الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كيف أعرض دلائل وجود الله
المجيب د. رشيد بن حسن الألمعي
(عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد)
التصنيف الفهرسة/ الاستشارات/ استشارات دعوية وإيمانية/اخرى
التاريخ 05/05/1426هـ
السؤال
(1)
ما هي الأدوات والوسائل التي أعدت منها الأرض؟
(2)
يعتقد كفار اليوم أن خالقهم هو الوثن الجديد المسمى (طبيعة) السؤال: ما هي الطبيعة، وكيف نرد عليهم؟ وكيف تم خلقهم بواسطة الطبيعة؟
(3)
هل هناك وسيلة نعرف بها ربنا غير وسيلة مشاهدة آياته في الكون؟
(4)
كيف نصدق ونؤمن بما وقع خارج حدود بصرنا؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد.
فإن هذه الأسئلة لا يمكن بسط الإجابة عليها في جواب من شأنه الاختصار، ونوصي السائل أن يراجع الكتب التي عنيت بالرد على الملاحدة، وما أكثر ما كتب في هذا، خاصة إبّان هيمنة المد الشيوعي، غير أنا سنجيب بما يتيسر مما يناسب المقام في ذلك، فنقول ومن االله نستمد العون والتوفيق.
أما سؤالك عن الأرض، فيمكن القول بأنها جزء صغير يسبح في هذا الكون العظيم الذي أنشأه الله، وأبدعه وأوجده من العدم بقدرته وإرادته، وحسب المؤمن أن يؤمن أنها خلق من مخلوقات الله خلقها وسخرها ضمن ما سخر من مخلوقاته، وذللها وحثنا على المشي في مناكبها، والسعي في طلب الرزق فيها، ومن وجد في نفسه القدرة على اكتشاف ما أودعه الله فيها من أسرار فليفعل.
*وأما ما ذكرت من أن كفار اليوم يعتقدون أن خالقهم هو الوثن الجديد المسمى "طبيعة" فنقول لك: إن هذا الاعتقاد إنما هو في طائفة من الكفار، وهم الملاحدة المنكرون لوجود الله -تعالى- وهم في ذلك مكابرون ومغالطون لحقيقة ما يجدونه في أنفسهم من نوازع الفطرة التي تحملهم على الإيمان بوجود الله، وأما غالب الكفار فهم معترفون بوجود الخالق، ولا ينكرونه وإن كانوا لا يعرفونه المعرفة التي عليها أهل الحق من المسلمين. ولكن هذا لا يكفي في حقهم، بل لابد لهم مع ذلك من تحقيق العبودية الخالصة لله، وهذا ما يعرف بتحقيق توحيد الألوهية.
* وأما ما سألت عنه من تعريف الطبيعة، فيمكن القول بأن الطبيعة مصطلح يطلقه الفلاسفة الغربيون، وكثير من الكتاب المحدثين على مجموعة العناصر والعوالم الكونية التي يزعمون أنها تؤثر في بعضها تأثيراً مستقلاً عن إرادة الخالق سبحانه، أو كما يزعم الملاحدة أنها هي وحدها الوجود، وهي وحدها المؤثر فيه، وليس لها خالق مدبر متصرف.
وأما في المفهوم الإسلامي، فهي هذا الكون الفسيح بجزئياته الصغيرة والكبيرة، وقد خلقها الله من العدم، وما زال هو الذي يسيرها من خلال ما أودعه فيها من قوانين ونواميس خاصة بها، وأن ما يحدثه فيها من أحداث يخضع لمشيئته المطلقة.
وقد أرشدنا المنهج الإسلامي في التعامل مع الطبيعة إلى التأمل والتدبر في عجيب صنع الله الذي يقود إلى زيادة الإيمان وقوة اليقين، كما يرشدنا إلى السعي في إعمارها واستثمار خيراتها، على أن الحياة الدنيا -بما فيها الطبيعة- ما هي إلا مزرعة للآخرة"انظر موسوعة الأديان والمذاهب المعاصرة ج2/1097-1098) .
* وأما سؤالك عن وسيلة أخرى غير مشاهدة الآيات الكونية بها نعرف ربنا -جل وعلا- فهذه نصوص الوحيين من الكتاب والسنة مليئة بالدلالات والحجج والبراهين على ربوبية الله وألوهيته، ثم إنا نذكِّر بدليل الفطرة، فإن الإنسان ينزع بفطرته إلى الاعتراف بوجود الله وربوبيته وسلطانه على هذا الكون، وما أكثر من شرح الله صدورهم إلى معرفة الله والإيمان به، وحبب إليهم ذلك وزينه في قلوبهم دونما حاجة إلى تكلف استدلال، وقد ذكر العلماء أن من كانت نفسه تنازعه إلى الاستدلال وطلب البرهان، ولا تستقر إلا بذلك وجب عليه طلب الدلائل، وأما من استقرت نفسه، وسكن قلبه إلى الإيمان ولم تنازعه نفسه إلى طلب دليل توفيقاً من الله وتيسيراً لما خلق له فهؤلاء لا يحتاجون إلى برهان ولا تكلف استدلال، وهؤلاء هم جماهير الناس ممن حبب الله إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكرّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون.
قال ابن حزم رحمه الله (وهذا أمر قد عرفناه من أنفسنا حساً، وشاهدناه في ذواتنا يقيناً، فلقد بقينا سنين كثيرة ولا نعرف الاستدلال ولا وجوهه، ونحن -والحمد لله- في غاية اليقين بدين الإسلام، وكل ما جاء به محمد-صلى الله عليه وسلم نجد أنفسنا في غاية السكون إليه، وفي غاية النفاد عن كل ما يعترض فيه شك، ولقد كانت تخطر في قلوبنا خطرات سوء في خلال ذلك ينبذها الشيطان، فنكاد لشدة نفارنا عنها أن نسمع خفقان قلوبنا استبشاعاً لها، كما أخبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم إذ سئل عن ذلك، فقالوا: إن أحدنا ليحدث نفسه بالشيء ما أنه يقدم فتضرب عنقه أحب إليه أن يتكلم به، فأخبر رسول الله-صلى الله عليه وسلم بأن ذلك محض الإيمان، وأخبر أنه من وسوسة الشيطان، وأمر صلى الله عليه وسلم في ذلك بما أمر به من التعوّذ والقراءة والتفل عن اليسار، وقال ابن حزم- ثم تعلمنا طرق الاستدلال وأحكمناها -ولله الحمد- فما زادنا يقيناً على ما كنا، بل عرفنا أننا كنا ميسرين للحق) .
(انظر الفصل في الملل والأهواء والنحل بهامشه الملل والنحل4/32-33)
* وأما السؤال عن كيفية التصديق بما وقع خارج حدود بصرنا، فإن هذا من إيرادات الملاحدة الذين لا يؤمنون إلا بما يحسونه بوسائل الحس المعهودة، وهم في واقع الأمر مكابرون ومغالطون للحقائق، فما أكثر ما يسلمون بوجوده مما لا يقع تحت طائلة حواسهم، وقد تراجع كثير منهم عن هذه المزاعم، وننصح السائل -إن كان قد ابتلي بمناقشة هؤلاء- أن يراجع الكتب التي عنيت بالرد على النظريات الإلحادية. والله أعلم.