الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا أريد أن أخسر آخرتي أيضاً
المجيب د. طارق بن عبد الرحمن الحواس
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام بالأحساء.
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 13/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أود أن أتكلم عما أعانيه وما قد يعانيه شباب كثيرون، أنا شاب، عمري فوق العشرين سنة، أعيش في بلد متحرر جداً، ولكن مع ذلك ملتزم (أرفض أي علاقة مع أي فتاة برغم كثرتهن وسهولة الحصول عليهن، وما إلى ذلك من حب وغرام وتسلية، وصولا إلى الزنا بأنواعه- أصلي، أدعو، أستغفر، بار بالوالدين، صادق، أمين، وذو أخلاق حميدة.
تركني أهلي وسافروا للغربة للعمل في إحدى الدول، وبقيت وحدي في بيت جميل ونقود كثيرة، ومع ذلك حافظت على نفسي، وبالعكس زاد التزامي ومحافظتي على الصلاة، وامتدت إلى المحافظة على السنن والوتر، وأصبحت مواظباً على الدعاء بشدة، وأحسست بقربي من الله بشكل رائع، واعتقدت أني أمنت شر الدنيا ووحشيتها؛ لشدة قربي من الله وروعة علاقتي معه، ولكن اصطدمت منذ حوالي سنة وثلاثة أشهر بحادثة مروعة: راح ضحيتها أعز أهلي عليَّ، عندما سمعت بالحادثة حمدت الله على قضائه وقدره ولم أعترض، بل استغفرت وحمدت وصليت ركعتين لله رغم مصابي، مرت الحادثة بعون من الله، ولكن آثارها مازالت ولن تزول. الأمر الآخر أنني أدعو الله بتسهيل زواجي منذ حوالي 4 سنوات، وحاولت أن أستقل بنفسي مادياً، واستخرت الله في مشروع كنت أفكر أن أبدأ به حياتي، وبالتالي أستطيع الزواج، وكان أن سألت وشاورت وهممت بالمشروع، واستخرت ربي 5 أو 6 مرات، ولكن لم تأتني إجابة، ولم أشعر أن استفدت من الاستخارة أبدا، إلى أن جاء وقت العمل بالمشروع فتوقف لسبب من الأسباب، فقلت بنفسي علها إجابة الاستخارة، ورضيت بهذه النتيجة على أمل أن يعوضني الله خيرا منها، ولكن ذلك لم يحدث إلى الآن رغم حاجتي الشديدة لهذا المشروع؛ لأن زواجي وستري رهن به. الشيخ الكريم: أتعرض يومياً للكثير من الإغراءات وأرفض؛ بمعنى التالي (زنا حرام، عادة سرية حرام، زواج لا يوجد) لا الصيام نفع ولا الدعاء استجيب، وأموري تزداد تعاسة وسوءاً، أو لا فرج من الله أبدا، كنت أتوقع من الله عز وجل أن يفرج علي ويعوض مصيبتي بزواج أو بعمل أو أي شيء يخفِّف عني ما أصابني، ولكن من يوم الحادثة وأموري تزداد سوءاً، آسف على الإطالة، ما زلت أصلي ولكن الفروض فقط، لم يعد لي أمل باستجابة الدعاء. عندما ذهبت للعلاج النفسي من جراء ما حدث لي، قلت للطبيب عن كل ما حدث ووضعي كاملا، ففاجأني بكلمة لم أكن أعلم أنها حقيقتي، ولم أكن أريد الاعتراف بها، ولكنها هي ما أشعر به فعلا قال:(أنت ناقم على ربك مما فعله بك، وتشعر بالخيانة وخيبة الأمل من ربك الذي وثقت به كثيراً) ، صدمت واستغفرت الله على ذلك الكلام، ولكن للحقيقة هذا ما أشعر به، اليوم لم يعد لي أمل ولم أعد أنتظر خيراً أبداً، ومع ذلك لا زلت أصلي وسأبقى أصلي وأستغفر وأحمد، ولكن الله يعلم ما في القلوب، وشعوري ليس خافيا عليه، أريد أن أعيد علاقتي مع الله قوية كما كانت؛ لأنني أشعر بالضياع وبعدم فهم ما حدث ولماذا حدث، وأصبحت أخشى على نفسي الكفر والإلحاد أيضا بأنه لا يوجد رب ولا إله، ماذا أفعل؟ فأنا لا أريد أن أخسر آخرتي.
الجواب
أخي الفاضل -سلمه الله-: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته أما بعد:
فأشكر لك مراسلتك لنا على موقع (الإسلام اليوم) ، وحرصك على أمر دينك، وأرجو الله أن تجد منا النفع والفائدة. ونعتذر عن التأخر في الإجابة على سؤالك.. ثم إنك بحاجة إلى أن تتذكر أن الله سبحانه وتعالى الذي خلقنا من عدم وأسبغ علينا وافر النعم، وهدانا من ضلالة، وعلّمنا من جهالة، وستر علينا إنه قدر علينا الابتلاء في هذه الحياة، وإنه لا يسلم منه أحد، وفي هذا يقول سبحانه "إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً" [سورة الإنسان: 2] ، ويقول سبحانه:"ألم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ"[سورة العنكبوت 29/3] وقال سبحانه: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ"[سورة البقرة 2/214] وقال سبحانه: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ"[سورة آل عمران 3/142]، وقال سبحانه:"وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ"[سورة محمد 47/31] ، وغيرها كثير من آيات القرآن الكريم التي يذكر الله فيها هذه الحقيقة التي قد تغيب عن الإنسان ويغفل عنها، وأكدها النبي صلى الله عليه وسلم بأقواله، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام كما في المسند (1555) وصحيح ابن حبان (2900، 2921) وغيرهما بسند صحيح عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (يا رسول الله من أشد الناس بلاء؟ قال: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى العبد على حسب دينه إن كان صلب الدين اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يدعه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة) . وأخرج الترمذي (2402) والبيهقي (6345) عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يود أهل العافية يوم القيامة حين يعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قرضت في الدنيا بالمقاريض". وحياته صلى الله عليه وسلم مليئة بصور الابتلاء فمن فقد أمّه وجدّه ثم عمّه ثم زوجته خديجة، ثم طرده من بلده، ثم صور لا تخفى عليك من صور المعاناة والبلاء العظيم، وقد كان صلى الله عليه وسلم يوعك كما يوعك رجلان منا، انظر ما أخرجه البخاري (5324) من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقد فقد أبناءه الذكور كلهم في حياته، وكذلك ثلاث من بناته عليه الصلاة والسلام. وهكذا حال صحابته وإخوانه من الأنبياء والمرسلين.
وقد كان نبي الله أيوب عليه السلام غاية في الصبر وبه يضرب المثل في ذلك، وقد ابتلاه الله بذهاب الأهل والمال والولد ولم يبق شيء له ومع ذلك أحسن الذكر والدعاء لربه، وقال:"إني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين"[الأنبياء 83] . فعليك أن تتذكر ذلك لا سيما وأنت ترى الناس من حولك من منهم لم يبتلَ ببلية، فعليك أن تدرك أن ذلك ليس خاصاً بك، وأنه لا يعني أن الله يكرهك أو أنه سبحانه ناقم عليك على العكس، فإن الله إذا أحب عبدا ابتلاه ثم واجب عليك أن تحسن الظن بربك، وتدرك أن ما يقدره الله على العبد خير له من تقديره لنفسه، وكم من قدر أصاب العبد وكرهه عند وقوعه فتبيّن له بعد حين أنه خير له، وصدق الله "وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ"(216) ، [سورة البقرة 2/216] . ثم موضوع الاستخارة ذكرت فيه أنك لم تر شيئا بعد الصلاة، وليس من شرط صحة صلاة الاستخارة رؤية شيء في المنام أو غيره، بل إذا رأيت الأمر المستخار من أجله تيسر فهو خيرة الله لك، وإذا لم يتيسر فهو من خيرة الله لك. فأنصحك أن تكثر من التوبة والاستغفار مما تكلمت به واعتقدته في حق خالقك الرحيم بك وبخلقه الرؤوف الودود سبحانه، وينبغي عليك أن تتصور أن ما أصابك من ضر أو فقد حبيب يهون أمام مصائب الآخرين ممن فقد أهله كلهم، وأصبح شريدا وحيدا يفترش الأرض ويلتحف السماء، ثم أليس حالك أحسن من حال من أصبح مشلولا أو مصاباً بمرض عضال، أو لا يملك البتة من حطام الدنيا شيئاً؟، إن الإنسان منا إذا رأى مصيبة غيره هانت عليه مصيبته، وعلم أن الله حكيم عليم خبير. ثم إني أبارك لك ثباتك على الصلاة مع ما أصابك؛ لأن هذا هو الواجب والمتعين على المسلم ألا يدع أمر ربه وطاعته مهما أصابه من بلايا ومصائب، بل على العكس العبد يزداد لجوءاً إلى الله إذا ضاقت به الدنيا وازدادت معاناته منها كما كان يفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، ثم إني أنصحك بعد هذا بأمور ومنها:
1-
تذكَّر فضل الله عليك بالنعمة التي أنت فيها، في حين غيرك محروم من أكثرها.
2-
أنصحك بقراءة كتاب تسلية أهل المصائب لابن رجب الحنبلي فإنه مفيد في بابه.
3-
اجلس مع الصالحين الطيبين من أهل العلم، أو إمام مسجد ترتاح له أو شاب صالح؛ فإنهم يعينوك على ما أنت فيه.
4-
لا يفتر لسانك من الاستغفار والتوبة؛ فإنهما باب عظيم للرزق والفرج.
5-
إذا تعذَّر عليك الزواج وما منعك الصيام من التفكير في الشهوة فلا بأس بالعادة السرية للضرورة طالما أنها ستمنعك من الوقوع في الزنا، على أن تعجل بالزواج ولو باليسير مما معك، وتذكَّر أن ثلاثة حق على الله أن يعينهم ومنهم طالب النكاح.
6-
احضر مجالس الذكر والوعظ والعلم؛ فإنها تغسل أدران النفوس والقلوب.
7-
أكثر من سؤال الله الثبات على دينه وردد ما كان يردده المصطفى صلى الله عليه وسلم من قوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" أخرجه ابن حبان (943) ، وغيره من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.
8-
أكثر من الفأل الحسن فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل، والله عند ظن عبده به.
9-
الدنيا لا زالت بخير وبإمكانك استدراك ما فاتك، وتذكّر أن مرضى فيهم صور من العجز الكبير تجاوزوا محنتهم بالهمة والعزم، وتغلّبوا على مأساتهم ومعاناتهم بشق الحياة من جديد، وانتصروا على حالهم البئيس بعون من الله وتوفيقه، وفي ظني أنك تملك الكثير من الإمكانيات والهمة العالية التي ستعينك على التغلب على مأساتك.
- ولك مني الدعاء في ظهر الغيب، والله معك وهو المسؤول أن يوفقك ويفتح عليك وييسر أمرك ويشرح صدرك ويثبتك على دينه. والسلام عليكم.