الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كثير البكاء دائم الحزن على حال الأمة
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات نفسية /الاكتئاب
التاريخ 7/11/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته.
أرجو منكم إفادتي: أنا فتاة منذ أن كان عمري 12عام وأنا أحس بكآبة، دائمة الانعزال، أحب الجلوس لوحدي، لكن كثيراً ما أفكر وأبكي على حال أمتي الضعيفة وأتقطع حسرة، وأحيانا ألوم نفسي لماذا أنت تأكلين وتنامين براحة وأمن، وإخوة لك هناك يموتون جوعاً وعيونهم لم تذق طعم النوم، فازداد غيظاً وأعزم على الجهاد من أجل تحرير، ولكن هذا الأمر يضايقني، وقد نحل جسمي من كثرة الهموم. هل هذا يعتبر مرضاً نفسياً؟ أم أنه شيء طبيعي؟.
الجواب
الأخت السائلة: -سلمها الله-
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فنشكر لك مراسلتك لنا على موقع الإسلام اليوم، ونرجو الله أن تجدي منا النفع
والفائدة.
أما جواب مشكلتك فكالتالي:
أولاً- أنا أشكرك على هذا الإحساس والشعور وحمل هم المسلمين، ولا ريب أنها حالة
محمودة ومرضية في وقت انعدم فيه هذا الإحساس عند كثير من المسلمين.
ولعلك سمعت بالنصوص الشرعية التي تؤكد على أهمية هذا الواجب في حياة المسلمين
ومنها:
- قوله سبحانه: "إنما المؤمنون إخوة"[الحجرات:10]، وقوله:"إن هذه أمتكم أمة واحدة"[الأنبياء:92] .
- وجاء في الصحيح من حديث أبي موسى رضي الله عنه قوله: صلى الله عليه وسلم:" المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه" انظر صحيح البخاري (2446) ، وصحيح مسلم (2585)، وفي الصحيح أيضا من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قوله: صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " انظر صحيح البخاري (6011) ، وصحيح مسلم (2586) .
وجاء في معجم الطبراني الأوسط (7473) عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ومن لم يصبح ويمس ناصحا لله ولرسوله ولكتابه ولإمامه ولعامة المسلمين فليس منهم"، وغيرها من النصوص الكثيرة.
فأهنئك يا أختي الفاضلة بالأجر والثواب على هذا الهم المبارك، إلا أنه لا يكفي وحده بمعنى لا ينبغي أن يكون غاية ما يفعله المسلم لإخوانه أن يفكر فيهم ويتألم لألمهم فحسب، بل ينبغي أن يدفعه ذلك لأمور منها:
(1)
أن يقف معهم فيساعدهم بما يستطيع من جهد بدني.
(2)
أن ينفق من ماله مما في وسعه، ليجاهد بذلك في سبيل الله.
(3)
أن يخلف إخوانه المسلمين في أهليهم وأولادهم، وفي الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله"، وفي لفظ:"كالقائم لا يفتر وكالصائم لا يفطر" انظر صحيح البخاري (6007) وصحيح مسلم (2982) .
(4)
أن يكثر الدعاء لهم والتبتل إلى الله أن ينصرهم ويخفف عنهم.
(5)
أن يتحدث عند الآخرين عن مأساة إخوانه ليشاركوا بالواجب تجاه إخوانهم المسلمين.
(6)
أن يضاعف الجهد في الدعوة إلى الله وبث الوعي، حتى يعود الناس إلى ربهم ليسلك بهم سبحانه طريق النصر والتمكين.
إن ترجمة ذلك الهم والألم لحال الأمة بمثل هذه الأمور يجعل ذلك الهم إيجابياً نافعاً يغير من واقع الأمة من حال سيِّئ إلى حال حسن، لا سيما إذا أصبح ذلك الأمر شعوراً جماعياً وجهداً جماعياً على مستوى الأمة يشعر به كل مسلم ومسلمة، ومما أذكره من قصة وحادثة في هذا الباب:
ما جاء عن أحد الدعاة أنه تكلَّم في أحد المجامع للناس عن حال إخوانهم في ألبانيا، وذلك في الأربعينيات من القرن الماضي إبان احتلال السوفيت لأراضيهم، فأجاد وأبدع وأثر كثيراً وحاول استنهاض همة الناس لنصرة إخوانهم فبكى الناس، وكان منهم رجل بكى كثيراً وبدأ يصرخ بأعلى صوته متأثرا لحال إخوانه، وجاء لذلك الداعية وقال له: لم نحن ساكتون؟ لماذا لا نتحرك؟ لماذا لا ننصر إخواننا؟ فقال له ذلك الداعية الفطن: إذا استطعت أن تنقل هذا الشعور لإخوانك المسلمين، فأنت بذلك تشق الطريق للوصول إليهم ونجدتهم.
نعم إن جعل الأمة تعيش هذا الهم مدعاة لتحركها وبذلها جميعاً لدينها ونصرة قضاياها.
أسأل الله العظيم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعلنا جميعاً من أنصار دينه، وأن يستعملنا فيما يرضيه ولا يشغلنا فيما يباعدنا عنه إنه جواد كريم.