الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْوَصْفَانِ فِي الْأَبْكَارِ مِنْ أَقَارِبِهِنَّ إِذِ الْغَالِبُ سِرَايَةُ طِبَاعِ الْأَقَارِبِ بَعْضُهُنَّ إِلَى بَعْضٍ وَيُحْتَمَلُ وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى تَزَوَّجُوا اثْبُتُوا عَلَى زَوَاجِهَا وَبَقَاءِ نِكَاحِهَا إِذَا كَانَتْ مَوْصُوفَةً بِهَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ قَالَهُ فِي الْمِرْقَاةِ
قُلْتُ هَذَا الِاحْتِمَالُ يُزَاحِمُهُ سَبَبُ الْحَدِيثِ (فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ) أَيْ مُفَاخِرٌ بِسَبَبِكُمْ سَائِرَ الْأُمَمِ لِكَثْرَةِ أَتْبَاعِي
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
(بَاب فِي قَوْلِهِ تَعَالَى الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زانية)
[2051]
(أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدَ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا دَالٌ مُهْمَلَةٌ (الْغَنَوِيَّ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ مَفْتُوحَةٌ نِسْبَةٌ إِلَى غَنِيِّ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ غَنِيُّ بْنُ يَصْعُرَ وَيُقَالُ أَعْصَرُ بْنُ قَيْسِ بْنِ سَعْدِ بْنِ غَيْلَانَ
قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ (كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى بِمَكَّةَ) وَفِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ
وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ كَانَ رَجُلًا يَحْمِلُ الْأَسْرَى مِنْ مَكَّةَ وَيَأْتِي بِهِمُ الْمَدِينَةَ
وَالْأَسَارَى وَالْأَسْرَى كِلَاهُمَا جَمْعُ أَسِيرٍ (وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ) أَيْ فَاجِرَةٌ وَجَمْعُهَا الْبَغَايَا (وَكَانَتْ) أَيْ عَنَاقُ (صَدِيقَتُهُ) أَيْ حَبِيبَتُهُ (قَالَ) أَيْ مَرْثَدُ (وَقَالَ لَا تَنْكِحْهَا) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ منها الزنى وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ لِأَنَّ فِي آخِرِهَا وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فإنه صريح في التحريم
قال بن الْقَيِّمِ وَأَمَّا نِكَاحُ الزَّانِيَةِ فَقَدْ صَرَّحَ اللَّهُ بتحريمه
فِي سُورَةِ النُّورِ وَأَخْبَرَ أَنَّ مَنْ نَكَحَهَا فَهُوَ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ فَهُوَ إِمَّا أَنْ يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فَإِنْ لَمْ يَعْتَقِدْهُ فَهُوَ مُشْرِكٌ وَإِنِ الْتَزَمَهُ وَاعْتَقَدَ وُجُوبَهُ وَخَالَفَهُ فَهُوَ زَانٍ ثُمَّ صَرَّحَ بتحريمه فقال وحرم ذلك على المؤمنين وَأَمَّا جَعْلُ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِهِ وَحُرِّمَ ذَلِكَ إلى الزنى فَضَعِيفٌ جِدًّا إِذْ يَصِيرُ مَعْنَى الْآيَةِ الزَّانِي لَا يَزْنِي إِلَّا بِزَانِيَةٍ أَوْ مُشْرِكَةٍ وَالزَّانِيَةُ لَا يَزْنِي بِهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَهَذَا مِمَّا يَنْبَغِي أَنْ يُصَانَ عَنْهُ الْقُرْآنُ
ولا يعارض ذلك حديث بن عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ فَإِنَّهُ فِي الِاسْتِمْرَارِ عَلَى نِكَاحِ الزَّوْجَةِ الزَّانِيَةِ وَالْآيَةُ فِي ابْتِدَاءِ النِّكَاحِ فَيَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَسْتَمِرَّ عَلَى نِكَاحِ مَنْ زَنَتْ وَهِيَ تَحْتَهُ وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بَالزَّانِيَةِ
وَقَدْ عَرَفْتَ أَنَّهُ أُرِيدَ بِقَوْلِهِ لَا تَمْنَعُ يَدَ لَامِسٍ
غَيْرُ الزنى أَيْضًا وَعَلَى هَذَا فَلَا مُعَارَضَةَ أَصْلًا
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَلِلْعُلَمَاءِ فِي الْآيَةِ خَمْسَةُ أَقْوَالٍ أَحَدُهَا أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْآيَةِ الْقَوْلُ فِيهَا كَمَا قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ
وَقَالَ غَيْرُهُ النَّاسِخُ لَهَا وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى منكم فَدَخَلَتِ الزَّانِيَةُ فِي أَيَامَى الْمُسْلِمِينَ وَعَلَى هَذَا أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ مَنْ زَنَى بَامْرَأَةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَلِغَيْرِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا
وَالثَّانِي أَنَّ النكاح ها هنا الْوَطْءُ وَالْمُرَادُ أَنَّ الزَّانِيَ لَا يُطَاوِعُهُ عَلَى فِعْلِهِ وَيُشَارِكُهُ فِي مُرَادِهِ إِلَّا زَانِيَةٌ مِثْلُهُ أو مشركة لا تحرم الزنى
وَتَمَامُ الْفَائِدَةِ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَحُرِّمَ ذَلِكَ على المؤمنين يَعْنِي الَّذِينَ امْتَثَلُوا الْأَوَامِرَ وَاجْتَنَبُوا النَّوَاهِيَ
وَالثَّالِثُ أَنَّ الزَّانِيَ الْمَجْلُودَ لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً مَجْلُودَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَكَذَا الزَّانِيَةُ
وَالرَّابِعُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي نِسْوَةٍ كَانَ الرَّجُلُ يَتَزَوَّجُ إِحْدَاهُنَّ عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَيْهِ مِمَّا كَسَبَتْهُ من الزنى وَاحْتُجَّ بِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ
وَالْخَامِسُ أَنَّهُ عَامٌّ فِي تَحْرِيمِ نِكَاحِ الزَّانِيَةِ عَلَى الْعَفِيفِ وَالْعَفِيفِ عَلَى الزَّانِيَةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
[2052]
(لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلَّا مِثْلَهُ) قَالَ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَمِيرُ فِي سُبُلِ السَّلَامِ فِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوَّجَ بِمَنْ ظَهَرَ زِنَاهُ وَلَعَلَّ الْوَصْفَ بَالْمَجْلُودِ بِنَاءٌ عَلَى الْأَغْلَبِ في حق من ظهر منه الزنى
وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ