي دَاوُدَ وَغَيْرِهِمَا قَالَ عَمَّارٌ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَانِ يَدُلَّانِ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الصَّوْمِ يَوْمَ الشَّكِّ وَعَلَى عَدَمِ جَوَازِ صَوْمِ رَمَضَانَ إِذَا حَالَ دُونَ مَطْلَعِ الْهِلَالِ غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ هُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ
وَقَوْلُ عَمَّارٍ رضي الله عنه مِنْ قَبِيلِ الْمَرْفُوعِ لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ لَا يَقُولُ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِ رَأْيِهِ وَسَيَجِيءُ بَعْضُ بَيَانِهِ فِي بَابِ كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى
(قال) نافع (وكان بن عُمَرَ يُفْطِرُ مَعَ النَّاسِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ الصَّنِيعَ فِي شَهْرِ شَعْبَانَ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَلَا يَأْخُذُ بِهَذَا الْحِسَابِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَلَا يُفْطِرُ إِلَّا مَعَ النَّاسِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْهُ الْمُسْنَدَ فَقَطْ
(زَادَ) أَيْ أَيُّوبُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْهُ دُونَ حَمَّادٍ (إِذَا رَأَيْنَا هِلَالَ شَعْبَانَ لِكَذَا وَكَذَا) أَيْ لِثَلَاثِينَ فِي لَيْلَةِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ (فَالصَّوْمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِكَذَا وَكَذَا) أَيْ بِحِسَابِ الثَّلَاثِينَ فِي يَوْمِ فُلَانٍ وَفُلَانٍ (إِلَّا أَنْ يَرَوْا) أَيِ النَّاسُ (الْهِلَالَ قَبْلَ ذَلِكَ) أَيِ الثَّلَاثِينَ فَيَكُونُ الصَّوْمُ بِحِسَابِ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
(لَمَا صُمْنَا) مَا مَوْصُولَةٌ أَوْ مَصْدَرِيَّةٌ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ
(شَهْرَا عِيدٍ) أَيْ شَهْرُ رَمَضَانَ وَشَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ
قَالَ فِي الْفَتْحِ أَطْلَقَ عَلَى رَمَضَانَ أَنَّهُ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَفِي مَعْنَاهُ أَقْوَال
شَهْرُ عِيدٍ لِقُرْبِهِ مِنَ الْعِيدِ أَوْ لِكَوْنِ هِلَالِ الْعِيدِ رُبَّمَا رُئِيَ فِي الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ
قَالَهُ الْأَثْرَمُ
وَالْأَوَّلُ أَوْلَى
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم الْمَغْرِبُ وِتْرُ النهار أخرجه الترمذي من حديث بن عُمَرَ وَصَلَاةُ الْمَغْرِبِ لَيْلِيَّةٌ جَهْرِيَّةٌ وَأَطْلَقَ كَوْنَهَا وِتْرَ النَّهَارِ لِقُرْبِهَا مِنْهُ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ وَقْتَهَا يَقَعُ أَوَّلَ مَا تَغْرُبُ الشَّمْسُ انْتَهَى (لَا يَنْقُصَانِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِهِ عَلَى وُجُوهٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَا يَكُونَانِ نَاقِصَيْنِ فِي الْحُكْمِ وَإِنْ وُجِدَا نَاقِصَيْنِ فِي عَدَدِ الْحِسَابِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنَّهُمَا لَا يَكَادَانِ يُوجَدَانِ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مُجْتَمَعَيْنِ فِي النُّقْصَانِ إِذَا كَانَ أَحَدُهُمَا تِسْعًا وَعِشْرِينَ كَانَ الْآخَرُ ثَلَاثِينَ عَلَى الْإِكْمَالِ
قُلْتُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعْتَمَدُ لِأَنَّ دَلَالَتَهُ تختلف
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
أَحَدهَا لَا يَجْتَمِع نَقْصهمَا مَعًا فِي سَنَة وَاحِدَة وَهَذَا مَنْصُوص الْإِمَام أَحْمَد
وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا خَرَجَ عَلَى الْغَالِب وَالْغَالِب أَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ فِي النَّقْص وَإِنْ وَقَعَ نَادِرًا
وَالثَّالِث أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا تِلْكَ السَّنَة وَحْدهَا ذَكَره جَمَاعَة
الرَّابِع أَنَّهُمَا لَا يَنْقُصَانِ فِي الْأَجْر وَالثَّوَاب وَإِنْ كَانَ رَمَضَان تِسْعًا وَعِشْرِينَ فَهُوَ كَامِل فِي الْأَجْر
الْخَامِس أَنَّ الْمُرَاد بِهَذَا تَفْضِيل الْعَمَل فِي عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَنَّهُ لَا يَنْقُص أَجْره وَثَوَابه عَنْ ثَوَاب شَهْر رَمَضَان
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي أَيَّام الْعَشْر مِنْ ذِي الْحِجَّة وَالْعَشْر الْأَخِير مِنْ رَمَضَان أَيّهمَا أَفْضَل قَالَ شَيْخنَا وَفَصْل الْخَطَّاب أَنَّ لَيَالِي الْعَشْر الْأَخِير مِنْ رَمَضَان أَفْضَل مِنْ لَيَالِي عَشْر ذِي الْحِجَّة فَإِنَّ فِيهَا لَيْلَة الْقَدْر وَكَانَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَجْتَهِد فِي تِلْكَ اللَّيَالِي مَا لَا يَجْتَهِد فِي غَيْرهَا مِنْ اللَّيَالِي وَأَيَّام عَشْر ذِي الْحِجَّة أَفْضَل مِنْ أَيَّام الْعَشْر الْآخِر مِنْ رمضان لحديث بن عَبَّاس وَقَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَعْظَم الْأَيَّام عِنْد اللَّه يَوْم النَّحْر وَمَا جَاءَ فِي يَوْم عَرَفَة
السَّادِس أَنَّ النَّاس كَانَ يَكْثُر اِخْتِلَافُهُمْ فِي هَذَيْنَ الشَّهْرَيْنِ لِأَجْلِ صومهم وحجهم فأعلمهم صلى الله عليه وسلم أَنَّ الشَّهْرَيْنِ وَإِنْ نَقَصَتْ أَعْدَادهمَا فَحُكْم عِبَادَتهَا عَلَى التَّمَام وَالْكَمَال وَلَمَّا كَانَ هَذَانِ الشَّهْرَانِ هُمَا أَفْضَل شُهُور الْعَام وَكَانَ الْعَمَل فِيهِمَا أَحَبّ إِلَى اللَّه مِنْ سَائِر الشُّهُور رَغِبَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي الْعَمَل وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُص ثَوَابه وَإِنْ نَقَصَ الشَّهْرَانِ
وَاَللَّه أَعْلَم
قَالُوا وَيَشْهَد لِهَذَا التَّفْسِير مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمه مِنْ حَدِيث عَبْد اللَّه بْن أَبِي بَكْرَة عَنْ أَبِيهِ يَرْفَعهُ كُلّ شَهْر حَرَام لَا يَنْقُص ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَثَلَاثِينَ لَيْلَة وَرِجَال إِسْنَاده ثِقَات
وَهَذَا لَا يُمْكِن حَمْله إِلَّا عَلَى الثَّوَاب أَيْ لِلْعَامِلِ فِيهَا ثَوَاب ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْلَة وَإِنْ نَقَصَ عَدَده
وَاَللَّه أَعْلَم