الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَدَلَّسَ الزُّهْرِيُّ وَرَوَى عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ لَكِنْ لَفْظَ أَحْمَدَ وَذِكْرُ الزُّهْرِيِّ أَنَّ قَبِيصَةَ بْنَ ذُؤَيْبٍ حَدَّثَهُ يَدْفَعُ هَذَا التَّأْوِيلَ
كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ أَنَّ حَدِيثَ عُبَيْدِ اللَّهِ هَذَا مُرْسَلٌ
0 -
(بَاب مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَى فَاطِمَةَ)
(مع الأسود) أي بن يَزِيدَ (فَقَالَ) أَيِ الْأَسْوَدُ (مَا كُنَّا لِنَدَعَ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا) قَالَ النَّوَوِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ الَّذِي فِي كِتَابِ رَبِّنَا إِنَّمَا هُوَ إِثْبَاتُ السُّكْنَى
قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا هَذِهِ زِيَادَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ لَمْ يَذْكُرْهَا جَمَاعَةٌ مِنَ الثِّقَاتِ
انْتَهَى وَمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ فَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ السُّنَّةُ بِيَدِ فَاطِمَةَ قَطْعًا وَأَيْضًا تِلْكَ الرِّوَايَةُ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَمَوْلِدُهُ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِسَنَتَيْنِ (لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَحَفِظَتْ ذَلِكَ أَمْ لا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي الْمَسَائِل سَمِعْت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة فَلَمْ يُصَحَّح هَذَا عَنْ عُمَر وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا الْكَلَام لَا يَثْبُت عَنْ عُمَر يَعْنِي قَوْله سُنَّة نَبِيّنَا ثُمَّ ذَكَر أَحَادِيث الْبَاب ثُمَّ قَالَ بَعْد اِنْتِهَاء آخِر الْبَاب اِخْتَلَفَ النَّاس فِي الْمَبْتُوتَة هَلْ لَهَا نَفَقَة أَوْ سُكْنَى عَلَى ثَلَاثَة مَذَاهِب وَعَلَى ثَلَاث رِوَايَات عَنْ أَحْمَد أَحَدهَا أَنَّهُ لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا نَفَقَة وَهُوَ ظَاهِر مَذْهَبه
وَهَذَا قَوْل عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَجَابِر وَعَطَاء وَطَاوُس وَالْحَسَن وَعِكْرِمَة وَمَيْمُون بْن مِهْرَانَ وَإِسْحَاق بْن رَاهْوَيْهِ وداود بْن عَلِيّ وَأَكْثَر فُقَهَاء الْحَدِيث وَهُوَ مَذْهَب صَاحِبَة الْقِصَّة فَاطِمَة بِنْت قَيْس وَكَانَتْ تُنَاظِر عَلَيْهِ
وَالثَّانِي وَيُرْوَى عَنْ عُمَر وَعَبْد اللَّه بْن مَسْعُود أَنَّ لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة
وَهُوَ قول أكثر أهل
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْ عُمَرَ يَتَضَمَّنُ الطَّعْنَ عَلَى رِوَايَةِ فَاطِمَةَ قُلْتُ هَذَا مَطْعَنٌ بَاطِلٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ لِلْقَطْعِ بِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ رَدَّ خَبَرَ الْمَرْأَةِ لِكَوْنِهَا امْرَأَةً
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
العراق وقول بن شبرمة وبن أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَان الثَّوْرِيّ وَالْحَسَن بْن أَبِي صَالِح وَأَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه وَعُثْمَان الْبَتِّيُّ وَالْعَنْبَرِيُّ
وَحَكَاهُ أَبُو يَعْلَى الْقَاضِي فِي مُفْرَدَاته رِوَايَة عَنْ أَحْمَد وَهِيَ غَرِيبَة جِدًّا وَالثَّالِث أَنَّ لَهَا السُّكْنَى دُون النَّفَقَة وَهَذَا قَوْل مَالِك وَالشَّافِعِيّ وَفُقَهَاء الْمَدِينَة السَّبْعَة وَهُوَ مَذْهَب عَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ
وَأَسْعَد النَّاس بِهَذَا الْخَبَر مَنْ قال بِهِ وَأَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا وَلَا سُكْنَى وَلَيْسَ مَعَ رَدّه حُجَّة تُقَاوِمهُ وَلَا تُقَارِبهُ
قال بن عَبْد الْبَرّ أَمَّا مِنْ طَرِيق الْحُجَّة وَمَا يَلْزَم مِنْهَا فَقَوْل أَحْمَد بْن حَنْبَل وَمَنْ تَابَعَهُ أَصِحّ وَأَرْجَح لِأَنَّهُ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم نَصًّا صَرِيحًا فَأَيّ شَيْء يُعَارِض هَذَا إِلَّا مِثْله عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي هُوَ الْمُبَيِّن عَنْ اللَّه مُرَاده وَلَا شَيْء يَدْفَع ذَلِكَ وَمَعْلُوم أَنَّهُ أَعْلَم بِتَأْوِيلِ قَوْل اللَّه تَعَالَى {أُسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ}
وَأَمَّا قَوْل عُمَر وَمَنْ وَافَقَهُ فقد خالفه علي وبن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَالْحُجَّة مَعَهُمْ وَلَوْ لَمْ يُخَالِفهُمْ أَحَد مِنْهُمْ لَمَا قُبِلَ قَوْل الْمُخَالِف لِقَوْلِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ قَوْل رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حُجَّة عَلَى عُمَر وَعَلَى غَيْره
وَلَمْ يَصِحّ عَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة فَإِنَّ أَحْمَد أَنْكَرَهُ وَقَالَ أَمَّا هَذَا فَلَا
وَلَكِنْ قَالَ لَا نَقْبَل فِي دِينِنَا قَوْل اِمْرَأَة وَهَذَا أَمْر يَرُدّهُ الْإِجْمَاع عَلَى قَبُول الْمَرْأَة فِي الرِّوَايَة فَأَيّ حُجَّة فِي شَيْء يُخَالِفهُ الْإِجْمَاع وَتَرُدّهُ السُّنَّة وَيُخَالِفهُ فِيهِ عُلَمَاء الصَّحَابَة وَقَالَ إِسْمَاعِيل بْن إِسْحَاق نَحْنُ نَعْلَم أَنَّ عُمَر لَا يَقُول لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا إِلَّا لِمَا هُوَ مَوْجُود فِي كِتَاب اللَّه تَعَالَى وَاَلَّذِي فِي الْكِتَاب أَنَّ لَهَا النَّفَقَة إِذَا كَانَتْ حَامِلًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن} وَأَمَّا غَيْر ذَوَات الْحَمْل فَلَا يَدُلّ إِلَّا عَلَى أَنَّهُنَّ لَا نَفَقَة لَهُنَّ لِاشْتِرَاطِهِ الْحَمْل في الأمر بالإنفاق
آخر كلامه
والذي رَدُّوا خَبَر فَاطِمَة هَذَا ظَنُّوهُ مُعَارِضًا لِلْقُرْآنِ فإن الله تعالى قال {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدكُمْ} وَقَالَ {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ} وَهَذَا لَوْ كَانَ كَمَا ظَنُّوهُ لَكَانَ فِي السُّكْنَى خَاصَّة وَأَمَّا إِيجَاب النَّفَقَة لَهَا فَلَيْسَ فِي الْقُرْآن إِلَّا مَا يَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهُنَّ كَمَا قَالَ الْقَاضِي إِسْمَاعِيل لِأَنَّ اللَّه سبحانه وتعالى شَرَطَ فِي وُجُوب الْإِنْفَاق أَنْ يَكُنَّ مِنْ أُولَات الْحَمْل وَهُوَ يَدُلّ عَلَى أَنَّهَا إِذَا كَانَتْ حَامِلًا فَلَا نَفَقَة لَهَا كَيْف وَإِنَّ الْقُرْآن لَا يَدُلّ عَلَى وجوب السكنى للمبتوتة بِوَجْهٍ مَا فَإِنَّ السِّيَاق كُلّه إِنَّمَا هُوَ فِي الرَّجْعِيَّة
يُبَيِّن ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّه يُحْدِث بَعْد ذَلِكَ أَمْرًا} وَقَوْله {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلهنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} وَهَذَا فِي الْبَائِن
فَكَمْ مِنْ سُنَّةٍ قَدْ تَلَقَّتْهَا الْأُمَّةُ بَالْقَبُولِ عَنِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَهَذَا لَا يُنْكِرهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى نَصِيبٍ مِنْ عِلْمِ السُّنَّةِ وَلَمْ يُنْقَلْ أَيْضًا عَنْ أَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّهُ يَرُدُّ الْخَبَرَ بِمُجَرَّدِ تَجْوِيزِ نِسْيَانِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
مُسْتَحِيل ثُمَّ قَالَ (أَسْكِنُوهُنَّ) وَاَللَّاتِي قَالَ فِيهِنَّ {فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بِمَعْرُوفٍ} قَالَ فِيهِنَّ {أَسْكِنُوهُنَّ} و {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتهنَّ} وَهَذَا ظَاهِرٌ جِدًّا
وَشُبْهَة مَنْ ظَنَّ أَنَّ الْآيَة فِي الْبَائِن قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} قَالُوا وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرَّجْعِيَّة لَهَا النَّفَقَة حَامِلًا كَانَتْ أَوْ حَائِلًا وَهَذَا لَا حُجَّة فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَوْجَبَ نَفَقَتهَا حَامِلًا لَمْ يَدُلّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ لَا نَفَقَة لَهَا إِذَا كَانَتْ حَائِلًا بَلْ فَائِدَة التَّقْيِيد بِالْحَمْلِ التَّنْبِيه عَلَى اِخْتِلَاف جِهَة الْإِنْفَاق بِسَبَبِ الحمل قبل الوضع وبعده فقبل الْوَضْع لَهَا النَّفَقَة حَتَّى تَضَعهُ فَإِذَا وَضَعَتْهُ صارت النفقة بحكم الإجارة وَرَضَاعَة الْوَلَد وَهَذِهِ قَدْ يَقُوم غَيْرهَا مَقَامهَا فيه فلا تستحقها لقوله تعالى {وإن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى} وَأَمَّا النَّفَقَة حَال الْحَمْل فَلَا يَقُوم غَيْرهَا مَقَامهَا فِيهِ بَلْ هِيَ مُسْتَمِرَّة حَتَّى تَضَعهُ
فَجِهَة الْإِنْفَاق مُخْتَلِفَة
وَأَمَّا الْحَائِل فَنَفَقَتهَا مَعْلُومَة مِنْ نَفَقَة الزَّوْجَات فَإِنَّهَا زَوْجَة مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّة فَلَا حَاجَة إِلَى بَيَان وُجُوب نَفَقَتهَا
وَأَمَّا الْحَامِل فَلَمَّا اِخْتَلَفَ جِهَة النَّفَقَة عَلَيْهَا قَبْل الْوَضْع وَبَعْده ذَكَر سُبْحَانه الْجِهَتَيْنِ وَالسَّبَبَيْنِ وَهَذَا مِنْ أَسْرَار الْقُرْآن وَمَعَانِيه الَّتِي يَخْتَصّ اللَّه بِفَهْمِهَا مَنْ يَشَاء
وَأَيْضًا فَلَوْ كَانَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولَات حَمْل فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلهنَّ} فِي الْبَوَائِنِ لَكَانَ دَلِيلًا ظَاهِرًا عَلَى أَنَّ الْحَائِل الْبَائِن لَا نَفَقَة لَهَا لا شتراط الْحَمْل فِي وُجُوب الِاتِّفَاق وَالْحُكْم الْمُعَلَّق بِالشَّرْطِ يَعْدَم عِنْد عَدَمه وَأَمَّا آيَة السُّكْنَى فَلَا يَقُول أَحَد إِنَّهَا مُخْتَصَّة بِالْبَائِنِ لِأَنَّ السِّيَاق يُخَالِفهُ وَيُبَيِّن أَنَّ الرَّجْعِيَّة مُرَادَة مِنْهَا فَإِمَّا أَنْ يُقَال هِيَ مُخْتَصَّة بِالرَّجْعِيَّةِ كَمَا يَدُلّ عَلَيْهِ سِيَاق الْكَلَام وَتَتَّحِد الضَّمَائِر وَلَا تَخْتَلِف مُفَسَّرَاتهَا بَلْ يَكُون مُفَسَّر قَوْله {فَأَمْسِكُوهُنَّ} هُوَ مُفَسَّر قَوْله {أَسْكِنُوهُنَّ} وَعَلَى هَذَا فَلَا حُجَّة فِي سُكْنَى الْبَائِن
وَإِمَّا أَنْ يُقَال هِيَ عَامَّة لِلْبَائِنِ وَالرَّجْعِيَّة وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُون حَدِيث فَاطِمَة مُنَافِيًا لِلْقُرْآنِ بَلْ غَايَته أَنْ يَكُون مُخَصِّصًا لِعُمُومِهِ وَتَخْصِيص الْقُرْآن بِالسُّنَّةِ جَائِز وَاقِع هَذَا لَوْ كَانَ قَوْله (أَسْكِنُوهُنَّ) عَامًّا فَكَيْف وَلَا يَصِحّ فِيهِ الْعُمُوم لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَقَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَا نَفَقَة لَك وَلَا سُكْنَى وَقَوْله فِي اللَّفْظ الْآخَر إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَة رَوَاهُ الْإِمَام أَحْمَد وَالنَّسَائِيّ وَإِسْنَاده صَحِيح
وَفِي لَفْظ لِأَحْمَد إِنَّمَا النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجهَا مَا
نَاقِلِهِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُقْدَحُ بِهِ لَمْ يَبْقَ حَدِيثٌ مِنَ الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ إِلَّا وَكَانَ مَقْدُوحًا فِيهِ لِأَنَّ تَجْوِيزَ النِّسْيَانِ لَا يَسْلَمُ مِنْهُ أَحَدٌ فَيَكُونُ ذَلِكَ مُفْضِيًا إِلَى تَعْطِيلِ السُّنَنِ بِأَسْرِهَا مَعَ كَوْنِ فَاطِمَةَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
كَانَتْ عَلَيْهَا الرَّجْعَة فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهَا رَجْعَة فَلَا نَفَقَة وَلَا سُكْنَى وَهَذَا يُبْطِل كُلّ مَا تَأَوَّلُوا بِهِ حَدِيث فَاطِمَة فَإِنَّ هَذَا فَتْوَى عَامَّة وَقَضَاء عَامّ فِي حَقّ كُلّ مُطَلَّقَة فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِشَأْنِ فَاطِمَة ذِكْر فِي الْمُبَيِّن لَكَانَ هَذَا اللَّفْظ الْعَامّ مُسْتَقِلًّا بِالْحُكْمِ لَا مُعَارِض لَهُ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْقُرْآن لَا يَدُلّ عَلَى خِلَاف هَذَا الْحَدِيث بَلْ إِنَّمَا يَدُلّ عَلَى مُوَافَقَته كَمَا قَالَتْ فَاطِمَة بَيْنِي وَبَيْنكُمْ الْقُرْآن
وَلَمَّا ذُكِرَ لِأَحْمَد قَوْل عُمَر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة تَبَسَّمَ أَحْمَد وَقَالَ أَيّ شَيْء فِي الْقُرْآن خِلَاف هَذَا وَأَمَّا قَوْله فِي الْحَدِيث وَسُنَّة نَبِيّنَا فَإِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة وَإِنْ كَانَ مُسْلِم رَوَاهَا فَقَدْ طَعَنَ فِيهَا الْأَئِمَّة كَالْإِمَامِ أَحْمَد وَغَيْره
قَالَ أَبُو دَاوُدَ فِي كِتَاب الْمَسَائِل سَمِعْت أحمد بن حنبل وذكر له قول عمر لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة قُلْت أَيَصِحُّ هَذَا عَنْ عُمَر قَالَ لَا
وَرَوَى هَذِهِ الْحِكَايَة الْبَيْهَقِيّ فِي السُّنَن والآثار عن الحاكم عن بن بَطَّة عَنْ أَبِي حَامِد الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ
وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ هَذَا اللَّفْظ لَا يَثْبُت يَعْنِي قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا وَيَحْيَى بْن آدَم أَحْفَظ مِنْ أَبِي أَحْمَد الزُّبَيْرِيّ وَأَثْبَت مِنْهُ وَقَدْ تَابِعه قَبِيصَة بْن عُقْبَة فَرَوَاهُ عَنْ عَمَّار بْن رُزَيْق مِثْل قَوْل يَحْيَى بْن آدم سواء والحسن بن عمارة متروك وأشعت بْن سَوَّار ضَعِيف وَرَوَاهُ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم دُون قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا وَالْأَعْمَش أَثْبَت مِنْ أشعت وَأَحْفَظ وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذِهِ اللَّفْظَة أَخْرَجَهَا مُسْلِم فِي صَحِيحه
وَذَهَبَ غَيْره مِنْ الْحُفَّاظ إِلَى أن قوله وسنة نبينا غسر مَحْفُوظَة فِي هَذَا الْحَدِيث فَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْن آدَم وَغَيْره عَنْ عَمَّار بْن رُزَيْق فِي السُّكْنَى دُون هَذِهِ اللَّفْظَة وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْأَعْمَش عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عُمَر دُون قَوْله وَسُنَّة نَبِيّنَا وَإِنَّمَا ذَكَره أَبُو أَحْمَد عَنْ عَمَّار وَأَشْعَث عَنْ الْحُكْم وَحَمَّاد عَنْ إِبْرَاهِيم عَنْ الْأَسْوَد عَنْ عُمَر وَالْحَسَن بْن عُمَارَة عَنْ سَلَمَة بْن كُهَيْل عَنْ عَبْد اللَّه بْن الْخَلِيل الْحَضْرَمِيّ عَنْ عُمَر ثُمَّ ذَكَر كَلَام الدَّارَقُطْنِيِّ أَنَّهَا لَا تَثْبُت
فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَيْسَ فِي السُّنَّة مَا يُعَارِض حَدِيث فَاطِمَة كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكِتَاب مَا يُعَارِضهُ
وَفَاطِمَة اِمْرَأَة جَلِيلَة مِنْ فُقَهَاء الصَّحَابَة غَيْر مُتَّهَمَة فِي الرِّوَايَة
وَمَا يَرْوِيه بَعْص الْأُصُولِيِّينَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا وَسُنَّة نَبِيّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ غَلَط لَيْسَ فِي الْحَدِيث وَإِنَّمَا الَّذِي فِي الْحَدِيث حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ هَذَا لَفْظ مُسْلِم
قَال هُشَيْم عَنْ إِسْمَاعِيل بْن أَبِي خَالِد أَنَّهُ ذَكَر عِنْد الشَّعْبِيّ قَوْل عُمَر هَذَا حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَقَالَ الشَّعْبِيّ اِمْرَأَة مِنْ قُرَيْش ذَات عَقْل وَرَأْي تَنْسَى قَضَاءً قُضِيَ بِهِ عَلَيْهَا قَالَ وَكَانَ الشَّعْبِيّ يأخذ بقولها
الْمَذْكُورَةِ مِنَ الْمَشْهُورَاتِ بَالْحِفْظِ كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُهَا الطَّوِيلُ فِي شَأْنِ الدَّجَّالِ وَلَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً يَخْطُبُ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَوَعَتْهُ جَمِيعَهُ فَكَيْفَ يُظَنُّ بِهَا أَنْ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَالَ مَيْمُون بْن مِهْرَانَ لِسَعِيدِ بْن الْمُسَيِّب تِلْكَ اِمْرَأَة فَتَنَتْ النَّاس لَئِنْ كَانَتْ إِنَّمَا أَخَذَتْ بِمَا أَفْتَاهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مَا فَتَنَتْ النَّاس وَإِنَّ لَنَا فِي رَسُول اللَّه أُسْوَة حَسَنَة
ثُمَّ رَدَّ خَبَرهَا بِأَنَّهَا اِمْرَأَة مِمَّا لَا يَقُول بِهِ أَحَد وَقَدْ أَخَذَ النَّاس بِرِوَايَةِ مَنْ هُوَ دُون فَاطِمَة وَبِخَبَرِ الْفُرَيْعَة وَهِيَ اِمْرَأَةٌ وَبِحَدِيثِ النِّسَاء كَأَزْوَاجِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرهنَّ مِنْ الصَّحَابِيَّات بَلْ قَدْ اِحْتَجَّ الْعُلَمَاء بِحَدِيثِ فَاطِمَة هَذَا بِعَيْنِهِ فِي أَحْكَام كَثِيرَة
مِنْهَا نَظَرَ الْمَرْأَة إِلَى الرَّجُل وَوَضْعهَا ثِيَابهَا فِي الْخَلْوَة وَجَوَاز الْخِطْبَة عَلَى خِطْبَة الْغَيْر إِذَا لَمْ تُجِبْهُ الْمَرْأَة وَلَمْ يَسْكُن إِلَيْهَا وَجَوَاز نِكَاح الْقُرَشِيَّة لِغَيْرِ الْقُرَشِيّ وَنَصِيحَة الرَّجُل لِمَنْ اِسْتَشَارَهُ فِي أَمْر يَعِيب مَنْ اِسْتَشَارَهُ فِيهِ وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِغِيبَةٍ وَمِنْهَا الْإِرْسَال بِالطَّلَاقِ فِي الْغَيْبَة
وَمِنْهَا التَّعْرِيض بِخُطْبَةِ الْمُعْتَدَّة الْبَائِن بِقَوْلِهِ لَا تَفُوتِينِي بِنَفْسِك
وَمِنْهَا اِحْتِجَاج الْأَكْثَرِينَ بِهِ عَلَى سُقُوط النَّفَقَة لِلْمَبْتُوتَةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِحَامِلٍ
فَمَا بَال حَدِيثهَا مُحْتَجًّا بِهِ فِي هَذِهِ الْأَحْكَام دُون سُقُوط السُّكْنَى فَإِنْ حَفِظَتْهُ فَهُوَ حُجَّة فِي الْجَمِيع وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُحْتَجّ بِهِ فِي شَيْء
وَاَللَّه أَعْلَم
وَقَالَ الشَّافِعِيّ فِي الْقَدِيم فَإِنْ قَالَ قَائِل فَإِنَّ عُمَر بْن الْخَطَّاب اِتَّهَمَ حَدِيث فَاطِمَة بِنْت قَيْسٍ وَقَالَ لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة قُلْنَا لَا نَعْرِف أَنَّ عُمَر اِتَّهَمَهَا وَمَا كَانَ فِي حَدِيثهَا مَا تُتَّهَم لَهُ مَا حَدَّثَتْ إِلَّا بِمَا يَجِب وَهِيَ اِمْرَأَهُ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ لَهَا شَرَف وَعَقْل وَفَضْل وَلَوْ رُدَّ شَيْء مِنْ حَدِيثهَا كَانَ إِنَّمَا يُرَدّ مِنْهُ أَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْت زَوْجهَا فَلَمْ تَذْكُر هِيَ لِمَ أُمِرَتْ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِهِ لِأَنَّهَا اِسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَتْ بِالتَّحَوُّلِ عَنْهُمْ لِلشَّرِّ بَيْنهَا وَبَيْنهمْ فَكَأَنَّهُمْ أَحَبُّوا لَهَا ذِكْر السَّبَب الَّذِي لَهُ أُخْرِجَتْ لِئَلَّا يَذْهَب ذَاهِب إِلَى أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنْ تَعْتَدّ الْمَبْتُوتَة حَيْثُ شَاءَتْ فِي غَيْر بَيْت زَوْجهَا
وَهَذَا الَّذِي ذَكَره الشَّافِعِيّ هُوَ تَأْوِيل عَائِشَة بِعَيْنِهِ وَبِهِ أَجَابَتْ مَرْوَان لَمَا اِحْتَجَّ عَلَيْهَا بِالْحَدِيثِ كَمَا تَقَدَّمَ
وَلَكِنَّ هَذَا التَّأْوِيل مِمَّا لَا يَصِحّ دَفْع الْحَدِيث بِهِ مِنْ وُجُوهٍ
أَحَدهَا أَنَّهُ لَيْسَ بِمَذْكُورٍ فِي الْقِصَّة وَلَا عَلَّقَ عَلَيْهِ الْحُكْم قَطّ لَا بِاللَّفْظِ وَلَا بِالْمَفْهُومِ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا فَتَعْلِيق الْحُكْم بِهِ تَعْلِيقٌ عَلَى وَصْف لَمْ يَعْتَبِرهُ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا فِي لَفْظه قَطّ مَا يَدُلّ عَلَى إِسْقَاط السُّكْنَى بِهِ وَتَرْكٌ لِتَعْلِيقِ الْحُكْم بِالْوَصْفِ الَّذِي اِعْتَبَرَهُ وَعَلَّقَ بِهِ الْحُكْم وَهُوَ عَدَم ثُبُوت الرَّجْعَة
الثَّانِي أَنَّكُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ فَإِنَّ الْمَرْأَة وَلَوْ اِسْتَطَالَتْ وَلَوْ عَصَتْ بِمَا عَسَى أَنْ تَعْصَى بِهِ لَا يَسْقُط
تَحْفَظَ مِثْلَ هَذَا وَتَنْسَى أَمْرًا مُتَعَلِّقًا بِهَا مُقْتَرِنًا بِفِرَاقِ زَوْجِهَا وَخُرُوجِهَا مِنْ بَيْتِهِ
كَذَا فِي النَّيْلِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا
(لَقَدْ عَابَتْ ذَلِكَ) أَيْ قَوْلَ فَاطِمَةَ بِأَنَّهُ لَا نَفَقَةَ وَلَا سُكْنَى لِلْمُطَلَّقَةِ الْبَائِنِ (فِي مَكَانٍ وَحْشٍ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ أَيْ خَالٍ لَيْسَ بِهِ أَنِيسٌ (فَلِذَلِكَ رَخَّصَ لَهَا) أي في الانتقال
قال المنذري وأخرجه بن مَاجَهْ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
حَقّهَا مِنْ السُّكْنَى كَمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا بَلْ كَانَ يُسْتَكْرَى لَهَا مِنْ حَقّهَا فِي مَال زَوْجهَا وَتَسْكُن نَاحِيَة
وَقَدْ أَعَاذَ اللَّه فَاطِمَة بِنْت قَيْس مِنْ ظُلْمهَا وَتَعَدِّيهَا إِلَى هَذَا الْحَدّ كَيْف وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُعَنِّفهَا بِذَلِكَ وَلَا نَهَاهَا عَنْهُ وَلَا قَالَ لَهَا إِنَّمَا أُخْرِجْت مِنْ بَيْتك بِظُلْمِك لِأَحْمَائِك بَلْ قَالَ لَهَا إِنَّمَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَة لِلْمَرْأَةِ إِذَا كَانَ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا رَجْعَة وَهَذَا هُوَ الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم ذَكَر لَهَا السَّبَب الَّذِي مِنْ أَجْله سَقَطَ حَقّهَا مِنْ السُّكْنَى وَهُوَ سُقُوط حَقّ الزَّوْج مِنْ الرَّجْعَة وَجَعَلَ هَذَا قَضَاء عَامًّا لَهَا وَلِغَيْرِهَا فَكَيْف يُعْدَل عَنْ هَذَا الْوَصْف إِلَى وَصْف لَوْ كَانَ وَاقِعًا لَمْ يَكُنْ لَهُ تَأْثِير فِي الْحُكْم أَصْلًا وَقَدْ رَوَى الْحُمَيْدِيّ فِي مُسْنَده هَذَا الْحَدِيث وَقَالَ فِيهِ يَا اِبْنَة قَيْس إِنَّمَا لَك السُّكْنَى وَالنَّفَقَة مَا كَانَ لِزَوْجِك عَلَيْك الرَّجْعَة وَرَوَاهُ الْأَثْرَم فَأَيْنَ التَّعْلِيل بِسَلَاطَةِ اللِّسَان مَعَ هَذَا الْبَيَان ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَمَا اِحْتَاجَ عُمَر فِي رَدّه إِلَى قَوْله لَا نَدَع كِتَاب رَبّنَا لِقَوْلِ اِمْرَأَة بَلْ كَانَ يَقُول لَمْ يُخْرِجهَا مِنْ السُّكْنَى إِلَّا بَذَاؤُهَا وَسَلَطُهَا وَلَمْ يُعَلِّلهَا بِانْفِرَادِ الْمَرْأَة بِهِ وَقَدْ كَانَ عُمَر رضي الله عنه يَقِف أَحْيَانًا فِي اِنْفِرَاد بَعْض الصَّحَابَة كَمَا طَلَب مِنْ أَبِي مُوسَى شَاهِدًا عَلَى رِوَايَته وَغَيْره
وَقَدْ أَنْكَرَتْ فَاطِمَة عَلَى مَنْ أَنْكَرَ عَلَيْهَا وَرَدَّتْ عَلَى مَنْ رَدَّ عَلَيْهَا وَانْتَصَرَتْ لِرِوَايَتِهَا وَمَذْهَبهَا
رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ
وَقَدْ قَضَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي المتلاعنين أن لا يبت لَهَا عَلَيْهِ وَلَا قُوت وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَسْأَلَة نَصّ لَكَانَ الْقِيَاس يَقْتَضِي سُقُوط النَّفَقَة وَالسُّكْنَى لِأَنَّهَا إِنَّمَا تَجِب فِي مُقَابَلَة التَّمْكِين مِنْ الِاسْتِمْتَاع وَالْبَائِن قَدْ فُقِدَ فِي حَقّهَا ذَلِكَ وَلِهَذَا وَجَبَتْ لِلرَّجْعِيَّةِ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاع بِهَا وَأَمَّا الْبَائِن فَلَا سَبِيل لَهُ إِلَى الِاسْتِمْتَاع بِهَا إِلَّا بِمَا يَصِل بِهِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّة وَحَبْسهَا لِعِدَّتِهِ لَا يُوجِب نَفَقَة كَمَا لَوْ وَطِئَهَا بِشُبْهَةٍ وَكَالْمُلَاعَنَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
(أَلَمْ تَرَيْ) بِحَذْفِ النُّونِ (إِلَى قَوْلِ فَاطِمَةَ) أَيْ بِنْتِ قَيْسٍ (قَالَتْ) أَيْ عَائِشَةُ (أَمَا) بَالتَّخْفِيفِ لِلتَّنْبِيهِ (إِنَّهُ) أَيِ الشَّأْنُ (لَا خَيْرَ لَهَا) أَيْ لِفَاطِمَةَ (فِي ذِكْرِ ذَلِكَ) فَإِنَّهَا تَذْكُرُ عَلَى وَجْهٍ يَقَعُ النَّاسُ فِي الْخَطَأِ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ بِنَحْوِهِ
(إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ) أَيِ انْتِقَالُهَا مِنْ مَسْكَنِ الزَّوْجِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا مُرْسَلٌ
(طَلَّقَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَكَمِ) هِيَ بِنْتُ أَخِي مَرْوَانَ وَاسْمُهَا عَمْرَةُ (فَانْتَقَلَهَا) أَيْ نَقَلَهَا مِنْ مَسْكَنِهَا الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ (وَهُوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ) أَيْ يَوْمَئِذٍ مِنْ قِبَلِ مُعَاوِيَةَ وَوَلِيَ الْخِلَافَةَ بَعْدَ ذَلِكَ (وَارْدُدِ الْمَرْأَةَ) أَيْ عَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ (إِلَى بَيْتِهَا) أَيِ الَّذِي طُلِّقَتْ فِيهِ (فَقَالَ مَرْوَانُ فِي حَدِيثِ سُلَيْمَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي) وَهُوَ مَوْصُولٌ بَالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ إِلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الَّذِي فَصَلَ بَيْنَ حَدِيثَيْ شَيْخَيْهِ فَسَاقَ مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ ثُمَّ بَيَّنَ لَفْظَ سُلَيْمَانَ وَحْدَهُ وَلَفْظَ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَحْدَهُ وَقَوْلُ مَرْوَانَ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ غَلَبَنِي أَيْ لَمْ يُطِعْنِي فِي رَدِّهَا إِلَى بَيْتِهَا وَقِيلَ مُرَادُهُ غَلَبَنِي بَالْحُجَّةِ لِأَنَّهُ احْتَجَّ بَالشَّرِّ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمَا كَذَا فِي الْفَتْحِ (لَا يَضُرُّكَ أَنْ لَا تَذْكُرَ حَدِيثَ فَاطِمَةَ) لِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِجَوَازِ انْتِقَالِ الْمُطَلَّقَةِ مِنْ مَنْزِلِهَا بِغَيْرِ سَبَبٍ
وَقَالَ فِي الْكَوَاكِبِ كَانَ لِعِلَّةٍ وَهُوَ أَنَّ مَكَانَهَا كَانَ وَحْشًا مَخُوفًا عَلَيْهَا أَوْ لِأَنَّهَا كَانَتْ لَسِنَةً اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا كَذَا فِي الْقَسْطَلَّانِيِّ (فَقَالَ مَرْوَانُ إِنْ كَانَ بِكَ الشَّرُّ) أَيْ إِنْ كَانَ عِنْدَكَ أَنَّ سَبَبَ خُرُوجِ