الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهذا هو الصواب وقول الجمهور وكره بن مَسْلَمَةَ الْمَالِكِيُّ ذَلِكَ قَالُوا لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ هَذَا الْحَدِيثُ قَالَهُ النَّوَوِيُّ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بن دينار عن بن عمر
(زاد بن نُمَيْرٍ) هُوَ عَبْدُ اللَّهِ
00 -
(بَابُ زِيَارَةِ الْقُبُورِ)
[2041]
هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَالْأَكْثَرُ خَالٍ عَنْ هَذَا وَلَيْسَ هَذَا الْبَابُ فِي الْمُنْذِرِيِّ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَوْرَدَ الْمُؤَلِّفُ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الْمَدِينَةِ أَحَادِيثَ تَحْرِيمِهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِفَضَائِلِ الْمَدِينَةِ وَزِيَارَةِ قُبَاءَ وَالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَغَيْرِ ذَلِكَ
(قَالَ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَتَّى أَرُدُّ عليه السلام قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي مِنْ قَبِيلِ حَذْفِ الْمَعْلُولِ وَإِقَامَةِ الْعِلَّةِ مَقَامَهُ وَهَذَا فَنٌّ فِي الْكَلَامِ شَائِعٌ فِي الْجَزَاءِ وَالْخَبَرِ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى فَإِنْ كَذَّبُوكَ فقد كذب رسل من قبلك أَيْ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَلَا تَحْزَنْ فَقَدْ كُذِّبَ
إِلَخْ فَحُذِفَ الْجَزَاءُ وَأُقِيمَ عِلَّتُهُ مَقَامَهُ وَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نضيع أجر من أحسن عملا أَيْ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَا نُضِيعُ عَمَلَهُمْ لِأَنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أحسن عملا فكذا ها هنا يُقَدَّرُ الْكَلَامُ أَيْ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا أَرُدُّ عليه السلام لِأَنِّي حَيٌّ أَقْدِرُ عَلَى رَدِّ السَّلَامِ وَقَوْلُهُ حَتَّى أَرُدُّ عَلَيْهِ أَيْ فَسَبَبُ ذَلِكَ حَتَّى أَرُدُّ عَلَيْهِ فَحَتَّى هُنَا حَرْفُ ابْتِدَاءٍ تُفِيدُ السَّبَبِيَّةَ مِثْلَ مَرِضَ فُلَانٌ حَتَّى لَا يَرْجُونَهُ لَا بِمَعْنَى كَيْ وَبِهَذَا اتَّضَحَ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَلَا يُخَالِفُ مَا ثَبَتَ حَيَاةُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ السُّيُوطِيُّ وَقَعَ السُّؤَالُ عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذَا الْحَدِيثِ وَبَيْنَ حَدِيثِ الْأَنْبِيَاءِ أَحْيَاءً وَفِي قُبُورِهِمْ يُصَلُّونَ وَسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ فِي حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَوَّلِ مُفَارَقَةُ الرُّوحِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ وَأَلَّفْتُ فِي الْجَوَابِ عَنْ ذَلِكَ تَأْلِيفًا سَمَّيْتُهُ انْتِبَاهَ الْأَذْكِيَاءِ بِحَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرْتُهُ فِيهِ خَمْسَةَ عَشَرَ وَجْهًا أَقْوَاهَا أَنَّ قَوْلَهُ رَدَّ اللَّهُ رُوحِي جُمْلَةٌ حالية وقاعدة
الْعَرَبِيَّةِ أَنَّ جُمْلَةَ الْحَالِ إِذَا صُدِّرَتْ بِفِعْلٍ ماض قدرت فيه كقوله تعالى أو جاءوكم حصرت صدورهم أي قد حصرت وكذا ها هنا يُقَدَّرُ قَدْ وَالْجُمْلَةُ مَاضِيَةٌ سَابِقَةٌ عَلَى السَّلَامِ الْوَاقِعِ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ وَحَتَّى لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ بَلْ لِمُجَرَّدِ الْعَطْفِ بِمَعْنَى الْوَاوِ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْحَدِيثِ مَا مِنْ أَحَدٍ يُسَلِّمُ عَلَيَّ إِلَّا قَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي قَبْلَ ذَلِكَ وَأَرُدُّ عَلَيْهِ
وَإِنَّمَا جَاءَ الْإِشْكَالُ مِنْ أَنَّ جُمْلَةَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي بِمَعْنَى حَالٍ أَوِ اسْتِقْبَالٍ وَظُنَّ أَنَّ حَتَّى تَعْلِيلِيَّةٌ وَلَا يَصِحُّ كُلُّ ذَلِكَ
وَبِهَذَا الَّذِي قَدَّرْنَاهُ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ مِنْ أَصْلِهِ
وَيُؤَيِّدُهُ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى أَنَّ الرَّدَّ لَوْ أُخِذَ بِمَعْنَى حَالٍ أَوِ اسْتِقْبَالٍ لَلَزِمَ تَكَرُّرُهُ عِنْدَ تَكَرُّرِ الْمُسَلِّمِينَ وَتَكَرُّرُ الرَّدِّ يَسْتَلْزِمُ تَكَرُّرَ الْمُفَارَقَةِ وَتَكَرُّرُ الْمُفَارَقَةِ يَلْزَمُ عَلَيْهِ مَحْذُورَاتٌ مِنْهَا تَأَلُّمُ الْجَسَدِ الشَّرِيفِ بِتَكْرَارِ خُرُوجِ رُوحِهِ وَعَوْدِهِ أَوْ نَوْعٍ مَا مِنْ مُخَالَفَةِ تَكْرِيرٍ إِنْ لَمْ يَتَأَلَّمْ وَمِنْهَا مُخَالَفَةُ سائر الناس من الشهداء وغيرهم إذا لَمْ يَثْبُتْ لِأَحَدِهِمْ أَنَّهُ يَتَكَرَّرُ لَهُ مُفَارَقَةُ رُوحِهِ وَعَوْدِهِ بَالْبَرْزَخِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَوْلَى بَالِاسْتِمْرَارِ الَّذِي هُوَ أَعْلَى رُتْبَةً
وَمِنْهَا مُخَالَفَةُ الْقُرْآنِ إِذْ دَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ إِلَّا مَوْتَتَانِ وَحَيَاتَانِ وَهَذَا التَّكْرَارُ يَسْتَلْزِمُ مَوْتَاتٍ كَثِيرَةً وَهُوَ بَاطِلٌ
وَمِنْهَا مُخَالَفَةُ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ الدَّالَّةِ عَلَى حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ وَمَا خَالَفَ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ وَجَبَ تَأْوِيلُهُ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الِاعْتِقَادِ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ مَا قُبِضُوا رُدَّتْ إِلَيْهِمْ أَرْوَاحُهُمْ فَهُمْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ كَالشُّهَدَاءِ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ حَيَاةِ الْأَنْبِيَاءِ بِلَفْظِ إِلَّا وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي بِزِيَادَةِ لَفْظِ قَدْ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ وَقَوْلُهُ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي مَعْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ إِلَّا وَقَدْ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي فَأَرُدُّ عليه السلام فَأَحْدَثَ اللَّهُ عَوْدًا عَلَى بَدْءٍ
قَالَ السُّيُوطِيُّ وَلَفْظُ الرَّدِّ قَدْ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمُفَارَقَةِ بَلْ كَنَّى بِهِ عَنْ مُطْلَقِ الصَّيْرُورَةِ وَحَسَّنَهُ هَذَا مُرَاعَاةُ الْمُنَاسِبَةِ اللَّفْظِيَّةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْلِهِ حَتَّى أَرُدَّ عليه السلام فَجَاءَ لَفْظُ الرَّدِّ فِي صَدْرِ الْحَدِيثِ لِمُنَاسَبَةِ ذِكْرِهِ بِآخِرِهِ
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِرَدِّهَا عَوْدُهَا بَعْدَ مُفَارَقَةِ بَدَنِهَا وَإِنَّمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَالْبَرْزَخِ مَشْغُولٌ بِأَحْوَالِ الْمَلَكُوتِ مُسْتَغْرِقٌ فِي مُشَاهَدَتِهِ تَعَالَى كَمَا هُوَ فِي الدُّنْيَا بِحَالَةِ الْوَحْيِ فَعَبَّرَ عَنْ إِفَاقَتِهِ مِنْ تِلْكَ الْحَالَةِ بِرَدِّ الرُّوحِ انْتَهَى
قَالَ الشَّيْخُ تَاجُ الدِّينِ الْفَاكِهَانِيُّ فَإِنْ قُلْتَ قَوْلُهُ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي لَا يَلْتَئِمُ مَعَ كَوْنِهِ حَيًّا دَائِمًا بَلْ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَتَعَدَّدَ حَيَاتُهُ وَمَمَاتُهُ فَالْجَوَابُ أَنْ يُقَالَ مَعْنَى الرُّوحِ هُنَا النُّطْقُ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ إِلَّا رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ نُطْقِي وَهُوَ حَيٌّ دَائِمًا لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ حَيَاتِهِ نُطْقُهُ فَيُرَدُّ عَلَيْهِ نُطْقُهُ عِنْدَ سَلَامِ كُلِّ أَحَدٍ وَعِلَاقَةُ الْمَجَازِ أَنَّ النُّطْقَ مِنْ لَازِمِهِ وُجُودُ الرُّوحِ كَمَا أَنَّ الرُّوحَ مِنْ لَازِمِهِ وُجُودُ النُّطْقِ بَالْفِعْلِ أَوِ الْقُوَّةِ فَعَبَّرَ صلى الله عليه وسلم بِأَحَدِ الْمُتَلَازِمَيْنِ عَنِ الْآخَرِ
وَمِمَّا يُحَقِّقُ ذلك أن
عَوْدَ الرُّوحِ لَا يَكُونُ إِلَّا مَرَّتَيْنِ لِقَوْلِهِ تعالى ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ السَّخَاوِيُّ فِي كِتَابِ الْبَدِيعِ رَدُّ رُوحِهِ يَلْزَمُهُ تَعَدُّدُ حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ فِي أَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ إِذِ الْكَوْنُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِ بَلْ قَدْ يَتَعَدَّدُ فِي آنٍ وَاحِدٍ كَثِيرًا
وَأَجَابَ الْفَاكِهَانِيُّ وَبَعْضُهُمْ بِأَنَّ الرُّوحَ هُنَا بِمَعْنَى النُّطْقِ مَجَازًا فَكَأَنَّهُ قَالَ يَرُدُّ اللَّهُ عَلَيَّ نُطْقِي
وَقِيلَ إِنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ بِلَا مَشَقَّةَ
وَقِيلَ الْمُرَادُ بَالرُّوحِ مَلَكٌ وُكِّلَ بِإِبْلَاغِهِ السَّلَامَ وَفِيهِ نَظَرٌ
انْتَهَى
قَالَ الْخَفَاجِيُّ فِي نَسِيمِ الرِّيَاضِ شَرْحِ الشِّفَاءِ لِلْقَاضِي عِيَاضٍ وَاسْتِعَارَةُ رَدِّ الرُّوحِ لِلنُّطْقِ بَعِيدَةٌ وَغَيْرُ مَعْرُوفَةٍ وَكَوْنُ الْمُرَادِ بَالرُّوحِ الْمَلَكُ تَأْبَاهُ الْإِضَافَةُ لِضَمِيرٍ إِلَّا أَنَّهُ مَلَكٌ كَانَ مُلَازِمًا لَهُ فَاخْتُصَّ بِهِ عَلَى أَنَّهُ أَقْرَبُ الْأَجْوِبَةِ
وَقَدْ وَرَدَ فِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ
قَالَ أَبُو دَاوُدَ بَلَغَنِي أَنَّ مَلَكًا مُوَكَّلًا بِكُلِّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ يَبْلُغُهُ
وَقَدْ وَرَدَ أَيْضًا إِطْلَاقُ الرُّوحِ عَلَى الْمَلَكِ فِي الْقُرْآنِ وَإِذَا خُصَّ هَذَا بَالزُّوَّارِ هَانَ أَمْرُهُ
وَجُمْلَةُ رَدَّ اللَّهُ عَلَيَّ رُوحِي حَالِيَّةٌ وَلَا يَلْزَمُهَا قَدْ إِذَا وَقَعَتْ بَعْدَ إِلَّا كَمَا ذَكَرَهُ فِي التَّسْهِيلِ وَهُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنْ أَعَمِّ الْأَحْوَالِ
وَبَالْجُمْلَةِ فَهَذَا الْحَدِيثُ لَا يَخْلُو مِنَ الْإِشْكَالِ
قَالَ الْخَفَاجِيُّ أَقُولُ الَّذِي يَظْهَرُ فِي تَفْسِيرِ الْحَدِيثِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ وَالشُّهَدَاءَ أَحْيَاءٌ وَحَيَاةُ الْأَنْبِيَاءِ أَقْوَى وَإِذَا لَمْ يُسَلِّطْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضَ فَهُمْ كَالنَّائِمِينَ
وَالنَّائِمُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَنْطِقُ حَتَّى يَنْتَبِهَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَالَّتِي لَمْ تمت في منامها الْآيَةَ فَالْمُرَادُ بَالرَّدِّ الْإِرْسَالُ الَّذِي فِي الْآيَةِ وَحِينَئِذٍ فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إِذَا سَمِعَ الصَّلَاةَ وَالسَّلَامَ بِوَاسِطَةٍ أَوْ بِدُونِهَا تَيَقَّظَ وَرَدَّ لَا أَنَّ رُوحَهُ تُقْبَضُ قَبْضَ الْمَمَاتِ ثُمَّ يُنْفَخُ وَتُعَادُ كَمَوْتِ الدُّنْيَا وَحَيَاتِهَا لِأَنَّ رُوحَهُ مُجَرَّدَةٌ نُورَانِيَّةٌ وَهَذَا لِمَنْ زَارَهُ وَمَنْ بَعُدَ تُبَلِّغُهُ الْمَلَائِكَةُ سَلَامَهُ فَلَا إِشْكَالَ أَصْلًا انْتَهَى
قَالَ فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ شَرْحِ سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ بَعْدَ مَا أَطَالَ الْكَلَامَ هَذَا أَيْ تَقْرِيرُ الْخَفَاجِيِّ مِنْ أَحْسَنِ التَّقَارِيرِ
وَأَخْرَجَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى نَائِيًا بُلِّغْتُهُ وَمَعْنَى قَوْلِهِ نَائِيًا أَيْ بَعِيدًا عَنِّي وَبُلِّغْتُهُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مُشَدَّدًا أَيْ بَلَّغَتْهُ الْمَلَائِكَةُ سَلَامَهُ وَصَلَاتَهُ عَلَيَّ
وَأَخْرَجَ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارِمِيُّ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ مَرْفُوعًا إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً سَيَّاحِينَ فِي الْأَرْضِ يُبَلِّغُونِي عَنْ أُمَّتِي السَّلَامَ وَإِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
قَالَهُ الْخَفَاجِيُّ
وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ
الْأَعْرَجُ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ صَلَّى عَلَيَّ عِنْدَ قَبْرِي سَمِعْتُهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيَّ مِنْ بَعِيدٍ أبلغته قال بن الْقَيِّمِ فِي جِلَاءِ الْأَفْهَامِ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ جدا
وما قال علي القارىء تَحْتَ حَدِيثِ الْبَابِ فِي شَرْحِ الشِّفَاءِ وَظَاهِرُهُ الْإِطْلَاقُ الشَّامِلُ لِكُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ وَمَنْ خَصَّ الرد بوقت الزيادة فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ انْتَهَى
فَيُرَدُّ كَلَامُهُ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الرِّوَايَاتِ
وَالْقَوْلُ الصَّحِيحُ أَنَّ هَذَا لِمَنْ زَارَهُ وَمَنْ بَعُدَ عَنْهُ تُبَلِّغُهُ الْمَلَائِكَةُ سَلَامَهُ
وَحَدِيثُ الْبَابِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ بِقَوْلِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ نَحْوَهُ سَنَدًا ومتنا
قال بن الْقَيِّمِ وَقَدْ صَحَّ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ وَسَأَلْتُ شيخنا بن تَيْمِيَةَ عَنْ سَمَاعِ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ كَأَنَّهُ أَدْرَكَهُ وَفِي سَمَاعِهِ مِنْهُ نَظَرٌ انْتَهَى كَلَامُهُ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ وَرِيَاضِ الصَّالِحِينَ إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ
وَقَالَ بن حَجَرٍ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَبُو صَخْرٍ حُمَيْدُ بْنُ زِيَادٍ وَقَدْ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ وَقَدْ أُنْكِرَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ حَدِيثِهِ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ مَرَّةً وَوَثَّقَهُ أُخْرَى انْتَهَى كَذَا فِي غَايَةِ الْمَقْصُودِ مُخْتَصَرًا
[2042]
(لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا) أَيْ لَا تَتْرُكُوا الصَّلَوَاتِ وَالْعِبَادَةَ فَتَكُونُوا فِيهَا كَأَنَّكُمْ أَمْوَاتٌ
شَبَّهَ الْمَكَانَ الْخَالِيَ عَنِ الْعِبَادَةِ بَالْقُبُورِ وَالْغَافِلَ عَنْهَا بَالْمَيِّتِ ثُمَّ أَطْلَقَ الْقَبْرَ عَلَى الْمَقْبَرَةِ
وَقِيلَ الْمُرَادُ لَا تَدْفِنُوا فِي الْبُيُوتِ وَإِنَّمَا دُفِنَ الْمُصْطَفَى فِي بَيْتِ عَائِشَةَ مَخَافَةَ اتِّخَاذِ قَبْرِهِ مَسْجِدًا ذَكَرَهُ الْقَاضِي قَالَهُ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَقَالَ الْخَفَاجِيُّ وَلَا يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم دُفِنَ فِي بَيْتِهِ لِأَنَّهُ اتُّبِعَ فِيهِ سُنَّةُ الْأَنْبِيَاءِ عليهم السلام كَمَا وَرَدَ مَا قُبِضَ نَبِيٌّ إِلَّا دُفِنَ حَيْثُ يُقْبَضُ
فَهُوَ مَخْصُوصٌ بِهِمُ انْتَهَى (وَلَا تجعلوا قبري عيدا) قال الإمام بن تَيْمِيَةَ رحمه الله مَعْنَى الْحَدِيثِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ أَبْعَدَ بَعْض الْمُتَكَلِّفِينَ وَقَالَ يَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْمُرَاد بِهِ الْحَثّ عَلَى كَثْرَة زِيَارَة قَبْره صلى الله عليه وسلم وَأَنْ لَا يُهْمَل حَتَّى لَا يُزَارَ إِلَّا فِي بَعْض الْأَوْقَات
كَالْعَبْدِ الَّذِي لَا يَأْتِي فِي الْعَام إِلَّا مَرَّتَيْنِ قَالَ وَيُؤَيِّد هَذَا التَّأْوِيل مَا جَاءَ فِي الْحَدِيث نَفْسه لَا تَجْعَلُوا بُيُوتكُمْ قُبُورًا أَيْ لَا تَتْرُكُوا الصَّلَاة فِي بُيُوتكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوهَا كَالْقُبُورِ الَّتِي لَا يُصَلَّى فيها
لَا تُعَطِّلُوا الْبُيُوتَ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهَا وَالدُّعَاءِ وَالْقِرَاءَةِ فَتَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُورِ فَأَمَرَ بِتَحَرِّي الْعِبَادَةِ بَالْبُيُوتِ وَنَهَى عَنْ تَحَرِّيهَا عِنْدَ الْقُبُورِ عَكْسَ مَا يَفْعَلُهُ الْمُشْرِكُونَ مِنْ النَّصَارَى وَمَنْ تَشَبَّهَ بِهِمْ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ
وَالْعِيدُ اسْمُ مَا يَعُودُ مِنَ الِاجْتِمَاعِ الْعَامِّ عَلَى وَجْهٍ مُعْتَادٍ عَائِدًا مَا يَعُودُ السَّنَةَ أَوْ يَعُودُ الْأُسْبُوعَ أو الشهر ونحو ذلك
وقال بن الْقَيِّمِ الْعِيدُ مَا يُعْتَادُ مَجِيئُهُ وَقَصْدُهُ مِنْ زَمَانٍ وَمَكَانٍ مَأْخُوذٌ مِنَ الْمُعَاوَدَةِ وَالِاعْتِيَادِ فَإِذَا كَانَ اسْمًا لِلْمَكَانِ فَهُوَ الْمَكَانُ الَّذِي يُقْصَدُ فِيهِ الِاجْتِمَاعُ الِانْتِيَابُ بَالْعِبَادَةِ وَبِغَيْرِهَا كَمَا أَنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَعَرَفَةَ وَالْمَشَاعِرَ جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى عِيدًا لِلْحُنَفَاءِ وَمَثَابَةً لِلنَّاسِ كَمَا جَعَلَ أَيَّامَ الْعِيدِ مِنْهَا عِيدًا
وَكَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَعْيَادٌ زَمَانِيَّةٌ وَمَكَانِيَّةٌ فَلَمَّا جَاءَ اللَّهُ بَالْإِسْلَامِ أَبْطَلَهَا وَعَوَّضَ الْحُنَفَاءَ مِنْهَا عِيدَ الْفِطْرِ وَعِيدَ النَّحْرِ كَمَا عَوَّضَهُمْ عَنْ أَعْيَادِ الْمُشْرِكِينَ الْمَكَانِيَّةِ بِكَعْبَةٍ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ وَسَائِرِ الْمَشَاعِرِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنَاوِيُّ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَعْنَاهُ النَّهْيُ عَنِ الِاجْتِمَاعِ لِزِيَارَتِهِ اجْتِمَاعِهِمْ لِلْعِيدِ إِمَّا لِدَفْعِ الْمَشَقَّةِ أَوْ كَرَاهَةَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا حَدَّ التَّعْظِيمِ
وَقِيلَ الْعِيدُ مَا يُعَادُ إِلَيْهِ أَيْ لَا تَجْعَلُوا قَبْرِي عِيدًا تَعُودُونَ إِلَيْهِ مَتَى أَرَدْتُمْ أَنْ تُصَلُّوا عَلَيَّ فَظَاهِرُهُ مَنْهِيٌّ عَنِ الْمُعَاوَدَةِ وَالْمُرَادُ الْمَنْعُ عَمَّا يُوجِبُهُ وَهُوَ ظَنُّهُمْ بِأَنَّ دُعَاءَ الْغَائِبِ لَا يَصِلُ إِلَيْهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ (وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ) أَيْ لَا تَتَكَلَّفُوا الْمُعَاوَدَةَ إِلَيَّ فَقَدِ اسْتَغْنَيْتُمْ بَالصَّلَاةِ عَلَيَّ
قَالَ الْمُنَاوِيُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ اجْتِمَاعَ الْعَامَّةِ فِي بَعْضِ أَضْرِحَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي يَوْمٍ أَوْ شَهْرٍ مَخْصُوصٍ مِنَ السَّنَةِ وَيَقُولُونَ هَذَا يَوْمُ مَوْلِدِ الشَّيْخِ وَيَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ وَرُبَّمَا يَرْقُصُونَ فِيهِ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا وَعَلَى وَلِيِّ الشَّرْعِ رَدْعُهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْكَارُهُ عَلَيْهِمْ وَإِبْطَالُهُ انْتَهَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ بَعْضهمْ وَزِيَارَة قَبْره صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ غُنْيَة عَنْ هَذَا التَّكَلُّف الْبَارِد وَالتَّأْوِيل الْفَاسِد الَّذِي يُعْلَم فَسَاده مِنْ تَأَمُّل سِيَاق الْحَدِيث وَدَلَالَة اللَّفْظ عَلَى مَعْنَاهُ وَقَوْله فِي آخِره وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتكُمْ تَبْلُغنِي حَيْثُ كُنْتُمْ وَهَلْ فِي الْأَلْغَاز أَبْعَد مِنْ دَلَالَة مَنْ يُرِيد التَّرْغِيب فِي الْإِكْثَار مِنْ الشَّيْء وملازمته بقوله لا تجعله عيدا وقوله وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتكُمْ قُبُورًا نَهْيٌ لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُبُور الَّتِي لَا يُصَلَّى فِيهَا وَكَذَلِكَ نَهْيه لَهُمْ أَنْ يَتَّخِذُوا قَبْره عِيدًا نَهْي لَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهُ مَجْمَعًا
كَالْأَعْيَادِ الَّتِي يَقْصِد النَّاس الِاجْتِمَاع إِلَيْهَا لِلصَّلَاةِ بَلْ يُزَار قَبْره صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يَزُورهُ الصَّحَابَة رِضْوَان اللَّه عَلَيْهِمْ عَلَى الْوَجْه الَّذِي يُرْضِيه وَيُحِبّهُ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ
وقال شيخ الإسلام بن تَيْمِيَةَ الْحَدِيثُ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ مَا يَنَالُنِي منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قبركم مِنْ قَبْرِي وَبُعْدِكُمْ عَنْهُ فَلَا حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى اتِّخَاذِهِ عِيدًا انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ السَّفَرِ لِزِيَارَتِهِ صلى الله عليه وسلم لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا هُوَ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءُ لَهُ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا يُمْكِنُ اسْتِحْصَالُهُ مِنْ بُعْدٍ كَمَا يُمْكِنُ مِنْ قُرْبٍ وَأَنَّ مَنْ سَافَرَ إِلَيْهِ وَحَضَرَ مِنْ نَاسٍ آخَرِينَ فَقَدِ اتَّخَذَهُ عِيدًا وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِنَصِّ الْحَدِيثِ فَثَبَتَ مَنْعُ شَدِّ الرَّحْلِ لِأَجْلِ ذَلِكَ بِإِشَارَةِ النَّصِّ كَمَا ثَبَتَ النَّهْيُ عَنْ جَعْلِهِ عِيدًا بِدَلَالَةِ النَّصِّ وَهَاتَانِ الدَّلَالَتَانِ مَعْمُولٌ بِهِمَا عِنْدَ عُلَمَاءِ الْأُصُولِ وَوَجْهُ هَذِهِ الدَّلَالَةِ عَلَى الْمُرَادِ قَوْلُهُ تَبْلُغُنِي حَيْثُ كُنْتُمْ فَإِنَّهُ يُشِيرُ إِلَى الْبُعْدِ وَالْبَعِيدُ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَحْصُلُ لَهُ الْقُرْبُ إِلَّا بَاخْتِيَارِ السَّفَرِ إِلَيْهِ وَالسَّفَرُ يَصْدُقُ عَلَى أَقَلِّ مَسَافَةٍ مِنْ يَوْمٍ فَكَيْفَ بِمَسَافَةٍ بَاعِدَةٍ فَفِيهِ النَّهْيُ عَنِ السَّفَرِ لِأَجْلِ الزِّيَارَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَالْحَدِيثُ حَسَنٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ وَلَهُ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ يَرْتَقِي بِهَا إِلَى دَرَجَةِ الصِّحَّةِ
قَالَهُ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْهَادِي رحمه الله
وَقَالَ فِي فَتْحِ الْمَجِيدِ شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ رُوَاتُهُ مَشَاهِيرُ لَكِنْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيُّ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَافِعٍ لَيْسَ بالحافظ نعرف وننكر
وقال بن مَعِينٍ هُوَ ثِقَةٌ وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ
قال الشيخ بن تَيْمِيَةَ وَمِثْلُ هَذَا إِذَا كَانَ لِحَدِيثِهِ شَوَاهِدُ عُلِمَ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ وَهَذَا لَهُ شَوَاهِدُ مُتَعَدِّدَةٌ انْتَهَى وَمِنْ شَوَاهِدِهِ الصَّادِقَةِ مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَجِيءُ إِلَى فُرْجَةٍ كَانَتْ عِنْدَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيَدْعُو فَنَهَاهُ وَقَالَ أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي عَنْ جَدِّي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا فَإِنَّ تَسْلِيمَكُمْ يَبْلُغُنِي أَيْنَ كُنْتُمْ رَوَاهُ الضِّيَاءُ فِي الْمُخْتَارَةِ وَأَبُو يَعْلَى وَالْقَاضِي إِسْمَاعِيلُ
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سُهَيْلٍ قَالَ رَآنِي الْحَسَنُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عِنْدَ الْقَبْرِ فَنَادَانِي وَهُوَ فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ يَتَعَشَّى فَقَالَ هَلُمَّ إِلَى الْعَشَاءِ فَقُلْتُ لَا أُرِيدُهُ فَقَالَ مَا لِي رَأَيْتُكَ عِنْدَ الْقَبْرِ فَقُلْتُ سَلَّمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِذَا دَخَلْتَ الْمَسْجِدَ فَسَلِّمْ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا تَتَّخِذُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي حَيْثُ مَا كُنْتُمْ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ مَا أَنْتُمْ وَمَنْ بَالْأَنْدَلُسِ إِلَّا سَوَاءٌ
قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ أَيْضًا بِسَنَدِهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمُهْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَتَّخِذُوا قَبْرِي عِيدًا وَلَا بُيُوتَكُمْ قُبُورًا وَصَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ تَبْلُغُنِي
قال بن تَيْمِيَةَ فَهَذَانِ الْمُرْسَلَانِ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ يَدُلَّانِ عَلَى ثُبُوتِ الْحَدِيثِ لَا سِيَّمَا وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مَنْ أَرْسَلَهُ وَذَلِكَ يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ عِنْدَهُ هَذَا لَوْ لَمْ يُرْوَ مِنْ وُجُوهٍ مُسْنَدَةٍ غَيْرِ هَذَيْنِ فَكَيْفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مُسْنَدًا
انتهى
قال بن تَيْمِيَةَ وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى مَنْعِ شَدِّ الرَّحْلِ إِلَى قَبْرِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِلَى قَبْرِ غَيْرِهِ مِنَ الْقُبُورِ وَالْمَشَاهِدِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ اتِّخَاذِهَا أَعْيَادًا
قَالَ فِي فَتْحِ الْمَجِيدِ شَرْحِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ وَهَذِهِ هِيَ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي أَفْتَى فِيهَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَعْنِي مَنْ سَافَرَ لِمُجَرَّدِ زِيَارَةِ قُبُورِ الْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَنُقِلَ فِيهَا اخْتِلَافُ الْعُلَمَاءِ فَمِنْ مُبِيحٍ لِذَلِكَ كَالْغَزَالِيِّ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْمَقْدِسِيِّ وَمِنْ مَانِعٍ لِذَلِكَ كَابْنِ بطة وبن عُقَيْلٍ وَأَبِي مُحَمَّدٍ الْجُوَيْنِيِّ وَالْقَاضِي عِيَاضٍ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ
نَصَّ عَلَيْهِ مَالِكٌ وَلَمْ يُخَالِفْهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَهُوَ الصَّوَابُ لِحَدِيثِ شَدِّ الرِّحَالِ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ
انْتَهَى كَلَامُهُ
وَأَمَّا الْآنَ فَالنَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الشَّرِيفِ إِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ عَنِ الصَّلَاةِ قَامُوا فِي مُصَلَّاهُمْ مُسْتَقْبِلِينَ الْقَبْرَ الشَّرِيفَ الرَّاكِعِينَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْتَصِقُ بَالسُّرَادِقِ وَيَطُوفُ حَوْلَهُ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ بَاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفِيهِ مَا يَجُرُّ الْفَاعِلَ إِلَى الشِّرْكِ وَمِنْ أَعْظَمِ الْبِدَعِ الْمُحَرَّمَةِ هُجُومُ النِّسْوَةِ حَوْلَ حُجْرَةِ الْمَرْقَدِ الْمُنَوَّرِ وَقِيَامُهُنَّ هُنَاكَ فِي أَكْثَرِ الْأَوْقَاتِ وَتَشْوِيشُهُنَّ عَلَى الْمُصَلِّينَ بَالسُّؤَالِ وَتَكَلُّمُهُنَّ مَعَ الرِّجَالِ كَاشِفَاتٍ الْأَعْيُنَ وَالْوُجُوهَ فَإِنَّا لِلَّهِ
إِلَى مَا ذَهَبَ بِهِمْ إِبْلِيسُ الْعَدُوُّ وَفِي أَيِّ هُوَّةٍ أَوْقَعَهُمْ فِي لِبَاسِ الدِّينِ وَزِيِّ الْحَسَنَاتِ
وَإِنْ شِئْتَ التَّفْصِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَانْظُرْ إِلَى كُتُبِ شُيُوخِ الإسلام كابن تيمية وبن الْقَيِّمِ وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْهَادِي مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ
وَأَمَّا مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ فَكَشَيْخِنَا الْعَلَّامَةِ الْقَاضِي بَشِيرِ الدِّينِ الْقِنَّوْجِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ كِتَابَهُ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ وَالرَّدُّ عَلَى مُنْتَهَى الْمَقَالِ مِنْ أَحْسَنِ الْمُؤَلَّفَةِ فِي هَذَا الْبَابِ
وَاعْلَمْ أَنَّ زِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَشْرَفُ مِنْ أَكْثَرِ الطَّاعَاتِ وَأَفْضَلُ مِنْ كَثِيرِ الْمَنْدُوبَاتِ لَكِنْ يَنْبَغِي لِمَنْ يُسَافِرُ أَنْ يَنْوِيَ زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ يَزُورَ قَبْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُصَلِّيَ وَيُسَلِّمَ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا زِيَارَةَ الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ وَزِيَارَةَ قَبْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم آمين
[2043]
(بن الْهُدَيْرِ) مُصَغَّرًا (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْ فِي الْمَدِينَةِ (نُرِيدُ قُبُورَ الشُّهَدَاءِ) أَيْ
زِيَارَتَهَا (حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا) أَيْ صَعِدْنَا (عَلَى حَرَّةِ وَاقِمٍ) بِإِضَافَةِ حَرَّةٍ إِلَى وَاقِمٍ
قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْحَرَّةُ الْأَرْضُ ذَاتُ الْحِجَارَةِ وَوَاقِمٌ بِكَسْرِ الْقَافِ أُطُمٌ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ وَإِلَيْهِ يُنْسَبُ الْحَرَّةُ (فَلَمَّا تَدَلَّيْنَا مِنْهَا) أَيْ هَبَطْنَا إِلَى الْأَسْفَلِ (فَإِذَا قُبُورٌ بِمَحْنِيَّةٍ) بِحَيْثُ يَنْعَطِفُ الْوَادِي وَهُوَ مُنْحَنَاهُ أَيْضًا أَيْ بِمَحَلِّ انْعِطَافِ الْوَادِي وَمَحَانِي الْوَادِي مَعَاطِفُهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ
وَمَحْنِيَّةٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ وَكَسْرِ النُّونِ وفتح الياء بِهَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (قُبُورُ إِخْوَانِنَا) الْمُسْلِمِينَ (قَالَ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ (قُبُورُ أَصْحَابِنَا) الَّذِينَ مَاتُوا عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ يَنَالُوا مَنْزِلَةَ الشُّهَدَاءِ (قُبُورَ الشُّهَدَاءِ) فِي سَبِيلِ اللَّهِ (قُبُورُ إِخْوَانِنَا) إِنَّمَا أَضَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِسْبَةَ الْأُخُوَّةِ وَشَرَّفَ بِهَا لِمَنْزِلَةِ الشُّهَدَاءِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[2044]
(أَنَاخَ بَالْبَطْحَاءِ) أَيْ نَاقَتَهُ وَالْأَبْطَحُ كُلُّ مَكَانٍ مُتَّسِعٍ (الَّتِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ) قَرْيَةٌ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ انْتَهَى
وَهَذَا احْتِرَازٌ عَنِ الْبَطْحَاءِ الَّتِي بَيْنَ مَكَّةَ وَمِنًى (فَصَلَّى بِهَا) قَالَ الْقَاضِي وَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ النُّزُولَ وَالصَّلَاةَ فِيهِ وَأَنْ لَا يُجَاوِزَ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ وَقْتِ صَلَاةٍ مَكَثَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُ الصَّلَاةِ فَيُصَلِّيَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[2045]
(الْمُعَرَّسَ) قَالَ الْقَاضِي الْمُعَرَّسُ مَوْضِعُ النُّزُولِ
قَالَ أَبُو زَيْدٍ عَرَّسَ الْقَوْمُ فِي الْمَنْزِلِ إِذَا نَزَلُوا بِهِ أَيَّ وَقْتٍ كَانَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ
وَقَالَ الْخَلِيلُ وَالْأَصْمَعِيُّ التَّعْرِيسُ النُّزُولُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ
قَالَ الْقَاضِي وَالنُّزُولُ بَالْبَطْحَاءِ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فِي رُجُوعِ الْحَاجِّ لَيْسَ مِنْ مناسك الحج
وَإِنَّمَا فَعَلَهُ مَنْ فَعَلَهُ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ تَبَرُّكًا بِآثَارِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّهَا بَطْحَاءُ مُبَارَكَةٌ
قَالَ وَقِيلَ إِنَّمَا نَزَلَ بِهِ صلى الله عليه وسلم فِي رُجُوعِهِ حَتَّى يُصْبِحَ لِئَلَّا يَفْجَأَ النَّاسُ أَهَالِيَهُمْ لَيْلًا كَمَا نَهَى عَنْهُ صَرِيحًا فِي الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ هَذَا آخِرُ كَلَامِهِ وَهُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِهَا وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ
قَالَ فِي الْمَرَاصِدِ الْمُعَرَّسُ مَسْجِدُ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَلَى سِتَّةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَهُوَ مَنْهَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعَرِّسُ فِيهِ ثُمَّ يَرْحَلُ انْتَهَى
وَفِي النِّهَايَةِ الْمُعَرَّسُ مَوْضِعُ التَّعْرِيسِ وَبِهِ سُمِّيَ مُعَرَّسُ ذِي الْحُلَيْفَةِ عَرَّسَ بِهِ النَّبِيُّ
(صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ