الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
13 -
(بَاب مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنْ النساء)
[2065]
ما معنى مِنْ وَمِنَ النِّسَاءِ بَيَانٌ لَهَا أَيْ بَابُ النِّسَاءِ اللَّاتِي يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ
(لَا تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى عَمَّتِهَا) سَوَاءَ كَانَتْ سُفْلَى كَأُخْتِ الْأَبِ أَوْ عُلْيَا كَأُخْتِ الْجَدِّ مَثَلًا (عَلَى خَالَتِهَا) سُفْلَى كَانَتْ أَوْ عُلْيَا (وَلَا تُنْكَحُ الْكُبْرَى) أَيْ سِنًّا غَالِبًا أَوْ رُتْبَةً فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْأُمِّ وَالْمُرَادُ الْعَمَّةُ وَالْخَالَةُ (عَلَى الصُّغْرَى) أَيْ بِنْتِ الْأَخِ أَوْ بِنْتِ الْأُخْتِ وَسُمِّيَتْ صُغْرَى لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ الْبِنْتِ وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ كَالْبَيَانِ لِلْعِلَّةِ وَالتَّأْكِيدِ لِلْحُكْمِ (وَلَا الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى) كَرَّرَ النَّفْيَ مِنَ الْجَانِبَيْنِ لِلتَّأْكِيدِ لِقَوْلِهِ لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا إِلَخْ وَلِدَفْعِ تَوَهُّمِ جَوَازِ تَزَوُّجِ الْعَمَّةِ عَلَى بِنْتِ أخيها والخالة على بنت أختها الفضيلة الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ كَمَا يَجُوزُ تَزَوُّجُ الْحُرَّةِ عَلَى الْأَمَةِ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى فِي ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا يُخَافُ مِنْ وُقُوعِ الْعَدَاوَةِ بَيْنَهُنَّ لِأَنَّ الْمُشَارَكَةَ فِي الْحَظِّ مِنَ الزَّوْجِ تُوقِعُ الْمُنَافَسَةَ بَيْنَهُنَّ فَيَكُونُ مِنْهَا قَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فِي الْوَطْءِ وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَقِيَاسُهُ أَنْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْأَمَةِ وَبَيْنَ عَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فِي الْوَطْءِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ صَحِيحٌ
[2066]
(نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا) أَيْ فِي النِّكَاحِ وَكَذَا فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أن يجمع الرجل وفي آخرها قال بن شِهَابٍ فَنَرَى خَالَةَ أَبِيهَا وَعَمَّةَ أَبِيهَا بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ
قَالَ النَّوَوِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ خَالَتِهَا سَوَاءً كَانَتْ عَمَّةً وَخَالَةً حَقِيقِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ الْأَبِ وَأُخْتُ الْأُمِّ أَوْ مَجَازِيَّةً وَهِيَ أُخْتُ أَبِي الْأَبِ وَأَبِي الجد وإن
عَلَا أَوْ أُخْتُ أُمِّ الْأُمِّ وَأُمِّ الْجَدَّةِ مِنْ جِهَتَيِ الْأُمِّ وَالْأَبِ وَإِنْ عَلَتْ فَكُلُّهُنَّ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ يَحْرُمُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالشِّيعَةِ يَجُوزُ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وأحل لكم ما وراء ذلكم وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ خَصُّوا بِهَا الْآيَةَ
وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأُصُولِيِّينَ جَوَازُ تَخْصِيصِ عُمُومِ الْقُرْآنِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم مُبَيِّنٌ لِلنَّاسِ مَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الوطء بملك اليمنى كَالنِّكَاحِ فَهُوَ حَرَامٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَعِنْدَ الشِّيعَةِ مُبَاحٌ
قَالُوا وَيُبَاحُ أَيْضًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ قَالُوا وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَأَنْ تجمعوا بين الأختين إِنَّمَا هُوَ فِي النِّكَاحِ
وَقَالَ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً هُوَ حَرَامٌ كَالنِّكَاحِ لِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ تجمعوا بين الأختين وَقَوْلُهُمْ إِنَّهُ مُخْتَصٌّ بَالنِّكَاحِ لَا يُقْبَلُ بَلْ جَمِيعُ الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ مُحَرَّمَاتٌ بَالنِّكَاحِ وَبِمِلْكِ الْيَمِينِ جَمِيعًا
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَإِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ مِلْكَ الْيَمِينِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بملك اليمين لانكاحها فَإِنَّ عَقْدَ النِّكَاحِ عَلَيْهَا لَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا بَاقِي الْأَقَارِبِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ بِنْتَيِ الْعَمَّتَيْنِ وَبِنْتَيِ الْخَالَتَيْنِ وَنَحْوُهُمَا فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عن بعض السلف أنه حرمه
دَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تَعَالَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وراء ذلكم وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَبِنْتِهِ مِنْ غَيْرِهَا فَجَائِزٌ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ والجمهور وقال الحسن وعكرمة وبن أَبِي لَيْلَى لَا يَجُوزُ
دَلِيلُ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ تعالى وأحل لكم ما وراء ذلكم انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2067]
(كَرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَبَيْنَ الْخَالَتَيْنِ وَالْعَمَّتَيْنِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ كُرِهَ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ أَيْ وَبَيْنَ مَنْ هُمَا عَمَّةٌ وَخَالَةٌ لَهَا فَالظَّرْفُ الثَّانِي مِنْ مَدْخُولِ بَيْنَ مَتْرُوكٌ فِي الْكَلَامِ لِظُهُورِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ بَيْنَ الْخَالَتَيْنِ أَيْ وَبَيْنَ مَنْ هُمَا خَالَتَانِ لَهَا وَالْمُرَادُ بَالْخَالَتَيْنِ الصَّغِيرَةُ مِمَّنْ هِيَ خَالَةٌ لَهَا وَالْكَبِيرَةُ مِنْهَا أَوِ الْأَبَوِيَّةُ وَهِيَ أُخْتُ الْأُمِّ مِنْ أَبٍ وَالْأُمِّيَّةُ وَهِيَ أُخْتُ الْأُمِّ مِنْ أُمٍّ وَعَلَى هَذَا قِيَاسُ الْعَمَّتَيْنِ
وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بَالْخَالَتَيْنِ الْخَالَةُ وَمَنْ هِيَ خَالَةٌ لَهَا أُطْلِقَ عَلَيْهَا اسْمُ الْخَالَةِ تَغْلِيبًا وَكَذَا الْعَمَّتَيْنِ وَالْكَلَامُ لِمُجَرَّدِ التَّأْكِيدِ
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الْمُوَافِقُ لِأَحَادِيثِ الْبَابِ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الْمِنْهَاجِ لِكَمَالِ الدَّمِيرِيِّ قَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى بَعْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى الْمَجَازِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ
إِحْدَاهُمَا عَمَّةٌ وَالْأُخْرَى خَالَةٌ أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَمَّةُ الْأُخْرَى أَوْ كُلٌّ مِنْهُمَا خَالَةُ الْأُخْرَى
تَصْوِيرُ الْأُولَى أَنْ يَكُونَ رَجُلٌ وَابْنُهُ فَتَزَوَّجَا امْرَأَةً وَبِنْتَهَا فَتَزَوَّجَ الْأَبُ الْبِنْتَ وَالِابْنُ الْأُمَّ فَوَلَدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنَةٌ مِنْ هَاتَيْنِ الزَّوْجَتَيْنِ فَابْنَةُ الْأَبِ عَمَّةُ بِنْتِ الِابْنِ وَبِنْتُ الِابْنِ خَالَةٌ لِبِنْتِ الْأَبِ
وَتَصْوِيرُ الْعَمَّتَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلٌ أُمَّ رَجُلٍ وَيَتَزَوَّجَ الْآخَرُ أُمَّهُ فَيُولَدُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنَةٌ فَابْنَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا عَمَّةُ الْأُخْرَى
وَتَصْوِيرُ الْخَالَتَيْنِ أَنْ يَتَزَوَّجَ رَجُلٌ ابْنَةَ رَجُلٍ وَالْآخَرُ ابْنَتَهُ فَوَلَدَتْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ابْنَةٌ فَابْنَةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا خَالَةُ الْأُخْرَى انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ خَصِيفُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الْحَرَّانِيُّ وَقَدْ ضَعَّفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْحُفَّاظِ
[2068]
(عَنْ قَوْلِهِ وَإِنْ خِفْتُمْ الخ) أي عن معنى هذه الآية (ياابن أُخْتِي) أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ (هِيَ الْيَتِيمَةُ) أَيِ الَّتِي مَاتَ أَبُوهَا (فِي حِجْرِ وَلِيِّهَا) أَيِ الَّذِي يَلِي مَالَهَا (بِغَيْرِ أَنْ يُقْسِطَ) أَيْ بِغَيْرِ أَنْ يَعْدِلَ يُقَالُ قَسَطَ إِذَا جَارَ وَأَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ وَقِيلَ الْهَمْزَةُ فِيهِ للسلب أي أزال القسط ورجحه بن التِّينِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ لِأَنَّ أَفْعَلَ فِي أَبْنِيَةِ الْمُبَالَغَةِ لَا يَكُونُ فِي الْمَشْهُورِ إِلَّا مِنَ الثُّلَاثِيِّ
ثُمَّ حَكَى السِّيرَافِيُّ جَوَازَ التَّعَجُّبِ بَالرُّبَاعِيِّ وَحَكَى غَيْرُهُ أَنَّ قَسَطَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (فَيُعْطِيهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَعْمُولٍ بِغَيْرِ أَيْ يُرِيدُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِغَيْرِ أَنْ يُعْطِيَهَا مِثْلَ مَا يُعْطِيهَا غَيْرُهُ أَيْ مِمَّنْ يرغب في نكاحها سواه (أعلا سُنَّتِهِنَّ) أَيْ طَرِيقَتِهِنَّ وَعَادَتِهِنَّ (سِوَاهُنَّ) أَيْ سِوَى الْيَتَامَى مِنَ النِّسَاءِ بِأَيِّ مَهْرٍ تُوَافِقُوا عَلَيْهِ (قَالَ عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى الْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَدَاةِ عَطْفٍ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
(ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ اسْتَفْتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ طَلَبُوا مِنْهُ الْفُتْيَا (بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ) أَيْ بَعْدَ نُزُولِ
هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ وَإِنْ خِفْتُمْ
إِلَى وَرُبَاعَ (فيهن) متعلق باستفتوا (وترغبون أن تنكحوهن هِيَ رَغْبَةُ أَحَدِكُمْ عَنْ يَتِيمَتِهِ) فِيهِ تَعْيِينُ أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي قَوْلِهِ وَتَرْغَبُونَ لِأَنَّ رَغِبَ يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ بِمُتَعَلِّقِهِ يُقَالُ رَغِبَ فِيهِ إِذَا أراد وَرَغِبَ عَنْهُ إِذَا لَمْ يُرِدْهُ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ تُحْذَفَ فِي وَأَنْ تُحْذَفَ عَنْ وَقَدْ تَأَوَّلَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ فَقَالَ نَزَلَتْ فِي الْغَنِيَّةِ وَالْمُعْدِمَةِ وَالْمَرْوِيُّ هُنَا عَنْ عَائِشَةَ أَوْضَحَ فِي أَنَّ الْآيَةَ الْأُولَى نَزَلَتْ فِي الْغَنِيَّةِ وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْمُعْدِمَةِ (فَنُهُوا) أَيْ نُهُوا عَنْ نِكَاحِ الْمَرْغُوبِ فِيهَا لِجَمَالِهَا وَمَالِهَا لِأَجْلِ زُهْدِهِمْ فِيهَا إِذَا كَانَتْ قَلِيلَةَ الْمَالِ وَالْجَمَالِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ نِكَاحُ الْيَتِيمَتَيْنِ عَلَى السَّوَاءِ فِي الْعَدْلِ (مِنْ أَجْلِ رَغْبَتِهِمْ عَنْهُنَّ) زَادَ الْبُخَارِيُّ إِذَا كُنَّ قَلِيلَاتِ الْمَالِ وَالْجَمَالِ
وَفِي الْحَدِيثِ اعْتِبَارُ مَهْرِ الْمِثْلِ فِي الْمَحْجُورَاتِ وَأَنَّ غَيْرَهُنَّ يَجُوزُ نِكَاحُهَا بِدُونِ ذَلِكَ
وَفِيهِ جَوَازُ تَزْوِيجِ الْيَتَامَى قَبْلَ الْبُلُوغِ لِأَنَّهُنَّ بَعْدَ الْبُلُوغِ لَا يُقَالُ لَهُنَّ يَتِيمَاتٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَطْلَقَ اسْتِصْحَابًا لِحَالِهِنَّ (قَالَ يونس) هو بن يزيد الراوي عن بن شِهَابٍ (وَقَالَ رَبِيعَةُ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَرَبِيعَةُ هَذَا يشبه أن يكون بن أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ شَيْخَ مَالِكٍ رضي الله عنه (قَالَ يَقُولُ اتْرُكُوهُنَّ إِنْ خِفْتُمْ فَقَدْ أَحْلَلْتُ لَكُمْ أَرْبَعًا) حَاصِلُهُ أَنَّ جَزَاءَ قَوْلِهِ وَإِنْ خِفْتُمْ مَحْذُوفٌ وَهُوَ اتْرُكُوهُنَّ وَأُقِيمَ مَقَامُهُ قوله فانكحوا ما طاب لكم قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2069]
(أَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ) هُوَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (مَقْتَلَ الْحُسَيْنِ) أَيْ فِي زَمَانِ قَتْلِهِ فِي عَاشُورَاءَ سَنَةَ إِحْدَى وَسِتِّينَ (لَقِيَهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَمَخْرَمَةُ بِفَتْحِهَا وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَلَهُمَا صُحْبَةٌ (فَقَالَ لَهُ) أَيْ قَالَ الْمِسْوَرُ لِزَيْنِ الْعَابِدِينَ (قَالَ) أَيْ زَيْنُ الْعَابِدِينَ (قَالَ هَلْ أَنْتَ مُعْطِيَّ) بِضَمِّ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الطَّاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتِيَّةِ (سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَعَلَّ هَذَا السَّيْفَ ذُو الْفَقَارِ وَفِي مرآة الزمان أنه عليه السلام وَهَبَهُ لِعَلِيٍّ قَبْلَ مَوْتِهِ ثُمَّ انْتَقَلَ إِلَى آلِهِ وَأَرَادَ الْمِسْوَرُ بِذَلِكَ صِيَانَةَ سَيْفِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِئَلَّا يَأْخُذَهُ مَنْ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهُ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَغْلِبَكَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ) أَيْ يَأْخُذُونَهُ مِنْكَ بَالْقُوَّةِ وَالِاسْتِيلَاءِ (وَايْمُ اللَّهِ) لَفْظُ قَسَمٍ ذُو لُغَاتٍ وَهَمْزَتُهَا وَصْلٌ وَقَدْ تُقْطَعُ تُفْتَحُ وَتُكْسَرُ (لَا يُخْلَصُ) بِضَمِّ حَرْفِ الْمُضَارَعَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ (إِلَيْهِ) أَيْ لَا يَصِلُ إِلَى السَّيْفِ أَحَدٌ (حَتَّى يَبْلُغَ إِلَى نَفْسِي) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ حَتَّى تَبْلُغَ نَفْسِي أَيْ تُقْبَضَ رُوحِي (خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ) اسْمُهَا جُوَيْرِيَةُ تَصْغِيرُ جَارِيَةٍ أَوْ جَمِيلَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ (وَأَنَا يَوْمئِذٍ مُحْتَلِمٌ) أَيْ بَالِغٌ (إِنَّ فَاطِمَةَ مِنِّي) أَيْ بَضْعَةٌ مِنِّي (وَأَنَا أَتَخَوَّفُ أَنْ تُفْتَنَ فِي دِينِهَا) أَيْ بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ وَقَوْلُهُ تُفْتَنَ بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) أَرَادَ بِهِ أَبَا الْعَاصِ بْنَ الرَّبِيعِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ وَكَانَ زَوْجَ ابْنَتِهِ زَيْنَبَ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَالصِّهْرُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَأَقَارِبِهِ وَأَقَارِبِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ صَهَرْتُ الشَّيْءَ وَأَصْهَرْتُهُ إِذَا قَرَّبْتُهُ وَالْمُصَاهَرَةُ مُقَارَبَةٌ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْمُتَبَاعِدِينَ (فَأَحْسَنَ) أَيْ فَأَحْسَنَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ (حَدَّثَنِي فَصَدَقَنِي) بِتَخْفِيفِ الدَّالِ أَيْ فِي حَدِيثِهِ (وَوَعَدَنِي) أَنْ
يُرْسِلَ إِلَى زَيْنَبَ أَيْ لَمَّا أُسِرَ بِبَدْرٍ مَعَ الْمُشْرِكِينَ وَفُدِيَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرْسِلَهَا لَهُ (فَوَفَى لِي) بِتَخْفِيفِ الْفَاءِ
وَأُسِرَ أَبُو الْعَاصِ مَرَّةً أُخْرَى وَأَجَارَتْهُ زَيْنَبُ فَأَسْلَمَ وَرَدَّهَا إِلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِلَى نِكَاحِهِ وَوَلَدَتْ لَهُ أُمَامَةَ الَّتِي كَانَ يَحْمِلُهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي (وَإِنِّي لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَا أُحِلُّ حَرَامًا وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ إِلَخْ) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى إِبَاحَةِ نِكَاحِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَلَكِنْ نَهَى عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ بِنْتِهِ فَاطِمَةَ رضي الله عنها لِأَنَّ ذَلِكَ يُؤْذِيهَا وَأَذَاهَا يُؤْذِيهِ صلى الله عليه وسلم وَخَوْفُ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ فَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ الْجَمْعُ بَيْنَ بِنْتِ نَبِيِّ اللَّهِ عليه السلام وَبِنْتِ عَدُوِّ اللَّهِ
قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
[2070]
(بِهَذَا الْخَبَرِ) أَيْ بِهَذَا الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ (فَسَكَتَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَنْ ذَلِكَ النِّكَاحِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَفِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا نَظَر فَإِنَّ هَذَا حُكْم مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مُؤَيَّد مُؤَكَّد بِالْقَسَمِ وَلَكِنْ حَلَفَ الْمِسْوَر بْن مَخْرَمَةَ أَنَّهُ لَا يُوصَل إِلَيْهِ أَبَدًا ظَاهِر فِيهِ ثِقَته بِاَللَّهِ فِي إِبْرَاره
وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ يَقُول إِنَّ الْمِسْوَر وُلِدَ بِمَكَّة فِي السَّنَة الثَّانِيَة مِنْ الْهِجْرَة وَكَانَ لَهُ يَوْم مَوْت النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ثَمَان سِنِينَ هَذَا قَوْل أَكْثَره
وَقَوْله وَأَنَا يَوْمئِذٍ مُحْتَلِم هَذَا الْكَلِمَة ثَابِتَة فِي الصَّحِيحَيْنِ
وَفِيهِ تَحْرِيم أَذَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِكُلِّ وَجْه مِنْ الْوُجُوه وَإِنْ كَانَ بِفِعْلٍ مُبَاح فَإِذَا تَأَذَّى بِهِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَجُزْ فِعْله لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُول اللَّه}
وَفِيهِ غَيْرَة الرَّجُل وَغَضَبه لِابْنَتِهِ وَحُرْمَته
وَفِيهِ بَقَاء عَار الْآبَاء فِي الْأَعْقَاب لِقَوْلِهِ بِنْت عَدُوّ اللَّه فَدَلَّ عَلَى أَنَّ لِهَذَا الْوَصْف تَأْثِيرًا فِي الْمَنْع وَإِلَّا لَمْ يَذْكُرهُ مَعَ كَوْنهَا مُسْلِمَة وَعَلَيْهِ بَقَاء أَثَر صَلَاح الْآبَاء فِي الْأَعْقَاب لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَانَ أبوهما صالحا}
وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ وَهِيَ بكسر الخاء المعجمة
قال بن دَاوُدَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ حَرَّمَ اللَّهُ عز وجل عَلِيٍّ أَنْ يَنْكِحَ عَلَى فَاطِمَةَ حَيَاتَهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فانتهوا ذَكَرَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ
[2071]
(إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ) وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَاشِمُ بْنُ الْمُغِيرَةِ وَالصَّوَابُ هِشَامٌ لِأَنَّهُ جَدُّ الْمَخْطُوبَةِ وَبَنُو هِشَامٍ هُمْ أَعْمَامُ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ لِأَنَّهُ أَبُو الْحَكَمُ عَمْرُو بْنُ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَقَدْ أَسْلَمَ أَخُوهُ الْحَارِثُ بْنُ هِشَامٍ وَسَلَمَةُ بْنُ هِشَامٍ عَامَ الْفَتْحِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمَا
وَمِمَّنْ يَدْخُلُ فِي إِطْلَاقِ بَنِي هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَقَدْ أَسْلَمَ أَيْضًا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ (اسْتَأْذَنُوا) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ اسْتَأْذَنُونِي (فَلَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ ثُمَّ لَا آذَنُ) كَرَّرَ ذَلِكَ تَأْكِيدًا
وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى تَأْيِيدِ مُدَّةِ مَنْعِ الْإِذْنِ وَكَأَنَّهُ أَرَادَ رَفْعَ الْمَجَازَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُحْمَلَ النَّفْيُ عَلَى مُدَّةٍ بِعَيْنِهَا فَقَالَ ثُمَّ لَا آذَنُ أَيْ وَلَوْ مَضَتِ الْمُدَّةُ الْمَفْرُوضَةُ تَقْدِيرًا لَا آذَنُ بَعْدَهَا ثُمَّ كَذَلِكَ أَبَدًا (فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قِطْعَةٌ
قَالَ الْحَافِظُ وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّهَا كَانَتْ أُصِيبَتْ بِأُمِّهَا ثُمَّ بِأَخَوَاتِهَا وَاحِدَةٌ بَعْدَ وَاحِدَةٍ فَلَمْ يَبْقَ لَهَا مَنْ تَسْتَأْنِسُ بِهِ مِمَّنْ يُخَفِّفُ عَلَيْهَا الْأَمْرَ مِمَّنْ تُفْضِي إِلَيْهِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَفِيهِ أَوْضَح دَلِيل عَلَى فَضْل فَاطِمَة وَأَنَّهَا سَيِّدَة نِسَاء هَذِهِ الْأُمَّة لِكَوْنِهَا بَضْعَة مِنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم
وَفِيهِ ثَنَاء الرَّجُل عَلَى زَوْج اِبْنَته بِجَمِيلِ أَوْصَافه وَمَحَاسِن أَفْعَاله
وَفِيهِ أَنَّ أَذَى أَهْل بَيْته صلى الله عليه وسلم وَإِرَابَتهمْ أَذًى لَهُ
وَقَوْله يَرِيبنِي مَا أَرَابَهَا يَقُول رَابَنِي فُلَان إِذَا رَأَيْت مِنْهُ مَا يَرِيبك وَتَكْرَههُ وَأَرَابَنِي أَيْضًا قَالَ الْفَرَّاء هُمَا بِمَعْنًى وَاحِد
وَفَرَّقَ آخَرُونَ بينهما بأن رابني تحققت منه الريبة
وأرابني إِذَا ظَنَنْت ذَلِكَ بِهِ كَأَنَّهُ أَوْقَعَك فِيهَا
وَالصِّهْر الَّذِي ذَكَرَهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَبُو الْعَاصِ بْن الرَّبِيع وَزَوْجَته زَيْنَب بِنْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم
وَبِنْت أَبِي جَهْل هَذِهِ الْمَخْطُوبَة قَالَ عَبْد الْغَنِيّ بْن سَعِيد وَغَيْره اِسْمهَا الْعَوْرَاء
وَهَذِهِ الْعِبَارَة ذَكَرَ بَعْضهَا الْمُنْذِرِيُّ بِمَعْنَاهَا