المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٦

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب الْإِقَامَةِ بِمَكَّةَ)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ فِي الْحِجْرِ)

- ‌(بَاب فِي دُخُولِ الْكَعْبَةِ)

- ‌(بَاب فِي مَالِ الْكَعْبَةِ)

- ‌(بَاب فِي إِتْيَانِ الْمَدِينَةِ)

- ‌(بَاب فِي تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ)

- ‌(بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ)

- ‌12 - كتاب النِّكَاح

- ‌(باب التحريض على النكاح)

- ‌(باب ما يؤمر به إلخ)

- ‌(بَاب فِي تَزْوِيجِ الْأَبْكَارِ)

- ‌(بَاب النَّهْيِ عَنْ تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يَلِدْ مِنْ النِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانية)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا)

- ‌(بَاب يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ)

- ‌(بَاب فِي لَبَنِ الْفَحْلِ)

- ‌(بَاب فِي رِضَاعَةِ الْكَبِيرِ)

- ‌(باب من حَرَّمَ بِهِ [2061] أَيْ بِرَضَاعَةِ الْكَبِيرِ)

- ‌(بَاب هَلْ يُحَرِّمُ مَا دُونَ خَمْسِ رَضَعَاتٍ)

- ‌(باب في الرضخ عند الفصال)

- ‌(بَاب مَا يُكْرَهُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُنَّ مِنْ النساء)

- ‌(بَاب فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ)

- ‌(بَاب فِي الشِّغَارِ)

- ‌(بَاب فِي التَّحْلِيلِ)

- ‌(بَاب فِي نِكَاحِ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إِذْنِ مواليه)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ أَنْ يَخْطُبَ الرَّجُلُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ)

- ‌(باب الرَّجُلِ يَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ وَهُوَ يُرِيدُ تَزْوِيجَهَا)

- ‌(بَاب فِي الْوَلِيِّ)

- ‌(بَاب فِي الْعَضْلِ)

- ‌(بَاب إِذَا أَنْكَحَ الْوَلِيَّانِ)

- ‌(باب في قوله تعالى لا يحل لكم)

- ‌(بَاب فِي الِاسْتِئْمَارِ)

- ‌(بَابٌ فِي الْبِكْرِ يُزَوِّجُهَا أَبُوهَا وَلَا يَسْتَأْمِرُهَا)

- ‌(بَاب فِي الثَّيِّبِ)

- ‌(بَاب فِي الْأَكْفَاءِ)

- ‌(بَاب فِي تَزْوِيجِ مَنْ لَمْ يُولَدْ)

- ‌(بَاب الصَّدَاقِ)

- ‌(بَاب قِلَّةِ الْمَهْرِ)

- ‌(بَاب فِي التَّزْوِيجِ عَلَى الْعَمَلِ يَعْمَلُ)

- ‌(بَاب فِيمَنْ تَزَوَّجَ وَلَمْ يُسَمِّ صَدَاقًا حَتَّى مَاتَ)

- ‌(بَاب فِي خُطْبَةِ النِّكَاحِ)

- ‌(بَاب فِي تَزْوِيجِ الصِّغَارِ)

- ‌(بَاب فِي الْمُقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَدْخُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهَا شَيْئًا)

- ‌(بَاب مَا يُقَالُ لِلْمُتَزَوِّجِ [2130] مِنَ الدُّعَاءِ)

- ‌(باب الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَجِدُهَا حُبْلَى)

- ‌(بَاب فِي الْقَسْمِ بَيْنَ النِّسَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا)

- ‌(بَاب فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ)

- ‌(بَابٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا)

- ‌(بَاب فِي ضَرْبِ النِّسَاءِ)

- ‌(باب فيما يُؤْمَرُ بِهِ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ)

- ‌(بَاب فِي وَطْءِ السَّبَايَا)

- ‌(بَاب فِي إِتْيَانِ الْحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا)

- ‌(بَاب فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا)

- ‌(بَاب مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ)

- ‌(بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ ذِكْرِ الرَّجُلِ مَا يَكُونُ مِنْ إِصَابَتِهِ أَهْلَهُ)

- ‌13 - كتاب الطلاق

- ‌(باب في من خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ الطَّلَاقِ)

- ‌(بَاب فِي طَلَاقِ السُّنَّةِ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُرَاجِعُ وَلَا يُشْهِدُ)

- ‌(بَاب فِي سُنَّةِ طَلَاقِ الْعَبْدِ)

- ‌(بَاب فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ النِّكَاحِ)

- ‌(بَاب فِي الطَّلَاقِ)

- ‌(بَاب فِي الطلاق على الهزل)

- ‌(بَاب نَسْخِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ)

- ‌(بَاب فِي ما عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ وَالنِّيَّاتُ)

- ‌(بَاب فِي الْخِيَارِ)

- ‌(بَاب فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ)

- ‌(بَاب فِي الْبَتَّةِ)

- ‌(بَاب فِي الْوَسْوَسَةِ بِالطَّلَاقِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ يَا أُخْتِي)

- ‌(بَاب فِي الظِّهَارِ)

- ‌(بَاب فِي الْخُلْعِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَمْلُوكَةِ تُعْتَقُ وَهِيَ تَحْتَ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ كَانَ حُرًّا)

- ‌(باب حتى يَكُونُ لَهَا الْخِيَارُ)

- ‌(باب في المملوكين)

- ‌(بَاب إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ)

- ‌(بَاب إِلَى مَتَى تُرَدُّ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ إِذَا أَسْلَمَ بَعْدَهَا)

- ‌(باب فيمن أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ أَكْثَرُ مِنْ أَرْبَعٍ)

- ‌(باب إذا أسلم أحد الأبوين لمن يَكُونُ الْوَلَدُ)

- ‌(بَاب فِي اللِّعَانِ)

- ‌(بَاب إِذَا شَكَّ فِي الْوَلَدِ)

- ‌(باب في التَّغْلِيظِ فِي الِانْتِفَاءِ)

- ‌(باب في ادعاء ولد الزنى)

- ‌(بَاب فِي الْقَافَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ بِالْقُرْعَةِ إِذَا تَنَازَعُوا فِي الْوَلَدِ)

- ‌(بَاب فِي وُجُوهِ النِّكَاحِ الَّتِي كَانَ يَتَنَاكَحُ بِهَا أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ)

- ‌(بَاب الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ)

- ‌(بَاب مَنْ أَحَقُّ بِالْوَلَدِ)

- ‌(بَاب فِي عِدَّةِ الْمُطَلَّقَةِ)

- ‌(بَاب فِي نَسْخِ مَا اسْتَثْنَى بِهِ مِنْ عِدَّةِ الْمُطَلَّقَاتِ)

- ‌(بَاب فِي الْمُرَاجَعَةِ)

- ‌(بَاب فِي نَفَقَةِ الْمَبْتُوتَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ)

- ‌(بَاب فِي الْمَبْتُوتَةِ تَخْرُجُ بِالنَّهَارِ)

- ‌(بَاب نَسْخِ مَتَاعِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)

- ‌(بَاب إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا)

- ‌(بَاب فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا تَنْتَقِلُ)

- ‌(بَاب مَنْ رَأَى التَّحَوُّلَ لِلْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا إِلَى مَكَانٍ آخَرَ)

- ‌(بَاب فيما تجتنب الْمُعْتَدَّةُ فِي عِدَّتِهَا)

- ‌(بَاب فِي عِدَّةِ الْحَامِلِ)

- ‌(بَاب فِي عِدَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ)

- ‌(بَاب الْمَبْتُوتَةِ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا زَوْجُهَا حَتَّى تَنْكِحَ غَيْرَهُ)

- ‌(بَاب في تعظيم الزنى)

- ‌14 - كتاب الصيام

- ‌(بَاب مَبْدَإِ فَرْضِ الصِّيَامِ)

- ‌(بَاب نَسْخِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ هِيَ مُثْبَتَةٌ لِلشَّيْخِ وَالْحُبْلَى)

- ‌(بَاب الشَّهْرِ يَكُونُ تِسْعًا وَعِشْرِينَ)

- ‌(بَاب إِذَا أَخْطَأَ الْقَوْمُ الْهِلَالَ)

- ‌(بَاب إِذَا أُغْمِيَ الشَّهْرُ)

- ‌(بَابُ مَنْ قَالَ فَإِنْ غُمَّ عليكم)

- ‌(بَاب فِي التَّقَدُّمِ)

- ‌(باب إذا رؤي الهلال في بلد قبل اخرين بِلَيْلَةٍ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ)

- ‌(بَاب في من يَصِلُ شَعْبَانَ بِرَمَضَانَ)

- ‌(بَاب فِي كَرَاهِيَةِ ذَلِكَ)

- ‌(بَاب شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ شَوَّالٍ)

- ‌(بَاب فِي شَهَادَةِ الْوَاحِدِ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ)

- ‌(بَاب فِي تَوْكِيدِ السُّحُورِ)

- ‌(بَاب مَنْ سَمَّى السَّحُورَ الْغَدَاءَ)

- ‌(بَاب وَقْتِ السُّحُورِ)

- ‌(باب الرجل يسمع النداء)

- ‌(بَاب وَقْتِ فِطْرِ الصَّائِمِ)

- ‌(بَاب مَا يُسْتَحَبُّ مِنْ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَا يُفْطَرُ عَلَيْهِ)

- ‌(بَاب الْقَوْلِ عِنْدَ الْإِفْطَارِ)

- ‌(باب الفطر)

- ‌(بَاب فِي الْوِصَالِ)

- ‌(بَاب الْغِيبَةِ لِلصَّائِمِ)

- ‌(بَاب السِّوَاكِ لِلصَّائِمِ)

- ‌(بَاب الصَّائِمِ يَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ مِنْ الْعَطَشِ وَيُبَالِغُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ)

- ‌(بَاب فِي الصَّائِمِ يَحْتَجِمُ)

- ‌(باب في الرخصة)

الفصل: ‌(باب نسخ المراجعة بعد التطليقات الثلاث)

إِبْطَالُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ غَيْرُ جَائِزٍ فَكُلُّ مَنْ تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ مِمَّا جَاءَ ذِكْرُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَزِمَهُ حُكْمُهُ وَلَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ أَنَّ الْمُدَّعَى خِلَافُهُ وَذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِأَمْرِ الْفُرُوجِ وَاحْتِيَاطٌ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وبن مَاجَهْ

وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ

هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الْمَعَافِرِيُّ رُوِيَ فِيهِ وَالْعِتْقُ وَلَمْ يَصِحَّ شَيْءٌ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ أَرَادَ لَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ فَلَا كَلَامَ وَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ فَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ يُحَسَّنُ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ

(بَاب نَسْخِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ)

(وَالْمُطَلَّقَاتُ يتربصن) أي ينتظرن (ثلاثة قروء) جَمْعُ قَرْءٍ بَالْفَتْحِ وَهُوَ الطُّهْرُ أَوِ الْحَيْضُ قَوْلَانِ (وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خلق الله في أرحامهن) من الولد أو الحيض (اية) بالغصب أَيْ أَتِمَّ الْآيَةَ وَتَمَامُ الْآيَةِ (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ والله عزيز حكيم) فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا كَلِمَةُ إِنْ وَصْلِيَّةٌ (فَنُسِخَ ذَلِكَ) أَيْ كَوْنُ الرَّجُلِ أَحَقَّ بِرَجْعَةِ امْرَأَتِهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا (فَقَالَ الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ الْآيَةَ) أَيِ التَّطْلِيقُ الشَّرْعِيُّ مَرَّةٌ بَعْدَ مَرَّةٍ عَلَى التَّفْرِيقِ دُونَ الْجَمْعِ وَالْإِرْسَالِ دَفْعَةً

وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بمعروف أو تسريح بإحسان) أَيْ فَعَلَيْكُمْ إِمْسَاكُهُنَّ بَعْدَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله لَمْ يَذْكُر أَبُو دَاوُدَ فِي النُّسَخ غَيْر هَذَيْنَ

وَفِيهِ أَحَادِيث أَصَحّ وَأَصْرَح مِنْهَا مِنْهَا حَدِيث مَالِك عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ الرَّجُل إِذَا طَلَّقَ اِمْرَأَته ثُمَّ اِرْتَجَعَهَا قَبْل أَنْ تَنْقَضِي عِدَّتهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْف مَرَّة فَعَمَد رَجُل إِلَى اِمْرَأَةٍ لَهُ فَطَلَّقَهَا ثُمَّ أَمْهَلَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتْ اِنْقِضَاء عِدَّتهَا اِرْتَجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَقَالَ وَاَللَّه لَا آوِيك إِلَيَّ

وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّه عَزَّ

ص: 189

التَّطْلِيقَتَيْنِ بِأَنْ تُرَاجِعُوهُنَّ مِنْ غَيْرِ ضِرَارٍ أَوْ إِرْسَالَهُنَّ بِإِحْسَانٍ

قَالَ فِي مَعَالِمِ التَّنْزِيلِ رُوِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ كَانَ النَّاسُ فِي الِابْتِدَاءِ يُطَلِّقُونَ مِنْ غَيْرِ حَصْرٍ وَلَا عَدٍّ وَكَانَ الرَّجُلُ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ فَإِذَا قَارَبَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا كَذَلِكَ ثُمَّ راجعها يقصد مضارتها فنزلت الطلاق مرتان يَعْنِي الطَّلَاقُ الَّذِي يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ عَقِيبَهُ مَرَّتَانِ فَإِذَا طَلَّقَ ثَلَاثًا فَلَا تَحِلُّ لَهُ إِلَّا بَعْدَ نِكَاحِ زَوْجٍ آخَرَ انْتَهَى

وَاعْلَمْ أَنَّ نَسْخَ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ إِنَّمَا هُوَ إِذَا كَانَتْ مُفَرَّقَةً فِي ثَلَاثَةِ أَطْهَارٍ وَأَمَّا إِذَا كَانَتْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَهِيَ وَاحِدَةٌ لحديث بن عَبَّاسٍ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ

رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَسَيَأْتِي فِي هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا

فَيَجُوزُ للرجل أن يراجع امرأته بعد ما طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ كَمَا يَجُوزُ له الرجعة بعد ما طَلَّقَهَا وَاحِدَةً

فَإِنْ قُلْتَ يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يدعي أن حديث بن عَبَّاسٍ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى كَوْنِ التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ الْمُرْسَلَةِ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةً مَنْسُوخٌ أَيْضًا بِحَدِيثِ الْبَابٌ فَمَا الْجَوَابُ قُلْتُ دَعْوَى نَسْخِ حديث بن عَبَّاسٍ مَوْقُوفٌ عَلَى ثُبُوتِ مُعَارِضٍ مُقَاوِمٍ مُتَرَاخٍ فَأَيْنَ هَذَا

وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ فَلَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ فَإِنَّهُ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيُرَاجِعُهَا بِغَيْرِ عَدَدٍ فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقُصِرَ عَلَى ثَلَاثٍ فِيهَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ فَأَيْنَ فِي ذَلِكَ الْإِلْزَامُ بَالثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ ثُمَّ كَيْفَ يَسْتَمِرُّ الْمَنْسُوخُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنه لَا تَعْلَمُ بِهِ الْأُمَّةُ وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ الْأُمُورِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِحِلِّ الْفُرُوجِ ثُمَّ كَيْفَ يَقُولُ عُمَرُ رضي الله عنه إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي شَيْءٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ وَهَلْ لِلْأُمَّةِ أَنَاةٌ فِي الْمَنْسُوخِ بِوَجْهٍ مَا ثُمَّ كَيْفَ يُعَارَضُ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ بِحَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي فِيهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ وَاقِدٍ وَفِيهِ مَقَالٌ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَجَلَّ (الطَّلَاق مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ فَاسْتَقْبَلَ النَّاس الطَّلَاق جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ طَلَّقَ أَوْ لَمْ يُطَلِّق ورواه الترمذي متصلا عن عائشة ثم قال وَالْمُرْسَل أَصَحّ

وَفِيهِ حَدِيث عَائِشَة فِي اِمْرَأَة رِفَاعَة وَقَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَته وَيَذُوق عُسَيْلَتك وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهُوَ صَرِيح فِي تَحْرِيمهَا عَلَيْهِ بَعْد الطَّلْقَة الثَّالِثَة

ص: 190

(وَإِخْوَتِهِ) بَالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى رُكَانَةَ أَيْ وَأَبُو إِخْوَةِ رُكَانَةَ (أُمَّ رُكَانَةَ) بَالنَّصْبِ مَفْعُولُ طَلَّقَ (فَقَالَتْ مَا يُغْنِي) أَيْ أَبُو رُكَانَةَ (إِلَّا كَمَا تُغْنِي هَذِهِ الشَّعْرَةُ) تُرِيدُ أَنَّهُ عِنِّينٌ (فأخذت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَمِيَّةٌ) بَالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ أَيْ غَيْرَةٌ وَغَضَبٌ (أَتَرَوْنَ فُلَانًا يشبه منه كذا وكذا من عبديزيد) أَيْ أَنَّ رُكَانَةَ وَإِخْوَتَهُ مُتَشَابِهُونَ فِي الْخِلْقَةِ وَالصُّورَةِ فَهُمْ أَوْلَادُهُ وَلَا شَكَّ فِي رُجُولِيَّتِهِ وَلَيْسَ كَمَا زَعَمَتِ امْرَأَتُهُ الْمُزَنِيَّةُ (فَفَعَلَ) أَيْ فَطَلَّقَهَا (أُمَّ رُكَانَةَ) بَالنَّصْبِ بَدَلٌ مِنَ امْرَأَتِكَ (وَإِخْوَتِهِ) بَالْجَرِّ أَيْ وَأُمَّ إِخْوَتِهِ (طَلَّقَهَا ثَلَاثًا) أَيْ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ (قَدْ عَلِمْتُ رَاجِعْهَا) أَيْ قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكَ طَلَّقْتَهَا ثَلَاثًا وَلَكِنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ فَرَاجِعْهَا

وَلَفْظُ أَحْمَدَ طَلَّقَ رُكَانَةَ امْرَأَتَهُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ ثَلَاثًا فَحَزِنَ عَلَيْهَا فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهَا وَاحِدَةٌ

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ تَقَعُ وَاحِدَةً وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا وَهُوَ الْحَقُّ الثَّابِتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسَيَجِيءُ تَحْقِيقُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تعالى ياأيها النبي إذا طلقتم النساء

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله والحديث الذي رححه أَبُو دَاوُدَ هُوَ حَدِيث نَافِع بْن عُجَيْر أَنَّ رُكَانَة بْن عُبَيْد طَلَّقَ اِمْرَأَته سُهْمَةِ الْبَتَّة فَأُخْبِر بِذَلِكَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ وَاَللَّه مَا أَرَدْت إِلَّا وَاحِدَة فَقَالَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّه مَا أَرَدْت إِلَّا وَاحِدَة فَقَالَ رُكَانَة وَاَللَّه مَا أَرَدْت إِلَّا وَاحِدَة فَرَدَّهَا إِلَيْهِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَة فِي زَمَن عُمَر رضي الله عنه وَالثَّالِثَة فِي زَمَن عُثْمَان رضي الله عنه قَالَ أبو داود وهذا أصح من حديث بن جُرَيْج يَعْنِي الْحَدِيث الَّذِي قَبْل هَذَا

تَمَّ كَلَامه

وَهَذَا هُوَ الْحَدِيث الَّذِي ضَعَّفَهُ الْإِمَام أَحْمَد وَالنَّاس فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَة عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن السَّائِب عَنْ نَافِع بْن عُجَيْر عَنْ رُكَانَة وَمِنْ رِوَايَة الزُّبَيْر بْن سَعِيد عَنْ عَبْد اللَّه بْن عَلِيّ بْن يَزِيد بْن رُكَانَة عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه وَكُلّهمْ ضُعَفَاء وَالزُّبَيْر أَضْعَفهمْ وَضَعَّفَ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا هَذَا الْحَدِيث قَالَ عَلِيّ بْن يَزِيد بْن رُكَانَة عَنْ أَبِيهِ لَمْ يَصِحّ حَدِيثه

ص: 191

الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ بِلَفْظِ الْجَمْعِ أَوْ عَلَى إِرَادَةِ ضم أمته إليه والتقدير ياأيها النبي وَأُمَّتَهُ وَقِيلَ هُوَ عَلَى إِضْمَارِ قُلْ أَيْ قل لأمتك

والثاني أليق فخص النبي عليه الصلاة والسلام بَالنِّدَاءِ لِأَنَّهُ إِمَامُ أُمَّتِهِ اعْتِبَارًا بِتَقَدُّمِهِ وَعَمَّمَ بالخطاب كما يقال لأمير القوم يافلان افْعَلُوا كَذَا

قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ فَطَلِّقُوهُنَّ لعدتهن أَيْ عِنْدَ ابْتِدَاءِ شُرُوعِهِنَّ فِي الْعِدَّةِ وَاللَّامُ لِلتَّوْقِيتِ كَمَا يُقَالُ لَقِيتُهُ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنَ الشَّهْرِ

قَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَطَلِّقُوهُنَّ لعدتهن قال بن عَبَّاسٍ فِي قُبُلِ عِدَّتِهِنَّ

أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ

قَالَهُ الْحَافِظُ (وَحَدِيثُ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ قَوْلُهُ أَصَحُّ وَحَدِيثُ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ يَأْتِي فِي بَابِ فِي الْبَتَّةَ (وَعَبْدُ الله بن علي بن يزيد بن ركانة) بَالْجَرِّ عَطْفٌ عَلَى نَافِعٍ أَيْ وَحَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ

وَحَدِيثُهُ أَيْضًا يَأْتِي فِي الباب المذكور (أصح) أي من حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ وَالْحَاصِلُ أَنْ حَدِيثَ نَافِعِ بْنِ عُجَيْرٍ وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيٍّ الْآتِيَيْنِ أصح من حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورِ

وَبَيْنَ وَجْهِ كَوْنِهِمَا أَصَحَّ مِنْهُ بِقَوْلِهِ (لِأَنَّهُمْ وَلَدُ الرَّجُلِ إِلَخْ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ نَافِعَ بْنَ عُجَيْرٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَلَيِّ بْنِ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ مِنْ أَوْلَادِ رُكَانَةَ وهما

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَأَمَّا قَوْل أَبِي دَاوُدَ إِنَّهُ أَصَحّ مِنْ حديث بن جريج فلأن بن جُرَيْج رَوَاهُ عَنْ بَعْض بَنِي رَافِع مَوْلَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم عَنْ عِكْرِمَة عن بن عَبَّاس وَلِأَبِي رَافِع بَنُونَ لَيْسَ فِيهِمْ مَنْ يُحْتَجّ بِهِ إِلَّا عُبَيْد اللَّه بْن رَافِع وَلَا نَعْلَم هَلْ هُوَ هَذَا أَوْ غَيْره وَلِهَذَا وَاَللَّه أَعْلَم رَجَّحَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيث نافع بن عُجَيْر عَلَيْهِ وَلَكِنْ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد في مسنده من حديث بن إِسْحَاق حَدَّثَنِي دَاوُدَ بْن الْحُصَيْن عَنْ عِكْرِمَة عن بن عَبَّاس

وَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيث نَافِع بْن عجير ومن حديث بن جُرَيْج

وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَام أَحْمَد هَذَا السَّنَد فِي قِصَّة رَدّ زَيْنَب اِبْنَة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي الْعَاصِ بن الربيع وقال الصحيح حديث بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا عَلَى أَبِي الْعَاصِ بِالنِّكَاحِ الْأَوَّل وهو بهذا الإسناد بعينه من رواية بن إِسْحَاق عَنْ دَاوُدَ بْن الحصين عَنْ عِكْرِمَة عن بن عَبَّاس

وَهَكَذَا ذَكَر الثَّوْرِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ أَنَّ رِوَايَة بن إِسْحَاق هِيَ الصَّوَاب

وَحَكَمُوا لَهُ عَلَى رِوَايَة حَجَّاج بْن أَرْطَاةَ عَنْ عَمْرو بْن شُعَيْب عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدّه أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَدَّهَا عَلَيْهِ بِنِكَاحٍ جَدِيدٍ وَحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ أَعْرَف مِنْ نَافِع بْن عُجَيْر وَمَنْ مَعَهُ

وَبِالْجُمْلَةِ فَأَبُو دَاوُدَ لَمْ يَتَعَرَّض لِحَدِيثِ مُحَمَّد بْن إِسْحَاق وَلَا ذَكَره

والله أعلم

ص: 192

قَدْ بَيَّنَا فِي حَدِيثِهِمَا أَنَّ رُكَانَةَ إِنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ فَحَدِيثُهُمَا أَصَحُّ لِأَنَّ أَوْلَادَ الرَّجُلِ أَعْلَمُ بِمَا جَرَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِمْ

وَالْمُؤَلِّفُ رحمه الله يُعِيدُ كَلَامَهُ هَذَا بَعْدَ ذِكْرِ حَدِيثِهِمَا فِي بَابِ فِي الْبَتَّةَ وَهُنَاكَ يَظْهَرُ لَكَ مَا فِيهِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَقَالٌ لِأَنَّ بن جُرَيْجٍ إِنَّمَا رَوَاهُ عَنْ بَعْضِ بَنِي أَبِي رَافِعٍ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَالْمَجْهُولُ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ

وَحُكِيَ أَيْضًا أَنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ كَانَ يُضَعِّفُ طُرُقَ هَذَا الْحَدِيثِ كُلَّهَا انْتَهَى

حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ رَادُّهَا إِلَيْهِ) أَيْ حتى ظننت أن بن عَبَّاسٍ يَرُدُّ الْمَرْأَةَ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ (فَيَرْكَبُ الْحَمُوقَةَ) أَيْ يَفْعَلُ فِعْلَ الْأَحْمَقِ (عَصَيْتَ رَبَّكَ) أَيْ بِتَطْلِيقِكَ الثَّلَاثَ دَفْعَةً (فَطَلِّقُوهُنَّ فِي قُبُلِ عدتهن) قال النووي هذه قراءة بن عباس وبن عُمَرَ وَهِيَ شَاذَّةٌ لَا يَثْبُتُ قُرْآنًا بَالْإِجْمَاعِ وَلَا يَكُونُ لَهَا حُكْمُ خَبَرِ الْوَاحِدِ عِنْدنَا وَعِنْدَ مُحَقِّقِي الْأُصُولِيِّينَ انْتَهَى

وَقَالَ الْحَافِظُ نُقِلَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَيْضًا عَنْ أُبَيٍّ وَعُثْمَانَ وَجَابِرٍ وعلي بن الحسين وغيرهم انتهى

وفتوى بن عَبَّاسٍ هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا مَجْمُوعَةً بَانَتْ مِنْهُ لَكِنْ هَذَا رَأْيُهُ وَرِوَايَتُهُ الْمَرْفُوعَةُ الصَّحِيحَةُ الْآتِيَةُ فِي هَذَا الْبَابِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَا تَبِينُ مِنْهُ بَلْ تَكُونُ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ الْمَجْمُوعَةُ وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ رِوَايَةُ الرَّاوِي لَا رَأْيُهُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَقَرِّهِ

وَأَيْضًا سَيَأْتِي عَنِ بن عَبَّاسٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَنَّهُ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ ثلاثا بفم واحد فهي واحدة

ففتوى بن عَبَّاسٍ هَذَا يُنَاقِضُ فَتْوَاهُ الْأَوَّلُ فَإِذَنْ لَمْ يَبْقَ الِاعْتِبَارُ إِلَّا عَلَى رِوَايَتِهِ

ثُمَّ أَوْرَدَ أبو داود عدة متابعات لفتوى بن عَبَّاسٍ وَقَالَ (قَالَ أَبُو دَاوُدَ رَوَى هَذَا الحديث

ص: 193

حميد الأعرج وغيره عن مجاهد عن بن عَبَّاسٍ) هَذَا هُوَ الْمُتَابِعُ الْأَوَّلُ (وَرَوَاهُ شُعْبَةُ إلى قوله عن بن عباس) هو المتابع الثاني (وأيوب وبن جريج إلى عن بن عباس) أي روى هذا الحديث أيوب وبن جريج الخ وهو الثالث من المتابعات (وبن جريج عن عبد الحميد إلى عن بن عباس) أي روى هذا الحديث بن جُرَيْجٍ إِلَخْ وَهُوَ الرَّابِعُ مِنَ الْمُتَابِعَاتِ (وَرَوَاهُ الأعمش إلى عن بن عباس) هو الخامس من المتابعات (وبن جريج عن عمرو بن دينار عن بن عَبَّاسٍ) هُوَ السَّادِسُ مِنَ الْمُتَابِعَاتِ (كُلُّهُمْ قَالُوا فِي الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ إِنَّهُ أَجَازَهَا) أَيْ أَمْضَاهَا وَلَمْ يَقُلْ إِنَّهَا وَاحِدَةٌ (قَالَ وَبَانَتْ مِنْكَ) هَذَا بَيَانٌ لِقَوْلِهِ أَجَازَهَا (نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ) بَالنَّصْبِ أَيْ كُلَّهُمْ قَالُوا نَحْوَ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ (بِفَمٍ وَاحِدٍ) أَيْ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ (فَهِيَ وَاحِدَةٌ) فتوى بن عَبَّاسٍ هَذَا يُوَافِقُ رِوَايَتَهُ الْآتِيَةَ وَإِسْنَادَهُ عَلَى ما قال بن الْقَيِّمِ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ (وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ هَذَا) أَيْ كَوْنُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ وَاحِدَةٌ (قَوْلُهُ) أَيْ قَوْلُ عِكْرِمَةَ (وَلَمْ يَذْكُرْ) أَيْ إِسْمَاعِيلُ بن إبراهيم (بن عباس) بالنصب على المفعولية

واعلم أن بن عَبَّاسٍ كَمَا كَانَ يُفْتِي بِأَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ كَذَلِكَ كَانَ يُفْتِي بِهِ صَاحِبُهُ عِكْرِمَةُ أَيْضًا فَحَدَّثَ أَيُّوبُ عَنْهُ بَعْضَ أَصْحَابِهِ فَتْوَى بن عَبَّاسٍ وَحَدَّثَ بَعْضَهُمْ فَتْوَاهُ نَفْسُهُ (وَصَارَ قَوْلُ بن عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ

وَغَرَضُ الْمُؤَلِّفِ أَنَّ بن عَبَّاسٍ تَرَكَ الْإِفْتَاءَ بِكَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَصَارَ قَائِلًا بِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَحِلُّ

ص: 194

بَعْدَ الثَّلَاثِ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ وَلَكِنْ قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ دَخَلَ الْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَلَى الزُّهْرِيِّ وَأَنَا مَعَهُمْ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْبِكْرِ تُطَلَّقُ ثَلَاثًا فقال سئل عن ذلك بن عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَكُلُّهُمْ قَالُوا لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زوجا غيره قال فخرج الحكم فأتى طاؤسا وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَأَكَبَّ عَلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَنْ قول بن عَبَّاسٍ فِيهَا وَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ قَالَ فَرَأَيْتُ طاؤسا رَفَعَ يَدَيْهِ تَعَجُّبًا مِنْ ذَلِكَ

وَقَالَ وَاللَّهِ ما كان بن عَبَّاسٍ يَجْعَلُهَا إِلَّا وَاحِدَةً (وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى) وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ وَلَفْظُهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي عَيَّاشٍ الْأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَعَاصِمِ بْنِ عُمَرَ قَالَ فَجَاءَهُمَا مُحَمَّدُ بْنُ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ فَقَالَ إِنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَمَاذَا تَرَيَانِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ إِنَّ هَذَا الْأَمْرَ مَا بَلَغَ لَنَا فِيهِ قَوْلٌ فَاذْهَبْ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنِّي تَرَكْتُهُمَا عِنْدَ عَائِشَةَ فَاسْأَلْهُمَا ثُمَّ آتِنَا فَأَخْبِرْنَا فَذَهَبَ فَسَأَلَهُمَا فقال بن عباس لأبي هريرة أفته ياأبا هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَتْكَ مُعْضِلَةٌ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيره وقال بن عَبَّاسٍ مِثْلُ ذَلِكَ أَيْضًا

قَالَ مَالِكٌ وَعَلَى ذَلِكَ الْأَمْرُ عِنْدَنَا

قَالَ مَالِكٌ وَالثَّيِّبُ إِذَا مَلَكَهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا إِنَّهَا تَجْرِي مَجْرَى الْبِكْرِ الْوَاحِدَةُ تُبِينُهَا وَالثَّلَاثُ تُحَرِّمُهَا حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ انْتَهَى

(قَالَ أَبُو دَاوُدَ وقول بن عَبَّاسٍ إِلَى قَوْلِهِ هَذَا مِثْلُ خَبَرُ الصَّرْفِ قَالَ فِيهِ ثُمَّ إِنَّهُ رَجَعَ عَنْهُ

ص: 195

الصَّرْفُ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ دَفْعُ ذَهَبٍ وَأَخْذُ فِضَّةٍ وَعَكْسُهُ

قَالَهُ الْحَافِظُ وَالْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الصَّرْفِ أَنْ يُقَالَ هُوَ بَيْعُ النُّقُودِ وَالْأَثْمَانِ بِجِنْسِهَا

واعلم أن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَعْتَقِدُ أَوَّلًا أَنَّهُ لَا رِبَا فِيمَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارٍ بِدِينَارَيْنِ وَصَاعِ تَمْرٍ بِصَاعَيْ تَمْرٍ وَكَذَا الْحِنْطَةُ وَسَائِرُ الرِّبَوِيَّاتِ وَكَانَ مُعْتَمَدُهُ حَدِيثَ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ الْجِنْسِ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ حِينَ بَلَغَهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ كَمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ

وَقَدْ رَوَى الْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ حَيَّانَ الْعَدَوِيِّ سَأَلْتُ أَبَا مِجْلَزَ عَنِ الصَّرْفِ فَقَالَ كَانَ بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى بِهِ بَأْسًا زَمَانًا مِنْ عُمْرِهِ مَا كَانَ مِنْهُ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَكَانَ يَقُولُ إِنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ فَلَقِيَهُ أَبُو سَعِيدٍ فَذَكَرَ الْقِصَّةَ وَالْحَدِيثَ وَفِيهِ التَّمْرُ بَالتَّمْرِ وَالْحِنْطَةُ بَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرُ بَالشَّعِيرِ وَالذَّهَبُ بَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةُ بَالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ مِثْلًا بِمِثْلٍ فمن زاد فهو ربا

فقال بن عَبَّاسٍ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فَكَانَ يَنْهَى عَنْهُ أَشَدَّ النَّهْيِ

فَإِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَاعْلَمْ أن المؤلف يقول إن بن عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا بِجَعْلِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ

وَقَالَ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا كَانَ يَقُولُ أَوَّلًا فِي الصَّرْفِ مِنْ أَنَّهُ لَا رِبَا إِلَّا فِي النَّسِيئَةِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ وَقَالَ بِرِبَا الْفَضْلِ

قُلْتُ رُجُوعُهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّرْفِ بِبَلُوغِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ واستغفاره عما أفتى أولا ونهيه عند أَشَدَّ النَّهْيِ ظَاهِرةٌ لَا سُتْرَةَ فِيهِ وَأَمَّا رُجُوعُهُ فِي مَسْأَلَةِ الطَّلَاقِ فَفِيهِ خَفَاءٌ كَيْفَ وَلَمْ يَثْبُتْ لَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ وَلَا ضَعِيفٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ رِوَايَةٌ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَاسِخَةٌ لِرِوَايَتِهِ الْآتِيَةِ مُوجِبَةٌ لِرُجُوعِهِ عَنْهَا وَكَذَا لَمْ يَرِدْ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ اسْتَغْفَرَ عَنْ جَعْلِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً أَوْ نَهَى عَنْهُ أَحَدًا وَأَمْرُ الطَّلَاقِ أَشَدُّ من أمر الربا

وإفتائه بِخِلَافِ رِوَايَتِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ عَلَى وُجُودِ نَاسِخٍ لِرِوَايَتِهِ

وَسَيَأْتِي وَجْهٌ وَجِيهٌ لِإِفْتَائِهِ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ في كلام الإمام بن القيم إن شاء الله تعالى

(قال بن عَبَّاسٍ بَلَى كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا إِلَى قَوْلِهِ قَدْ تَتَابَعُوا فِيهَا) أَيْ فِي التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَقَوْلُهُ تَتَابَعُوا بَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي بَعْضِ النسخ

ص: 196

تَتَايَعُوا بِيَاءٍ مُثَنَّاةٍ مِنْ تَحْتٍ وَهُمَا بِمَعْنًى أَيْ أَسْرَعُوا فِي التَّطْلِيقَاتِ الثَّلَاثِ بِأَنْ أَوْقَعُوهَا دَفْعَةً (قَالَ أَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ) أَيْ أَمْضُوا الثَّلَاثَ عَلَيْهِمْ

وَقَدْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الرِّوَايَةِ مَنْ ذَهَبَ إن أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ إِنْ كَانَتْ مَدْخُولَةً وَقَعَتِ الثَّلَاثُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَدْخُولَةً فَوَاحِدَةٌ

وَيُجَابُ بِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِقَبْلِ الدُّخُولِ لَا يُنَافِي صِدْقَ الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى الصَّحِيحَةِ عَلَى الْمُطَلَّقَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ وَغَايَةُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهَا التَّنْصِيصُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِ مَدْلُولِ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ الْآتِيَةِ بَعْدَ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بَالْبَعْضِ الَّذِي وَقَعَ التَّنْصِيصُ عَلَيْهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ ضَعِيفَةٌ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ الرُّوَاةُ عن طاؤس مَجَاهِيلُ التَّتَايُعُ التَّهَافُتُ فِي الشَّيْءِ وَاللِّجَاجِ وَلَا يَكُونُ التَّتَايُعُ بَالْيَاءِ إِلَّا بَالشَّرِّ وَوَقَعَ عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ بَالْبَاءِ بِوَاحِدَةٍ وَالْأَكْثَرُ عَلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ

(أَنَّ أَبَا الصَّهْبَاءِ قَالَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَتَعْلَمُ إِلَخْ) وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ الطَّلَاقُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَسَنَتَيْنِ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاحِدَةٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِنَّ النَّاسَ قَدِ اسْتَعْجَلُوا فِي أَمْرٍ كَانَتْ لَهُمْ فِيهِ أَنَاةٌ فلو أمضيناه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا الْحَدِيث أَحَد مَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِم وَتَرَكَهُ الْبُخَارِيُّ وَأَظُنّهُ إِنَّمَا تَرَكَهُ لِمُخَالَفَتِهِ سَائِر الرِّوَايَات عن بن عَبَّاس وَسَاقَ الرِّوَايَات عَنْهُ ثُمَّ قَالَ فَهَذِهِ رِوَايَة سَعِيد بْن جُبَيْر وَعَطَاء بْن أَبِي رَبَاح وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَعُمَر بْن دِينَار وَمَالِك بْن الْحَارِث وَمُحَمَّد بْن إِيَاس بْن الْبُكَيْر وَرَوَيْنَاهُ عَنْ مُعَاوِيَة بْن أَبِي عَيَّاش الْأَنْصَارِيّ كلهم عن بن عباس أنه أجاز الثلاث وأمضاهن قال بن الْمُنْذَر فَغَيْر جَائِز أَنْ نَظُنّ بِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يَحْفَظ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا ثُمَّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فإن كان يعني قول بن عَبَّاس إِنَّ الثَّلَاث كَانَتْ تُحْتَسَب عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَعْنِي أَنَّهُ بِأَمْرِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَاَلَّذِي يُشْبِه وَاَللَّه أَعْلَم أَنْ يَكُون بن عَبَّاس قَدْ عَلِمَ أَنْ كَانَ شَيْءٌ فَنُسِخَ

قال البيهقي

ورواية عكرمة عن بن عَبَّاس فِيهَا تَأْكِيد لِصِحَّةِ هَذَا التَّأْوِيل يُرِيد الْبَيْهَقِيّ الْحَدِيث الَّذِي ذَكَره أَبُو دَاوُدَ فِي بَاب نَسْخ الْمُرَاجَعَة وَقَدْ تَقَدَّمَ

ص: 197

عَلَيْهِمْ فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِمْ

وَقَوْلُهُ أَنَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ مُهْلَةٌ وَبَقِيَّةُ اسْتِمْتَاعٍ لِانْتِظَارِ الْمُرَاجَعَةِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ

وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ إِذَا أُوقِعَتْ مَجْمُوعَةً وَقَعَتْ وَاحِدَةً قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَهُوَ مَنْقُولٌ عَنْ علي وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ نَقَلَ ذلك بن مُغِيثٍ فِي كِتَابِ الْوَثَائِقِ لَهُ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة مِنْ مَشَايِخِ قُرْطُبَةَ كَمُحَمَّدِ بْنِ تَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا ونقله بن المنذر عن أصحاب بن عَبَّاسٍ كَعَطَاءٍ وَطَاوُسٍ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَيَتَعَجَّبُ من بن التِّينِ حَيْثُ جَزَمَ بِأَنَّ لُزُومَ الثَّلَاثِ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي التَّحْرِيمِ مَعَ ثُبُوتِ الِاخْتِلَافِ كَمَا تَرَى انْتَهَى

وَقَالَ الْحَافِظُ بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَهَذَا خَلِيفَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ مَعَهُ فِي عَصْرِهِ وَثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ عَصْرِ عُمَرَ رضي الله عنه عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ فَلَوْ عَدَّهُمُ الْعَادُّ بِأَسْمَائِهِمْ وَاحِدًا وَاحِدًا أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ إِمَّا بِفَتْوَى وَإِمَّا بِإِقْرَارٍ عَلَيْهَا وَلَوْ فُرِضَ فِيهِمْ مَنْ لَمْ يَكُنْ يَرَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُنْكِرًا لِلْفَتْوَى بِهِ بَلْ كَانُوا مَا بَيْنَ مُفْتٍ وَمُقِرٍّ بِفُتْيَا وَسَاكِتٍ غَيْرِ مُنْكِرٍ وَهَذَا حَالُ كُلِّ صَحَابِيٍّ مِنْ عَهْدِ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَهُمْ يَزِيدُونَ عَلَى الْأَلْفِ قَطْعًا كَمَا ذَكَرَ يونس بن بكير عن بن إِسْحَاقَ وَكُلُّ صَحَابِيٍّ مِنْ لَدُنْ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ إِلَى ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما كَانَ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس بْن سُرَيْج يُمْكِن أَنْ يَكُون ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنْ الطَّلَاق الثَّلَاث وَهُوَ أَنْ يُفَرِّق بَيْن اللَّفْظ

كَأَنْ يَقُول أَنْتِ طَالِق أَنْتِ طَالِق أَنْتِ طَالِق وَكَانَ فِي عَهْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَعَهْد أَبِي بَكْر وَالنَّاس عَلَى صِدْقهمْ وَسَلَامَتهمْ لَمْ يَكُنْ ظَهَرَ فِيهِمْ الْخِبّ وَالْخِدَاع فَكَانُوا يَصْدُقُونَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّوْكِيد وَلَا يُرِيدُونَ الثَّلَاث

وَلَمَّا رَأَى عُمَر رضي الله عنه فِي زَمَانه أُمُورًا ظَهَرَتْ وَأَحْوَالًا تَغَيَّرَتْ مَنَعَ مِنْ حَمْل اللَّفْظ عَلَى التَّكْرَار فَأَلْزَمهُمْ الثَّلَاث

وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي غَيْر الْمَدْخُول بِهَا وَذَهَبَ إلى هذا جماعة من أصحاب بن عَبَّاسٍ وَرَوَوْا أَنَّ الثَّلَاث لَا تَقَع عَلَى غَيْر الْمَدْخُول بِهَا لِأَنَّهَا بِالْوَاحِدَةِ تَبِين فَإِذَا قَالَ أَنْتِ طَالِق بَانَتْ وَقَوْله ثَلَاثًا وَقَعَ بَعْد الْبَيْنُونَة وَلَا يُعْتَدّ بِهِ وَهَذَا مَذْهَب إِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ

وَقَالَ بَعْضهمْ قَدْ ثَبَتَ عَنْ فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ أَنَّ أَبَا حَفْص بْن الْمُغِيرَة طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فَأَبَانَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجْعَل لَهَا نَفَقَة ولا سكنى وفي حديث بن عُمَر أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُول اللَّه أَرَأَيْت لَوْ طَلَّقْتهَا ثَلَاثًا قَالَ إِذْن عَصَيْت رَبّك وَبَانَتْ مِنْك اِمْرَأَتك رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ

وَعَنْ عَلِيّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ سَمِعَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا طَلَّقَ اِمْرَأَته الْبَتَّة فَغَضِبَ وَقَالَ يَتَّخِذُونَ آيَات اللَّه هُزُوًا أَوْ دِين اللَّه هُزُوًا وَلَعِبًا مَنْ طَلَّقَ الْبَتَّة أَلْزَمْنَاهُ ثَلَاثًا لَا تَحِلّ لَهُ حَتَّى تَنْكِح زَوْجًا غَيْره رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا

ص: 198

فَتْوَى أَوْ إِقْرَارٌ أَوْ سُكُوتٌ وَلِهَذَا ادَّعَى بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ هَذَا الْإِجْمَاعَ قَدِيمٌ وَلَمْ تَجْتَمِعِ الْأُمَّةُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى خِلَافِهِ بَلْ لَمْ يَزَلْ فِيهِمْ مَنْ يُفْتِي بِهِ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَإِلَى يَوْمِنَا هَذَا فَأَفْتَى بِهِ حَبْرُ الْأُمَّةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَأَفْتَى أَيْضًا بَالثَّلَاثِ أَفْتَى بِهَذَا وَهَذَا وَأَفْتَى بِأَنَّهَا وَاحِدَةٌ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بن عوف حكاه عنهما بن وضاح وعن علي وبن مسعود روايتان كما عن بن عَبَّاسٍ

وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَأَفْتَى بِهِ عِكْرِمَةُ وَأَفْتَى به طاؤس

وَأَمَّا تَابِعُو التَّابِعِينَ فَأَفْتَى بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ عَنْهُ وَأَفْتَى بِهِ خِلَاسُ بْنُ عَمْرٍو وَالْحَارِثُ الْعُكْلِيُّ

وَأَمَّا أَتْبَاعُ تَابِعِي التَّابِعِينَ فَأَفْتَى بِهِ دَاوُدُ بْنُ علي وأكثر أصحابه حكاه عنهم بن المغلس وبن حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ مَالِكٍ حَكَاهُ التِّلِمْسَانِيُّ فِي شَرْحِ التَّفْرِيعِ لِابْنِ حَلَّابٍ قَوْلًا لِبَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ الْحَنَفِيَّةِ حَكَاهُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ وَأَفْتَى بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ حَكَاهُ شيخ الإسلام بن تَيْمِيَةَ عَنْهُ قَالَ وَكَانَ الْجَدُّ يُفْتِي بِهِ أَحْيَانًا انْتَهَى كَلَامُهُ

وَذَهَبَ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تَقَعُ ثَلَاثًا وَحَدِيثُ بن عَبَّاسٍ الصَّحِيحُ الصَّرِيحُ فِي عَدَمِ وُقُوعِ الثَّلَاثِ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ

وَأُجِيبَ مَنْ قَبْلَهُمْ عَنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ بِأَجْوِبَةٍ لَا يَخْلُو وَاحِدٌ مِنْهَا عَنِ التَّكَلُّفِ وَالتَّعَسُّفِ وَمَحَلُّ بَسْطِهَا وَالْكَشْفِ عَمَّا فِيهَا هُوَ غَايَةُ الْمَقْصُودِ

وَلِلْقَائِلِينَ بِأَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ حَدِيثٌ آخَرُ صَحِيحٌ وَهُوَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي مُسْنَدِهِ حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ عَنْ عِكْرِمَةَ مولى بن عباس عن بن عباس قال طلق ركانة بن عبديزيد أَخُو بَنِي الْمُطَّلِبِ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَحَزِنَ عَلَيْهَا حُزْنًا شَدِيدًا قَالَ فَسَأَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ طلقتها

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قَالُوا وَهَذِهِ الْأَحَادِيث أَكْثَر وَأَشْهَر مِنْ حَدِيث أَبِي الصَّهْبَاء وَقَدْ عَمِلَ بِهَا الْأَئِمَّة فَالْأَخْذ بِهَا أَوْلَى

وَقَالَ بَعْضهمْ الْمُرَاد أَنَّهُ كَانَ الْمُعْتَاد فِي زَمَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم تَطْلِيقَة وَاحِدَة وَقَدْ اِعْتَادَ النَّاس الْآن التَّطْلِيقَات الثَّلَاث وَالْمَعْنَى كَانَ الطَّلَاق الْمُوَقَّع الْآن ثَلَاثًا مُوَقَّعًا فِي عَهْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْر وَاحِدَة

وَقَالَ بَعْضهمْ لَيْسَ فِي هَذَا الْحَدِيث أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَلَغَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَيُقِرّ عَلَيْهِ وَالْحُجَّة إِنَّمَا هِيَ فِي إِقْرَاره بَعْد بُلُوغه وَلَمَّا بَلَغَهُ طَلَاق رُكَانَة اِمْرَأَته الْبَتَّة اِسْتَحْلَفَهُ مَا أَرَدْت بِهَا إِلَّا وَاحِدَة وَلَوْ كَانَ الثَّلَاث وَاحِدَة لَمْ يَكُنْ لِاسْتِحْلَافِهِ مَعْنَى وَأَنَّهَا وَاحِدَة سَوَاء أَرَادَ بِهَا الثَّلَاث أَوْ الواحدة

ص: 199

قَالَ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا قَالَ فَقَالَ فِي مَجْلِسٍ واحد قال نعم قال فإنما تملك وَاحِدَةٌ فَأَرْجِعْهَا إِنْ شِئْتَ

قَالَ فَرَاجَعَهَا

فَكَانَ بن عَبَّاسٍ يَرَى إِنَّمَا الطَّلَاقُ عِنْدَ كُلِّ طُهْرٍ

قال بن الْقَيِّمِ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ وَقَدْ صَحَّحَ الْإِمَامُ هَذَا الْإِسْنَادَ وَحَسَّنَهُ

قَالَ الْحَافِظُ فِي فَتْحِ الْبَارِي الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو يَعْلَى وَصَحَّحَهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ

وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ فِي الْمَسْأَلَةِ لَا يَقْبَلُ التَّأْوِيلَ الَّذِي فِي غَيْرِهِ مِنَ الرِّوَايَاتِ

وَقَدْ أَجَابُوا عَنْهُ بِأَرْبَعَةِ أَشْيَاءٍ أَحَدُهَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ وَشَيْخَهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِمَا وَأُجِيبَ بِأَنَّهُمُ احْتَجُّوا فِي عِدَّةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ بِمِثْلِ هَذَا الْإِسْنَادِ كَحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَدَّ عَلَى أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ زَيْنَبَ ابْنَتَهُ بَالنِّكَاحِ الْأَوَّلِ وَلَيْسَ كُلُّ مُخْتَلَفٍ فِيهِ مَرْدُودٌ

الثاني معارضته بفتوى بن عَبَّاسٍ بِوُقُوعِ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِ فَلَا يُظَنُّ بَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُ هَذَا الْحُكْمُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُفْتِي بِخِلَافِهِ إِلَّا بِمُرَجِّحٍ ظَهَرَ لَهُ وَرَاوِي الْخَبَرِ أَخْبَرُ مِنْ غَيْرِهِ بِمَا رَوَى

وَأُجِيبَ بِأَنَّ الِاعْتِبَارَ بِرِوَايَةِ الرَّاوِي لَا بِرَأْيِهِ لِمَا يَطْرُقُ رَأْيُهُ مِنَ احْتِمَالِ النِّسْيَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ

وَأَمَّا كَوْنُهُ تَمَسَّكَ بِمُرَجِّحٍ فَلَمْ يَنْحَصِرْ فِي الْمَرْفُوعِ لِاحْتِمَالِ التَّمَسُّكِ بِتَخْصِيصٍ أَوْ تَقْيِيدٍ أَوْ تَأْوِيلٍ وَلَيْسَ قَوْلُ مُجْتَهِدٍ حُجَّةً عَلَى مُجْتَهِدٍ آخَرَ

الثَّالِثُ أَنَّ أَبَا دَاوُدَ رَجَّحَ أَنَّ رُكَانَةَ إِنَّمَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ كَمَا أَخْرَجَهُ هُوَ مِنْ طَرِيقِ آلِ بَيْتِ رُكَانَةَ وَهُوَ تَعْلِيلٌ قَوِيٌّ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ رُوَاتِهِ حَمَلَ الْبَتَّةَ عَلَى الثَّلَاثِ فَقَالَ طَلِّقْهَا ثَلَاثًا فَبِهَذِهِ النُّكْتَةِ يَقِفُ الاستدلال بحديث بن عَبَّاسٍ الرَّابِعُ أَنَّهُ مَذْهَبٌ شَاذٌّ فَلَا يُعْمَلُ به

وأجيب بأنه نقل عن علي وبن مَسْعُودٍ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرِ مِثْلُهُ نقل ذلك بن مُغِيثٍ فِي كِتَابِ الْوَثَائِقِ لَهُ وَعَزَاهُ لِمُحَمَّدِ بن وضاح ونقل الغنوي ذلك عن جماعة مِنْ مَشَايِخِ قُرْطُبَةَ كَمُحَمَّدِ بْنِ تَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ الْخُشَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا ونقله بن المنذر عن أصحاب بن عباس كعطاء وطاؤس وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ انْتَهَى كَلَامُ الْحَافِظِ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَقَالَ بَعْضهمْ الْإِجْمَاع مُنْعَقِد عَلَى خِلَاف هَذَا الْحَدِيث وَالْإِجْمَاع مَعْصُوم مِنْ الْغَلَط وَالْخَطَأ دُون خَبَر الْوَاحِد

وَقَالَ بَعْضهمْ إِنَّمَا هَذَا فِي طَلَاق السُّنَّة

فَإِنَّهَا كَانَتْ عَلَى عَهْد رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُرَاد بِهَا الواحدة كما أراد بها ركانة ثم تتايع النَّاس فِيهَا فَأَرَادُوا بِهَا الثَّلَاث فَأَلْزَمهُمْ عُمَر إِيَّاهَا

فَهَذِهِ عَشْرَة مَسَالِك لِلنَّاسِ فِي رَدّ هَذَا الْحَدِيث

وَقَالَ أَبُو بَكْر بْن الْعَرَبِيّ الْمَعَافِرِيّ فِي كِتَابه النَّاسِخ وَالْمَنْسُوخ (غَائِلَة) قَالَ تَعَالَى (الطَّلَاق مَرَّتَانِ) زَلَّ قَوْم فِي آخِر الزَّمَان فَقَالُوا إِنَّ الطَّلَاق الثَّلَاث فِي كَلِمَةٍ لَا يَلْزَم وَجَعَلُوهُ وَاحِدَة وَنَسَبُوهُ

ص: 200

قُلْتُ قَدْ أَجَابَ الْحَافِظُ عَنِ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالرَّابِعِ وَلَمْ يُجِبْ عَنِ الثَّالِثِ بَلْ قواه وجوابه ظاهر من كلام بن الْقَيِّمِ فِي الْإِغَاثَةِ حَيْثُ قَالَ إِنَّ أَبَا دَاوُدَ إِنَّمَا رَجَّحَ حَدِيثَ الْبَتَّةَ عَلَى حَدِيثِ بن جريج لأنه روى حديث بن جُرَيْجٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا مَجْهُولٌ وَلَمْ يَرْوِ أَبُو دَاوُدَ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّ رُكَانَةَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَلِذَا رَجَّحَ أَبُو دَاوُدَ حَدِيثَ الْبَتَّةَ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا رَوَاهُ فِي سُنَنِهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّهُ أَصَحُّ مِنَ الْحَدِيثَيْنِ

وَحَدِيثُ بن جُرَيْجٍ شَاهِدٌ لَهُ وَعَاضِدٌ فَإِذَا انْضَمَّ حَدِيثُ أبي الصهباء إلى حديث بن إسحاق وإلى حديث بن جُرَيْجٍ مَعَ اخْتِلَافِ مَخَارِجِهَا وَتَعَدُّدِ طُرُقِهَا أَفَادَ الْعِلْمُ بِأَنَّهَا أَقْوَى مِنَ الْبَتَّةَ بِلَا شَكٍّ

وَلَا يُمْكِنُ مَنْ شَمَّ رَوَائِحَ الْحَدِيثِ وَلَوْ عَلَى بُعْدٍ أَنْ يَرْتَابَ فِي ذَلِكَ فَكَيْفَ يُقَدِّمُ الْحَدِيثَ الضَّعِيفَ الَّذِي ضَعَّفَهُ الْأَئِمَّةُ وَرُوَاتُهُ مجاهيل على هذه الأحاديث انتهى كلام بن الْقَيِّمِ

فَإِنْ قُلْتَ قَدْ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ كُلَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ فَكَيْفَ خَالَفَهُمْ عُمَرُ رضي الله عنه حَيْثُ أَمْضَاهَا عَلَيْهِمْ

قُلْتُ لَمْ يُخَالِفْ عُمَرُ رضي الله عنه إِجْمَاعَ مَنْ تَقَدَّمَهُ بَلْ رَأَى إِلْزَامَهُمْ بَالثَّلَاثِ عُقُوبَةً لَهُمْ لَمَّا عَلِمُوا أَنَّهُ حَرَامٌ وَتَتَابَعُوا فِيهِ وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا سَائِغٌ لِلْأُمَّةِ أَنْ يُلْزِمُوا النَّاسَ مَا ضَيَّقُوا بِهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَمْ يَقْبَلُوا فِيهِ رُخْصَةَ اللَّهِ عز وجل وَتَسْهِيلَهُ وَرُخْصَتَهُ بَلِ اخْتَارُوا الشِّدَّةَ وَالْعُسْرَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

إِلَى السَّلَف الْأَوَّل فَحَكَوْهُ عَنْ عَلِيّ وَالزُّبَيْر وعبد الرحمن بن عوف وبن مسعود وبن عَبَّاس وَعَزَوْهُ إِلَى الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ الضَّعِيف الْمَنْزِلَة الْمَغْمُوز الْمَرْتَبَة وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا لَيْسَ لَهُ أَصْل وَغَوَى قَوْم مِنْ أَهْل الْمَسَائِل

فَتَتَبَّعُوا الْأَهْوَاء الْمُبْتَدَعَة فِيهِ وَقَالُوا إِنَّ قَوْله أَنْتِ طَالِق ثَلَاثًا كَذِب لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّق ثَلَاثًا كَمَا لَوْ قَالَ طَلَّقْت ثَلَاثًا وَلَمْ يُطَلِّق إِلَّا وَاحِدَة وَكَمَا لَوْ قَالَ أَحْلِف ثَلَاثًا كَانَتْ يَمِينًا وَاحِدَة

(مُنْبِهَة) لَقَدْ طَوَّفْت فِي الْآفَاق وَلَقِيت مِنْ عُلَمَاء الْإِسْلَام وَأَرْبَاب الْمَذَاهِب كُلّ صَادِق فَمَا سَمِعْت لِهَذِهِ الْمَقَالَة بِخَبَرٍ وَلَا أَحْسَسْت لَهَا بِأَثَرِ إِلَّا الشِّيعَة الَّذِينَ يَرَوْنَ نِكَاح الْمُتْعَة جَائِزًا وَلَا يرون الطلاق واقعا

ولذلك قال فيهم بن سَكْرَة الْهَاشِمِيُّ يَا مَنْ يَرَى الْمُتْعَة فِي دِينه حِلًّا وَإِنْ كَانَتْ بِلَا مَهْر وَلَا يَرَى تِسْعِينَ تَطْلِيقَة تَبِين مِنْهُ رَبَّة الْخِدْر من ها هنا طابت مواليدكم فاغتنموها يابني الْقَطْر وَقَدْ اِتَّفَقَ عُلَمَاء الْإِسْلَام وَأَرْبَاب الْحَلّ وَالْعَقْد فِي الْأَحْكَام عَلَى أَنَّ الطَّلَاق الثَّلَاث في كلمة

ص: 201

فَكَيْفَ بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه وَكَمَالِ نَظَرِهِ لِلْأُمَّةِ وَتَأْدِيبِهِ لَهُمْ وَلَكِنَّ الْعُقُوبَةَ تَخْتَلِفُ بَاخْتِلَافِ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَشْخَاصِ وَالتَّمَكُّنِ مِنَ الْعِلْمِ بِتَحْرِيمِ الْفِعْلِ الْمُعَاقَبِ عَلَيْهِ وَخَفَائِهِ وأمير المؤمنين رضي الله عنهم لَمْ يَقُلْ لَهُمْ إِنَّ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا هُوَ رَأْيٌ رَآهُ مَصْلَحَةً لِلْأُمَّةِ يَكُفُّهُمْ بِهَا التَّسَارُعَ إِلَى إِيقَاعِ الثَّلَاثِ وَلِهَذَا قَالَ فَلَوْ أَنَّا أَمْضَيْنَاهُ وَفِي لَفْظٍ آخَرَ فَأَجِيزُوهُنَّ عَلَيْهِمْ أَفَلَا تَرَى أَنَّ هَذَا رَأْيٌ مِنْهُ رَآهُ لِلْمَصْلَحَةِ لَا إِخْبَارٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمَّا عَلِمَ رضي الله عنه أَنَّ تِلْكَ الْأَنَاةَ وَالرُّخْصَةَ نِعْمَةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَى الْمُطَلِّقِ وَرَحْمَةٌ بِهِ وَإِحْسَانٌ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ قَابَلَهَا بِضِدِّهَا وَلَمْ يَقْبَلْ رُخْصَةَ اللَّهِ وَمَا جَعَلَهُ لَهُ مِنَ الْأَنَاةِ عَاقَبَهُ بِأَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَأَلْزَمَهُ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَإِنْ كَانَ حَرَامًا فِي قَوْل بَعْضهمْ وَبِدْعَة فِي قَوْل الْآخَرِينَ لَازِمٌ وَأَيْنَ هَؤُلَاءِ الْبُؤَسَاء مِنْ عَالِم الدِّين وَعَلَم الْإِسْلَام مُحَمَّد بْن إِسْمَاعِيل الْبُخَارِيّ وَقَدْ قَالَ فِي صَحِيحه بَاب جَوَاز الثَّلَاث لِقَوْلِهِ تَعَالَى {الطَّلَاق مَرَّتَانِ} وَذَكَر حَدِيث اللِّعَان فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْل أَنْ يَأْمُرهُ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُغَيِّر عَلَيْهِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا يُقِرّ عَلَى الْبَاطِل وَلِأَنَّهُ جَمَعَ مَا فُسِحَ لَهُ فِي تَفْرِيقه فَأَلْزَمَتْهُ الشَّرِيعَة حُكْمه وَمَا نَسَبُوهُ إِلَى الصَّحَابَة كَذِب بَحْت لَا أَصْل لَهُ فِي كِتَابٍ وَلَا رِوَايَة لَهُ عَنْ أَحَد

وَقَدْ أَدْخَلَ مَالك فِي مُوَطَّئِهِ عَنْ عَلِيّ أَنَّ الْحَرَام ثَلَاث لَازِمَةٌ فِي كَلِمَةٍ فَهَذَا فِي مَعْنَاهَا

فَكَيْف إِذَا صَرَّحَ بِهَا وَأَمَّا حَدِيث الْحَجَّاج بْن أَرْطَاةَ فَغَيْر مَقْبُول فِي الْمِلَّة وَلَا عِنْد أَحَد مِنْ الْأَئِمَّة

فَإِنَّ قِيلَ فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ بن عَبَّاس وَذَكَر حَدِيث أَبِي الصَّهْبَاء هَذَا

قُلْنَا هَذَا لَا مُتَعَلَّق فِيهِ مِنْ خَمْسَة أَوْجُه الْأَوَّل أَنَّهُ حَدِيث مُخْتَلَف فِي صِحَّته فَكَيْف يُقَدَّم عَلَى إِجْمَاع الْأُمَّة وَلَمْ يُعْرَف لَهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَة خِلَاف إِلَّا عَنْ قَوْم اِنْحَطُّوا عَنْ رُتْبَة التَّابِعِينَ وَقَدْ سَبَقَ الْعَصْرَانِ الْكَرِيمَانِ وَالِاتِّفَاق عَلَى لُزُوم الثَّلَاث فَإِنْ رَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَحَد مِنْهُمْ فَلَا تَقْبَلُوا مِنْهُمْ إِلَّا مَا يَقْبَلُونَ مِنْكُمْ نَقْل الْعَدْل عَنْ الْعَدْل وَلَا تَجِد هَذِهِ الْمَسْأَلَة مَنْسُوبَة إِلَى أَحَد مِنْ السَّلَف أَبَدًا

الثَّانِي إِنَّ هَذَا الحديث لم يرو إلا عن بن عَبَّاس وَلَمْ يُرْوَ عَنْهُ إِلَّا مِنْ طَرِيق طَاوُسٍ

فَكَيْف يُقْبَل مَا لَمْ يَرْوِهِ مِنْ الصَّحَابَة إِلَّا وَاحِد وَمَا لَمْ يَرْوِهِ عَنْ ذَلِكَ الصَّحَابِيّ إِلَّا وَاحِد وَكَيْف خَفِيَ عَلَى جميع الصحابة وسكتوا عنه إلا بن عباس وكيف خفي على أصحاب بن عَبَّاس إِلَّا طَاوُس الثَّالِث يُحْتَمَل أَنْ يُرَاد بِهِ قَبْل الدُّخُول

وَكَذَلِكَ تَأَوَّلَهُ النَّسَائِيّ فَقَالَ

بَاب طَلَاق الثَّلَاث الْمُتَفَرِّقَة قَبْل الدُّخُول

بِالزَّوْجَةِ

وَذَكَر هَذَا الْحَدِيث بِنَصِّهِ

الرَّابِع أَنَّهُ يُعَارِضهُ حَدِيث مَحْمُود بْن لَبِيَدٍ قَالَ أُخْبِر رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم عَنْ رَجُل طلق امرأته

ص: 202