الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
44 -
(باب فيما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ)
[2148]
(عَنْ نَظْرَةِ الْفَجْأَةِ) بَالضَّمِّ وَالْمَدِّ وَبَالْفَتْحِ وَسُكُونِ الْجِيمِ مِنْ غَيْرِ مَدٍّ كَذَا فِي النِّهَايَةِ أَيِ الْبَغْتَةِ
قَالَ زَيْنُ الْعَرَبِ فَجَأَهُ الْأَمْرُ فُجَاءَةً بَالضَّمِّ وَالْمَدِّ وَفَاجَأَهُ إِذَا جَاءَ بَغْتَةً مِنْ غَيْرِ تَقَدُّمِ سَبَبٍ وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ بِصِيغَةِ الْمَرَّةِ (فَقَالَ اصْرِفْ بَصَرَكَ) أَيْ لَا تَنْظُرْ مَرَّةً ثَانِيَةً لِأَنَّ الْأُولَى إِذَا لَمْ تَكُنْ بَالِاخْتِيَارِ فَهُوَ معفو عنها فإن أدام النظر أتم وَعَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أبصارهم قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِيهِ حُجَّةٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ سَتْرُ وَجْهِهَا وَإِنَّمَا ذَلِكَ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ لَهَا وَيَجِبُ عَلَى الرِّجَالِ غَضُّ الْبَصَرِ عَنْهَا فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ إِلَّا لِغَرَضٍ صَحِيحٍ شَرْعِيٍّ
قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي الْمَعَالِمِ وَيُرْوَى أَطْرِقْ بَصَرَكَ قَالَ وَالْإِطْرَاقُ أَنْ يُقْبِلَ بِبَصَرِهِ إِلَى وَجْهِهِ وَالصَّرْفُ أَنْ يَفْتِلَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ وَالنَّاحِيَةِ الْأُخْرَى انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2149]
(لَا تُتْبِعِ النَّظْرَةَ النظرة) من اتباع أَيْ لَا تُعْقِبْهَا إِيَّاهَا وَلَا تَجْعَلْ أُخْرَى بَعْدَ الْأُولَى (فَإِنَّ لَكَ الْأُولَى) أَيِ النَّظْرَةَ الْأُولَى إِذَا كَانَتْ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ (وَلَيْسَتْ لَكَ الْآخِرَةُ) أَيِ النَّظْرَةُ الْآخِرَةُ لِأَنَّهَا بَاخْتِيَارِكَ فَتَكُونُ عَلَيْكَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ شريك
[2150]
(لَا تُبَاشِرُ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ) زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَتِهِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ وَالْمُبَاشَرَةُ بِمَعْنَى الْمُخَالَطَةُ وَالْمُلَامَسَةُ وَأَصْلُهُ مِنْ لَمْسِ الْبَشَرَةِ الْبَشَرَةَ وَالْبَشَرَةُ ظَاهِرُ جِلْدِ الْإِنْسَانِ (لِتَنْعَتَهَا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فتنعتها أي فتصف نعومة بدنها ولينة جَسَدِهَا (كَأَنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا) فَيَتَعَلَّقُ قَلْبُهُ بِهَا وَيَقَعُ بِذَلِكَ فِتْنَةٌ
وَالْمَنْهِيُّ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْوَصْفُ الْمَذْكُورُ
قَالَ الطِّيبِيُّ الْمَعْنِيُّ بِهِ فِي الْحَدِيثِ النَّظَرُ مَعَ اللَّمْسِ فَتَنْظُرُ إِلَى ظَاهِرِهَا مِنَ الْوَجْهِ وَالْكَفَّيْنِ وَتَجُسُّ بَاطِنَهَا بَاللَّمْسِ وَتَقِفُ عَلَى نُعُومَتِهَا وَسُمْنَتِهَا فَتَنْعَتُهَا عَطْفٌ عَلَى تُبَاشِرُ فَالنَّفْيُ مُنْصَبٌّ عَلَيْهِمَا فَيَجُوزُ الْمُبَاشَرَةُ بِغَيْرِ التَّوْصِيفِ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ
[2151]
(فَدَخَلَ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ) أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَكَانَتْ أَوَّلَ نِسَائِهِ صلى الله عليه وسلم مَوْتًا وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ وُضِعَ عَلَى النَّعْشِ فِي الْإِسْلَامِ (إِنَّ الْمَرْأَةَ تُقْبِلُ) مِنَ الْإِقْبَالِ (فِي صُورَةِ شَيْطَانٍ) شَبَّهَهَا بَالشَّيْطَانِ فِي صِفَةِ الْوَسْوَسَةِ وَالْإِضْلَالِ فَإِنَّ رُؤْيَتَهَا مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ دَاعِيَةٌ لِلْفَسَادِ (فَإِنَّهُ يُضْمِرُ مَا فِي نَفْسِهِ) أَيْ يُضْعِفُهُ وَيُقَلِّلُهُ مِنَ الضُّمُورِ وَهُوَ الْهُزَالُ وَالضَّعْفُ كَذَا فِي الْمَجْمَعِ
قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى الْهَوَى وَالدُّعَاءُ إِلَى الْفِتْنَةِ بِمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي نُفُوسِ الرِّجَالِ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى النِّسَاءِ وَالتَّلَذُّذِ بَالنَّظَرِ إِلَيْهِنَّ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِنَّ فَهِيَ شبيهة بالشيطان في دعائه إلى الشر بِوَسْوَسَتِهِ وَتَزْيِينِهِ لَهُ
وَيُسْتَنْبَطُ مِنْ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ لَا تَخْرُجَ إِلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا تَلْبَسَ ثِيَابًا فَاخِرَةً وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ لَا يَنْظُرَ إِلَيْهَا وَلَا إِلَى ثِيَابِهَا
وَفِيهِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بَالرَّجُلِ أَنْ يَطْلُبَ امْرَأَتَهُ إِلَى الْوِقَاعِ فِي النَّهَارِ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَغِلَةٌ بِمَا يُمْكِنُ تَرْكُهُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا غَلَبَتْ عَلَى الرجل شهوته
فَيَتَضَرَّرُ بَالتَّأْخِيرِ فِي بَدَنِهِ أَوْ قَلْبِهِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ بِنَحْوِهِ
[2152]
(مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بَاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يُرِيدُ بِذَلِكَ مَا عَفَا اللَّهُ مِنْ صِغَارِ الذُّنُوبِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلا اللمم وَهُوَ مَا يُلِمُّ بِهِ الْإِنْسَانُ مِنْ صِغَارِ الذُّنُوبِ الَّتِي لَا يَكَادُ يَسْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَنْ عَصَمَهُ اللَّهُ وَحَفِظَهُ (إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ) أَيْ أَثْبَتَ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ (حَظَّهُ) أَيْ نصيبه (من الزنى) بالقصر على الأفصح
قال القارىء والمراد من الحظ مقدمات الزنى مِنَ التَّمَنِّي وَالتَّخَطِّي وَالتَّكَلُّمِ لِأَجْلِهِ وَالنَّظَرِ وَاللَّمْسِ وَالتَّخَلِّي
وَقِيلَ أَثْبَتَ فِيهِ سَبَبَهُ وَهُوَ الشَّهْوَةُ وَالْمَيْلُ إِلَى النِّسَاءِ وَخَلَقَ فِيهِ الْعَيْنَيْنِ وَالْقَلْبَ والفرج وهي التي تجد لذة الزنى أَوِ الْمَعْنَى قَدَّرَ فِي الْأَزَلِ أَنْ يَجْرِيَ عليه الزنى في الجملة (أدرك) أي أصاب بن آدَمَ وَوَجَدَ (ذَلِكَ) أَيْ مَا كَتَبَهُ اللَّهُ وَقَدَّرَهُ وَقَضَاهُ أَوْ حَظَّهُ (لَا مَحَالَةَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَيُضَمُّ أَيْ لَا بُدَّ لَهُ وَلَا فِرَاقَ وَلَا احْتِيَالَ مِنْهُ فَهُوَ وَقَعَ الْبَتَّةَ (فَزِنَا الْعَيْنَيْنِ النَّظَرُ) أَيْ حَظُّهَا عَلَى قَصْدِ الشَّهْوَةِ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَهُ (وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ) أَيِ التَّكَلُّمُ عَلَى وَجْهِ الْحُرْمَةِ كَالْمُوَاعَدَةِ (وَالنَّفْسُ) أَيِ الْقَلْبُ كَمَا فِي رِوَايَةٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَلَعَلَّ النَّفْسَ إِذَا طَلَبَتْ تَبِعَهَا الْقَلْبُ (تَمَنَّى) بِحَذْفِ أَحَدِ التَّاءَيْنِ (وَتَشْتَهِي) لَعَلَّهُ عَدَلَ عَنْ سَنَنِ السَّابِقِ لِإِفَادَةِ التَّجَدُّدِ أَيْ زِنَا النفس تمنيها واشتهاؤها وقوع الزنى الْحَقِيقِيِّ (وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ وَيُكَذِّبُهُ) قَالَ الطِّيبِيُّ سمى هذه الأشياء باسم الزنى لِأَنَّهَا مُقَدِّمَاتٌ لَهُ مُؤْذِنَةٌ بِوُقُوعِهِ
وَنَسَبَ التَّصْدِيقَ وَالتَّكْذِيبَ إِلَى الْفَرْجِ لِأَنَّهُ مَنْشَؤُهُ وَمَكَانُهُ أَيْ يُصَدِّقُهُ بَالْإِتْيَانِ بِمَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْهُ وَيُكَذِّبُهُ بَالْكَفِّ عَنْهُ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنْ فَعَلَ بَالْفَرْجِ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ صَارَ الفرج مصدقا لتلك الأعضاء أن ترك ما هو المقصود من لك فَقَدْ صَارَ الْفَرْجُ مُكَذِّبًا
وَقِيلَ مَعْنَى كَتَبَ أَنَّهُ أَثْبَتَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِأَنْ خَلَقَ لَهُ الْحَوَاسَّ الَّتِي يَجِدُ بِهَا لَذَّةَ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَأَعْطَاهُ الْقُوَى الَّتِي بِهَا يَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ الْفِعْلِ فَبَالْعَيْنَيْنِ وَبِمَا رُكِّبَ فِيهِمَا مِنَ الْقُوَّةِ الْبَاصِرَةِ تَجِدُ لَذَّةَ النَّظَرِ وَعَلَى هَذَا وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ أَلْجَأَهُ إِلَيْهِ وَأَجْبَرَهُ عَلَيْهِ بَلْ رَكَّزَ فِي جِبِلَّتِهِ حُبَّ الشَّهَوَاتِ ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى بِرَحْمَتِهِ وَفَضْلِهِ يَعْصِمُ مَنْ يَشَاءُ
وَقِيلَ هَذَا لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الْخَوَاصَّ مَعْصُومُونَ عن الزنى وَمُقَدِّمَاتِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَبْقَى عَلَى عُمُومِهِ بِأَنْ يُقَالَ كَتَبَ اللَّهُ تَعَالَى