الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَجَعَ (في كُلِّ مَتْنٍ) حالةَ كونِهِ (قَائِلاً) فِيهِ: (أَخْبَرَكَا) الفِرَبْرِيُّ (إِذْ) أي: لكونِهِ
(كَانَ قَالَ) لَهُ (أَوَّلاً) لِظَنِّهِ أنَّه سَمِعَهُ مِن لَفْظِ الفِرَبْريِّ: (حَدَّثَكَا) الفِرَبْرِيُّ.
بَلْ قَالَ لَهُ: تَسْمَعُني أَقُولُ حَدَّثَكُم الفِرَبْرِيُّ، فَلا تُنْكِرُ عَلِيَّ، مَعَ عِلْمِكَ بِأَنَّكَ إنّما سَمعتَهُ مِنْهُ قراءةً عَلَيْهِ (1).
(قُلْتُ: وَذَا رأيُ الّذينَ اشْتَرَطُوا إعادةَ الإسنادِ) في كُلِّ مَتْنٍ، وَلَوْ مَعَ اتحادِ السَّنَدِ، وإلاّ لاكْتَفى بِقوْلِهِ: أَخْبرَكُمْ الفِرَبْرِيُّ بجميعِ " صَحِيْحِ البُخَارِيِّ " مِنْ غَيْرِ إعَادَةِ قراءةِ جَمِيْعِ الكتابِ، ولا تكرُّرِ الصِّيغةِ في كُلِّ متنٍ.
(وَهْوَ) أي: اشتِراطُ الإعادةِ (شَطَطُ) أي: جَوْرٌ، وَالصَّحِيحُ (2): خلافُهُ، كَمَا سَيأتي في الروايةِ مِنَ النُّسْخِ التي إسنادُها واحدٌ (3).
تَفْرِيْعَاتٌ
(تَفْرِيْعَاتٌ) سَبعةٌ لهذينِ القِسْمَينِ:
أوَّلُهَا: فِيْمَا إذَا لَمْ يَحْفَظِ الشَّيْخُ مَا عُرِضَ عَلَيْهِ، وأمسكَ الأصلَ عَدْلٌ ضابطٌ، وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ:
398 -
وَاخْتَلَفُوا إِنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ رِضَا
…
وَالشَّيْخُ لَا يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا
399 -
فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُوْلِ يُبْطِلُهْ
…
وَأَكْثَرُ الْمُحَدِّثْيِنَ (4) يَقْبَلُهْ
400 -
وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ فَإِنْ لَمْ يُعْتَمَدْ
…
مُمْسِكُهُ فَذَلِكَ (5) السَّمَاعُ رَدّْ
(1) الكفاية: (436 ت، 303 - 304 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 301، ومحاسن الاصطلاح: 252 - 253، وشرح التبصرة 2/ 106، وفتح المغيث 2/ 37. وقد شكك الزّركشيّ في هذه القصة في نكته 3/ 486 - 487 ثمّ قال:((فكأن هذه الحكاية لم تصح)).
(2)
في (ص): ((جوزوا الصّحيح)).
(3)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 301، وشرح التبصرة 2/ 107، وفتح المغيث 2/ 37.
(4)
في نسخة (أ) من متن الألفية: ((المحققين)).
(5)
في النفائس: ((فذاك))، وهو خطأ في الوزن.
(وَاخْتَلَفُوا) أي: العلماءُ مِنَ الْمُحَدِّثِيْنَ، وَغَيْرِهِم (إنْ أَمْسَكَ الأَصْلَ) حِيْنَ القِرَاءةِ عَلَى الشَّيخِ (رِضَا) أي: مَرْضِيٌّ في العدالةِ والضبطِ، وَكَانَ سَامِعاً، (والشَّيْخُ لا يَحْفَظُ مَا قَدْ عُرِضَا) عَلَيْهِ، هَلْ يَصِحُّ السَّمَاعُ أَوْ لَا؟
(فَبَعْضُ نُظَّارِ الأُصُولِ) كإمامِ الْحَرمينِ (1)(يُبْطِلُهْ، وأكْثرُ الْمُحَدِّثِيْنَ)، بَلْ كُلُّهم، كَمَا اقْتَضاهُ كلامُ القاضِي عِياضٍ (2)، (يَقْبلُهْ، واخْتَارَهُ الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (3)، وَعَلَيْهِ العَمَلُ.
(فإنْ لَمْ يُعتَمَدْ) ببنائِهِ للمفعولِ، (مُمْسِكُهُ) أي: مُمْسِكُ الأصلِ، أَوْ القارئ، (فذلكَ السَّمَاعُ ردّْ) أي: مَرْدُودٌ (4).
وَهَذا تَصْرِيحٌ بما عُلِمَ مِنْ قَولِهِ: ((رِضَا)).
أما إذَا كَانَ الْمُمْسِكُ الرِّضَا قارئاً، فَلَمْ يُبطلِ السَّمَاعَ إلَاّ بَعْضُ مَنْ شدَّدَ في الرِّوَايَةِ.
401 -
وَاخْتَلَفُوا إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ وَلَمْ
…
يُقِرَّ لَفْظاً، فَرآهُ الْمُعْظَمْ
402 -
وَهْوَ الصَّحِيْحُ كَافِياً، وَقَدْ مَنَعْ
…
بَعْضُ أولي الظَّاهِرِ مِنْهُ، وَقَطَعْ
403 -
بِهِ (أبُو الْفَتْحِ سُلَيْمُ الرَّازِي)
…
ثُمَّ (أبُو إِسْحَاقٍ (5) الشِّيْرَازِيْ)
404 -
كَذَا (أبُو نَصْرٍ) وَقال: يُعْمَلُ
…
بِهِ وَألْفَاظُ الأَدَاءِ الأَوَّلُ
ثانيها: فِيْمَا إذَا سَكَتَ الشَّيْخُ بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ لَهُ: ((أخبرك فُلَانٌ)). أَوْ نحوَهُ. وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ:
(واخْتَلَفُوا) أَيْضاً، (إنْ سَكَتَ الشَّيْخُ) المتيقظُ الْمُختارُ بَعْدَ قَوْلِ الطَّالِبِ لَهُ:((أخبرك فلانٌ))، أَوْ قُلْتَ: أَخْبَرَنَا فُلَانٌ، أَوْ (6) نَحْوَ ذَلِكَ، مَعَ فَهْمِهِ لِما قَالَهُ بأنْ لَمْ
(1) البرهان 1/ 413 (586).
(2)
الإلماع: 75.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 302. ونقله عن بعض أئمة الأصول، وتعقبه الزّركشيّ في نكته 3/ 488: ((والعجب من المصنف في عزوه ذلك لبعض الأصوليين، وقد نقله الحاكم عن مالك وأبي حنيفة))، وانظر: فتح المغيث 2/ 40.
(4)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 302. وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 108.
(5)
بالصرف؛ لضرورة الوزن، وسينبه الشارح على ذلك.
(6)
سقطت من (ق).
يُنْكِرْهُ، (وَلَمْ يُقِرَّ لَفْظاً) بِقولِهِ: نَعَمْ، أَوْ نَحْوِه، ولا إيماءً كأنْ يومِئَ بِرأسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ الطَّالِبِ أنَّ سُكوتَهُ إجابةٌ.
(فَرآهُ الْمُعْظَمْ) مِنَ العُلَمَاءِ (1)(- وَهْوَ الصَّحِيحُ - كَافِياً) في صحَّةِ السَّمَاعِ؛ إِذْ سُكوتُه عَلَى الوجهِ المذكورِ، كإقرارِه لفظاً.
ولأنَّه لا يَليقُ بدِيْنِ الشَّيْخِ (2) إقرارٌ عَلَى الخطإِ في مثلِ ذَلِكَ.
وَحينئِذٍ فَيؤدِّي بألفاظِ العَرْضِ كُلِّها.
(و) لَكِنْ (قَدْ مَنَعْ بَعْضُ أولي الظَّاهِر)، والحديثِ أَيْضاً، (مِنْهُ) أي: مِنَ الاكتفاءِ بِذَلِكَ، فاشترَطوا إقرارَه بِذَلِكَ لَفْظاً (3).
(وَقَطَعْ بِهِ) مُطْلَقاً مِنَ الشَّافِعيّةِ (أَبُو الفَتْحِ سُلَيْمُ) بتركِ التنوينِ (4)(الرَّازِيْ، ثُمَّ) الشَّيْخُ (أَبُو إسْحَاقٍ (5)) -بالصرفِ للوزنِ- (الشِّيْرَازِيْ) و (كَذَا أَبُو نَصْرٍ) ابنُ الصَّبَّاغِ (6).
(و) لَكِنْ (قَالَ: يُعْمَلُ بِهِ) أي: بالمرويِّ، إذَا أدَّى بما يأتي، حَيْثُ قَالَ مَا حَاصِلُهُ:(وأَلْفَاظُ الأَدَاءِ) لِمَنْ سَمِعَ، أَوْ قرأَ كَذلِكَ، وأرادَ (7) روايتَهُ، هِيَ الألفاظُ
(1) قال القاضي عياض في إلماعه: 79: ((وهذا مذهب الجمهور من المحدّثين والفقهاء والنظّار)).
(2)
((الشّيخ)): لم ترد في (ص) و (م).
(3)
انظر: الإحكام 2/ 272، والإلماع: 78، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 109. وبه عمل جماعة من مشايخ أهل المشرق وأئمتهم.
(4)
بعد هذا في (م): ((للوزن)). ولم ترد في شيء من النسخ الخطية. ورواية أبي الفتح نقلها ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 302، والزركشي في البحر المحيط 4/ 389.
(5)
اللمع: 48.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 302، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 109 - 110.
وقال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 110: ((وما قاله ابن الصباغ من أنه لا يطلق فيه حدّثنا ولا أخبرنا هو الذي صححه الغزالي وحكاه الآمدي عن المتكلمين وصححه. وحكى الآمدي تجويزه عن الفقهاء والمحدثين، وصححه ابن الحاجب، وحكى عن الحاكم إنه مذهب الأئمة الأربعة)).
انظر: المستصفى 1/ 165، والإحكام 2/ 328، لكنّه لم يسنده للمتكلمين، ومنتهى الأصول: 83، ومعرفة علوم الحديث: 259 - 260، ونكت الزركشي 3/ 489، وتدريب الرّاوي 2/ 20.
(7)
في (ق): ((وأداء)).
(الأوَّلُ) المتَّفقُ عَلَيْهَا (1). وَهِيَ: ((قرأتُ عَلَيْهِ))، أَوْ ((قُرِئَ عَلَيْهِ وَأَنا أَسْمعُ))، لَا جميعُها، فَلا تقلْ ((حَدَّثَني))، ولا ((أَخْبَرَنِي))، ولا ((سَمِعْتُ)).
بَلْ قَالَ صَاحِبُ " الْمَحْصُولِ ": لَوْ أشارَ الشَّيْخُ بِرأسِهِ، أَوْ إصْبَعِهِ، للإقرارِ بِهِ، وَلَمْ يَتَلَفظْ، لَمْ يقلْ ذَلِكَ (2).
قَالَ النَّاظِمُ: وفيه نظرٌ (3). أي؛ لأنَّ الإشارةَ بِذَلِكَ، كالنطقِ في الإعلامِ بِهِ، وَهُوَ ظاهِرُ هَذَا.
والْمُعتمَدُ الجوازُ، وإنْ لَمْ يُشِرْ، كَمَا مَرَّ عَنْ الْمُعظَمِ، غَايتُه أنَّه فوَّتَ المستحبَّ، وَهُوَ الإقرارُ بِهِ لَفْظاً.
405 -
وَالْحَاْكِمُ اخْتَارَ الَّذِي قَدْ عَهِدَا
…
عَلَيْهِ أَكْثَرَ الشُّيُوْخِ فِي الأَدَا
406 -
حَدَّثَنِي فِي الْلَفْظِ حَيْثُ انْفَرَدَا
…
وَاجْمَعْ ضَمِيْرَهُ إذا تَعَدَّدَا
407 -
وَالْعَرْضِ (4) إِنْ تَسْمَعْ فَقُلْ أَخْبَرَنَا
…
أو قَارِئاً (أَخْبَرَنِي) واسْتُحْسِنا
408 -
وَنَحْوُهُ عَنِ (ابْنِ وَهْبٍ) رُوِيَا
…
وَلَيْسَ بِالْوَاجِبِ لَكِنْ رُضِيَا
409 -
وَالشَّكُ فِي الأَخْذِ أكَانَ وَحْدَهْ
…
أو مَعْ (5) سِوَاهُ؟ فَاعِتَبارُ الْوَحْدَهْ
410 -
مُحْتَمَلٌ لَكِنْ رأى الْقَطَّانُ
…
اَلْجَمْعَ فِيْمَا أوْ هَمَ الإِْنْسَانُ
411 -
فِي شَيْخِهِ مَا قَالَ وَالْوَحْدَةَ قَدْ
…
اخْتَارَ فِي ذَا الْبَيْهَقِيُّ وَاعْتَمَدْ
(1) معرفة أنواع علم الحديث: 302 - 303، والإرشاد 1/ 356، والمقنع 1/ 302، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 109 - 110، وفتح المغيث 2/ 43.
(2)
المحصول 2/ 222، وطبعة العلواني 2/ 1/644.
(3)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 110.
(4)
قال البقاعي 248 / ب: ((والعرض - بالجر - عطفاً على قوله: اللفظ، والمقول محذوف أي: واختار في العرض هذا التفصيل وهو أنك: إن تسمع بقراءة غيرك إلى آخره، ويجوز أن يرفع على أنه مبتدأ وخبره جملة الشرط بتقدير رابط أي: إن تسمع فيه أي: إن تكن سامعاً فقل: أخبرنا، أو تكن قارئاً فقل: أخبرني)). وكذا في جميع النسخ الخطية، وفي النفائس، وفتح المغيث بالنصب.
(5)
بتسكين العين كما قال الشارح.
ثالثُها: في افتراقِ الحالِ بَيْن صيغةِ المنفردِ، وصيغةِ مَنْ في جماعةٍ.
وَهُوَ مَا ذَكَرهُ بِقولِهِ:
(والْحَاكِمُ اخْتَارَ) الأَمْرَ (1)(الذِي قَدْ عَهِدَا) هُوَ (عَلَيْهِ أكْثَرَ الشُّيُوْخِ) لَهُ، وأئمةِ عَصْرِه (في) صيغِ (الأدا)، وَهُوَ أنْ يقولَ:(حَدَّثَنِي) فلانٌ (فِي) مَا يَتَحَمَّلُهُ عَنْ شيخِهِ بِصَرِيحِ (اللفظِ، حَيْثُ انْفَرَدَا) عَنْ غيرِهِ بالسَّماعِ.
(واجْمَعْ) أَنْتَ (ضَمِيرَهُ) أي: مَا تحملتَهُ، فَقُلْ:((حَدَّثَنَا)) (إذَا تَعدَّدا) أي: مَنْ تَحمَّل بأنْ كَانَ مَعَكَ وقتَ السَّمَاعِ غيرُك، وَفِي عبارتِهِ التِفَاتٌ.
(و) اختارَ أَيْضاً فِيْمَا تَتَحَمّلُه عَنْ شيخِكَ في (الْعَرْضِ) أنَّكَ (إنْ تَسْمَعْ) بقراءةِ غيرِك، (فقل: أَخْبَرَنَا) بالْجَمْعِ، (أَوْ) إن تكن (قارِئاً)، فَقُلْ:(أخْبَرنِي) بالإفرادِ، (واستُحْسِنَا) ذَلِكَ مِن فاعِلِهِ.
(ونحوُهُ عَنِ ابنِ وَهْبٍ) عَبْدِ اللهِ (رُوِيَا). رَوَى عَنْهُ التِّرمذيُّ (2)، وغيرُهُ (3) أنَّه قَالَ:((مَا قُلْتُ: ((حَدَّثَنَا)) فَهُوَ مَا سَمِعتُ مَعَ النّاسِ، وَمَا قُلْتُ:((حَدَّثَني)) فَهُوَ مَا سمعتُ وحدي، ومَا قُلْتُ:((أَخْبَرَنَا))، فَهُوَ مَا قُرِئَ عَلَى العالِمِ، وأنا شاهدٌ (4)، ومَا قُلْتُ:((أخْبرني))، فَهُوَ مَا قرأتُ عَلَى العالِمِ)).
قَالَ الناظمُ: ((وَفِي (5) كلامِ الحاكمِ، وابنِ وَهْبٍ، أنَّ القارئَ يَقُولُ:((أخبرني)) سواءٌ أسَمِعَ (6) مَعَهُ غيرُهُ أَمْ لا)) (7).
وَقضيتُهُ أنَّ التَّفْصيلَ لَيْسَ بواجبٍ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ في قَوْلِهِ:
(1) معرفة علوم الحديث: 260.
(2)
العلل الصغير 6/ 245.
(3)
الكفاية: (425 ت، 294 هـ)، والإلماع: 126 - 127.
(4)
في (ق): ((مشاهد)).
(5)
في (ص): ((وذي)).
(6)
في شرح التبصرة والتذكرة: ((سمع)).
(7)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 112.
(وَلَيْسَ) مَا ذكرَ مِنَ التَّفْصيلِ (بالوَاجبِ) عِنْدَهُم، (لَكِنْ رُضِيَا) أي: اسْتُحِبَّ لِلتَّمييزِ بَيْن أحوالِ التَّحمُّلِ (1).
وَمَحلُّه: إذَا عَلِمَ صُورةَ حَالِ الأخذِ عَنِ الشَّيخِ.
(وَ) أما إذَا وقعَ (الشَّكُّ في الأخذِ) عَنْهُ مِن لَفْظِهِ (أكانَ وَحْدَهْ)؟ فيأتي بـ: حَدَّثَني، (أَوْ) كَانَ (مَعْ) - بالإسكانِ - (سواهُ) فيأتي بـ:((حَدَّثَنَا)).
(فَاعْتِبَارُ الوحْدهْ) أي: القولِ بِهِ (مُحْتَمَلٌ)؛ لأنَّ الأَصْلَ عدمُ غيرِهِ (2).
وَكَذا لَوْ شَكَّ في أخْذِهِ عَنْهُ عَرْضاً أكانَ مِن قَبيلِ ((أَخْبَرَنَا))، لكونِهِ مَعَ غيرِه، أَوْ ((أَخْبرنِي))، لكونِهِ وَحْدَهُ؟، والأصلُ عدمُ غيرِهِ (3).
لَكِنْ حَكى الخطيبُ (4) عَنِ البَرقَاني، أنَّهُ كَانَ يَقُولُ في هَذَا:((قَرَأْنا)).
قَالَ النَّاظِمُ (5): ((وَهُوَ حَسَنٌ)).
لأنَّ سَمَاعَ نفسِه مُتَحَقِّقٌ، وقراءتَهُ شَاكٌّ فِيْهَا، والأَصْلُ عدمُها.
ولأنَّ إفرادَ الضَّميرِ يَقْتَضي قراءتَه بِنَفْسِه، وجمعَهُ يمكنُ حملُهُ عَلَى قراءةِ بعضِ مَنْ حَضَرَ السَّمَاعَ، بَلْ لَوْ تحقَّقَ أنَّ الَّذِي قرأَ غيرُهُ، فَلا بأسَ أَنْ يَقُولَ:((قرأنا)).
قالَهُ: أَحْمَدُ بنُ صَالحٍ حِيْنَ سُئِلَ عَنْهُ (6).
وَقَالَ النُّفَيْلِيُّ (7): ((قرأنا عَلَى مالكٍ مَعَ أنَّه إنَّما قُرِئَ عَلَيْهِ، وَهُوَ يَسْمَعُ)). انتهى.
(1) كما صرح به الخطيب. انظر: الكفاية (425 - 428 ت، 294 - 296 هـ). وذكر ذلك السخاوي في فتح المغيث 2/ 44.
(2)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 304، والإرشاد 1/ 357 - 358، والمقنع 1/ 304، والتقييد: 172، وفتح المغيث 2/ 45.
(3)
قال العراقي في شرح التبصرة 2/ 113: ((وفيه نظر؛ لأن قبيل أخبرني أن يكون هو الذي قرأ بنفسه على الشّيخ على ما ذكره ابن الصّلاح، وعلى هذا فهو يتحقق سماع نفسه، ويشك هل قرأ بنفسه أم لا؟ والأصل: أنّه لم يقرأ)) وانظر: النكت الوفية: 249/ب.
(4)
الكفاية: (431 ت، 300 هـ).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 114.
(6)
الكفاية: (432 ت، 300 هـ).
(7)
المصدر السابق.
ويُمْكِنَ حَمْلُ كلامِ مَنْ اختارَ ((أخبرني)) عَلَى مَنْ تحقَّقَ قراءةَ نفسِهِ، وشكَّ: هَلْ سمعَ مَعَهُ غيرُهُ أَوْ لا؟
ثُمَّ إذَا شَكَّ في القِرَاءةِ أَيْضاً لَا يَتعيَّنُ ((قرأنا))، بَلْ مثلُه ((أَخْبَرَنَا))، كَمَا يُفهَمُ بالأولى.
(لَكِنْ رأى) يَحْيَى بنُ سعيدٍ (1)(القطَّانُ الجَمْعَ) بـ: حَدَّثَنَا في مَسْأَلَةٍ تُشبِهُ الأولى، وَهِيَ:
(فِيْمَا) إذَا (أَوْهَمَ) أي: وَهِمَ بمعنى: شَكَّ (الإنسانُ في) لفظِ (شيخِهِ مَا) الذي (قَالَ)؟ أحَدَّثَني أَوْ حَدَّثَنَا؟
قَالَ ابنُ الصلاحِ: وَمُقْتَضاهُ الْجَمْعُ في تِلْكَ أَيْضاً (2).
قَالَ: وَهُوَ عِنْدي يتوجَّهُ (3) بأنَّ ((حَدَّثَني)) أكملُ مرتبةً، فيقتصرُ في حالَةِ الشكِّ عَلَى النَّاقصِ؛ لأنَّ الأصْلَ عَدمُ الزَّائدِ، وَهذا لَطيفٌ (4). انتهى.
(والْوَحْدَةَ) بالنَّصْبِ بـ: اختار - أي: و (قَدْ اختَارَ) صِيغةَ ((حَدَّثَني)) (في ذَا) الفرعِ (الْبَيهقِيُّ) بَعْدَ نَقْلِهِ قَوْلَ القَطَّانِ (5)، (واعْتَمَدْ) مَا اخْتَارَهُ، وَعَلَّلَهُ بأنَّه لا يشكُّ في واحدٍ (6)، وإنَّما الشَّكُّ في الزائِدِ، فيُطْرحُ الشكُّ ويبنى عَلَى اليَقينِ (7).
412 -
وَقَالَ (أَحْمَدُ): اتَّبِعْ لَفْظاً وَرَدْ
…
لِلشَّيْخِ فِي أَدَائِهِ وَلَا تَعَدْ (8)
413 -
وَمَنَعَ الإبْدَالَ فِيْمَا صُنِّفَا
…
- الشَّيْخُ - لَكِنْ حَيْثُ رَاوٍ عُرِفَا
414 -
بِأَنَّهُ سَوَّى فَفِيْهِ مَا جَرَى
…
فِي النَّقْلِ باِلْمَعْنَى، وَمَعْ ذَا فَيَرَى
(1) انظر: الكفاية: (423 ت، 293 هـ).
(2)
معرفة أنواع علم الحديث: 304، وعبارته:((وهذا يقتضي فيما إذا شكّ في سماع نفسه في مثل ذلك أن يقول: ((حدّثنا)))).
(3)
في (ع): ((متوجّه)).
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 304.
(5)
معرفة أنواع علم الحديث: 304، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 114.
(6)
في (ص): ((أحد)).
(7)
فتح المغيث 2/ 46.
(8)
أصلها: تتعدّى، فحذفت التاء الأولى تخفيفاً، ولام الفعل للجزم بالنهي، والمراد: لا تتجاوز لفظه وتبدله بغيره. انظر: النكت الوفية 249/ ب، وفتح المغيث 2/ 46.
415 -
بِأَنَّ ذَا فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ
…
بِالْلَفْظِ لَا مَا وَضَعُوا فِي الْكُتُبِ
ورابعُها: في التقيُّدِ بلفظِ الشَّيْخِ (1)، وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ:
(وَقَالَ) الإمامُ (أَحْمَدُ) بنُ حنبلٍ (2): (اتَّبِعْ) أنت (لَفْظاً وَرَدْ لِلشَّيْخِ في أَدَائِهِ) لَكَ مِن ((سمعتُ))، و ((حَدَّثَنَا))، و ((حَدَّثَني))، ونحوِها.
(وَلَا تَعَدْ) - بفتح العينِ وحذفِ التاء -، وأصلُهُ تَتَعَدَّ أي: لا تتجاوزْ لفظَهُ، فقُلْ مثلاً: حَدَّثَنَا فُلَانٌ وفلانٌ عَنْ فُلَانٍ، قَالَ: أوَّلُهمَا ((حَدَّثَنَا))، وَقَالَ ثانيهما:
((أَخْبَرَنَا))، فَلا تُبدِّل شَيئاً مِن أَلفاظِهِ (3) بغيرِهِ.
(وَ) كَذَا (مَنَعَ الإبدالَ) لـ: حَدَّثَنَا بـ: أخبرَنا، أَوْ بِعَكْسِهِ، أَوْ نحوِهِ
(فِيْمَا صُنِّفَا) بِبِنَائِهِ لِلْمَفعولِ - مِنَ الكُتُبِ (الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (4)؛ لاحْتِمَالِ أنَّ قَائلَ ذَلِكَ، لا يَرَى التَّسويةَ بَيْنَ الصِّيغتينِ (5).
(لَكِنْ) استدراكٌ عَلَى الأَوَّلِ (حَيْثُ راوٍ عُرِفَا) ببنائِهِ لِلمَفْعُولِ (بأنَّهُ سَوّى) بينهُما (فَفِيهِ) حينئذٍ (مَا جَرى) مِنَ الخِلافِ (في النَّقْلِ بالْمَعْنَى.
وَمَعْ) -بالإسكانِ- (ذا) أي: جريانِ الخلافِ (فَيَرَى) ابنُ الصَّلاحِ (6)(بأنَّ ذَا) أي: الخلافَ (فِيْمَا رَوَى ذُو الطَّلَبِ) أي: الطالبُ مما (7) تحمَّلَهُ (بالْلَفظِ) مِنْ (8) شيخِهِ، (لَا) في (مَا وَضَعُوا) أي: الْمُصَنِّفونَ (فِي الكُتُبِ) الْمُصنَّفةِ، فإنَّ ذَلِكَ يمتنعُ تغيِيْرُهُ قَطْعاً، سواءٌ أرويناه في التَّصْنيفاتِ (9)، أَمْ نَقَلْنَاهُ مِنْهَا لَفظاً، أَوْ إلى تَخارِيجِنا، أَوْ أجزائِنا، كَمَا سيأتي في الرِّوَايَةِ بالمعنى.
(1) فتح المغيث 2/ 46.
(2)
الكفاية: (423 ت، 293 هـ).
(3)
في (ق): ((لفظه)).
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 305.
(5)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 305، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 116، وفتح المغيث 2/ 46.
(6)
معرفة أنواع علم الحديث: 305، وانظر: نكت الزّركشيّ 3/ 492.
(7)
في (ص): ((من)).
(8)
في (م): ((عن)).
(9)
في (ق): ((المصنفات)).
وَضَعَّفَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ (1)، بأنَّ النَّقلَ مِنْهَا لا يَنْبَغِي منعُهُ أخذاً مِن تعليلِ المنعِ بتغييرِ التَّصْنيفِ؛ إِذْ لَيْسَ فِيهِ تَغْييرُ التَّصْنيفِ (2). أي: وإنْ كَانَ فِيهِ تَغْييرُ عِبارةِ المصنِّفِ.
416 -
وَاخْتَلَفُوا فِي صِحَّةِ السَّمَاعِ
…
مِنْ نَاسِخٍ، فَقَالَ بَامْتِنَاعِ
417 -
(الإِسْفَرَاييِنِيْ) مَعَ (الْحَرْبِيِّ)
…
وِ (ابْنِ عَدِيٍّ) وَعَنِ (الصِّبْغِيِّ)
418 -
لَا تَرْوِ تَحْدِيْثاً وَإِخْبَاراً، قُلِ
…
حَضَرْتُ وَالرَّازِيُّ وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ
419 -
وَ (ابْنُ الْمُبَارَكِ) كِلَاهُمَا كَتَبْ
…
وَجَوَّزَ (الْحَمَّالُ) وَالشَّيْخُ ذَهَبْ
420 -
بِأَنَّ خَيْراً مِنْهُ أَنْ يُفَصِّلَا
…
فَحَيْثُ فَهْمٌ صَحَّ، أولَا بَطَلَا
421 -
كَماَ جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيْ حَيْثُ عَدْ
…
إِمْلَاءَ (إِسْمَاعِيْلَ) عَدّاً وَسَرَدْ
خامسُها: في النَّسْخِ والكلامِ ونحوهِما - مِنَ (3) الشَّيْخِ أَوْ الطَّالِبِ - وقتَ التحمُّلِ، وسنِّ (4) الإجازةِ مَعَ السَّمَاعِ، وَهُوَ مَا ذكرَهُ بقولِهِ:
(واخْتَلَفوا) أي: العُلَمَاءُ (في صِحَّةِ السَّمَاعِ مِن نَاسِخٍ) وقتَ القراءةِ مُسْمِعاً كَانَ أَوْ سامعاً؛ (فَقَالَ بامْتِنَاعِ) ذَلِكَ مُطْلَقاً: الأستاذُ أَبُو إسْحَاقَ (الإسْفَرايينيْ)(5) -بفتح الفاء وكسر الياء- (مَعَ) أبي إسحاقَ إبراهيمَ (الحربيِّ) نسبةً إلى ((حَرْبِيَّة)) (6) مَحَلَّةٍ ببغدادَ (و) أبي أَحْمَدَ (ابنِ عديٍّ) في آخرينَ (7).
(1) الاقتراح: 245.
(2)
قال الحافظ العراقي: ((قلت: لا نسلم أنه يقتضي ذلك، بل آخر كلام ابن الصّلاح يشعر: أنه إذا نقل حديث من كتاب وعزي إليه، لا يجوز فيه الإبدال سواءٌ أنقلناه في تأليفٍ لنا أم لفظاً؟ والله أعلم)). شرح التبصرة والتذكرة 2/ 117، وانظر: المقنع 1/ 307.
(3)
في (م): ((عن)).
(4)
في (ص): ((وفي السّن)).
(5)
نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 305.
(6)
في (م) و (ق): ((حربة))، وما أثبتناه من (ص) و (ع)، وهو الموافق لما في الأنساب 2/ 234، ومراصد الاطلاع 1/ 390، والتاج 2/ 257.
(7)
أسنده عنهما الخطيب البغدادي في الكفاية: (120 ت، 66 هـ).
لأنَّ الاشتغالَ بالنَّسْخِ مُخِلٌّ بالسَّماعِ.
(وَ) جاءَ نحوَهُ (عَنِ) أَبِي بكرٍ أَحْمَدَ بنِ إسحاقَ (الصِّبْغِيِّ) - بكسرِ الصاد المُهْمَلَةِ -، نسبةً إلى أبيهِ؛ لأنَّهُ كَانَ يبيعُ الصِّبَغَ (1).
فإنَّهُ قَالَ: (لَا تَرْوِ) أَنْتَ مَا سَمِعْتَهُ عَنْ شَيخِكَ في حالِ نَسْخِهِ، أَوْ نَسْخِكَ
(تَحْديْثاً وإخْبَاراً).
أي: فَلا تقلْ: ((حَدَّثَنَا))، ولا ((أَخْبَرَنَا))، بَلْ (قُلِ: حَضَرْتُ)، كَمَا يقولُه مَنْ أدَّى مَا تحمَّلَهُ، وَهُوَ صَغِيرٌ قَبْلَ فَهْمِهِ الخطابَ.
(و) لَكِنْ أَبُو حَاتِمٍ مُحَمَّدُ بنُ إدريسَ (2)(الرَّازِيُّ، وَهْوَ الْحَنْظَلِيْ) نسبةً إلى
((دَرْبِ حَنْظَلَةَ)) بالرِّي، (وابنُ الْمُبارَكِ (3) كِلَاهُمَا كَتَبْ).
أي: نَسَخَ أَوَّلَهما في حالِ تحمُّله عِنْدَ مُحَمَّدِ بنِ الفَضْلِ عَارِمٍ، وعِنْدَ عَمْرِو بنِ مَرْزُوقٍ (4)، وثانيهِما فِي حالِ تحديثِهِ.
وَذلكَ عَنْهُمَا (5) يقتضِي جوازَهُ، وعدمَ وجوبِ ذِكْرِ الحضورِ.
(و) كَذَا (جوَّزَ): مُوسى بنُ هارونَ (الحمَّالُ)(6) بالمهملةِ - وغيرُهُ.
(والشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (7)، كغيرِهِ، (ذهبْ) إلى القولِ:(بأنَّ خيراً مِنْهُ) أي: مِمّا ذُكِرَ مِن إطْلاقِ القَوْلِ بالجوازِ، والقولِ بِالْمَنَعِ (أَنْ يُفَصِّلا) -بألفِ الإطلاقِ-.
(فَحَيْثُ) صَحِبَ النَّسْخَ (فَهْمٌ) لِلمَقْروءِ (صَحَّ) السَّمَاعُ، (أَوْ لَا) يَصْحَبُه ذَلِكَ، وَصَارَ كأنَّه صَوْتٌ غُفْلٌ، (بَطَلَا) أي: السَّمَاعُ، وَصَارَ حضوراً.
(1) انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 305، وانظر: في ضبط اسمه وترجمته الأنساب 3/ 530، وسير أعلام النبلاء 15/ 483، والتاج 22/ 514.
(2)
الكفاية (121 ت، 67 هـ). وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 306.
(3)
المصدران السابقان.
(4)
الكفاية: (121 ت، 67 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 306، وشرح التبصرة 2/ 118
(5)
في (ق) و (ع): ((منهما)).
(6)
الكفاية: (122 ت، 67 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 306، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 118.
(7)
معرفة أنواع علم الحديث: 306.
والعملُ عَلَى هَذَا، وَقَدْ كَانَ يَفْعَلُهُ شيخُنا، بَلْ ويُفتي (1)، وَيَردُّ عَلَى القارئِ.
(كَمَا جَرَى لِلدَّارَقُطْنِيْ)(2) نِسبةً إلى ((دارِ القُطنِ)) بِبغدادَ. إِذْ حَضَرَ في حَداثَتِهِ إملاءَ أَبِي عَلِيٍّ إِسْمَاعِيْلَ الصَّفَّارِ، فَرآهُ بَعْضُ الْحَاضِرينَ يَنْسَخُ، فَقَالَ لَهُ: لا يَصِحُّ سماعُك، وأنت تَنْسَخُ.
فَقَالَ لَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ: فَهْمِي للإملاءِ خلافُ فَهْمِكَ.
ثُمَّ استَظْهَرَ عَلَيْهِ (حَيْثُ عدْ إملاءَ إِسْمَاعِيْلَ) المذكورِ، أي: عَدَّ مَا أملاهُ
(عَدّاً)، وأخبرَ أنَّهُ ثمانيةَ عَشَرَ حَدِيثاً - فعدَّ فوجدَ كَمَا أخبر - بَعْدَ أنْ قَالَ لِلمُنْكِرِ عَلَيْهِ: أتحفظُ كَمْ أَمْلى حَدِيثاً إلى الآنَ؟ فَقَالَ: لَا.
(وَسَرَدْ) أي: وبعدَ أن عَدَّهُ سَردَهُ عَلَى الولاءِ إسْناداً وَمَتْناً، فَعَجِبَ الناسُ مِنْهُ.
422 -
وَذَاكَ يَجْرِي فِي الْكَلَامِ أو إذا
…
هَيْنَمَ حَتَّى خَفِيَ الْبَعْضُ، كَذَا
423 -
إِنْ بَعُدَ السَّامِعُ، ثُمَّ يُحْتَمَلْ
…
فِي الظَّاهِرِ الْكَلِمَتَانِ أو أَقَلْ
424 -
وَيَنْبَغِي لِلشَّيْخِ أَنْ يُجِيْزَ مَعْ
…
إِسْمَاعِهِ جَبْراً لِنَقْصٍ إنْ وَقَعْ (3)
425 -
قَالَ: ابْنُ عَتَّابٍ وَلَا غِنَى (4) عَنْ
…
إِجَازَةٍ مَعَ السَّمَاعِ تُقْرَنْ (5)
(وذاكَ) أي: التفصيلُ المذكورُ في النَّسْخِ (يَجْرِي في الكلامِ) مِنْ كُلٍّ مِنَ السَّامِعِ، والمُسْمِعِ وقتَ السَّماعِ، وفي إفراطِ القارئِ في الإسماعِ (6)، (أَوْ إذَا هَيْنَم) أي: أخفى صَوْتَهُ (7)(حَتَّى خَفِيَ) في جميعِ ذَلِكَ (البَعْضُ) أي: بعضُ الكلامِ.
(1) في (م): ((ويفتي به)).
(2)
هذه الرّواية في تاريخ بغداد 12/ 34 - 36، وسير أعلام النبلاء 16/ 453. وانظر: معرفة أنواع علم الحديث: 306، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 306.
(3)
في نسخة (ب) و (ج) من متن الألفية والنفائس: ((إن يقع)).
(4)
في نسخة (أ) و (ب) و (ج) من متن الألفية: ((غناء)).
(5)
في نسخة (أ) و (ب) و (ج) من متن الألفية: ((تقترن)) وسيشير الشارح إلى أنها هكذا في نسخة، وفي النفائس:((يقرن)).
(6)
في (ق) و (ص): ((الإسراع)).
(7)
انظر: الصحاح 5/ 2062 (هنم).
و (كَذَا إنْ بَعُدَ السَّامعُ) عَنِ القارئِ، أَوْ عَرَضَ نُعاسٌ خفيفٌ بحيثُ يمنعانِ سَمَاعَ بعضِها.
ويلتحقُ بِذَلِكَ الصلاةُ، وَقَدْ كَانَ الدَّارَقُطْنِيُّ يُصلِّي في حالِ قراءةِ القارئِ عَلَيْهِ، وربما يشيرُ بردِّ مَا يُخطئُ فِيهِ القارئُ (1).
(ثُمَّ) مَع اعتمادِ التَّفْصيلِ فِيْمَا ذكرَ، (يُحْتَمَلْ) أي: يُغْتَفَرُ (في الظَّاهِرِ) مِن كلامِهِم (الكَلِمَتَانِ، أَوْ أَقَلْ) توسعةً في الرِّوَايَةِ.
قَالَ شَيْخُنا: يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الأمرُ دائراً عَلَى مَا لا يكونُ الذهولُ عَنْهُ مُخِلاًّ بفَهْمِ الباقي.
(وَيَنْبغِي) أي: يُسَنُّ (للشَّيْخِ) المُسْمِعِ (أَنْ يُجِيْزَ) لِلسَّامِعينَ رِوَايَةَ مَا رَواهُ لَهُمْ (مَعْ إسْمَاعِهِ) لَهُمْ؛ (جَبْراً لِنَقْصٍ إنْ وَقَعْ (2))، وَفِي نُسْخةٍ ((يَقَعْ)) في السَّمَاعِ بِسببِ شَيءٍ مِمّا ذكرَ، أَوْ نحوِه، كَخَلَلٍ في الإعرابِ، أَوْ فِي الرِّجالِ. وَذَلِكَ كأنْ يَقُولَ: أَجَزْتُ لَكُم روايتَهُ سَمَاعاً، وإجازةً، لما يُخالِفُ أَصْلَ السَّمَاعِ إنْ خَالف.
بَلْ (قَالَ) أَبُو عَبْدِ اللهِ (ابنُ عَتَّابٍ) مُحَمَّدُ الأنْدَلُسِيُّ (3): (وَلَا غِنَى) لطَالِبِ العلمِ (عَنْ إجَازةٍ) عَنِ الشَّيْخِ (مَعَ السَّمَاعِ) بِقراءةِ أحدِهِمَا (تُقْرَنْ) بِهِ - وَفِي نُسْخَةٍ تُقْتَرَنْ - لِجوازِ سَهْوٍ، أَوْ غَفْلَةٍ، أَوْ غَلَطٍ. وَظَاهِرُه الوجوبُ.
ثُمَّ يَنْبغي لِكَاتبِ الطَّبقةِ أَنْ يَكتُبَ الإجازةَ عَقِبَ كِتَابةِ السَّمَاعِ.
ويقال: أَوَّلُ مَنْ كَتَبَهَا فِي الطّباقِ الحافظُ أَبُو الطّاهرِ إسماعيلُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ
عبدِ المحسنِ الأنماطيُّ، فَجَزاهُ اللهُ خيراً في سَنِّهِ ذَلِكَ لأهلِ الحَدِيْثِ، فَلَقَدْ حَصَلَ بِهِ نَفْعٌ كَثِيْرٌ (4).
(1) انظر: تاريخ بغداد 12/ 39، وسير أعلام النبلاء 16/ 455، وتذكرة الحفاظ 3/ 994 - 995، وتدريب الرّاوي 2/ 24.
(2)
في (م): ((وقع)).
(3)
الإلماع: 92، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 121.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 120، والمقنع 1/ 310، وانظر: فتح المغيث 2/ 52.
وَلَقَدِ انْقَطَعَتْ بسَبَبِ إهْمَالِ ذَلِكَ بِبَعضِ البِلادِ روايةُ بعضِ الكتبِ، لكونِ راويها كَانَ لَهُ فَوْتٌ، وَلَمْ يوجدْ في الطَّبقَةِ إجازةُ المُسْمِعِ للسَّامِعينَ؛ فَمَا أمْكَنَ قراءةُ ذَلِكَ الفوتِ عَلَيْهِ بالإجازةِ لعدمِ تحقُّقِها (1).
كَمَا اتَّفَقَ لأبِي الحَسَنِ عَلِيِّ بنِ الصَّوَّافِ الشَّاطبيِّ في " سُنَنِ النَّسَائِيِّ " فَلَمْ يأخذوا عَنْهُ سِوى مَسْموعِهِ مِنْها عَلَى أَبِي بَكْرِ بنِ بَاقَا (2).
426 -
وَسُئِلَ (ابْنُ حنبلٍ) إِن حَرْفَا
…
أدْغَمَهُ فَقَالَ: أَرْجُو يُعْفَى
427 -
لَكِنْ (أبو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ) مَنَعْ
…
فِي الْحَرْفِ يَسْتَفْهِمُهُ فَلَا يَسَعْ
428 -
إِلَاّ بَأَنْ يَرْوِيَ تِلْكَ الشَّارِدَهْ
…
عَنْ مُفْهِمٍ، وَنَحْوُهُ عَنْ (زَائِدَهْ)
429 -
وَ (خَلَفُ بْنُ سَاِلمٍ) قَدْ قال: نَا
…
إِذْ فَاتَهُ حَدَّثَ مِنْ حَدَّثَنَا
430 -
مِنْ قَوْلِ سُفْيَانَ، وَسُفْيَانُ اكْتَفَى
…
بِلَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي اقْتَفَى
(وسُئِلَ) الإمامُ (ابنُ حَنْبَلٍ) مِنَ ابنِهِ صالِحٍ، حَيْثُ قَالَ لَهُ:(إنْ حَرْفا) أي: لَفْظاً يَسيراً (أَدْغَمَهُ) أي: الشَّيْخُ أَوْ القارئُ، فَلَمْ يَسْمَعْهُ السامعُ مَعَ مَعْرِفَتِهِ أنَّه كَذَا وكذا أيرويهِ عَنْهُ؟ (فَقَالَ: أرْجو) أنَّه (يُعْفَى) عَنْهُ، ولَا يَضيقُ بِهِ (3).
(لَكِنْ) الحافظُ (أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ) بنُ دُكَيْنٍ (مَنَعْ فِي الْحَرْفِ) أي: اللفظِ اليَسيرِ الّذي يَشْرُدُ عَنْهُ في حَالِ سَماعِهِ مِنْ سُفْيَانَ، والأعمشِ، ثُمَّ (يَسْتَفْهِمُهُ) مِن بَعْضِ رفقائِهِ (4).
(فَلَا يَسَعْ) أي فَقَالَ: لا يسعُهُ (إلاّ بِأَنْ) أي: أنْ (يَرْوِيَ تِلْكَ) الكَلِمةَ
(الشَّاردَهْ عَنْ مُفْهِمٍ) أَفْهَمَهُ إيَّاهَا، لَا عَنْ شَيْخِهِ.
(وَنَحوُهُ) يُروَى (عَنْ زَائِدَهْ) بنِ قُدامةَ.
(1) فتح المغيث 2/ 53.
(2)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 120 - 121، المقنع 1/ 310.
(3)
الكفاية: (124 ت، 68 - 69 هـ)، شرح التبصرة والتذكرة 2/ 121.
(4)
المحدث الفاصل: 385.
قَالَ خَلَفُ بنُ تميمٍ: سَمِعتُ مِن سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَشَرَةَ آلافِ حَدِيثٍ، أَوْ نحوَها، فَكُنتُ استفهمُ جَليْسي، فقلتُ لزائدةَ، فَقَالَ لي: لا تحدِّثْ مِنها إلَاّ بما تَحْفَظُ بقلبِكَ، وتَسْمَعُ بأُذُنِكَ. قَالَ: فألقيتُها (1).
(و) أَيْضاً، فالحافظُ أَبُو مُحَمَّدٍ (خَلَفُ بنُ سَالِمٍ) المُخَرِّمِيُّ - بتشديدِ الرّاءِ المكسورةِ - نسبةً إلى ((المُخَرِّمِ)) مَحلَّةٍ ببغدادَ (2) (قَدْ قَالَ: نَا) مُقتصراً عَلَى النُّونِ والألفِ (إِذْ فَاتَهُ ((حَدَّثَ)) مِنْ حَدَّثَنَا مِن قَوْلِ) شيخِهِ (سُفْيَانَ) ابنِ عُيَيْنَةَ، حِيْنَ تَحْدِيثِهِ عَنْ عَمْرِو بنِ دينارٍ.
فَكانَ يُقالُ لَهُ: قُلْ: حَدَّثَنَا، فَيَمْتَنِعُ، وَيَقُولُ: إنَّه لِكَثْرةِ الزِّحامِ عِنْدَ سُفْيَانَ، لَمْ أسْمَعْ شيئاً مِن حُروفِ ((حَدَّثَ)) (3).
هَذَا (وسُفْيَانُ) شَيْخُهُ (اكْتَفَى بِ) سَمَاعِ (لَفْظِ مُسْتَمْلٍ عَنِ الْمُمْلِي) أي: لَفظِهِ؛ إِذْ الْمستمْلِي (اقْتَفى) أي: اتَّبعَ لفظَ الْمُمْلِي.
وَذَلِكَ أنَّ أبا مُسْلِمٍ المُسْتَملِي، قَالَ لِسُفْيَانَ: الناسُ كَثِيْرٌ لَا يَسْمَعونَ. فَقَالَ: أتسمعُ أنتَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فأسْمِعْهُم (4).
ولعلَّ سَمَاعَ خَلَفٍ لَمْ يَكُنْ في الإملاءِ.
وَهذا هُوَ الذِي عَلَيْهِ العَمَلُ مِنَ الأكابرِ الَّذينَ كَانَ يعظمُ الجمعُ فِي مَجالِسِهِم، أنَّ مَنْ سَمعَ المُسْتَمْلِي دُوْنَ الْمُمْلِي، جازَ لَهُ أنْ يَرْويَهُ عَنِ الْمُمْلِي، لَكِنْ بشرطِ أنْ يسمعَ الْمُمْلِي لفظَ المُسْتَمْلِي، كالعرضِ؛ لأنَّ المسْتَمْلِي في حُكْمِ القارئِ عَلَى الْمُمْلِي (5).
وحينئذ، فَلا يُقال في الأداءِ لِذلِكَ:((سَمِعْتُ فلاناً))، كَمَا مَرَّ في العَرْضِ، بَلِ الأحوطُ بيانُ الواقِعِ، كَمَا فَعَلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الأئِمَّةِ.
(1) الكفاية: (126 ت، 70 هـ)، وقال السخاوي في فتح المغيث 2/ 54:((وحكي عن أبي حنيفة مثله)).
(2)
الأنساب 5/ 105، ومعجم البلدان 5/ 71.
(3)
الكفاية: (125 ت، 69 هـ)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 123، والنكت الوفية 252/ أ.
(4)
الكفاية: (127 - 128 ت، 72 هـ).
(5)
انظر: فتح المغيث للسخاوي 2/ 55.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ بنِ عَمَّارٍ الموْصِليُّ: مَا كتبْتُ قطُّ مِن فِي المُسْتَمْلِي، ولا التفتُ إِليهِ، ولا أدري أيَّ شيءٍ يقولُ، إنَّمَا كنتُ أكتبُ مِنْ فِي المحدِّثِ (1).
وَهَكذا تورَّعَ آخرونَ، بَلْ صوَّبَهُ النَّوَوِيُّ، وَقَالَ: إنَّه الَّذِي عَلَيْهِ المحقِّقونَ (2). انتهى.
لَكِنَّ الأَوَّلَ هُوَ الأرفقُ بالنَّاسِ (3).
431 -
كَذَاكَ (حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) أَفْتَى:
…
إِسْتَفْهمِ الَّذِي يَلِيْكَ، حَتَّى
432 -
رَوَوْا عَنِ (الأَعْمَشِ): كُنَّا نَقْعُدُ
…
(لِلنَّخَعِيْ) فَرُبَّمَا قَدْ يَبْعُدُ
433 -
البَعْضُ - لَا يَسْمَعُهُ - فَيَسْأَلُ
…
البَعْضَ عَنْهُ، ثَمَّ كُلٌّ يَنْقُلُ
434 -
وَكُلُّ ذَا تَسَاهُلٌ، وَقَوْلُهُمْ:
…
يَكْفِيِ مِنَ الْحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ
435 -
عَنَوا إذا أَوَّلَ (4) شَيءٍ سُئِلَا
…
عَرَفَهُ، وَمَا عَنَوْا تَسَهُّلَا
(كَذَاكَ) أَبُو إِسْمَاعِيْلَ (5)(حَمَّادُ بنُ زيدٍ أَفْتَى) مَنْ استفهمَهُ فِي حالِ إملائِهِ عَنْ بَعْضِ الألفاظِ، وَقَالَ لَهُ: كَيْفَ قُلْتَ؟ فَقَالَ لَهُ (6): (استَفْهِمِ الَّذِي يَليْكَ).
(حَتّى) إنَّهم (رَوَوْا عَنِ الأَعْمَشِ)، أنَّهُ قَالَ (7):
(كُنّا نَقْعُدُ لِلنَّخَعِيْ) - بالإسكان لما مَرَّ - حِيْنَ تحديثِهِ، والْحَلْقَةُ مُتَّسِعَةٌ،
(فَرُبَّما قَدْ يبْعُدُ) عَنْهُ (الْبَعْضُ) مِمَّنْ يَحْضُرُ، و (لَا يَسْمَعُهُ: فَيَسْألُ) أي: البعيدُ عَنْهُ (البَعضَ) القريبَ مِنْهُ (عَنْهُ) أي: عَمَّا قَالَهُ.
(ثُمَّ كُلٌّ) مِمَّن سَمِعَ مِنْهُ، أَوْ مِن رفِيقَيهِ (يَنْقُلُ) ذَلِكَ عَنْهُ، بِلا واسِطَةٍ.
(1) الكفاية: (125 ت، 70 هـ).
(2)
الإرشاد 1/ 365.
(3)
انظر: التقييد والإيضاح: 178، واختصار علوم الحديث:117.
(4)
يجوز بالرفع والنصب ولكل وجه. انظر تفصيل ذلك في النكت الوفية 253/ب.
(5)
الكفاية: (127 ت، 71 هـ)، المحدث الفاصل: 600، والإلماع:143.
(6)
((له)): سقطت من (ص) و (ق).
(7)
الكفاية: (129 ت، 72 هـ).
(وَ) لَكِنْ (كُلُّ ذَا) أي: تحديثٌ مِنْهُ بِما لَمْ يَسْمَعْهُ إلاّ مِن رَفِيقِهِ (تَسَاهُلٌ) مِنْهُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ بَعْدَ أَنْ رَوى ذَلِكَ عَنِ الأَعْمَشِ: رَأيتُ أبَا نُعَيْمٍ، لا يُعْجِبُهُ ذَلِكَ، ولا يَرضَى بِهِ لِنَفْسِهِ (1).
(وقَوْلُهُمْ) أي: وقَوْلُ جَمْعٍ، ك: عَبْدِ الرحمانِ بنِ مَهْدِيٍّ، وأبِي عَبْدِ اللهِ بنِ مَنْدَه (2):(يَكْفِي مِن) سَمَاعِ (الحَدِيْثِ شَمُّهُ، فَهُمْ) وإنَّمَا (3)(عَنَوْا) بِهِ (إذَا أَوَّلَ شيءٍ) أي: طَرَفَ حَدِيثٍ (سُئِلا) عَنْهُ المُحدِّثُ (عَرَفَهُ)، واكْتَفَى بطَرَفِهِ عَنْ ذِكْرِ بَاقيهِ.
فَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْتُبُونَ أَطْرافَ الحَدِيْثِ ليذاكِروا الشُّيوخَ، فيُحدِّثُوهم بِهَا (4). (وَمَا عَنَوْا) بِهِ (تَسَهُّلَا) أي: تَسَاهُلاً في التَّحَمُّلِ، وَلَا فِي الأداءِ (5).
436 -
وَإِنْ يُحَدِّثْ مِنْ وَرَاءِ سِتْرِ
…
- عَرَفْتَهُ بِصَوْتِهِ او (6) ذِي خُبْرِ
437 -
صَحَّ، وَعَنْ شُعْبَةَ لَا تَرْوِ لَنَا
…
إنَّ (7) بِلَالاً، وَحَدِيْثُ أُمِّنَا
سادِسُهَا: في التَّحدِيثِ مِن وَرَاءِ سِتْرٍ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ:
(وإنْ يحدِّثْ) كَ (مِنْ وَراءِ سِتْرِ) كإزارٍ، وجدَارٍ، مَن (عَرفْتَهُ بصوْتِهِ (8)) مِنْهُ، (اوْ) - بالدرجِ - بإخبارِ (ذي خُبْرِ) بِهِ، مِمَّنْ تَثِقُ بِعَدالتِهِ، وضبطِهِ أنَّ هَذَا صوتُهُ، إنْ كَانَ يُحدِّثُ بلفْظِهِ، أَوْ أنَّه حَاضرٌ إنْ كَانَ السَّمَاعُ عَرضاً (صَحَّ) السَّمَاعُ بخلافِ الشَّهادةِ؛ لأنَّ بابَ الرِّوَايَةِ أوسعُ (9).
(1) الكفاية: (129 ت، 73 هـ).
(2)
نقلها ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 309، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 125، والنكت الوفية 253/ أ.
(3)
في (م): ((إذا)).
(4)
فتح المغيث 2/ 56. وتتمة الخبر: ((قال محمّد بن سيرين: كنت ألقى عبيدة بن عمرو السلماني بالأطراف)).
(5)
نقل ابن الصّلاح عن حمزة الكناني قوله: ((يعني: إذا سئل عن أوّل شيءٍ عرفه وليس يعني التسهل في السّماع)). معرفة أنواع علم الحديث: 309، وانظر: شرح التبصرة 2/ 125.
(6)
بوصل همزة (أو)؛ لضرورة الوزن وسينبه عليه الشارح.
(7)
بكسر الهمزة على الحكاية كما أشار إليه البقاعي. انظر: النكت الوفية 253/ ب.
(8)
في (ق) و (ع) و (م): ((بصوت))، وما أثبتناه من (ص)، وهو الموافق لما جاء في نسخ متن الألفية.
(9)
انظر: فتح المغيث 2/ 56.
وكما لا يُشترطُ رؤيتُه لَهُ لا يشترطُ تمييزُهُ لَهُ مِنَ الحاضِرينَ (1).
ويجوزُ فِي ((مِنْ)) كَسْرُ مِيمِها، فتكونُ جارةً، وفتحُها، فتكونُ موصولةً، أَوْ نكرةً موصوفةً
(وعن شُعْبَةَ) بنِ الحَجَّاجِ أنَّه قَالَ (2): (لا تروِ) عَمَّنْ يُحدِّثُكَ، وَلَمْ تَرَ وَجْهَهُ، فلعلَّهُ شيطانٌ قَدْ تَصوَّرَ في صورتِهِ، يَقُول:((حَدَّثَنَا))، أَوْ ((أَخْبَرَنَا)).
(لَنَا) عَلَى صِحَّةِ السَّمَاعِ مِن وراءِ الحِجَابِ اعتماداً عَلَى الصَّوتِ حَدِيث: (((إنَّ بِلالاً) يُؤَذِّنُ بِلَيْلٍ، فَكُلُوْا، وَاشْرَبُوْا حَتَّى تَسْمَعُوْا تَأْذِيْنَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُوْمٍ)) (3).
فأمرَ الشارعُ صلى الله عليه وسلم بالاعتمادِ عَلَى صَوْتِهِ مَعَ غَيْبَةِ شَخْصِهِ عَمَّنْ يَسْمَعُهُ (4).
(وَ) لَنَا أَيْضاً عَلَى ذَلِكَ (حَدِيثُ) أي: تَحدِيثُ (أُمِّنَا) عَائِشَةَ، وغيرِها من أُمَّهَاتِ المؤمِنينَ مِنْ وَراءِ حِجَابٍ، مَعَ نَقْلِ ذَلِكَ عَنْهُنَّ مَن سَمِعَهُ، والاحتجاجِ بِهِ في "الصَّحِيحِ"(5).
(1) انظر: فتح المغيث: 2/ 56.
(2)
المحدث الفاصل: 599، والإلماع:137. قال ابن كثير في اختصار علوم الحديث: 118 عن مذهب شعبة هذا: ((وهذا عجيب وغريب جداً)). وقال النّوويّ في الإرشاد 1/ 366 - 367: ((وهذا خلاف الصّواب وخلاف ما قاله الجمهور)). وقال الزّركشيّ في نكته 3/ 499: ((قيل: إن فيه نظراً؛ لأن الشيطان إذا جاز أن يتصور بصورة الإنسان، فسواء وراء حجاب أو مشافهة. والحق أن الرّاوي إذا تحقق أن هذا الصوت صوته جازت الرّواية عنه وإن لم يتحقق لم تجز، لأن حديث أبي طلحة: ((وأنا أعرف صوت النّبيّ صلى الله عليه وسلم من الجوع)). أخرجه البخاريّ 4/ 234 (3578)، و 7/ 89 (5381)، و 8/ 174 (6688).
(3)
أخرجه مالك (194)(195)، والشافعي (615) و (616) بتحقيقنا، والطيالسي (1819)، وعبد الرزاق (1885)(7614)، والحميدي (611)، وابن أبي شيبة (8923) و (8925)، وأحمد 2/ 9 و 57 و 62 و 64 و 73 و 94 و 107 و 123، وعبد بن حميد (734)، والدارمي (1192)، والبخاري 1/ 160 (617) و (620) و161 (622) و 3/ 37 (1918) و225 (2656) و 9/ 107 (7248)، ومسلم 3/ 128 (1092)(36)(37) و 3/ 129 (1092)(38)، والترمذي (203)، والنسائي 2/ 10، وأبو يعلى (5432)، وابن خزيمة (401) و (424) و (1931)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 137 و 138، وابن حبان (3468)(3469)(3470)، والطبراني في الكبير (13106)، والبيهقي 1/ 380 و 382 و 426، والبغوي (433) و (434) من حديث ابن عمر.
(4)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 126. قال السخاوي 2/ 57: ((فقد يخدش فيه بأن الأذان لا قدرة للشيطان على سماع ألفاظه فكيف بقوله؟)).
(5)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 309، والمقنع 1/ 313، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 126 - 127، وفتح المغيث 2/ 57، وتدريب الرّاوي 2/ 28.
438 -
وَلَا يَضُرُّ سَامِعاً أنْ يَمْنَعَهْ (1)
439 -
كَذَلِكَ التَّخْصِيْصُ أو رَجَعْتُ
…
مَاَ لمْ يَقُلْ: أَخْطَأْتُ أو شَكَكْتُ
سابعُها: فِيْمَا إذَا مَنَعَ الشَّيْخُ الطالبَ مِنَ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بقولِهِ:
(وَلَا يَضُرُّ سَامِعاً) سَمِعَ مِن لَفْظِ الشَّيْخِ أَوْ عَرْضاً (أنْ يَمْنَعَهْ الشَّيْخُ) أي: مَنْعُ الشَّيْخِ لَهُ (أنْ يَرْوِيَ) عَنْهُ (مَا قَدْ سَمِعَهْ) مِنْهُ.
كأنْ يقولَ لَهُ-لا لِعِلَّةٍ تمنعُ الرِّوَايَةَ-: لا تَرْوِهِ عَنِّي، أَوْ مَا أذِنتُ لَكَ فِي روايتِهِ عَنِّي (2).
بَلْ يسوِّغُ لَهُ روايتَه عَنْهُ (3)؛ لأنَّهُ قَدْ حدَّثهُ بِهِ، وَهُوَ شَيءٌ لا يرجِعُ فِيهِ؛ فَلا يؤثِّرُ مَنْعُهُ (4).
و (كَذلِكَ) لَا يضرُّ (التَّخصِيصُ) مِنَ الشَّيْخِ لجماعةٍ - مثلاً - بالسَّمَاعِ، وَقَدْ (5) سَمِعَ غَيْرُهُم، سَوَاءٌ أعَلِمَ الشَّيْخُ بِسَمَاعِهِ أَمْ لَمْ يَعْلَم.
وكذا لَوْ قَالَ: أُخْبِرُكُم، ولا أُخْبِرُ فُلَاناً، لا يضرُّهُ، ولا يضرُّهُ الرجوعُ بكتابةٍ، أَوْ نَحْوِهَا (6).
بَلْ (أَوْ) بلفظٍ نَحْوُ (رَجَعْتُ) عمَّا حَدَّثْتُكُم بِهِ (مَا لَمْ يَقُلْ) مَعَ
ذَلِكَ: (أَخْطَأتُ) فِيْمَا حَدَّثْتُ بِهِ. (أَوْ شَكَكْتُ) في سَمَاعِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ.
فإنْ قَالَ مَعَهُ ذَلِكَ، لَمْ نروِهِ عَنْهُ (7)
(1) قال البقاعي: ((أن يمنعه)) في موضع رفع على أنه فاعل ((يضرّ))، و ((الشيخ)) فاعل ((يمنع))،
…
الشَّيْخُ أَنْ يَرْوِيَ مَا قَدْ سَمِعَهْ
و ((أن يروي)) مفعوله. النكت الوفية 253/ ب.
(2)
انظر: نكت الزّركشيّ 3/ 500.
(3)
قاله أبو إسحاق الإسفراييني كما نقله عنه ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 311، وانظر: النكت الوفية: 253/ب.
(4)
انظر: المحدث الفاصل: 451 - 452، والكفاية:(498 - 499 ت، 348 - 349 هـ)، والإلماع:110.
(5)
في (ص): ((دون)).
(6)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 127.
(7)
انظر: المحدث الفاصل: 451 - 452، والكفاية:(498 - 499 ت، 348 هـ)، والإلماع:110.