المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ 37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا … ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، - فتح الباقي بشرح ألفية العراقي - جـ ١

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌القِسْم الأول: [الدراسة]

- ‌الباب الأول: العراقي، ونظمه "التبصرة والتذكرة

- ‌الفصل الأول: سيرته الذاتية

- ‌المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته:

- ‌المبحث الثاني: أسرته:

- ‌المبحث الثالث: نشأته

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه

- ‌المبحث الخامس: شيوخه

- ‌المبحث السادس: تلامذته

- ‌المبحث السابع: آثاره العلمية

- ‌المطلب الأول: مؤلفاته فيما عدا الحديث وعلومه

- ‌المطلب الثاني: مؤلفاته في الحديث وعلومه

- ‌المبحث الثامن: وفاته

- ‌الفصل الثَّانِي: " التبصرة والتذكرة

- ‌المبحث الأول: اسمها

- ‌المبحث الثَّانِي: أصلها

- ‌المبحث الرابع: اهتمام العُلَمَاء بِهَا

- ‌الباب الثَّانِي: الأنصاري، وكتابه " فتح الباقي

- ‌الفصل الأول: القَاضِي زكريا الأنصاري

- ‌المبحث الأول: سيرته الذاتية

- ‌المبحث الثاني: سيرته العلمية

- ‌الفصل الثانِي: كتاب " فتح الباقي

- ‌المبحث الأول: منهجه

- ‌المبحث الثانِي: مُميزات الشرح

- ‌الباب الثَّالِث: التحقيق

- ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

- ‌المبحث الأول: اسم الكتاب

- ‌المبحث الثانِي: توثيق نسبة الكِتَاب إِلَى مؤلفه

- ‌المبحث الثَّالِث: تاريخ إكماله

- ‌الفصل الثانِي: وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

- ‌المبحث الأول: النسخ الخطية للشرح

- ‌المبحث الثَّانِي: النسخ الْمطبوعة

- ‌المبحث الثَّالِث: النسخ الخطية لـ" التبصرة والتذكرة

- ‌الفصل الثَّالِث: منهج التحقيق

- ‌صور مخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق

- ‌نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌ الْحَسَنُ

- ‌ الضَّعِيْفُ

- ‌الْمَرْفُوْعُ

- ‌الْمُسْنَدُ

- ‌الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ

- ‌(الموقوفُ

- ‌الْمَقْطُوْعُ

- ‌فُرُوْعٌ

- ‌الْمُرْسَلُ

- ‌الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التَّدْلِيْسُ

- ‌الشَّاذُّ

- ‌الْمُنْكَرُ

- ‌ الاعتبار والمتابعات والشواهد:

- ‌زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ

- ‌الأَفْرَادُ

- ‌المُعَلَّلُ

- ‌الْمُضْطَرِبُ

- ‌الْمُدْرَجُ

- ‌الْمَوْضُوْعُ

- ‌الْمَقْلُوْبُ

- ‌تَنْبِيْهَاتٌ

- ‌مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ

- ‌مَرَاتِبُ التَّعْدِيْلِ

- ‌مَرَاتِبُ التَّجْرِيْحِ

- ‌مَتَى يَصحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ أوْ يُسْتَحَبُّ

- ‌أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ

- ‌الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

- ‌تَفْرِيْعَاتٌ

- ‌الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ

الفصل: ‌ ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ 37 - وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا … ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ،

‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

37 -

وَأَرْفَعُ الصَّحِيْحِ مَرْويُّهُمَا

ثُمَّ البُخَارِيُّ، فَمُسْلِمٌ، فَمَا

38 -

شَرْطَهُمَا حَوَى، فَشَرْطُ الجُعْفِي

فَمُسْلِمٌ، فَشَرْطُ غَيْرٍ يَكْفِي

39 -

وَعِنْدَهُ التَّصْحِيْحُ لَيْسَ يُمْكِنُ

فِي عَصْرِنَا، وَقَالَ يَحْيَى: مُمْكِنُ

مراتبُ الصَّحِيحِ مُطلقاً، وَهِيَ تتفاوتُ بِحَسَبِ تمكُّنِهِ من شروطِ الصِّحَّةِ، وَعَدم تمكُّنِهِ منها (1).

(وأرفعُ الصَّحِيحِ مرويُّهما) أي: البُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ؛ لاشتمالهِ عَلَى أعْلى مقتضياتِ الصِّحَّةِ، ويعبَّرُ عَنْهُ (2) بـ ((المتَّفقِ عَلَيْهِ)) أي: بما اتَّفَقا عَلَيْهِ، لا بِما اتَّفقَ عَلَيْهِ الأمَّةُ، لَكنَّ اتفاقَهما عَلَيْهِ لازمٌ من ذَلِكَ؛ لاتفاقِها عَلَى تلقِّي ما اتَّفَقَا عَلَيْهِ بالقَبولِ (3).

(ثُمَّ) مرويُّ (البُخَارِيُّ) وَحْدَهُ؛ لأنَّ شَرْطَهُ أضْيَقُ كما مَرَّ (فَـ) مرويُّ (مُسلِمٌ) وَحْدَهُ لمشاركتِهِ للبخاريِّ في اتِّفاقِ الأمَّةِ عَلَى تلقِّي كِتابِهِ بالقبول.

(فما شَرْطَهُمَا) أي: فما (حَوَى) أي: جَمَعَ شرْطَهُمَا، والمرادُ بِهِ رُواتُهما، أَوْ مثلُهم مَعَ باقي شُروطِ الصَّحِيحِ من اتصالِ السَّندِ، ونفي الشُّذوذِ والعلَّةِ (4).

(فَـ) مَا حَوَى (شَرْطُ الجُعْفِي) أي: البُخَارِيُّ (فـ) مَا حَوَى شرطُ (مُسْلِمٌ فَـ) مَا حَوَى (شَرْطُ غَيْرٍ)(5) أي: غيرُهما من سائرِ الأئمَّةِ (6).

(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 142.

(2)

في (م): ((عنها)).

(3)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 108.

(4)

هذا مصطلح غير جيد؛ فإنّ البخاري ومسلماً لا يخرّجان جميع ما روى الراوي، بل ينتقيان من حديثه؛ فعلى هذا لا يصحّ أن يقال: في كلّ سندٍ روي في الصحيحين: صحيح، أو على شرط الشيخين.

(5)

عبارة: ((شرط غيرٍ)) سقطت من (ص).

(6)

انظر في هذا التقسيم معرفة أنواع علم الحديث: 107 - 108، والتقريب: 40، والمقنع 1/ 75 - 76. وقد ذكر ابن دقيق العيد في كتابه الاقتراح 359 - 572 لكل قسم من هذه الأقسام أربعين حديثاً، وقد دارت مناقشات بين العلماء حول هذا التقسيم، انظرها في: نكت الزركشي 1/ 254، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 142 مع تعليقنا عليه، ونكت ابن حجر 1/ 363، وتوجيه النظر 1/ 290 مع تعليقات محققه.

ص: 123

فهذهِ سبعةُ أقسامٍ، وَهِيَ شاملةٌ للمتواترِ الَّذِي هُوَ أرفعُها، وللمشهورِ (1) وَهُوَ:

((ما لَهُ طرقٌ محصورةٌ بأكثرَ من اثنينِ)) (2)، ولما وُصِف بأنَّه أصحُّ الأسانيدِ، ولغيرِها ممَّا أوْرِد عَلَى الحصْرِ فيها (3).

مَعَ أنَّ المتواترَ لا يضرُّ خروجُه؛ إذ لا يُشتَرَطُ فِيهِ عَدالةُ الراوِي (4)، فليس هُوَ من الصَّحِيحِ الذي مَرَّ تعريفُهُ.

نَعَمْ، يَرِدُ عَلَيْهِ ما وُصِفَ بأنَّه أصحُّ الأسانيدِ، ولم يُخْرِجْهُ الشيخانِ، ومشهورٌ ليسَ مِنَ المتفقِ عليهِ، ولكنْ توقَّفَ شَيْخُنا في رُتْبَتِهِ هل هِيَ قبلَ (5) المتّفقِ عَلَيْهِ، أَوْ بعدَهُ؟ (6)

واعْلَمْ: أنَّهُ قَدْ يَعْرِضُ للمُفُوَّقِ ما يُصيِّرُهُ فَائِقاً (7)، كأَنْ يجيءَ من طُرُقٍ يبلغُ بها التواترَ (8)، أَوْ الشهرةَ القويةَ.

(1) في (ص): ((والمشهور)).

(2)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 108، ونزهة النظر: 62، والتدريب 2/ 183.

(3)

ما أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، أو أحدهما، عن بعض من في حفظهم شيء إنما هو انتقاءٌ من صحيح حديثهم؛ فإنّ حديث الضّعيف ليس كلّه خطأ، وإنّما فيه الصّحيح والخطأ، والشيخان ينتقيان من أحاديث من في حفظه شيءٌ، ممّا علم أنّ هذا الرّاوي لم يخطأ فيه، بل هو من صحيح حديثه، وذلك بالموازنة والمقارنة والنظر الثاقب والاطلاع الواسع، وليس ذلك لكلّ أحد. (انظر في انتقاء الشيخين: هدي الساري: 338 و 406 و 414 و 424 و 442 و 444 و 449، ونصب الراية 1/ 341، وصيانة صحيح مسلم: 94، والعواصم لابن الوزير 3/ 96 وما بعدها، وشرح النّوويّ على مسلم 1/ 18، وشرح العلل 2/ 613، والتنكيل 2/ 77، وانظر ما كتب في: أثر علل الحديث في اختلاف الفقهاء: 19 وما بعدها).

قلنا: ولعل هذا يظهر جلياً في كيفية إخراج الإمام البخاري لإسماعيل بن أبي أويس وانظر قصّة ذلك في: هدي الساري: 390، وتهذيب التهذيب 1/ 310.

(4)

انظر: تدريب الراوي 1/ 123.

(5)

في (ع) و (ق): ((من قبيل)).

(6)

نقله السيوطي في التدريب 1/ 123.

(7)

نزهة النظر: 90، والتدريب 1/ 124. قال القاري:((يعرض: بفتح الياء وكسر الراء أي: يظهر (للمفوق) أي: للمرجوح من فاق الرجل أصحابه يفوق أي: علاهم بالشرف

الخ)). شرح النخبة: 69.

(8)

في (ق): ((حد التواتر)). وفي (م): ((المتواتر))، وما أثبتناه من (ص) و (ع).

ص: 124

كما لَوْ كَانَ الحديثُ الذي لَمْ يُخْرِجْهُ الشيخانِ من ترجمةٍ وُصِفَتْ بكونِها أصحَّ الأسانيدِ، كمالِكٍ، عَنْ نافعٍ، عَنْ ابنِ عُمَرَ؛ فإنَّه يُقَدَّمُ عَلَى ما قبلَهُ، نبَّه عَلَيْهِ شيخُنا (1).

ثُمَّ لَوْ لُوحِظَ الترجيحُ بَيْنَ شروطِ غيرِهما، كما لوحظَ في شروطِهما لزادتِ (2) الأقسامُ، لكنَّ ما ذُكِر (يَكْفِي) في المقصودِ، والتصريحُ بهذا من زيادتِه.

(وَعِنْدَهُ) أي: ابنُ الصلاحِ (التَّصْحِيحُ)، وكذا التحسينُ والتضعيفُ، (لَيْسَ يُمْكِنُ) حَيْثُ جَنَحَ لمنعِ الحُكْمِ بِذَلِكَ في الأَعْصارِ المتأخّرةِ الشاملةِ لَهُ (في عَصْرِنَا)، واقْتَصرَ فيها عَلَى مَا نَصَّ عَلَيْهِ الأئِمَّةُ في تَصانيفِهم المُعتمدةِ التي يُؤْمَنُ فيها - لشُهْرَتِها - مِنَ التغييرِ والتحريفِ، مُحتجّاً بأنَّه مَا مِنْ إسنادٍ إلَاّ وفي رُواتِه مَنِ اعتمدَ عَلَى ما في كتابِه عَرِيّاً (3) عَنِ الضبطِ، والإتقانِ.

قَالَ: ((فإذا وجدنا حديثاً صَحِيْحَ الإسنادِ، ولم نجدْهُ في أحدِ " الصحيحينِ " ولا منصوصاً عَلَى صِحَّتِهِ في شيءٍ من مُصنَّفاتِ أئمةِ الحديثِ المعتمدةِ المشهورةِ، فإنا لا نتجاسرُ عَلَى جَزْمِ الحُكْمِ بصِحَّتِهِ)) (4).

وصارَ مُعظمُ المقصودِ بما يُتداولُ من الأسانيدِ خارجاً من ذَلِكَ إبقاءً لسلسلةِ الإسنادِ التي خُصَّتْ بها هذِهِ الأُمَّةُ، زادَها اللهُ شَرَفاً.

(وَقَالَ) أَبُو زكريّا (يَحْيَى) النَّوويُّ: الأظهرُ عندي: أنَّ ذَلِكَ (مُمْكنُ) لِمَنْ تمكَّنَ، وقويَتْ مَعْرِفَتُهُ (5)؛ لأنَّ شروطَهُ لا تختصُّ بمعيَّنٍ من راوٍ، أَوْ غيرِهِ، إذ المقصودُ معانيها في السَّندِ، فإذا وُجِدَتْ فِيهِ رُتِّبَ (6) عَلَيْهَا (7) مُقْتَضاها (8).

(1) نزهة النظر: 90.

(2)

المثبت من أصولنا. وفي (م): ((لذادت)).

(3)

في (ق) و (ع): ((عارياً)).

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 90.

(5)

التقريب: 41.

(6)

في (ق): ((ترتب)).

(7)

في (ص): ((عليه)).

(8)

انظر: التدريب 1/ 143.

ص: 125

قَالَ النَّاظِمُ (1): ((وعلى هَذَا عملُ أهلِ الحديثِ، فَقَدْ صحَّح غيرُ واحدٍ من المُعاصِرينَ لابنِ الصلاحِ وبعدَهَ أحاديثَ لَمْ نجدْ لمَنْ تقدَّمَهُم فيها تصحيحاً، كأبي الحسنِ ابنِ القَطَّانِ (2)، والضياءِ المَقْدَسِيِّ (3)، والزَّكِيِّ عَبْدِ العظيمِ (4)، ومَنْ بَعْدَهُم)) (5). انتهى.

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 149.

(2)

هو الحافظ علي بن محمد بن عبد الملك أبو الحسن بن القطان الفاسي، توفي سنة (628 هـ) صاحب كتاب " بيان الوهم والإيهام الواقعين في كتاب الأحكام " وهو كتاب نفيس؛ فيه الفوائد والعوائد، والنكت العلمية الدقيقة، والمادة الغزيرة في الجرح والتعديل، طبع سنة 1997 م. وانظر: سير أعلام النبلاء 22/ 306، وتذكرة الحفاظ 4/ 1407.

(3)

هو الإمام الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد السعدي الحنبلي المقدسي، صاحب

" المختارة " توفّي سنة (643 هـ). تذكرة الحفاظ 4/ 1405، والعبر 5/ 179، وذيل طبقات الحنابلة 2/ 236، وشذرات الذهب 5/ 224.

(4)

هو الحافظ الكبير عبد العظيم بن عبد القوي بن عبد الله بن سلامة زكيّ الدين أبو محمد المنذري، صاحب " الترغيب والترهيب "، توفي سنة (656 هـ). تذكرة الحفاظ 4/ 146، والبداية والنهاية 13/ 212، وشذرات الذهب 5/ 277.

(5)

لم يدرك المصنف -ومن قبله الإمام النّوويّ والعراقي- كلام ابن الصلاح؛ إذ أنّ ابن الصّلاح لم يرد غلق باب التصحيح والتضعيف، وإنّما أراد صعوبة الأمر وليس كلّ واحدٍ يستطيع ذلك، وقد بحث محقق" الشذا الفياح ": صلاح الدين فتحي هلل، هذه المسألة بحثاً مستفيضاً - رأينا نقله بحروفه لفائدته وأهميته -، فقد قال: ((لم يحسن التعقّب على ابن الصلاح رحمه الله والتشنيع عليه بحجّة أنّه يمنع من التصحيح، ويدعو إلى إغلاق هذا الباب، لأنّ ذلك لم يرد في كلامه أصلاً، كيف وهو يقول: ((إذا وجدنا

حديثاً صحيح الإسناد

لا نتجاسر على جزم الحكم

))؟ فلاشكّ أنّ ذلك يحتاج إلى نظرٍ وبصرٍ بالتصحيح.

ومثل ذلك قوله في ((الفائدة الأولى)) (152): ((ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنّه الأصحّ على الإطلاق)).

وقوله في ((نوع الحسن)) (180): ((وهذه جملةٌ تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث)).

وقوله في ((نوع الشاذ)) (343): ((إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه

فانظر في هذا الراوي

استحسنّا حديثه ذلك، ولم نحطّه إلى قبيل الحديث الضعيف

رددنا ما انفرد به

)).

وقوله في ((معرفة زيادات الثقات)) (250): ((وذلك فنٌ لطيف تستحسن العناية به)). =

ص: 126

....................................................................

= وقوله في ((معرفة الحديث المعلّل)) (ص 259): ((

وإنّما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب،

، ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضمّ إلى ذلك تنبّه العارف بهذا الشأن على إرسالٍ في

الموصول

بحيث يغلب على ظنّه ذلك فيحكم به أو يتردّد فيتوقف فيه)).

وقوله في ((معرفة المضطرب)) (ص 269): ((وإنّما نسمّيه مضطرباً إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجّحت إحداهما

الخ)).

وقوله في ((معرفة الموضوع)) (ص 279): ((

ولا تحلّ روايته

إلا مقروناً ببيان وضعه

)).

وقوله في ((معرفة المقلوب)) (ص 287): ((وإنّما تقول: قال رسول الله (فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولاً)).

فكل ذلك يدلّ على إعمال القواعد والبحث والتفتيش في الأسانيد والحكم عليها بما تستحق حسب القواعد. وهذا خلاف ما فهمه النووي وغيره من كلام ابن الصلاح.

وقد صّحح ابن الصلاح وحسّن في كلامه على " الوسيط " للغزالي.

والغريب أنّ النووي والعراقي وابن حجر قد وقفوا على كلامه هذا، فنقل منه العراقي في مواضع منها في تخريج الإحياء للغزالي (1/ 201، 216، 225 ط: الإيمان بالمنصورة)، وقد نقل منه ابن حجر في مواضع لا تحصى من كتابه:" تلخيص الحبير " منها: 1/ 47، 63، 68، 69، 84، 90، 127، 143. ط: ابن تيمية.

وقد صحّح ابن الصلاح رحمه الله وحسّن في كلامه هذا، وذكر ابن حجر متابعة النووي لابن الصلاح رحمهم الله على بعض أحكامه، فكيف فاتهم ذلك؟! ففهموا أنّ ابن الصّلاح يمنع من التصحيح والتحسين؟! ولابن الصّلاح رحمه الله "أمالي" يتكلم فيها على الأحاديث وقفت على الجزء الثالث منها.

ومن نظر فيه رأى نفس عالم محدّث يسرد الحديث وما يشهد له مع الكلام عليه.

بل لماذا ألّف ابن الصلاح رحمه الله " مقدمته " في علوم الحديث؟ ووصف كتابه هذا بكونه: ((

أباح بأسراره - (يعني: علم الحديث) - الخفيّة وكشف عن مشكلاته الأبيّة، وأحكم معاقده، وقعّد قواعده، وأنار معالمه، وبيّن أحكامه، وفصّل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وفصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص شوارد نكته وفرائده)).

وذكر أنّ الله عز وجل منّ بهذا الكتاب: ((حين كاد الباحث عن مشكله لا يلقى له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً)) كما ذكر ذلك في " مقدمة كتابه "(146). =

ص: 127

................................................................

= فلماذا ألفه إذاً إذا كان لا يرى جواز التصحيح في هذه الأعصار؟ جواز ذلك لما ألّف للناس كتاباً يعلمهم سبيل التصحيح والتحسين والحكم على الأحاديث بما تستحق.

ثم رأيت أبا الحارث علي بن حسن الحلبي - حفظه الله - يقول: ((كلام ابن الصلاح يفهم منه التعسير لا مطلق المنع)) كما في حاشية " الباعث " 1/ 112 ط دار العاصمة، ولم يذكر دليله على ذلك.

هذا وقد استشكل قول ابن الصلاح رحمه الله: ((فآل الأمر في معرفة الصحيح والحسن، إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها، لشهرتها، من التغيير والتحريف)).

فقال ابن حجر في " النكت " 1/ 270: ((

فيه نظر؛ لأنّه يشعر بالاقتصار على ما يوجد منصوصاً على صحته وردّ ما جمع شروط الصحة إذا لم يوجد النص على صحته من الأئمة المتقدمين

الخ)).

وقال أيضاً 1/ 271: ((كلامه (يعني: ابن الصلاح) يقتضي الحكم بصحة ما نقل عن الأئمة المتقدّمين فيما حكموا بصحته في كتبهم المعتمدة المشهورة والطريق التي وصل إلينا بها كلامهم على الحديث بالصحة وغيرها هي الطريق التي وصلت إلينا بها أحاديثهم، فإن أفاد الإسناد صحة المقالة عنهم، فليفد الصحة بأنّهم حدّثوا بذلك الحديث ويبقى النظر إنما هو في الرجال الذين فوقهم، وأكثر رجال الصحيح كما سنقرره)). أهـ.

وحمله الدكتور المليباري - حفظه الله - في كتابه " تصحيح الحديث "(26) على أنّ معناه: ((معرفة صحة أو حسن أحاديث الأجزاء ونحوها، وليس مطلق الأحاديث)).

ثم عاد فقال (ص 29): ((على أنّ الأمر إذا لم يكن كما ذكرناه سابقاً فلا يخلو قوله: (فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة المشهورة التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف) من تناقض صريح، كما بينه الحافظ ابن حجر

الخ)). أ. هـ.

والظاهر أنّ مراد ابن الصلاح من قوله: ((فآل الأمر إذاً في معرفة الصحيح والحسن

الخ)) مطلق الأحاديث.

ويكون قوله: ((إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث في تصانيفهم)) بمعنى ما ذكره أئمة الحديث في تصانيفهم المعتمدة، لا ما نصّوا على صحته أو حسنه ويؤيده أنه عطف على كلامه هذا قوله: ((وصار معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن ذلك، إبقاء سلسلة الإسناد

الخ))، فالمراد معظم المقصود بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن المصّنفات المعتمدة، ويحتمل أن يعود الضمير إلى أبعد مذكور وهو قوله:((إلى الاعتماد على ما نصّ عليه أئمة الحديث، وهذا يحتاج إلى قرينة ومع ذلك لا يستقيم عود الضمير على قوله: ((ما نصّ عليه أئمة الحديث)) إلا بالمعنى المذكور هنا من تفسير ((النصّ)) هنا بمعنى ذكر الأسانيد في مصنفاتهم لا بمعنى ((النصّ)) على الصحة أو الحسن، إذ لم يقل أحد بأنّ ما ورد في الكتب المعتمدة كالسّنن وغيرها مما لم ينصّ على صحته إنّما يتداول من أجل إبقاء سلسلة الإسناد التي خصّت بها هذه الأمة. =

ص: 128