الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَوْضُوْعُ
(1)
من ((وَضَعَ الشَّيْءَ)) أي: حَطَّهُ، سُمِّيَ بِذَلِكَ؛ لانحطاطِ رُتبتِهِ دائماً بحيث لا ينجبرُ أصلاً.
225 -
شَرُّ الضَّعِيْفِ: الخَبَرُ الموضُوْعُ
…
الكَذِبُ، المُختَلَقُ، المَصْنُوْعُ
226 -
وَكَيْفَ كَانَ لَمْ يُجِيْزُوا ذِكْرَهُ
…
لِمَنْ عَلِمْ، مَا لَمْ يُبَيِّنْ (2) أمْرَهُ
227 -
وَأكْثَرَ الجَامِعُ فِيْهِ إذْ خَرَجْ
…
لِمُطْلَقِ الضَّعْفِ، عَنَى (3): أبَا الفَرَجْ
228 -
وَالوَاضِعُوْنَ لِلحَدِيْثِ أضْرُبُ
…
أَضَرُّهُمْ قَوْمٌ لِزُهْدٍ نُسِبُوا
229 -
قَدْ وَضَعُوْهَا حِسْبَةً، فَقُبِلَتْ
…
مِنْهُمْ، رُكُوْناً لَهُمُ ونُقِلَتْ
230 -
فَقَيَّضَ اللهُ لَهَا نُقَّادَهَا
…
فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا
(1) قال البقاعي في النكت والوفية: 176/ب: ((الموضوع هو اسم مفعول من وضع الشيء يضعه - بالفتح - وضعاً حطّه إشارة إلى أنّ رتبته أن يكون دائماً ملقًى مطّرحاً لا يستحق الرفع)).
قلنا: ويشبه أن يكون من باب استعمال الأضداد في المعاني المتناقضة؛ إذ ما ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسمّى مرفوعاً، تعظيماً لقدره ومراعاة لجهة نسبته إلى المصطفى صلى الله عليه وسلم.
أما المكذوب: فسمّي موضوعاً إشارةً إلى عدم استحقاقه وأخذه بنظر الاعتبار، بل منزلته أن يبقى غير معبوءٍ به. على أن الحافظ ابن حجر ذكر في نكته 2/ 838 معنيين لغويين، أحدهما الذي أشار إليه البقاعي، والثاني: أنه من الألصاق: تقول: وضع فلان على فلان كذا أي: ألصقه به. ثم رجح كون الألصاق أوضح في المعنى الذي أراده المحدّثون.
وانظر في الموضوع:
الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع 2/ 98، وجامع الأصول1/ 135، ومعرفة أنواع علم الحديث: 236، والإرشاد 1/ 258 - 265، والتقريب: 80 - 85، والاقتراح: 231، والمنهل الروي: 53، والخلاصة: 76، والموقظة: 36، واختصار علوم الحديث: 78، ونكت الزّركشيّ 2/ 253 - 298، والشذا الفياح 1/ 223 - 229، ونزهة النظر: 118، ونكت ابن حجر 2/ 838 - 863، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 413، والمختصر: 149، وفتح المغيث 1/ 234، وألفية السيوطي: 79 - 93، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 215، وتوضيح الأفكار2/ 68، وظفر الأماني: 412، وقواعد التحديث:150.
(2)
أي: ذاكره.
(3)
في نسخة (ب) و (جـ) من متن الألفية: ((عنا)).
(شرُّ) أنواعِ (الضعيفِ) من مرسلٍ، ومنقطعٍ، وغيرِهما (الخبرُ الموضوعُ) أي: المحطوطُ، (الكذبُ) أي: المكذوبُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، (المختلَقُ) - بفتح اللام - أي: الذي لا يُنسبُ إِليهِ أصلاً، (المصنوعُ) من واضعِهِ.
وجيء فِي تعريفه بهذهِ الألفاظِ الثلاثةِ المتقاربةِ، للتأكيدِ فِي التَّنفيرِ مِنْهُ، والأوَّلُ مِنْها مِن زيادتِهِ (1).
وأوردَ المَوْضُوْعَ فِي أنواعِ الحَدِيْثِ (2)، مَعَ أنَّه لَيْسَ بحديثٍ؛ نظراً إلى زَعْمِ واضعِهِ، ولتُعْرَفَ طرقُهُ التي يُتوصَّلُ بها لمعرفتِهِ لينفى عَنْ القَبولِ.
(وَكَيْفَ كَانَ) الموضوعُ أي: فِي أيِّ مَعْنًى كَانَ مِن حُكْمٍ، أَوْ قِصَّةٍ، أَوْ ترغيبٍ، أَوْ ترهيبٍ، أَوْ غيرِها (لَمْ يُجيزوا) أي: العُلَمَاءُ (ذِكْرَهُ) بروايةٍ أَوْ غَيْرِها، كاحتجاجٍ أَوْ ترغيبٍ (3) (لمَنْ عَلِم) -بإدغامِ ميمِهِ فِي ميمِ مَا الآتية- أنَّه مَوْضُوْعٌ؛ لخبرِ:((مَنْ حَدَّثَ عَنِّيْ بِحَدِيثٍ يُرَى- أي: يَظُنُّ - أنَّه كَذِبٌ، فَهُوَ أحَدُ الْكَاذبِيْنَ)) (4) بالتثنيةِ والجمعِ (5)(مَا لَمْ يُبَيِّنْ) ذاكرهُ (أمرَهُ) فإن بيَّنَهُ كأنْ قَالَ: ((هَذَا كَذِبٌ، أو بَاطلٌ)) جَاز ذِكْرُهُ.
(وَ) لَقَدْ (أَكْثَرَ الجامِعُ فِيهِ) مصنَّفاً نَحْو مجلَّدين (إذْ خَرَجْ) عَنْ مَوْضُوْعِ مصنَّفِهِ (لِمُطْلقِ الضَّعْفِ)، حَيْثُ أودعَ فِيهِ كثيراً من الأحاديثِ (6) الضعيفةِ التي لا دليلَ عَلَى وَضْعها (7)، بَلْ ربَّما أودَعَ فِيهِ الحَسَنَ والصَّحيحَ.
(1) فتح المغيث 1/ 274.
(2)
قال ابن حجر في النكت 2/ 838: ((واستنكرت؛ لأن الموضوع ليس من الحديث الشريف، إذ أفعل التفضيل إنما يضاف إلى بعضه ويمكن الجواب، بأنه أراد بالحديث القدر المشترك. وهو ما يحدّث به)). وانظر: توضيح الأفكار 2/ 69.
(3)
انظر: الإرشاد 1/ 258 - 259، المنهل الروي 53 - 54، والنكت 2/ 839، وفتح المغيث 1/ 274.
(4)
أخرجه ابن أبي شيبة (25605)، أحمد 4/ 250 و 252 و 255، ومسلم 1/ 7 في مقدمة الصّحيح، وابن ماجه (41)، والترمذي (2662)، والطبراني 20/ (1020) و (1021) و (1022)، والبغوي (123) من حديث المغيرة بن شعبة.
(5)
في (ق): ((وبالجمع)).
(6)
لم ترد في (ق).
(7)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 239، والإرشاد 1/ 261، ونكت ابن حجر 2/ 848، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 410، وفتح المغيث 1/ 275.
و (عَنَى) أي: ابنُ الصَّلاحِ (1) بالجامعِ المذكورِ (أبَا الفَرَجْ) ابنَ الْجَوْزِيِّ، والْمُوقِعُ لَهُ فِي ذَلِكَ، استنادُهُ غَالِباً لِضَعْفِ (2) راوِي الحَدِيْثِ الذي رُمِيَ بالكذبِ - مثلاً - غافلاً عَنْ مجيئِهِ من وجهٍ آخرَ.
(وَالوَاضِعُوْنَ لِلْحديثِ)، وهم كثيرونَ مَعْروفونَ فِي كُتُبِ الضُّعَفاءِ، ك" الميزانِ " للذَّهَبِيِّ (3)، و" لِسانهِ " لشيخِنا (4)، (أضْرُبُ):
فَضَرْبٌ: يَفْعَلونَهُ استِخْفَافاً بالدِّين، ليُضِلُّواْ بِهِ النَّاسَ، كالزَّنادقةِ (5)، وهم: الَّذِيْنَ (6) يُبْطِنُوْنَ الكُفْرَ ويُظْهِرُوْنَ الإِسْلَامَ، أَوْ الذين لَا يَتَدَيَّنُوْنَ بِدِيْنٍ.
وَضَرْبٌ: يَفْعَلُونَهُ انتِصَاراً، وتعصباً لمذاهبهِم كالخَطَّابيَّةِ (7): فرقةٌ تُنسبُ لأبي الخطَّابِ الأسديِّ، كَانَ يَقُولُ بالحلولِ.
وكالسَّالِمِيَّةِ (8): فرقةٌ تنسبُ للحسنِ بنِ مُحَمَّدِ بن أَحْمَدَ بنِ سالمٍ السالميِّ (9).
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 239. وكتابه الذي عناه "الموضوعات" قد طبع في ثلاث مجلدات.
(2)
((وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة)) قاله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 239، وانظر: الإرشاد 1/ 261، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 415، والنكت 1/ 849 - 850، وفتح المغيث 1/ 275 - 276.
(3)
وكتابه " ميزان الاعتدال " وهو مطبوع في أربع مجلدات.
(4)
هو " لسان الميزان " وقد طبع في سبع مجلدات.
(5)
الزنادقة: جمع، والزنديق: من الثنوية، أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإيمان. انظر: اللسان 10/ 147، (زندق)، وتاج العروس 25/ 418، والموسوعة الفقهية 24/ 48، ومعجم متن اللغة 3/ 64.
(6)
في (ع): ((قوم)).
(7)
هم أصحاب أبي الخطّاب الأسدي، قالوا: الأئمة أنبياءٌ، وأبو الخطاب نبيٌ، وهؤلاء يستحلّون شهادة الزور لموافقيهم على مخالفيهم، وقالوا: الجنة نعيم الدنيا، والنار آلامها. (التعريفات للجرجاني: 59).
(8)
قال البقاعي في نكته: 179/ أ: ((هم ممن وقف مع الحس كالذين قالوا: إنه سبحانه على العرش بطريق المماسة حتى قالوا: إنّ الميت يأكل في قبره ويشرب وينكح؛ لأنهم سمعوا أنه ينعّم في قبره، وليس النعيم عندهم إلا هذا، قاله ابن الجوزي في أوائل تلبيس إبليس.
وقال الإمام أبو المظفر شهفور بن طاهر الشافعي في كتابه في فرق الأمم - نصفه الثاني في الكلام على الحلاجية -: أنّ السالمية جماعة من متكلمي البصرة قبلوا من الحلاّج بدعته في الحلول، قال: وهم من جملة الحشوية يتكلمون ببدعةٍ متناقضة)). وانظر: تلبيس إبليس: 86.
(9)
وممن يفعله أيضاً الرافضة، فكتبهم طافحة بالأكاذيب والموضوعات والقصص المكذوبة. ومن يطالع كتبهم يجد مصداق ذَلِكَ. وانظر: عَلَى شرح التبصرة والتذكرة 1/ 417، والنكت الوفية: 178/ ب.
وضربٌ: يتقرَّبونَ لِبعضِ الخُلفاءِ، والأمراءِ بوضعِ مَا يُوافقُ أفعالَهُم، وآراءهُم، ليكونَ كالعذرِ لهم فِيْمَا أتوا بِهِ (1)، كغياثِ بنِ إِبْرَاهِيمَ، حَيْثُ وضعَ للمهديِّ فِي حَدِيثِ:((لَا سَبَقَ (2) إِلَاّ فِيْ نَصْلٍ، أَوْ خُفٍّ، أَوْ حَافِرٍ))، فزاد فِيهِ:((أَوْ جناح))، وَكَانَ المهديُّ إِذْ ذاك يَلْعَبُ بالحَمَامِ، فتركها بَعْدَ ذَلِكَ وأمرَ بذبحِها، وَقَالَ: أنا حَمَلْتُهُ عَلَى ذَلِكَ (3).
وضَرْبٌ: يفعلونَهُ لذمِّ مَنْ يُريدونَ ذمَّهُ.
وضَرْبٌ: يفعلونَهُ للاكتسابِ والارتزاقِ (4).
وضَرْبٌ: امتُحِنُوا بأولادِهم، أَوْ ورَّاقينَ فوضَعوا لهم أحاديثَ، ودسُّوها عَلَيْهِمْ، فحدَّثوا بها من غَيْرِ أنْ يَشْعرُوا (5).
وضَرْبٌ: يَلْجَؤْونَ إلى إقامةِ دليلٍ عَلَى مَا أَفتوا فِيهِ بآرائِهم (6).
وضَرْبٌ: يَتديَّنونَ بِهِ (7) لِتَرغيبِ النّاسِ فِي أفْعالِ الخيرِ بِزَعْمِهِم، وَهُم مَنْسوبونَ (8) للزُّهْدِ.
وَكُلٌّ مِن هَؤُلَاءِ حَصلَ لَهُ، وبِهِ الضَّررُ.
(1) فتح المغيث 1/ 280.
(2)
انظر: النهاية 2/ 338.
(3)
هذه القصّة أخرجها ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 42 و 3/ 78، وابن عدي في الكامل 4/ 1573 و 5/ 1956 و 6/ 2229 و 7/ 2501، وانظر: تذكرة الموضوعات: 154، وتنزيه الشريعة 2/ 239، والفوائد المجموعة: 174، والأسرار المرفوعة:469.
والحديث صحيحٌ بدون لفظة: (جناح)، أخرجه الشَّافِعيّ2/ 129، وابن أبي شَيْبَة (33551)، وأحمد 2/ 256 و385و424و474، وأبو دَاوُد (2574)، وابن ماجه (2878)، والترمذي (1700)، وَالنَّسَائِيّ 6/ 226 و227 وَفِي الكبرى (4426)(4427) و (4430)، والطحاوي في شرح المشكل (1888و1889)، وابن حبان (4697)، والطبراني في الصغير (25)، والبيهقي10/ 16، والبغوي (2653) من حديث أبي هريرة.
(4)
كأبي سعد المدائني. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419.
(5)
كعبد الله بن محمّد بن ربيعة القدامي. المصدر السابق.
(6)
كما نقل عن أبي الخطاب بن دحية. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 419.
(7)
سقطت من (ع).
(8)
في (ق): ((منتسبون)).
و (أَضَرُّهُم قَوْمٌ لِزُهدٍ) وصلاحٍ (نُسِبُوا، قَدْ وَضَعُوْهَا) أي: الأحاديثَ فِي الفَضَائلِ والرغائبِ (حِسْبةً) أي: لِيَحْتَسِبوا (1) بها عِنْدَ اللهِ، بِزَعْمِهِم الباطِلَ، وجَهْلِهِم.
وإنما كَانُوا أضرَّ؛ لأنَّهم يَرونَ ذَلِكَ قُرْبَةً، فَلا يتركونَهُ (2).
(فَقُبِلَتْ) مَوْضُوْعاتُهم (مِنْهُمْ رُكُوناً لَهُمُ) - بضم الميم - أي: ميلاً إليهم، ووثوقاً بِهم، لِما نُسِبوا لَهُ مِنَ الزُّهدِ والصلاحِ. (3)
(وَنُقِلَتْ) عَنْهُمْ عَلَى لسانِ مَن اتَّصَفَ بالخيرِ، والتَّقوى، وحُسنِ الظنِّ، وسَلامةِ الصَّدرِ، بحيثُ يَحْمِلُ كلَّ مَا سَمِعَهُ عَلَى الصِّدْقِ، ولَا يهتدي لتمييزِ الخطإِ مِنَ الصَّوابِ.
(فقيَّضَ اللهُ لها) أي: لموضوعاتِهِم (نُقَّادَها) جمعُ ناقدٍ من ((نَقَدْتُ الدَّرَاهِمَ))، إذَا استخرجتُ مِنْها الزَّيْفَ (4).
وَهُمْ مَنْ خَصَّهم اللهُ بقوَّةِ البصيرةِ فِي علمِ الحَدِيْثِ، فَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ حالُ الكذَّابِ، وغيرِهِ.
(فَبَيَّنُوا بِنَقْدِهِمْ فَسَادَهَا) وقاموا بأعباءِ مَا تَحمَّلوهُ (5).
ومِن ثَمَّ لَمَّا قِيلَ لابنِ المباركِ: هذِهِ الأحاديثُ المصنوعةُ (6)؟ قَالَ: يعيشُ (7) لها الجهابذةُ {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُوْنَ} (8)(9).
(1) في (ص): ((ليحسبوا)).
(2)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 420.
(3)
الصحاح 5/ 2126، واللسان 13/ 185 (ركن).
(4)
الصحاح 2/ 544 (نقد).
(5)
أي: حمّلهم إياها غيرهم فتحملوه أي: ففعلوا ما أراد. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 421، والنكت الوفية: 181/ ب.
(6)
في (ص) و (ع): ((الموضوعة)).
(7)
في (ص): ((تعيش)).
(8)
الحجر: 9.
(9)
أسنده ابن عدي في مقدمة الكامل 1/ 192، وابن الجوزي في مقدمة الموضوعات 1/ 46، ونقله المعلمي اليماني في التنكيل 1/ 49.
213 -
نَحْوَ أبي عِصْمَةَ إذْ رَأَى الوَرَى
…
زَعْماً نَأوْا عَنِ القُرَانِ (1)، فافْتَرَى
232 -
لَهُمْ حَدِيْثاً في فَضَائِلِ السُّوَرْ
…
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فبئسَمَا ابْتَكَرْ
233 -
كَذَا الحَدِيْثُ عَنْ أُبَيٍّ اعْتَرَفْ
…
رَاوِيْهِ بِالوَضْعِ، وَبِئسَمَا اقتَرَفْ
234 -
وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتَابَهْ
…
- كَالوَاحِدِيِّ - مُخْطِئٌ صَوَابَهْ
235 -
وَجَوَّزَ (2) الوَضْعَ عَلَى التَّرْغِيْبِ
…
قَوْمُ ابنِ كَرَّامٍ، وَفي التَّرْهِيْبِ
ومثَّلَ لمَنْ كَانَ يضعُ حِسْبَةً بقولِهِ: (نَحْوَ) مَا رويْنَاهُ عَنْ (أَبِي عِصْمةَ) نوحِ بنِ أَبِي مَرْيَمَ القرشيِّ (3)، الْمَرْوَزِيِّ، قاضي مَرْوَ (4)، المُلَقَّبِ بـ ((الجامعِ)) لما يأتي، ولجمعِهِ بَيْن التفسيرِ، والحديثِ، والمغازي، والفقهِ، مَعَ العلمِ بأمورِ الدنيا.
(إِذْ رَأى الوَرَى) أي: الخلقَ (زَعْماً) مِنْهُ -بتثليثِ الزاي (5) - أنَّهم (نَأَوْا)، أَعْرَضوا (عَنِ القرانِ) - بنقلِ حركةِ الهمزةِ - واشتغلوا بفقهِ أَبِي حَنَيْفَةَ، وَمَغازي ابنِ إسحاقَ، مَعَ أنَّهما مِن شيوخِهِ.
(فَافْتَرَى) أي: اختلقَ (لَهُمْ) مِن عِنْدِ نفسِهِ حِسبةً باعترافِهِ (حديثاً فِي فضائلِ) قراءةِ (السُّوَرْ)، ورواهُ عَنْ عِكرمةَ، (عَنْ ابنِ عَبَّاسٍ)، رضي الله عنهما.
زاد النَّاظِمُ: (فَبِئسَمَا ابتَكَرْ) مِن وَضْعِهِ، وَمَا لَحِقَهُ بِهِ.
وممَّن صَرَّحَ بِوضعِهِ ذَلِكَ: الحَاكِمُ (6)، وَقَالَ هُوَ وابنُ حِبَّانَ: إِنَّه جَمَعَ كُلَّ شيءٍ إلاّ الصِّدقَ (7).
(1) بلا همزٍ؛ لضرورة الوزن.
(2)
كَذَا في جمِيع النسخ الخطية لمتن وشرح الألفية، وفِي النفائس:((وجوزوا)) بالجمع.
(3)
انظر: ميزان الاعتدال 4/ 279.
(4)
مدينة مشهورة في خراسان. مراصد الاطلاع 3/ 1262.
(5)
اللسان 12/ 264 (زعم).
(6)
المدخل: 47.
(7)
لم نجده في مظانه من كتاب " المجروحين "، ولعله في كتاب آخر. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 422، وفتح المغيث 1/ 285.
و (كَذَا الحَدِيْثُ) الطويلُ (عَنْ أُبَيٍّ) - هُوَ ابنُ كَعْبٍ رضي الله عنه - فِي فضائلِ قراءةِ السورِ أَيْضاً (1)(اعترفْ رَاوِيْهِ بالوَضْعِ) لَهُ.
فَقَدْ قَالَ أَبُو عَبْد الرحمانِ المؤمَّلُ بنُ إِسْمَاعِيْلَ (2): حَدَّثَني بِهِ شَيْخٌ، فَقُلْتُ لَهُ: مَنْ حَدّثَكَ بِهِ؟ فَقَالَ: رَجُلٌ بالمدائنِ، وَهُوَ حيٌّ.
فصرتُ إِليهِ، فَقَالَ: حَدَّثَني بِهِ شيخٌ بواسطٍ، وَهُوَ حيٌّ (3).
فصرتُ إِليهِ، فَقَالَ: حَدَّثَني بِهِ شيخٌ بالبصرةِ.
فصرتُ إِليهِ، فَقَالَ: حَدَّثَني بِهِ شيخٌ بعَبَّادَانِ.
فصرتُ إِليهِ، فأخذَ بيدي، فأدخلني بيتاً، فإذا فِيهِ قومٌ من المتصوِّفةِ، ومَعَهُمْ (4) شيخٌ، فَقَالَ: هَذَا الشَّيْخُ حَدَّثَني بِهِ.
فقلتُ لَهُ: يا شيخُ! مَنْ حَدَّثكَ بهذا؟
فَقَالَ: لَمْ يُحَدِّثْنِي بِهِ أَحَدٌ، ولكنَّا رأينا الناسَ رَغِبوا عَنِ القرآنِ، فَوضَعْنَا لَهُمْ هَذَا الحَدِيْثَ، لِيصْرِفوا (5) قُلوبَهُم إلى القُرْآنِ (6).
زادَ الناظِمُ أَيْضاً: (وبِئسَمَا اقْتَرَفْ) أي: اكْتَسبَ مِنْ وضْعِهِ.
(1) أورده ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 239 - 240، وانظر: المنار المنيف (113)، والفوائد المجموعة
(296)
، والكافي الشافي (37)، والفتح السماوي 2/ 453 قال ابن الجوزي 1/ 240:((وقد فرّق هذا الحديث أبو إسحاق الثعلبي في تفسيره فذكر عند كل سورة منه ما يخصّها، وتبعه أبو الحسن الواحدي في ذلك، ولا أعجب منهما لأنّهما ليسا من أصحاب الحديث، وإنّما عجبت من أبي بكر بن أبي داود كيف فرّقه على كتابه الذي صنفه في فضائل القرآن وهو يعلم أنّه حديث محال، ولكن شره جمهور المحدّثين، فإنّ عادتهم تنفيق حديثهم ولو بالبواطيل)).
(2)
انظر: ترجمته في ميزان الاعتدال 4/ 228، وقارن بأثر علل الحديث: 272 - 276.
(3)
لم ترد في (ق).
(4)
في (ع): ((منهم)).
(5)
في (ص): ((يصرفوا)).
(6)
ساق القصة الخطيب البغدادي في الكفاية: (567 - 568 ت، 401 هـ)، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 241.
(وَكُلُّ مَنْ أوْدَعَهُ كِتابَهْ) التفسيرَ، أَوْ نحوَهُ (1)(كَ) أَبِي الحَسَنِ عَلِيٍّ (الواحديِّ)، وأبي إسحاقَ الثَّعْلَبِيِّ، وأبِي القاسِمِ الزَّمَخْشَرِيِّ (مُخْطئٌ) فِي ذَلِكَ (صَوَابَهْ) إِذْ الصَّوَابُ تجنُّبُه إلَاّ مبيِّناً، كَمَا مَرَّ.
وأشدُّهُم خَطأً الزَّمَخْشَرِيُّ، حَيْثُ أوْردَهُ بصيغةِ الجزمِ، وَلَمْ يُبرّزْ سَنَدَهُ (2).
(وَجَوَّزَ الوَضْعَ) فِي الحَدِيْثِ (عَلَى) وَجْهِ (التَّرْغِيبِ) لِلنّاسِ فِي فضائلِ الأعمالِ (قَوْمُ) مُحَمَّدٍ أَبِي عَبْدِ اللهِ (ابنِ كَرَّامٍ)(3) - بالتشديدِ، مَعَ فتحِ الكافِ -، عَلَى المشهورِ، كَمَا قَالَهُ شَيْخُنا (4) كغيرِهِ (5).
وَقِيلَ: بالتخفيفِ مَعَ فتحها.
وَقِيلَ: بِهِ مَعَ كَسْرِها، وَهُوَ الجارِي عَلَى أَلْسِنَةِ أَهْلِ بلدِهِ سِجِسْتانَ (6).
(و) جَوَّزه أَيْضاً (فِي التَّرْهِيبِ) زَجْراً عَنِ المَعْصِيةِ، محتجِّيْنَ فِي ذَلِكَ بأنَّ الكذبَ فِي التَّرغيبِ والتَّرهيبِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، لكونِهِ مقوِّياً لشريعتِهِ (7)، لا عَلَيْهِ.
والكَذِبُ عَلَيْهِ إنَّما هُوَ كأَنْ يُقالَ: إنَّه ساحرٌ، أَوْ مَجْنُونٌ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
تَمَسَّكُوا فِي ذَلِكَ بخبرِ: ((مَنْ كَذَبَ عَلِيَّ مُتَعَمِّداً، ليُضِلَّ بِهِ النَّاسَ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)) (8).
(1) في (ص): ((ونحوه)).
(2)
انظر: ابن الجوزي في الموضوعات 1/ 240، والإرشاد 1/ 264، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 424، وفتح المغيث 1/ 286.
(3)
هم طائفة من المبتدعة أتباع محمد بن كرّام السجستاني، قال الذهبي في السير 11/ 523:((خذل حتى التقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها)) وانظر: النكت الوفية: 183/ أ.
(4)
النكت 2/ 859.
(5)
كالأمير في الإكمال 7/ 128، والسمعاني في الأنساب 4/ 598.
(6)
انظر: نكت الزّركشيّ 2/ 288، والنكت الوفية: 183/ أ.
(7)
في (م): ((مقوٍ بالشريعة)).
(8)
هذا الحديث بهذه الزيادة منكر لا يصحّ؛ وَهُوَ معلول بـ (يونس بن بكير)؛ فقد ضعّفه أبو داود والنسائي، وهو ليس ممن يحتمل تفرّده في مثل هذا المقام، وفيه من هذا الوجه ثلاث علل: =
وتمسكُهُم بِهِ مردودٌ؛ لأنَّ ذَلِكَ كَذِبٌ عَلَيْهِ فِي وَضْعِ الأحكامِ، فإنَّ المندوبَ مِنْها، وَيَتَضَمَّنُ ذَلِكَ الإخبارُ عَنِ اللهِ بالوعدِ عَلَى ذَلِكَ العملِ بالثوابِ.
ولأنَّ لفظةَ: ((ليُضِلَّ بِهِ النَّاسَ)) اتَّفَقَ الأئِمّةُ عَلَى ضَعْفِها.
وبتقديرِ قَبُولِها، فالّلامُ لَيْسَتْ للتَّعلِيلِ، ليكونَ لها مفهومٌ، بَلْ للعَاقِبةِ، كَمَا فِي قولِهِ تَعَالَى:{فَالتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ، لِيَكُوْنَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً} (1)؛ لأنَّهم لَمْ يلتقطوهُ لِذلِكَ.
أَوْ للتأكيدِ، كَمَا فِي قوله تَعَالَى (2):{فَمَنْ أظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللهِ كَذِباً ليُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (3) إِذِ افتراؤُه الكذبَ عَلَى اللهِ محرَّمٌ مطلقاً، سَوَاءٌ أقَصَدَ بِهِ الإضلالَ أَمْ لا (4)؟
=الأولى: تفرّده بهذه اللفظة المنكرة، وهي تخالف أصل الحديث المتواتر الذي رواه أكثر من ستين صحابياً بدونها
الثانية: أنّه معلول بالإرسال، فقد أخرجه البزار (كشف الأستار 209)، والطحاوي في شرح المشكل (418)، وابن عدي في الكامل 1/ 20، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 97 من طريق يونس بن بكير، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرّف، عن عمرو بن شرحبيل، عن ابن مسعود، به، موصولاً.
وأخرجه الطحاوي في شرح المشكل (419) من طريق أبي معاوية الضرير محمد بن خازم، عن الأعمش، عن طلحة بن مصرف، عن أبي عمار، عن عمرو بن شرحبيل، به، مرسلاً ليس فيه ابن مسعود.
الثالثة: أنه معلول بالانقطاع؛ فإن طلحة بن مصرف لَمْ يدرك عَمْرو بن شُرَحْبِيْل كَمَا نص عَلَيْهِ الطحاوي 1/ 371.
وقال الطحاوي 1/ 371: ((هذا حديث منكر))، وقال ابن عدي في الكامل 1/ 20:((هذا الحديث اختلفوا فيه على طلحة بن مصرف))، وقال ابن حجر في نكته 2/ 855:((اتفق أئمة الحديث على أنّها زيادة ضعيفة)). ومن عجبٍ أن الهيثمي لما أورده في " كشف الأستار "(1/ 114 حديث 209) قال: ((قلت: أخرجته لقوله: ((ليضلّ به الناس)). لكنه لم يتنبّه إلى شيء من علل الحديث في المجمع 1/ 144 فقال: ((رجاله رجال الصحيح))، ومعلوم أنّ إطلاق الهيثمي هذا لا يستفاد منه صحة المتن، فكلامه هذا لا يجامع الصحة، فإنّ شروط الصحة عدالة الرواة وضبطهم والسلامة من الانقطاع والعلة وكثيراً ما يغترّ بعض من ينتحل العلم بمثل قول الهيثمي هذا فيقعون فيما لا تحمد عقباه، نسأل الله السلامة والسداد.
(1)
القصص: 8.
(2)
لم ترد في (م).
(3)
الأنعام: 144.
(4)
انظر: فتح المغيث 1/ 288.
236 -
وَالوَاضِعُوْنَ بَعْضُهُمْ قَدْ صَنَعَا
…
مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ وَضَعَا
237 -
كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا في المُسْنَدِ
…
وَمِنْهُ نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَدِ
238 -
نَحْوُ حَدِيْثِ ثَابِتٍ (مَنْ كَثُرَتْ
…
صَلَاتُهُ) الحَدِيْثَ، وَهْلَةٌ سَرَتْ
(وَالواضِعُونَ) أَيْضاً (بَعْضُهُم قَدْ صَنَعَا) كَلاماً (1) وَضَعَهُ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (مِن عِنْدِ نَفْسِهِ، وَبَعْضٌ) مِنْهُمْ قَدْ (وَضَعَا كَلامَ بَعْضِ الحُكَمَا) - بالقَصْرِ لِلوَزْنِ - أَوْ الزُّهَّادِ، أَوْ الصَّحَابَةِ، أَوْ الإسرائيلياتِ (فِي المُسْنَدِ) المَرْفُوْعِ تَرويجاً لَهُ.
كحديثِ: ((حُبُّ الدُّنْيَا رَأْسُ كُلِّ خَطِيئَةٍ))، فإنَّهُ مِن كَلامِ مَالِكِ بنِ دينارٍ، كَمَا رَواهُ ابنُ أَبِي الدُّنيا (2)، أَوْ مِن كَلامِ عِيسى بنِ مَرْيَمَ عليه السلام، كَمَا رَواهُ البَيْهَقِيُّ فِي " كِتَاب الزُّهدِ "(3).
وَقَالَ فِي " شُعَبِ الإيمَانِ ": وَلَا أصْلَ لَهُ مِن حَدِيثِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، إلاّ مِن مَراسيلِ الحَسَنِ البصريِّ (4).
قَالَ النَّاظِمُ: ومراسيلُ الحَسَنِ عِنْدَهم شِبْهُ (5) الريحِ (6).
وكحديث: ((الْمَعِدَةُ بَيْتُ الدَّاءِ، وَالْحِمْيَةُ رَأْسُ الدَّوَاءِ)).
فإنَّه من كلامِ بَعْضِ الأطباءِ (7).
(1) في (ق): ((كلاماً أي)).
(2)
في كتاب " مكايد الشيطان " كما ذكر ذلك العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 428، والسخاوي في فتح المغيث 1/ 291.
(3)
أسنده أبو نعيم في الحلية 6/ 388، والبيهقي في الشعب (10458).
(4)
الشعب للبيهقي (10501).
(5)
في (ع): ((تشبه)).
(6)
شرح التبصرة 1/ 428، وانظر: تهذيب الكمال 2/ 121، والنكت الوفية: 185/ب.
(7)
قال علي القاري في المصنوع (306): ((من كلام بعض الأطباء)) وذكر محقّقه أنّه للحارث بن كلدة. وجاء في حاشية نسخة (ص) تعليقة لأحدهم، نصّها:((قال ابن القيم في الهدي: وأما الحديث الدائر على ألسنة الناس: ((الحمية رأس الدواء والمعدة بيت الداء وعودوا كل جسم ما اعتاد)) فهذا الحديث إنّما هو من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ولا يصحّ رفعه إلى النبي، قاله غير واحدٍ من أئمة الحديث)). زاد المعاد4/ 104.
(ومِنْهُ) أي: مِنَ المَوْضُوْع (نَوْعٌ وَضْعُهُ لَمْ يُقْصَد، نَحْوُ حَدِيثِ ثابتٍ)، هُوَ ابنُ مُوسى الزاهدُ الذي رَواهُ عَنْ شَرِيكٍ، عَنِ الأعمشِ (1)، عَنْ أَبِي سُفيانَ، عَنْ جابِرٍ مرفوعاً:(مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ) بِاللَّيْلِ، (الحَدِيْثَ).
وتمامُه: حَسُنَ وَجْهُهُ بِالنَّهَارِ (2).
فهذا لا أصلَ لَهُ عَن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يقصدْ ثابتٌ وَضْعَه، وإنَّما دخلَ عَلَى شَرِيكِ بنِ عبدِ اللهِ الْقَاضِي، وَهُوَ بمجلسِ إملائِهِ عِنْدَ قوله: حَدَّثَنَا الأعمشُ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جابرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَذْكُرِ المَتْنَ (3)، أَوْ ذكرَهُ عَلَى مَا اقتضاهُ كلامُ ابنِ حِبّانَ، وَهُوَ:((يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أحَدِكُمْ)) (4).
فَقَالَ شَرِيكٌ مُتَّصِلاً بالسَّندِ، أَوْ المَتْنِ (5) حِيْنَ نَظَرَ إلى ثابتٍ مُمازِحاً لَهُ:((مَنْ كَثُرَتْ صَلَاتُهُ)) إلى آخرِهِ - مريداً بِهِ ثابتاً، لِزُهْدهِ وَوَرَعِهِ، وَعِبادتِهِ.
فَظَنَّ ثابتٌ أنَّ هَذَا (6) متنُ السَّنَدِ، أَوْ بقيَّته، فكانَ يحدِّثُ بِهِ كَذلِكَ منفصلاً (7)، أَوْ مُدرِجاً لَهُ فِي الْمَتْنِ (8).
(1) انظر: النكت الوفية: 186/ ب.
(2)
إسناده ضعيف؛ لضعف ثابت بن موسى، ومتنه ليس من كلام النّبيّ صلى الله عليه وسلم ?كما قال ابن عدي وغيره. انظر: الضعفاء للعقيلي 1/ 176، والموضوعات لابن الجوزي 2/ 109، وتهذيب الكمال 4/ 378، والفوائد المجموعة: 25، واللآليء 2/ 18، والكامل 2/ 526، والمقاصد الحسنة: 1169، والميزان 1/ 367، والنكت الوفية: 186/ ب.
(3)
القصة أوردها الحاكم في " المدخل ": 37.
(4)
المجروحين 1/ 207، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 430 وقال القضاعي في مسند الشهاب عقب
(412)
: ((وروى هذا الحديث جماعة من الحفاظ
…
وما طعن أحدٌ منهم في إسناده ولا متنه، وقد أنكره بعض الحفاظ)). وقد قال ابن طاهر: ظن القضاعي أن الحديث صحح لكثرة طرقه، وهو معذور لأنه لم يكن حافظاً)). فتح الوهاب 1/ 155 - 156.
(5)
في (ق): ((والمتن)).
(6)
سقطت من (ق).
(7)
في (ق): ((متصلاً)).
(8)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 430 - 431، وفتح المغيث 1/ 291 - 292.
وهذا (وَهْلَةٌ) أي: غَفْلةٌ، أَوْ غَلْطةٌ مِنْ ثابتٍ، نشأَتْ من سَلامةِ صَدْرِهِ
(سَرَتْ) مِنْهُ إلى غيرِهِ، بحيثُ انْتَشَرَتْ حديثاً؛ فرَواهُ عَنْهُ كَثِيْرٌ.
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ (1): يقالُ: وَهِلَ فِي الشَّيءِ وَعَنْهُ - أي بالكسرِ - يَوْهَلُ وَهَلاً، إذَا غَلِطَ فِيهِ وَسَهَا. وَوَهَلَ إِليهِ -بالفتح- يَهِلُ وَهْلاً، إذَا ذَهَبَ وهمُكَ إِليهِ، وأنتَ تُرِيدُ غيرَهُ.
239 -
وَيُعْرَفُ الوَضْعُ بِالاقْرَارِ، وَمَا
…
نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ، وَرُبَّمَا
240 -
يُعْرَفُ بِالرِّكَّةِ قُلْتُ: اسْتَشْكَلَا
…
(الثَّبَجِيُّ) القَطْعَ بِالوَضْعِ عَلَى
241 -
مَااعْتَرَفَ الوَاضِعُ إذْ قَدْ يَكْذِبُ
…
بَلَى نَرُدُّهُ، وَعَنْهُ نُضْرِبُ
(وَيُعْرَفُ الوَضْعُ) للحديثِ (بالاقْرارِ) - بدرج الهمزةِ - من واضعِهِ (و) بـ (مَا نُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ)، كأنْ يُحَدِّثَ بحديثٍ عَنْ شَيخٍ، ثُمَّ يُسْألَ عَنْ مَوْلِدِهِ، فيذكرَ تاريخاً يُعلَمُ بِهِ وَفَاتُهُ قبلَهُ، ولا يُعرفُ ذَلِكَ الحَدِيْثُ إلاّ عِنْدَهُ (2).
فَهَذا لَمْ يقرَّ بوضعِهِ، لكنَّ إقرارَهُ بمولدِهِ ينزلُ منزلةَ إقرارِهِ بوضعِهِ؛ لأنَّ ذَلِكَ الحديثَ لا يُعرفُ إلَاّ (3) عِنْدَ الشَّيْخِ، ولا يُعرفُ إلَاّ بروايةِ هَذَا.
(ورُبَّمَا يُعْرَفُ) وَضْعُهُ (بالرِّكَّةِ) للفظِهِ، مما يرجعُ إلى عدمِ الفصاحةِ، وما يتبعُها، مَعَ التَّصريحِ بأنَّهُ لفظُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم (4). أَوْ لِمعناهُ مما يَرْجعُ إلى الإخبارِ عَنْ الجَمْعِ بَيْنَ النقيضينِ، وَعَنْ نَفي الصَّانعِ، وعَنْ قدمِ الأجسامِ، ونحوِ ذَلِكَ. أَوْ لَهُمَا مَعاً.
وَقَدْ رُوي عَنْ الرَّبِيْعِ بنِ خُثَيْمٍ (5) التَّابِعيِّ، قَالَ: إنَّ للحديثِ ضَوْءاً كضوءِ النَّهارِ، تعرفُهُ، وظلمةً كظلمةِ اللَّيلِ تُنكِرُهُ (6).
(1) الصحاح 5/ 1846، وانظر: اللسان 11/ 737 (وهل)، والمعجم الوسيط 1/ 1060، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 431.
(2)
انظر: التقييد: 132، وشرح السيوطي: 224، وتدريب الرّاوي 1/ 275.
(3)
عبارة: ((يعرف إلا)) سقطت من (ق).
(4)
انظر: النكت لابن حجر 2/ 844، ونكت الزّركشيّ 2/ 261.
(5)
بضم المعجمة وفتح المثلثة. التقريب (1888).
(6)
رواه عنه وكيع في الزهد (528)، وأحمد في الزهد (338)، والفسوي في المعرفة والتاريخ 2/ 564، والرامهرمزي في المحدّث الفاصل: 316، والخطيب في الكفاية:(605 ت، 431 هـ)، وابن الجوزي في الموضوعات 1/ 103. وانظر: النكت الوفية 189/ ب.
وَقَالَ ابنُ الجوزيِّ: الحديثُ المنكرُ يقشعرُّ مِنْهُ جلدُ طالبِ (1) العلمِ، ويَنْفُرُ مِنْهُ قلبُهُ فِي الغالبِ (2).
وذلك بأنْ يحصُلَ-كَمَا قَالَ ابنُ دقيقِ العيدِ-للمُحَدِّثِ، لكَثْرةِ محاولةِ ألفاظِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم هَيْئَةٌ نفسانيةٌ، وَمَلَكَةٌ قويَّةٌ، يَعْرِفُ بها مَا يجوزُ أنْ يكونَ من ألفاظِ النُّبوَّةِ، وما لا يجوزُ (3).
(قُلْتُ): وَقَدْ (اسْتَشْكَلَا)(4) ابنُ دقيقِ العيدِ (الثَّبَجِيُّ)(5) - بمثلثةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مفتوحتينِ - نِسْبةً إلى ثَبَجِ البحرِ بساحلِ يَنْبُعَ من الحجازِ (الْقَطعَ بِالْوَضعِ عَلَى مَا) أي: المرويِّ الذي (اعْتَرفَ الواضِعُ) فِيهِ عَلَى نفسِهِ بالوضعِ بمجردِ اعترافِه من غَيْرِ قرينةٍ مَعَهُ (6).
(إِذْ قَدْ يَكْذِبُ) فِي اعترافِهِ لِقَصْدِ (7) التنفيرِ عَنْ هَذَا المرويِّ، أَوْ لغيرِهِ، مما يُورِثُ ريبةً، وحينئذٍ، فالاحتياطُ أنْ لا يصرَّحَ بالوضعِ (8).
(بَلَى نردُّهُ) أي: المرويَّ لاعترافِ راويهِ بما يفسِّقُه (وعَنْهُ نُضْرِبُ) -بضَمِّ النُّونِ- أي: نُعْرِضُ؛ فَلا نحتجُّ بِهِ، ولا نعملُ بِهِ مواخذةً لَهُ باعترافِهِ.
(1) في (ق): ((الطّالب)).
(2)
الموضوعات1/ 103، ونقل عنه السيوطي في التدريب1/ 277:((ما أحسن قول القائل: إذا رأيت الحديث يباين المعقول، أو يخالف المنقول، أو يناقض الأصول فاعلم أنّه موضوع))، وفي الموضوعات1/ 106:((كل حديث رأيته يخالف المعقول، أو يناقض الأصول، فاعلم أنه موضوع فلا تتكلف اعتباره)).
(3)
الاقتراح: 231 - 232.
(4)
قال البقاعي: ((لم يستشكل ابن دقيق الاعتماد لأن القطعيات لا تشترط في الحكم وإنّما بيّن الواقع في نفس الأمر وهو أنّه لا ملازمة بين الوضع في نفس الأمر والإخبار به، بل قد يكون موضوعاً، ولا يخبر به، وقد يخبر به، ولا يكون موضوعاً)). النكت الوفية 190/ أ.
(5)
قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 1/ 433: ((وربما كان يكتب هذه النسبة في خطه؛ لأنه ولد بثبج البحر بساحل ينبع من الحجاز.)). انظر: مقدمة الاقتراح: 33.
(6)
سقطت من (ق). وكلامه في الاقتراح: 234.
(7)
في (ص): ((لقصده)).
(8)
انظر: فتح المغيث 1/ 296.