الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونُ صَائِمًا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ أَنَّ وَصْلَ الْمَاءِ إِلَى مَوْضِعِ الدِّمَاغِ يُفْطِرُ الصَّائِمَ إِذَا كَانَ ذَلِكَ بِفِعْلِهِ وَعَلَى قِيَاسِ ذَلِكَ كُلُّ مَا وَصَلَ إِلَى جَوْفِهِ بِفِعْلِهِ مِنْ حُقْنَةٍ وَغَيْرِهَا سَوَاءً كَانَ ذَلِكَ فِي مَوْضِعِ الطَّعَامِ وَالْغِذَاءِ أَوْ فِي غَيْرِهِ مِنْ حَشْوِ جَوْفِهِ
وَقَدْ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يُوجِبُ الِاسْتِنْشَاقَ فِي الطَّهَارَةِ قَالُوا وَلَوْلَا وُجُوبِهِ لَكَانَ يَطْرَحُهُ عَنِ الصَّائِمِ أَصْلًا احْتِيَاطًا عَلَى صَوْمِهِ فَلَمَّا لَمْ يَفْعَلْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ وَاجِبٌ لَا يَجُوزُ تَرْكُهُ وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
8 -
(بَاب فِي الصَّائِمِ يَحْتَجِمُ)
(قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ فَذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْحِجَامَةَ تُفْطِرُ الصَّائِمَ قَوْلًا بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ هَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَقَالَا عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ وَلَيْسَتْ عَلَيْهِمَا الْكَفَّارَةُ
وَعَنْ عَطَاءٍ قَالَ مَنِ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ
وَرُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا يحتجمون ليلا منهم بن عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رضي الله عنهم
وكان مسروق والحسن وبن سِيرِينَ لَا يَرَوْنَ لِلصَّائِمِ أَنْ يَحْتَجِمَ
وَكَانَ الأوزاعي يكره ذلك
وقال بن الْمُسَيِّبِ وَالشَّعْبِيُّ وَالنَّخَعِيُّ إِنَّمَا كُرِهَتِ الْحِجَامَةُ لِلصَّائِمِ مِنْ أَجْلِ الضَّعْفِ
وَمِمَّنْ كَانَ لَا يَرَى بَأْسًا بَالْحِجَامَةِ لِلصَّائِمِ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكُ بْنُ أَنَسٍ وَالشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ
وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمُ الْحَدِيثَ فَقَالَ مَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ أَيْ تَعَرَّضَا لِلْإِفْطَارِ أَمَّا الْمَحْجُومُ فَلِلضَّعْفِ الَّذِي يَلْحَقُهُ مِنْ ذَلِكَ إِلَى أَنْ
يَعْجِزَ عَنِ الصَّوْمِ وَأَمَّا الْحَاجِمُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَى جَوْفِهِ مِنْ طَعَامِ الدَّمِ أَوْ مِنْ بَعْضِ أَجْزَائِهِ إِذَا ضَمَّ شَفَتَيْهِ عَلَى قَصَبِ الْمُلَازِمِ
وَهَذَا كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ يَتَعَرَّضُ لِلْمَهَالِكِ قَدْ هَلَكَ فُلَانُ وَإِنْ كَانَ بَاقِيًا سَالِمًا وَإِنَّمَا يُرَادُ بِهِ قَدْ أَشْرَفَ عَلَى الْهَلَاكِ
وَكَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ وَقِيلَ فِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ مَرَّ بِهِمَا مَسَاءً فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ كَأَنَّهُ عَذَرَهُمَا بِهَذَا الْقَوْلِ إِذَا كَانَا قَدْ أَمْسَيَا وَدَخَلَا فِي وَقْتِ الْإِفْطَارِ كَمَا يُقَالُ أَصْبَحَ الرَّجُلُ وَأَمْسَى وَأَظْهَرَ إِذَا دَخَلَ وَقْتَ هَذِهِ الْأَوْقَاتِ وَأَحْسِبُهُ قَدْ رُوِيَ فِي بَعْضِ هَذَا الْحَدِيثِ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا عَلَى التَّغْلِيظِ لَهُمَا وَالدُّعَاءِ عَلَيْهِمَا كَقَوْلِهِ فِيمَنْ صَامَ الدَّهْرَ لَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ فَمَعْنَى قَوْلِهِ أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَيْ بَطَلَ أَجْرُ صِيَامِهِمَا فَكَأَنَّمَا صَارَا مُفْطِرَيْنِ غَيْرَ صَائِمَيْنِ
وَقِيلَ أَيْضًا مَعْنَاهُ جَازَ لَهُمَا أَنْ يُفْطِرَا كَقَوْلِكَ أَحْصُدُ الزَّرْعَ إِنْ حَانَ أَنْ يُحْصَدَ وَأَرْكَبُ الْمُهْرَ إِذَا حَانَ أَنْ يُرْكَبَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
وَسُئِلَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ رضي الله عنه أَيُّمَا حَدِيثٍ أَصَحُّ عِنْدَكَ فِي أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ فَقَالَ حَدِيثُ ثَوْبَانَ حَدِيثُ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ عَنْ ثَوْبَانَ
(أَتَى عَلَى رَجُلٍ) أَيْ مَرَّ عَلَيْهِ (بَالْبَقِيعِ) أَيْ بِمَقْبَرَةِ الْمَدِينَةِ (وَهُوَ) أَيِ الرَّجُلُ (وَهُوَ) أَيِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَلَفْظ النَّسَائِيّ فِيهِ عَنْ شَدَّاد بْن أَوْس قَالَ كُنْت أَمْشِي مَعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَام فَتْح مَكَّة لِثَمَانِ عَشْرَة أَوْ سَبْع عَشْرَة مَضَتْ مِنْ رَمَضَان
فَمَرَّ بِرَجُلٍ يَحْتَجِم فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم قال وروى بن مَاجَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَة عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَرَوَاهُ أَحْمَد فِي مُسْنَده وَرَوَى أَحْمَد أَيْضًا عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَرَوَى أَحْمَد أَيْضًا عَنْ أُسَامَة بْن زَيْد عَنْ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (آخِذٌ بِيَدَيَّ) إشارة إلى كمال قربه منه عليه الصلاة والسلام (لِثَمَانِ عَشْرَةَ) بِسُكُونِ الشِّينِ وَيُكْسَرُ (خَلَتْ) أَيْ مَضَتْ (مِنْ رَمَضَانَ) وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ حِفْظِ الرَّاوِي وَضَبْطِهِ بِذِكْرِ الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ وَحَالِهِ
قال المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
وقد روى هذا الحديث
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم وَرَوَى الْحَسَن عَنْ عَلِيّ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَعَنْ أَبِي مُوسَى عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النِّسَائِيّ وَأَعَلَّهُ بِالْوَقْفِ وَعَنْ مَعْقِل بْن سِنَان الْأَشْجَعِيّ أَنَّهُ قَالَ مَرَّ علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَحْتَجِم فِي ثَمَان عَشْرَة لَيْلَة خَلَتْ مِنْ رَمَضَان فَقَالَ أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ عَنْ الْحَسَن بْن مَعْقِل
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضًا عَنْ الْحَسَن عَنْ مَعْقِل بْن يَسَار عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ الْحَسَن عَنْ غَيْر وَاحِد مِنْ أَصْحَاب النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَفْطَرَ الحاجم والمحجوم رواه النسائي وعن عطاه عن بن عَبَّاس قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أقطر الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النَّسَائِيّ
قَالَ الْمُنْذِرِيّ قَالَ أحمد أحاديث أفطر الحاجم والمحجوم ولا نِكَاح إِلَّا بِوَلِيٍّ يَشُدّ بَعْضهَا بَعْضًا وَأَنَا أذهب إليها
قال بن الْقَيِّم وَقَالَ أَبُو زُرْعَة حَدِيث عَطَاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَة مَرْفُوعًا أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم حَدِيث حَسَن ذَكَره التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ
وَقَالَ عَلِيّ بْن الْمَدِينِيّ أَيْضًا فِي رِوَايَة عَنْهُ لَا أَعْلَم فِي أَفْطَرَ الْحَاجِم حَدِيثًا أَصَحّ مِنْ حَدِيث رَافِع بْن خَدِيج وَقَالَ فِي حَدِيث شَدَّاد لَا أَرَى الْحَدِيثَيْنِ إِلَّا صَحِيحَيْنِ وَقَدْ يُمْكِن أَنْ يَكُون أَبُو أَسْمَاء سَمِعَهُ مِنْهُمَا
وَقَالَ عُثْمَان بْن سَعِيد الدَّارِمِيّ صَحَّ عِنْدِي حَدِيث أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم مِنْ حَدِيث ثَوْبَانِ وَشَدَّاد بْن أَوْس وَأَقُول بِهِ وَسَمِعْت أَحْمَد بْن حَنْبَل يَقُول بِهِ وَذَكَر أَنَّهُ صَحَّ عِنْده حَدِيث ثَوْبَان وَشَدَّاد
وَقَالَ إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ فِي حَدِيث شِدَاد هَذَا إِسْنَاد صَحِيح تَقُوم بِهِ الْحَجَّة قَالَ وَهَذَا الْحَدِيث صَحِيح بِأَسَانِيد وَبِهِ نَقُول
وَعَنْ قَتَادَة عَنْ شَهْر عَنْ بِلَال قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَفْطَرَ الْحَاجِم وَالْمَحْجُوم رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي كِتَاب الْعِلَل سَأَلْت الْبُخَارِيَّ فَقَالَ لَيْسَ فِي هَذَا الْبَاب شَيْءٌ أَصَحّ مِنْ حَدِيث شَدَّاد بْن أَوْس فَقُلْت وَمَا فِيهِ مِنْ الِاضْطِرَاب فَقَالَ كِلَاهُمَا عِنْدِي صَحِيح لِأَنَّ يَحْيَى بْن سَعِيد رَوَى عَنْ أَبِي قِلَابَة عَنْ أَبِي أَسْمَاء عَنْ ثَوْبَانِ وَعَنْ أَبِي الْأَشْعَث عَنْ شَدَّاد الْحَدِيثَيْنِ جَمِيعًا
فَقَدْ حَكَمَ الْبُخَارِيّ بِصِحَّةِ حَدِيث ثَوْبَان وَشَدَّاد