الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ
147 -
وَاحْكُمْ لِوَصْلِ ثِقَةٍ في الأظْهَرِ
…
وَقِيْلَ: بَلْ إرْسَالُهُ لِلأكْثَرِ
148 -
وَنَسبَ الأوَّلَ لِلْنُّظَّارِ
…
أنْ صَحَّحُوْهُ، وَقَضَى (البُخَارِيْ)
149 -
بِوَصْلِ (1)((لَا نِكَاحَ إلَاّ بِوَلِيْ))
…
مَعْ كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ كَالْجَبَلِ
150 -
وَقِيْلَ الاكْثَرُ، وَقِيْلَ: الاحْفَظُ
…
ثُمَّ فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ
151 -
يَقْدَحُ فِي أَهْليَّةِ الوَاصِلِ، أوْ
…
مُسْنَدِهِ عَلَى الأَصَحِّ، وَرَأَوْا
152 -
أَنَّ الأصَحَّ: الْحُكْمُ لِلرَّفْعِ وَلَوْ
…
مِنْ وَاحِدٍ في ذَا وَذَا، كَما حَكَوْا
وَقَدْ ذَكَرَ التعارضينِ (2) بِهَذا الترتيبِ، فَقَالَ:
(واحكُم) أي: اجعلِ الحُكْمَ فِيْمَا يَخْتَلِفُ فِيهِ الثِّقاتُ مِنَ الحديثِ، بأنْ يَرْوِيَه بعضُهم مَوصولاً، وبعضُهم مُرْسَلاً (لِوَصْلِ ثِقَةٍ)، وإنْ كَانَ المُرْسِلُ أكثرَ أَوْ أحْفَظَ (في الأظْهَرِ) عِنْدَ المحقِّقينَ مِن أهلِ الحَدِيثِ؛ لأنَّ مَعَهُ زِيادةَ عِلْمٍ (3).
(وَقِيلَ: بَلْ إرْسَالُهُ) أي: بَلْ اجعَلِ الحُكمَ لإرسالِ الثِّقَةِ، ونَسَبَهُ الخطيبُ (4)
(1) في نسخة أوج من متن الألفية: ((لوصل)).
(2)
في (ق): ((المتعارضين)).
(3)
قال السخاوي في فتح المغيث1/ 189: ((وهو الذي صححه الخطيب، وعزاه النووي للمحققين من أصحاب الحديث)). وقال ابن الصّلاح: ((هو الصّحيح في الفقه وأصوله)). معرفة أنواع علم الحديث: 182. وانظر مقدمة النّوويّ لشرح مسلم 1/ 145: فصل زيادات الثّقة مقبولة مطلقاً عند الجماهير
…
الخ. ونص الإمام النووي: ((إذا روى العدل الضابط المتقن حديثاً انفرد به، فمقبول بلا خلاف، نقل الخطيب البغدادي اتفاق العلماء عليه. وأما إذا رواه بعض الثقات الضابطين متصلاً، وبعضهم مرسلاً أو بعضهم موقوفاً، وبعضهم مرفوعاً، أو وصله هو أو رفعه في وقت، وأرسله أو وقفه في وقت، فالصحيح الذي قاله المحققون من المحدّثين، وقاله الفقهاء وأصحاب الأصول، وصححه الخطيب البغدادي أن الحكم لمن وصله أو رفعه سواء كان المخالف له مثله أو أكثر أو أحفظ؛ لأنه زيادة ثِقَة، وَهِيَ مقبولة)). وانظر: الكفاية: (580 - 581 ت، 411هـ). والنكت2/ 612 فَقَدْ تعقّب الحافظُ ابنُ حجر ابنَ الصّلاح في نقله تصحيح الأصوليين والفقهاء.
(4)
الكفاية: (584 ت، 413 هـ).
(للأكثرِ) مِن أَهْلِ الحَدِيْثِ؛ لأنَّ الإرسالَ نوعُ قَدْحٍ في الحَدِيْثِ، فتقْدِيمُه عَلَى المَوْصُوْلِ (1) مِنْ قَبيلِ تَقْديمِ الجَرْحِ عَلَى التَّعْديلِ.
(وَنَسَبَ) ابنُ الصَّلاحِ (2) القَوْلَ (الأَوَّلَ لِلنُظَّارِ) - بضمِّ النُّونِ، وتشديدِ الظاء - وَهم هُنا أَهْلُ الفِقْهِ، والأُصولِ (3) (أَنْ صَحَّحُوْهُ) - بفتحِ الهَمزةِ - بدلُ اشْتمالٍ مِنَ (الأَوَّلِ) أَيْ: تَصْحِيحَهُ (4).
(وَقَضَى) الإمامُ (البُخَارِيْ) أي: جَعَلَ الحكمَ (بِوَصْلِ) حَدِيثِ: ((لَا نِكَاحَ إلاّ بِوَلِيْ))، الّذي اختُلِفَ فِيهِ عَلَى راويهِ (5) أبي إسحاقَ السَّبِيْعِيِّ.
فَرواهُ شُعبةُ وَسُفيانُ الثَّوريُّ عَنْهُ، عَنْ أبي بُرَدَةَ، عَنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلاً، وَرواهُ إسرائيلُ بنُ يونسَ فِي آخرينَ عَنْ جَدِّهِ أبي إسحاقَ المذكورِ، عَنْ أبي بُردَة، عَنْ أبي مُوسى الأشْعَرِيِّ، عَنْ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم مَوْصُوْلاً، فقدَّم البُخَارِيُّ وصلَهُ، وَقَالَ: الزِّيادةُ مِنَ الثِّقةِ مَقْبولةُ.
(مَعْ) بالإسكانِ (كَوْنِ مَنْ أَرْسَلَهُ)، وَهُوَ شُعْبةُ، والثَّوْرِيُّ، (كَالْجَبلِ)؛ لأنَّ لَهُمَا الدَّرَجَةَ العَاليَةَ فِي الحِفظِ والإتْقانِ (6).
(1) في (ق): ((الوصل)).
(2)
وابن الصّلاح مسبوق في هذا فقد نقل الحاكم في المدخل إلى الإكليل220تصحيح الزيادات عن الفقهاء.
(3)
انظر: قواطع الأدلة 1/ 368 - 369، والمحصول 2/ 229، وكشف الأسرار 3/ 2، وجمع الجوامع 2/ 126، وشرح النّوويّ على صحيح مسلم 1/ 25. وفي مثل هذه المسألة الخطيرة، يكون الرجوع إلى أهل الشأن من المحدّثين، ونقل النّوويّ خطأ منه نتج عن تقليد للخطيب والحاكم. وانظر في ذلك: بحثاً موسعاً في أثر علل الحديث: 199 - 249، 255 - 280، ونسبه النّوويّ إلى المحققين من أهل الحديث (شرح النّوويّ على صحيح مسلم 1/ 25)، وفيه نظر شديد: ففي مثل هذه المسألة الخطيرة، إنما يؤخذ قول المحدّثين لا الفقهاء والأصوليين، وما نقله النّوويّ خطأ منه قلد فيه الخطيب والحاكم. وانظر في ذلك: بحثاً موسعاً في أثر علل الحديث: 199 - 249، 255 - 280.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 182.
(5)
في (ص) و (ق): ((رواية)).
(6)
هذا الحديث اختلف في وصله وإرساله، والراجح وصله - كما يأتي -:
أولاً: تفرّد بإرساله شعبة وسفيان الثوري، واختلف عليهما فيه: فقد رواه عن شعبة موصولاً: =
...........................................
= النعمان بن عبد السلام، عند الحاكم في المستدرك 2/ 169 عنه وعن سفيان الثوري مقرونين، والبيهقي في الكبرى 7/ 109، ويزيد بن زريع، عند البزار في مسنده (3111)، والدارقطني في سننه 3/ 220، والبيهقي في سننه الكبرى 7/ 109، ومالك بن سليمان، عند الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 2/ 214، عنه وعن إسرائيل، وكذلك رواه عن شعبة موصولاً: محمد بن موسى الحرشي، ومحمد بن حصين كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 206، فهؤلاء خمستهم (النعمان بن عبد السلام، ويزيد بن زريع، ومالك بن سليمان، ومحمد بن موسى، ومحمد بن حصين) رووه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة عن أبي موسى، مرفوعاً.
ورواه عن شعبة مرسلاً:
يزيد بن زريع، عند البزار في مسنده (3110)، ووهب بن جرير، عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، ومحمد بن جعفر - غندر -، عند الخطيب البغدادي في الكفاية:(580 ت، 411 هـ)، ومحمد بن المنهال، والحسين المروزي - كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 208.
فهؤلاء خمستهم (يزيد بن زريع، ووهب بن جرير، ومحمد بن جعفر، ومحمد بن المنهال، والحسين المروزي) رووه عن شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، مرسلاً.
أما سفيان الثوري فقد اختلف عليه أيضاً: فرواه عنه موصولاً:
النعمان بن عبد السلام، عند الحاكم في المستدرك 2/ 169 - 170، وبشر بن منصور، عند البزار في مسنده (3108)، وابن الجارود في المنتقى (704)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9 وجعفر بن عون، عند البزار (3109)، ومؤمل ابن إسماعيل، عِنْدَ الروياني في مسنده 1/ 303، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 109، وخالد بن عمرو الأموي، عند الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد 6/ 279.
فهؤلاء خمستهم (النعمان بن عبد السلام، وبشر بن منصور، وجعفر بن عون، ومؤمل ابن إسماعيل، وخالد بن عمر) رووه عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى الأشعري، موصولاً.
ورواه عنه مرسلاً:
عبد الرحمان بن مهدي، عند البزار في مسنده (3107)، وأبو عامر العقدي عند الطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، والحسين بن حفص، عند الخطيب البغدادي في الكفاية:(579 ت، 411 هـ)، والفضل بن دكين، ووكيع بن الجراح كما ذكر الدارقطني في العلل 7/ 208.
فهذان الإمامان: شعبة وسفيان قد اختلف عليهما فيه كما ترى. وربّما طرق الذين رووه عن سفيان وشعبة موصولاً، لا تصحّ إليهم. وكلام الترمذي يؤيده، فقد قال الإمام الترمذي:((وقد ذكر بعض أصحاب سفيان، عن سفيان، عن أبي إسحاق عن أبي بردة، عن أبي موسى. ولا يصحّ)). (جامع الترمذي عقب حديث: 1103). =
......................................
= ثانياً: سفيان الثوري وشعبة - وإن كانا اثنين - إلا أنّ اجتماعهما في هذا الحديث كواحد؛ لأنّ سماعهما هذا الحديث كان في مجلس واحد عرضاً، فقد قال الترمذي:((ومما يدلّ على ذلك ما حدّثنا محمود بن غيلان. قال: حدثنا أبو داود، قال: أنبأنا شعبة، قال: سمعت سفيان الثوري يسأل أبا إسحاق: أسمعت أبا بردة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا نكاح إلا بولي؟ " فقال: نعم. جامع الترمذي عقيب حديث (1102).
ثالثاً: إن الذين رووه عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى موصولاً، أكثر عدداً، وهم:
1 -
إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق، عند أحمد في المسند 4/ 394، 413، والدارمي في سننه (2188)، وأبي داود في سننه (2085)، والترمذي في جامعه (1101)، والبزار (3105)
و (3106)، وابن حبّان في صحيحه (4085)، والدارقطني في سننه 3/ 218 - 219، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 107، والخطيب البغدادي في الكفاية:(578 ت، 409 هـ).
2 -
يونس ابن أبي إسحاق، عند الترمذي في جامعه (1101)، والبيهقي 7/ 109، والخطيب البغدادي في الكفاية:(578 ت، 409 هـ)، وكذلك أخرجه أبو داود في سننه (2085) من طريق أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، ثم قال أبو داود عقبه:"هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل عن أبي إسحاق، عن أبي بردة "وسيأتي الكلام عن رواية أبي داود هذه.
3 -
شريك بن عبد الله النخعي، عند الدارمي في سننه (2189)، والترمذي في جامعه (1101)، وابن حبان (4080) و (4090)، والبيهقي 7/ 108.
4 -
أبو عوانة - الوضاح بن يزيد اليشكري -، رواه من طريقه الطيالسي في مسنده (523)، وابن ماجه في سننه (1881)، والترمذي في جامعه (1101)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، والحاكم في المستدرك 2/ 171.
5 -
زهير بن معاوية الجعفي، عند ابن الجارود في المنتقى (703)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 3/ 9، وابن حبان في صحيحه (4079)، والحاكم 2/ 171، والبيهقي في السنن الكبرى 7/ 108.
6 -
قيس بن الربيع، عند الحاكم في المستدرك 2/ 170، والبيهقي 7/ 108، والخطيب البغدادي في الكفاية:(578).
رابعاً: كان سماع هؤلاء من أبي إسحاق في مجالس متعددة، قال الترمذي في جامعه 3/ 409 عقب (1102):((ورواية هؤلاء الذين رووا عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم ((?لا نكاح إلا بولي)) عندي أصحّ؛ لأنّ سماعهم من أبي إسحاق في أوقات مختلفة)) وانظر: العلل الكبير: 156. =
....................................
= خامساً: كانت طريقة تحمل سفيان الثوري وشعبة للحديث عرضاً على أبي إسحاق، في حين أنّ الباقين تحملوه سماعاً من لفظ أبي إسحاق، ولاشكّ في ترجيح ما تحمل سماعاً على ما تحمل عرضاً عند جمهور المحدثين.
سادساً: إن من الذين رووه متصلاً:
إسرائيل بن يونس ابن أبي إسحاق، وهو أثبت الناس وأتقنهم لحديث جدّه، ولم يختلف عليه فيه، أما سفيان وشعبة وإن كان إليهما المنتهى في الحفظ والإتقان. فطريقة تحملهما للحديث قد عرفتها، أضف إليها أنّه قد اختلف عليهما فيه. قال عبد الرحمان بن مهدي:(إسرائيل يحفظ حديث أبي إسحاق كما يحفظ سورة الحمد)، رواه عنه الدارقطني في سننه 3/ 220، والحاكم في المستدرك 2/ 170. وقال صالح جزرة:(إسرائيل أتقن في أبي إسحاق خاصّة) سنن الدارقطني 3/ 220. وقال عبد الرحمان بن مهدي: (ما فاتني من حديث الثوري عن أبي إسحاق الذي فاتني، إلا لما اتكلت به على إسرائيل؛ لأنّه كان يأتي به أتم) جامع الترمذي عقب 1102)، وسنن الدارقطني 3/ 220.
وقال محمد بن مخلد: (قيل لعبد الرحمن - يعني ابن مهدي -: إنّ شعبة وسفيان يوقفانه على أبي بردة، فقال: إسرائيل عن أبي إسحاق أحب إليّ من سفيان وشعبة) سنن الدارقطني 3/ 220. وقال الإمام الترمذي: (إسرائيل هو ثقة ثبت في أبي إسحاق) جامع الترمذي عقب (1102).
سابعاً: في هذا الإسناد علّة أخرى هي عنعنة أبي إسحاق السبيعي، فهو مدلس (جامع التحصيل: 108، وطبقات المدلسين: 42، وأسماء المدلسين: 103). ولكن تابعه عليه جماعة فزالت تلك العلّة، قال الحاكم في المستدرك 2/ 171:(وقد وصله عن أبي بردة جماعة غير أبي إسحاق)
وممن تابعه: ابنه يونس، عن أبي بردة، أخرجه أحمد في المسند 4/ 413، 418، وقد سبق أنّ أبا داود أخرجه عن أبي عبيدة الحداد، عن يونس وإسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال أبو داود (السنن 2/ 229 عقب 2085):(هو يونس عن أبي بردة، وإسرائيل، عن أبي إسحاق عن أبي بردة) يعني أنّ يونس يرويه بإسقاط أبي إسحاق، وإسرائيل يذكره، فجمع أبي عبيدة لهما على أسناد واحد خطأ.
ورواية أبي عبيدة علّقها الترمذي في جامعه (عقب 1102) على نحو ما ذكره أبو داود.
قلنا: يونس معروف بالسماع والرواية عن أبيه أبي إسحاق وعن أبي بردة، فيكون قد سمعه منهما كليهما، فكان يرويه مرة هكذا ومرة هكذا. انظر: العلل الكبير للترمذي: 156، وصحيح ابن حبّان (الإحسان 6/ 154 عقب 4071) قال الحاكم في المستدرك 2/ 171 - 172:"ولست أعلم بين أئمة هذا العلم خلافاً على عدالة يونس ابن أبي إسحاق، عن أبي بردة " =
(وَقِيلَ): الحُكْمُ لما قَالَهُ (الاكْثَرُ) - بالدَّرجِ - مِن وَصْلٍ، أَوْ إرْسَالٍ؛ لأنَّ تطرُّقَ السَّهْوِ، والخَطَإِ إليهِم أبْعَدُ (1).
(وَقِيلَ): الحُكمُ لما قالَهُ (الاحْفَظُ) مِن ذَلِكَ (2).
فَهذهِ أربعةُ أقوالٍ، وَبقيَ خامسٌ، ذكرَهُ السُّبْكِيُّ (3)، وَهُوَ: تساويهُما.
وَمَحلُّ الخِلافِ، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ كَلامُهُم، فِيْمَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَرْجِيحٌ بغيرِ كَثْرةٍ، وَحِفْظٍ، وإتقانٍ، وإلاّ فَالحكمُ دائرٌ مَعَ التَّرجيحِ.
= ثم إنه جاء من حديث عدة من الصحابة، قال الحاكم في المستدرك 2/ 172:(قد صحت الروايات فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة، وأم سلمة، وزينب بنت جحش)، ثم قال: (وفي الباب عن علي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس، ومعاذ بن جبل، وعبد الله ابن عمر
…
)
والحديث صحّحه البخاري كما رواه عنه الخطيب فيما سبق، وروى الحاكم أيضاً تصحيحه عن علي بن المديني، ومحمد بن يحيى الذهلي. المستدرك 2/ 170.
قلنا: مما سبق تبين أنّ رواية من وصل الحديث أصحّ وأرجح من رواية من أرسله، وأما زعم من زعم أنّ الإمام العلم الجهبذ البخاري صحّحه لأنّه زيادة ثقة، فهو كلام بعيد مجانبٌ لمنهج هذا الإمام وغيره من أئمة الحديث القائم على أساس اعتبار المرجحات والقرائن في قبول الزيادة وردها. والقول بقبولها مطلقاً هو رأي ضعيف ظهر عند المتأخّرين، قال به الخطيب وشهره، ولهذا قال الحافظ ابن حجر:(ومن تأمل ما ذكرته عرف أنّ الذين صحّحوا وصله لم يستندوا في ذلك إلى كونه زيادة ثقة فقط، بل للقرائن المذكورة المقتضية لترجيح رواية إسرائيل - الذي وصله - على غيره) فتح الباري (9/ 229 طبعة الكتب العلمية). فالذي نظر في صنيع الأئمة السابقين والمختصين في هذا الشأن يراهم لا يقبلونها مطلقاً ولا يردونها مطلقاً، بل مرجع ذلك إلى القرائن والترجيح: فتقبل تارة، وترد أخرى، ويتوقف فيها أحياناً، قال الحافظ ابن حجر:(والمنقول عن أئمة الحديث المتقدّمين - كعبد الرحمان بن مهدي، ويحيى القطان، وأحمد بن حنبلٍ، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، والبخاري، وأبي زرعة، وأبي حاتم، والنسائي، والدارقطني، وغيرهم- اعتبار الترجيح فيما يتعلق بالزيادة وغيرها، ولا يعرف عن أحد منهم قبول إطلاق الزيادة) نزهة النظر: 96.
وهذا هو الرأي المختار المتوسط الذي هو بين القبول والرد، فيكون حكم الزيادة حسب القرائن المحيطة بها حسب ما يبدو للناقد العارف بعلل الحديث وأسانيده وأحوال الرواة بعد النظر في ذلك، أما الجزم بوجه من الوجوه من غير نظر إلى عمل النقاد فذلك فيه مجازفة. (وانظر في ذلك بحثاً نافعاً في أثر علل الحديث: 254 - 263، وفيه كلام نفيس لعلاّمة العراق ومحقق العصر الدكتور هاشم جميل -حفظه الله-).
(1)
نقله الحاكم عن أئمة الحديث. انظر المدخل إلى الإكليل 40 - 41.
(2)
نسب الحافظ ابن رجب القول به إلى الإمام أحمد. انظر: شرح علل التّرمذي 2/ 635.
(3)
جمع الجوامع 2/ 124.
فَقَدْ يُقَدَّمُ جَزماً الوصلُ، أَوْ الإرسالُ لمرجِّحٍ مِن نَحوِ ملازمةٍ، ومِنْ ثَمَّ قَدَّمَ البُخَارِيُّ - كَمَا أَفَادَهُ شَيْخُنا (1) - الإرْسالَ في أحاديثَ، لقرائنَ قامَتْ عندَهُ (2).
مِنْها: أنَّه ذَكَرَ لأبي داودَ الطَيَالِسِيِّ حَدِيثاً وصَلُهُ، وَقَالَ:((إرسالُهُ أثبتُ)) (3).
(ثُمَّ) إذَا قلنا بأنَّ الحُكْمَ للأحفظِ، (فَمَا إرْسَالُ عَدْلٍ يَحْفَظُ يَقْدَحُ) أي: فَليسَ إرسالُ العَدْلِ الأحفظِ قادِحاً (في أهْليَّةِ الوَاصِلِ)، من ضَبطٍ، وعدالةٍ (4).
(أَوْ) أي: ولا في (مُسْنَدِهِ) الذي لَمْ يقعْ فِيهِ التَّعارِضُ (عَلَى الأَصَحِّ) لاحتِمالِ إصابَتِهِ، وَوَهَمِ الأحفظِ، بَخلافِ مُسْنَدِهِ الذي وقعَ فِيهِ التَّعارضُ.
وردُّهُ لَيْسَ للقدحِ فِي عَدالتِهِ، بَلْ لِلاحتياطِ.
وَمُقابِلُ الأَصَحِّ يَقُول: يَقدحُ ذَلِكَ فِيْمَا ذُكِرَ نظراً للظاهرِ.
(وَرَأَوْا) أي: أَهْلُ الحديثِ، فِيْمَا يَخْتلِفُ فِيهِ الثِّقاتُ مِنَ الحديثِ، بأن يَرْوِيَه بَعْضُهم مَرْفُوْعاً، وَبَعْضُهم مَوْقُوْفاً (أنَّ الأصَحَّ: الحُكْمُ لِلرَّفعِ (5))، لأنَّ راويه مُثْبِتٌ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى النافِي، فَعَلى الساكتِ أوْلَى؛ لأنَّ مَعَهُ زِيَادةَ عِلْمٍ (6).
(1) النكت لابن حجر 2/ 606 - 607.
(2)
قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 193: ((فالحق حسب الاستقراء من صنيع متقدمي الفن كابن مهدي، والقطان، وأحمد، والبخاري عدم المراد حكم كلي، بل ذلك دائر مع الترجيح، فتارة يترجح الوصل، وتارة الإرسال، وتارة يترجح عدد الذوات على الصفات، وتارة العكس، ومن راجع أحكامهم الجزئية تبين له ذلك، والحديث المذكور لم يحكم له البخاريّ بالوصل المجرد أن الواصل معه زيادة، بل لما انظم لذلك من قرائن رجحته لكون يونس بن أبي إسحاق، وابنيه إسرائيل وعيسى رووه عن أبي إسحاق موصولاً، ولا شك أن آل الرجل أخص به من غيرهم، لاسيما وإسرائيل. قال فيه ابن مهدي: إنه كان يحفظ حديث جده، كما يحفظ سورة الحمد
…
)). وانظر: النكت لابن حجر 2/ 606.
(3)
انظر: النكت لابن حجر 2/ 607.
(4)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 301.
(5)
في (ص): ((الرفع)).
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 183، والتقييد والإيضاح: 94 - 95، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 301، وتدريب الرّاوي 1/ 221.
وَقِيلَ: الحُكمُ لمَنْ وَقَفَ.
وَقِيلَ: للأكثرِ.
وَقِيلَ: للأحفظِ.
وَعَلَيْهِ لا (1) يَقْدَحُ وقْفُ الأحفظِ في أهليَّةِ الرافعِ، ولا في مُسندِهِ عَلَى الأصحِّ، والأولُّ مِنْ كُلٍّ مِنَ التعارُضَيْنِ (2) أصحُّ.
(وَلَوْ) كَانَ الاختلافُ (مِنْ) راوٍ (واحدٍ في ذَا وذَا) أي: في كُلٍّ مِنْهُمَا، كأنْ يرويه مرةً مَوْصُوْلاً، أو مَرْفُوْعاً، وَمَرةً مُرْسَلاً، أَوْ مَوْقُوْفاً (كَمَا حَكوْا) أي: الْجُمْهُورُ.
وَصَرَّح ابنُ الصَّلاحِ بِتَصْحِيحِهِ (3)؛ لأنَّ مَعَهُ في حَالةِ الوصْلِ، أَوْ (4) الرَّفعِ زِيادةَ عِلْمٍ، فَهذا هُوَ الراجِحُ عِنْدَ المحدِّثينَ.
وأمَّا الأصوليونَ (5)، فصحَّحوا أنَّ الاعتبارَ بِما وَقَعَ مِنْهُ أَكْثرُ. قَالَهُ النَّاظِمُ (6).
(1) في (ق): ((فلا)).
(2)
في (ص) و (ق): ((المتعارضين)).
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 183، وانظر: النكت الوفية للبقاعي: 136/ ب.
(4)
في (ص): ((و)).
(5)
انظر في ذلك: المحصول 2/ 235، والإبهاج 2/ 348، ونهاية السول 3/ 230.
(6)
وعبارته: ((وأما الأصوليون فصححوا أنّ الاعتبار بما وقع منه أكثر. فإن وقع وصله، أو رفعه أكثر من إرساله، أو وقفه؛ فالحكم للوصل، والرفع. وإن كان الإرسال، أو الوقف أكثر، فالحكم له)). شرح التبصرة والتذكرة 1/ 302.
قلنا: صنيع المحدّثين السابقين يشعر بأنه ليس لذلك ضابط، بل قد تترجح الرّواية المنقطعة إذا كان رواتها أكثر أو أحفظ، وقد تترجح الرّواية الموصولة إذا كان رواتها أكثر عدداً أو أشد ضبطاً وما إلى ذلك من المرجحات.
انظر كلام ابن المبارك في سنن النّسائيّ الكبرى 1/ 632 عقيب (2072)، وجامع التّرمذي عقيب (2995)، وعلل ابن أبي حاتم 1/ 138، وأثر علل الحديث 179 - 185.