الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
18 -
(بَاب فِي الْخُلْعِ)
الْخُلْعُ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ هُوَ فِرَاقُ الزَّوْجَةِ عَلَى مَالٍ مَأْخُوذٌ مِنْ خَلَعَ الثَّوْبَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لِبَاسُ الرَّجُلِ مَجَازًا وَضُمَّ الْمَصْدَرُ تَفْرِقَةً بَيْنَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ والمجازي والأصل قوله تعالى فإن خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به كَذَا فِي السُّبُلِ
(فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ) وفي رواية من غير ما بأس أي لِغَيْرِ شِدَّةٍ تُلْجِئُهَا إِلَى سُؤَالِ الْمُفَارَقَةِ وَمَا زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ (فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ) أَيْ مَمْنُوعٌ عَنْهَا وَذَلِكَ عَلَى نَهْجِ الْوَعِيدِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ أَوْ وُقُوعُ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ أَيْ لَا تَجِدُ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ أَوَّلَ مَا وَجَدَهَا الْمُحْسِنُونَ أَوْ لَا تَجِدُ أَصْلًا وَهَذَا مِنَ الْمُبَالَغَةِ فِي التَّهْدِيدِ
وَنَظِيرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ
قَالَهُ الْقَاضِي
وَلَا بِدْعَ أَنَّهَا تُحْرَمُ لَذَّةَ الرَّائِحَةِ وَلَوْ دَخَلَتِ الْجَنَّةَ
قَالَهُ القارىء
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَذَكَرَ أَنَّ بَعْضَهُمْ رَوَاهُ وَلَمْ يَرْفَعْهُ
(إِلَى الصُّبْحِ) أَيْ إِلَى صَلَاةِ الصُّبْحِ (عِنْدَ بَابِهِ) أَيْ بَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (فِي الْغَلَسِ) هُوَ ظُلْمَةُ آخِرِ اللَّيْلِ اخْتَلَطَ بِضَوْءِ الصَّبَاحِ (لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ) أَيْ لَا يُمْكِنُ الِاجْتِمَاعُ بَيْنَنَا (كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرٌ أَيْ كُلُّ مَا أَعْطَانِي مِنَ الْمَهْرِ مَوْجُودٌ عِنْدِي (خُذْ مِنْهَا فَأَخَذَ مِنْهَا) فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ مِنْهَا جَمِيعَ مَا كَانَ أَعْطَاهَا
وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَكَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ لَا يَأْخُذُ مِنْهَا جَمِيعَ مَا أَعْطَاهَا وَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا سَاقَ إِلَيْهَا شَيْئًا وَذَهَبَ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ عَلَى مَا تَرَاضَيَا عَلَيْهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ (وَجَلَسَتْ فِي أَهْلِهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا سُكْنَى لِلْمُخْتَلِعَةِ عَلَى الزَّوْجِ قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ
وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَوْ كَانَ طَلَاقًا لَاقْتُضِيَ فِيهِ شَرَائِطُ الطَّلَاقِ مِنْ وُقُوعِهِ فِي طُهْرٍ لَمْ تُمْسَسْ فِيهِ الْمُطَلَّقَةُ وَمِنْ كَوْنِهِ صَادِرًا مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ مُرَاضَاةِ الْمَرْأَةِ فَلَمَّا لَمْ يَتَعَرَّفِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْحَالَ فِي ذَلِكَ وَأَذِنَ لَهُ فِي مُخَالَعَتِهَا فِي مَجْلِسِهِ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فسخ وليس بطلاق
وإلى هذا ذهب بن عَبَّاسٍ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بمعروف الْآيَةَ قَالَ ثُمَّ ذَكَرَ الْخُلْعَ فَقَالَ فَإِنْ خفتم أن لا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افتدت به ثُمَّ ذَكَرَ الطَّلَاقَ فَقَالَ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غيره فَلَوْ كَانَ الْخُلْعُ طَلَاقًا لَكَانَ الطَّلَاقُ أَرْبَعًا
وإلى هذا ذهب طاؤس وَعِكْرِمَةُ وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وعثمان وبن مَسْعُودٍ رضي الله عنهم أَنَّ الْخُلْعَ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ وبن الْمُسَيِّبِ وَشُرَيْحٌ وَالشَّعْبِيُّ وَمُجَاهِدٌ وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيُّ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَهُوَ أَصَحُّهُمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى بَاخْتِصَارٍ يَسِيرٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(فَضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ عَنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ فَكَسَرَ يَدَهَا (فَاشْتَكَتْهُ إِلَيْهِ) ظَاهِرُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّهَا اشْتَكَتْ لِلضَّرْبِ فَهِيَ مُعَارَضَةٌ بِمَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ إِنِّي مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ وَأُجِيبَ بِأَنَّهَا لَمْ تَشْكُهُ لِلضَّرْبِ بَلْ لِسَبَبٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّهُ كَانَ دَمِيمَ الْخِلْقَةِ فَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جده عند بن مَاجَهْ كَانَتْ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ وَكَانَ رَجُلًا دَمِيمًا فَقَالَتْ وَاللَّهِ لَوْلَا مَخَافَةُ اللَّهِ إِذَا دَخَلَ عَلَيَّ لَبَصَقْتُ فِي وَجْهِهِ وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ قال بلغني أنها قالت يارسول اللَّهِ بِي مِنَ الْجَمَالِ مَا تَرَى وَثَابِتٌ رَجُلٌ دَمِيمٌ (فَقَالَ وَيَصْلُحُ ذَلِكَ) أَيْ هَلْ يَجُوزُ أَنْ آخُذَ بَعْضَ مَالِهَا وَأُفَارِقَهَا (فَإِنِّي أَصْدَقْتُهَا) أَيْ جَعَلْتُ صَدَاقَهَا (حَدِيقَتَيْنِ) الْحَدِيقَةُ الْبُسْتَانُ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
(فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَهَا حَيْضَةً) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعَالِمِ السُّنَنِ هَذَا أَدَلُّ شَيْءٍ عَلَى أَنَّ الْخُلْعَ فَسْخٌ وَلَيْسَ بِطَلَاقٍ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ فَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ مُطَلَّقَةً لَمْ يَقْتَصِرْ لَهَا عَلَى قُرْءٍ وَاحِدٍ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ المنذري
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَرَوَى النَّسَائِيّ حَدِيث اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْس مَوْصُولًا مُطَوَّلًا عَنْ الرُّبَيِّع بِنْت مُعَوِّذ أَنَّ ثَابِت بْن قَيْس بْن شَمَّاس ضَرَبَ اِمْرَأَته فَكَسَرَ يَدهَا وَهِيَ جَمِيلَة بِنْت عَبْد اللَّه بْن أُبَيّ وَأَتَى أَخُوهَا يَشْتَكِيه إِلَى رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَرْسَلَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى ثَابِت فَقَالَ لَهُ خُذْ الَّذِي لَهَا عَلَيْك وَخَلّ سَبِيلهَا قَالَ نَعَمْ فَأَمَرَ بِهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنْ تَتَرَبَّص حَيْضَة وَاحِدَة وَتَلْحَق بِأَهْلِهَا
(عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا) أَيْ لَمْ يَذْكُرِ الصَّحَابِيَّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مُسْنَدًا وَقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حسن غريب
(عن بن عُمَرَ قَالَ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ) قَالَ التِّرْمِذِيُّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي عِدَّةِ الْمُخْتَلِعَةِ فَقَالَ أكثر أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ أَنَّ عِدَّةَ الْمُخْتَلِعَةِ عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ وَهُوَ قَوْلُ الثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَبِهِ يَقُولُ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِهِمْ عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ قَالَ إِسْحَاقُ وَإِنْ ذَهَبَ ذَاهِبٌ إِلَى هَذَا فَهُوَ مَذْهَبٌ قوي انتهى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعه الصَّحِيح فِي حَدِيث الرُّبَيِّع أَنَّهَا أُمِرَتْ أَنْ تَعْتَدَّ وَهَذَا مَرْفُوع وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى أَنَّ الَّذِي أَمَرَهَا بِذَلِكَ هُوَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الترمذي حديث بن عَبَّاس أَنَّ اِمْرَأَة ثَابِت بْن قَيْسٍ اِخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا عَلَى عَهْد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ تَعْتَدّ بِحَيْضَةٍ وَقَالَ هَذَا حَدِيث حَسَن غَرِيب
وَالْمَعْرُوف عَنْ إِسْحَاق أَنَّ عِدَّتهَا حَيْضَة وَهِيَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَام أَحْمَد نَقَلَهَا عَنْهُ أَبُو الْقَاسِم وَهُوَ قَوْل عُثْمَان بن عفان وعبد الله بن عباس وعن بن عُمَر رِوَايَتَانِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ عِدَّتهَا عِدَّة الْمُطَلَّقَة ذَكَره مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ نَافِع عَنْهُ
والثانية حيضة نقلها بن الْمُنْذِر عَنْهُ وَهِيَ رِوَايَة الْقَعْنَبِيّ عَنْهُ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ الْقَعْنَبِيّ عَنْ مَالِك عَنْ نافع عن بن عمر قال عدة المختلعة حيضة اختار بن الْمُنْذِر أَنَّ عِدَّتهَا حَيْضَة
وَقَدْ ذَكَر اللَّه تَعَالَى فِي آيَة الطَّلَاق ثَلَاثَة أَحْكَام أَحَدهَا أَنَّ التَّرَبُّص فِيهِ ثَلَاثَة قُرُوء الثَّانِي أَنَّهُ مَرَّتَانِ الثَّالِث أَنَّ الزَّوْج أَحَقّ بِرَدِّ اِمْرَأَته فِي الْمَرَّتَيْنِ
فَالْخُلْع لَيْسَ بِدَاخِلٍ فِي الْحُكْم الثَّالِث اِتِّفَاقًا وَقَدْ دَلَّتْ السُّنَّة أَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِي الْحُكْم الْأَوَّل وَذَلِكَ يَدُلّ عَلَى عَدَم دُخُوله فِي حُكْم الْعَدَد فَيَكُون فَسْخًا
وَهَذَا مِنْ أَحْسَن مَا يُحْتَجّ بِهِ عَلَى ذلك