الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ
(1)
(مَعْرِفَةُ) صِفَة (مَنْ تُقبلُ روايتُهُ، ومنْ تُرَدُّ)، وما يتبعُ ذَلِكَ.
257 -
أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ
…
وَالْفِقْهِ فِي قَبُوْلِ نَاقِلِ الْخَبَرْ
258 -
بِأنْ يَكُوْنَ ضَابِطاً مُعَدَّلَا (2)
…
أيْ: يَقِظاً، وَلَمْ يَكُنْ مُغَفَّلَا
259 -
يَحْفَظُ إنْ حَدَّثَ حِفْظاً، يَحْوِيْ (3)
…
كِتَابَهُ إِنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِيْ
260 -
يَعْلَمُ مَا فِي الَّلَفْظِ مِنْ إحِالَهْ
…
إنْ يَرْوِ بالْمَعْنَى، وَفِي الْعَدَالَهْ
261 -
بِأنْ يَكُوْنَ مُسْلِماً ذَا عَقْلِ
…
قَدْ بَلَغَ الْحُلْمَ سَلِيْمَ الفِعْلِ
262 -
مِنْ فِسْقٍ اوْ (4) خَرْمِ مُرُوْءَ ةٍ وَمَنْ
…
زَكَّاهُ عَدلَانِ، فَعَدْلٌ مُؤْتَمَنْ
263 -
وَصُحِّحَ (5) اكْتِفَاؤُهُمْ بِالْوَاحِدِ
…
جَرْحاً وَتَعْدِيْلاً خِلَافَ الشَّاهِدِ
(أَجْمَعَ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الأَثَرْ) أي: الخبرِ، (والفِقْهِ)، والأُصولِ (فِي قَبولِ ناقلِ الخبرْ) المحتجِّ بِهِ، (بأنْ) أي: عَلَى اشتراطِ أنْ (يَكُونَ ضابطاً مُعَدَّلا أي): بِأنْ يَكُونَ فِي الضبطِ (يَقظاً) -بضمِّ القافِ وكسرِها (6) -.
(1) انظر في صفة من تقبل روايته ومن تردّ:
معرفة أنواع علم الحديث: 249، والإرشاد 1/ 273 - 333، والتقريب: 90 - 100، والمنهل الروي: 63، والخلاصة: 88، واختصار علوم الحديث: 92، ونكت الزّركشيّ 3/ 325 - 458، والشذا الفياح 1/ 235 - 273، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 1، ونزهة النظر: 185 - 199، والمختصر: 155، وفتح المغيث 1/ 262، وألفية السيوطي: 96 - 112، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 231، وتوضيح الأفكار 2/ 114، وظفر الأماني:78.
(2)
في (النفائس): ((معتدلاً)).
(3)
في فتح المغيث: ((ويحوي)) ولم ترد في شيء من النسخ الخطية والمطبوعة.
(4)
بوصل همزة ((أو)) لإقامة الوزن، وقد نص عليه الشارح، ومن عجب أن ناشر (م) أثبت الهمزة في الموضعين.
(5)
في (النفائس) وفتح المغيث: ((وصححوا)).
(6)
انظر: الصحاح 3/ 1181، والتاج 20/ 292 (يقظ).
(و) ذَلِكَ بأَنْ (لَمْ يَكُنْ مُغَفَّلا)، لا يميِّزُ الصَّوَابَ مِنَ الخطإِ، وأنْ يَكُونَ فِيهِ
(يَحْفَظُ) مَا سَمِعَهُ، بأنْ يثبِتَهُ فِي حفظِهِ، بحيث يتمكَّنُ من استحضارِهِ متى شَاءَ، (إنْ حدَّثَ حِفْظاً) أي: مِن حِفْظِهِ، و (يَحْوِيْ كِتَابَهُ) أي: يَصونُه بِنفسِهِ، أَوْ بثقةٍ عَنْ تَطَرُّقِ التَّغييرِ إِليهِ، (إنْ كَانَ مِنْهُ يَرْوِي)، و (يعلَمُ مَا فِي اللَّفظِ مِن إِحَالهْ) بحيثُ يأمَنُ من تغييرِ مَا يرويهِ (إنْ يَرْوِ) الخبرَ (بالمعنى)، لا بلفظِهِ عَلَى مَا يأتي بيانُهُ فِي مَحلِّهِ.
(وَ) بأَنْ يَكُونَ (فِي العَدَالَهْ)(1) وَهِيَ: مَلَكَةٌ تحمِلُ عَلَى ملازمةِ التقوى، والمروءةِ، متصِفاً (بأنْ يَكونَ مُسلِماً ذا عَقْلِ، قَدْ بَلَغَ الحُلْمَ) -بإسكان اللام مخففاً من ضمِّها (2) - أي: الإنزالِ فِي النومِ، والمرادُ: البلوغُ بِهِ (3)، أَوْ بغيرِهِ.
(سَلِيْمَ الفِعْلِ مِن فِسْقٍ) بأنْ لا يرتكبَ كبيرةً، وَلَا يُصرُّ عَلَى صَغيرةٍ.
(اوْ)(4) -بالدرجِ- أي: ومِنْ (خَرْمِ مُرُوءةِ (5))، وَهِيَ: التخلُّقُ بِخُلُقِ أمْثالِهِ، فِي زمانِهِ وَمَكانِهِ؛ فالأكلُ فِي السُّوقِ، والمشيُ مكشوفَ الرأسِ، وإكثارُ حكاياتٍ مُضحكةٍ، ولبسُ فقيهٍ قَبَاءً (6) أَوْ قَلَنْسُوَةً حَيْثُ لا يعتادُ، يُسقِطُها.
فَلا تُقْبَلُ رِوَايَةُ مَنْ فَقَدَ شرطاً مما ذُكِرَ، حَتَّى المراهقِ عَلَى الأصحِّ - عِنْدَ مَنْ يقبلُ روايَتَهُ (7) -.
وعُلِمَ مَمَّا قالَهُ: أنَّهُ لا يُشْتَرطُ فِي الرَّاوِي الحريةُ، ولا الذكورةُ، وَلَا العددُ؛ فَتُقْبَلُ رِوَايَةُ الرقيقِ، والمرأةِ، والواحدِ، وَهُوَ المشهورُ.
(1) انظر: الإرشاد 1/ 272 - 275، والباعث الحثيث: 92، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 3، وفتح المغيث 1/ 315، وتدريب الرّاوي 1/ 301.
(2)
وهو لهجة. انظر: اللسان 12/ 145 (حلم).
(3)
فتح المغيث 1/ 315.
(4)
جوّد ناشر (م) الهمزة، ولم يتنبه على ما قاله الشارح.
(5)
في (م): ((المروءة)).
(6)
ثوب يلبس فوق الثياب أو القميص ويتمنطق عليه. المعجم الوسيط 2/ 713، وانظر: اللسان 15/ 168.
(7)
انظر: المنخول: 257، والروضة 1/ 103، والبحر المحيط 4/ 267، والتقييد والإيضاح: 137، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 4، وفتح المغيث 1/ 317.
ثُمَّ بيَّنَ مَا تَثَبُتُ (1) بِهِ العدالةُ، فَقَالَ:
(ومَنْ زَكَّاهُ) أي: عَدَّلَهُ فِي روايتِهِ (عَدْلانِ، ف) هُوَ (عَدْلٌ)، فَتُقْبَلُ روايتُهُ اتِّفاقاً (مُؤتمَنْ) تأكيدٌ وتكملةٌ.
(وصُحِّحَ اكْتِفَاؤُهُمْ)(2) أي: جُمْهُورُ أئِمَّةِ الأثرِ فِيْهَا (3)(بـ) قولِ العدلِ (الواحدِ)، وَلَوْ عبداً، أَوْ امرأةً (4) (جَرْحاً وتعديلاً) أي: فِيْهِمَا، أَوْ من جِهَتِهما.
لأنَّ قولَهُ إنْ كَانَ نَقْلاً عَنْ غَيرِهِ، فَهُوَ خبرٌ مِن جُملةِ الأخبارِ؛ أَوِ اجتهاداً من قِبَلِ نفسِهِ، فَهُوَ كالحاكِمِ، وَفِي الحالينِ (5) لا يُشترطُ العددُ (6).
(خِلَافَ الشَّاهِدِ) فالصَّحيحُ عَدَمُ الاكتفاءِ فِيهِ بِقَولِ الواحدِ، كنفسِ الشَّهادَةِ.
وإذا جَمَعْتَ المسْألتينِ، كَانَ فِيْهِمَا ثلاثةُ أقوالٍ:
1 -
لا يُكْتَفَى بواحدٍ فِيْهِمَا (7).
2 -
يُكْتَفَى بِهِ فِيْهِمَا (8).
3 -
يفرَّق بَيْنَهُمَا، وَهُوَ الأصحُّ، كَمَا تقرَّرَ مَعَ الفرقِ بَيْنَهُمَا (9).
وفرّقوا بينَهُما أَيْضاً، بأنَّ الشهادةَ أمرُها ضيِّقٌ، لكونِها فِي الحقوقِ الخاصةِ التي يُترافَعُ فِيْهَا، بِخلافِ الرِّوَايَةِ، فإنَّها فِي عامٍّ للناسِ غالباً، لا ترافُعَ فِيهِ.
(1) في (ق): ((ثبتت)).
(2)
في (ص): ((وصح اكتفاءهم))، وفي (ق) و (ع):((وصحح اكتفائهم)). وقارن هذه المسألة في معرفة أنواع علم الحديث: 258.
(3)
سقطت من (ص).
(4)
في (م): ((المرأة)).
(5)
في (ع): ((الحالتين)).
(6)
انظر: الكفاية (163 ت، 98 هـ)، التقييد: 143، فتح المغيث 1/ 318، ونسبه البقاعي في النكت الوفية: 197/ ب: لأبي حنيفة أبي يوسف.
(7)
حكاه القاضي أبي بكر الباقلاني عن أكثر الفقهاء من أهل المدينة. انظر: الكفاية: (163ت، 98 هـ).
(8)
هو اختيار القاضي أبي بكر الباقلاني وأبي حنيفة وأبي يوسف. انظر: الكفاية (163 ت، 98 هـ)، والتقييد: 143، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 5.
(9)
رجحه الإمام فخر الدين الرّازيّ، والسيف الآمدي. انظر: المحصول 2/ 200، والإحكام 2/ 121، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 6.
وبأنَّ بينَهُم فِي المُعامَلاتِ عَداوةً تحملُهُم عَلَى شَهادةِ الزُّورِ، بخلافِ الرُّواةِ (1).
264 -
وَصَحَّحُوا استِغْنَاءَ ذِي الشُّهْرَةِ عَنْ
…
تَزكِيَةٍ، كـ (مَالكٍ) نَجْمِ السُّنَنْ
265 -
و (لابنِ عَبْدِ البَرِّ) كُلُّ مَنْ عُنِي
…
بِحَمْلِهِ العِلْمَ وَلَمْ يُوَهَّنِ
266 -
فَإنَّهُ عَدْلٌ بِقَوْلِ المُصْطَفَى
…
(يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ) لكِنْ خُوْلِفَا
267 -
وَمَنْ يُوَافِقْ غَالِباً ذا الضَّبْطِ
…
فَضَابِطٌ، أوْ نَادِراً فَمُخْطِيْ (2)
(وَصَحَّحوا) مِمَّا تَثْبُتُ بِهِ العدالةُ أَيْضاً (استغناءَ ذي الشُّهْرةِ) بها بَيْن أَهْلِ العلمِ (عَنْ تَزْكِيةٍ) صَريحةٍ، (ك: مَالكٍ نَجْمِ السُّنَنْ)، كَمَا وصفَهُ بِهِ الإمامُ الشَّافِعيُّ (3)، وكشعبةَ، وأَحْمَدَ، وابنِ مَعِيْنٍ، فهؤلاءِ، وأمثالُهم لَا يُسألُ عَنْ عَدالتِهِم (4).
وَقَدْ سُئل الإمامُ أَحْمَدُ عَنْ إسحاقَ بنِ راهويهِ فَقَالَ: مثلُ إسحاقَ يُسْألُ عَنْهُ (5)؟ إسحاقُ عندنا إمامٌ من أئِمَّةِ المسلمينَ.
وابنُ مَعِينٍ سُئِلَ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقَالَ: مثلي يُسألُ عَنْ أَبِي عُبيدٍ؟ أَبُو عبيدٍ يُسألُ عَنِ الناسِ (6) !.
(ولابنِ عَبْدِ البَرِّ (7)) الحافظِ قَوْلٌ، وَهُوَ:(كُلُّ مَنْ عُنِي) - بضَمِّ أوّلهِ - أي: اهتَمَّ (بِحَمْلِهِ العِلْمَ)، زادَ الناظِمُ (وَلمْ يُوَهَّنِ) أي: يُضَعَّفْ (فإنَّهُ عَدْلٌ بقولِ المصطفى) صلى الله عليه وسلم: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ) مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُوْلُهُ يَنْفُوْنَ عَنْهُ تَحْرِيْفَ الْغَالِيْنَ - أي: تغييرَ
(1) انظر: تدريب الرّاوي 1/ 332.
(2)
في نسخة (أ) من متن الألفية: ((فخطي))، والصواب ما أثبت.
(3)
أسنده أبو نعيم في الحلية 6/ 318 و 9/ 70، والذهبي في تذكرة الحفاظ 1/ 208، والسيوطي في تنوير الحوالك 1/ 3، وفي طبقات الحفاظ له:96.
(4)
قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 250: ((وهذا هو الصحيح في مذهب الشّافعيّ، وعليه الاعتماد في أصول الفقه)).
(5)
أسنده الخطيب في تاريخه 6/ 350، ومن طريقه المزي في تهذيب الكمال 1/ 177.
(6)
أسنده الخطيب في تاريخه 12/ 414، واقتبسه المزي في تهذيب الكمال 6/ 67.
(7)
انظر: التمهيد 1/ 28، وجامع بيان العلم وفضله 2/ 199.
المتجاوزينَ الحدَّ-وانْتِحَالَ المُبطِلِيْنَ-أي: ادّعَاءَهُم لأنفسِهِم مَا لغيرِهِم-وَتَأْوِيْلَ الْجَاهِلِيْنَ (1).
(لَكِنْ خُوْلِفَا) بألفِ الإطلاقِ - أي: ابنُ عَبْدِ البَرِّ فِي اختيارِهِ، بأنَّهُ اتساعٌ غَيْرُ مَرْضِيٍّ (2)، وَفِي احتجاجِهِ بالحديثِ بأنَّهُ ضعيفٌ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ، بَلْ قِيلَ: إنَّه مَوْضُوْعٌ (3).
وبأنَّ الاحتجاجَ بِهِ إنَّما يَصِحُّ (4) لَوْ كَانَ خبراً، ولا يصحُّ كونُهُ خبراً، لوجودِ مَن يَحْمِلُ الْعِلْمَ مَعَ كونِهِ فاسقاً؛ فَلا يكونُ إلَاّ أمراً (5).
ومعناهُ: أنَّهُ (6) أمَرَ الثِّقاتِ بحمل العلم؛ لأن العلم إنما يقبل عنهم.
ويتأيد بأن في بعض طرقه ((ليحمل)) بلام الأمر (7).
(1) أخرجه العقيلي في الضعفاء الكبير 4/ 256، وابن حبان في الثقات 4/ 10، والخطيب في شرف أصحاب الحديث (55)، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 59 من طريق حمّاد بن زيد، قال: حدّثنا بقية بن الوليد، قال: حدثنا معان بن رفاعة، عن إبراهيم بن عبد الرحمان، به مرفوعاً، وأخرجه ابن وضاح في " البدع ": 1 - 2، وابن قتيبة الدّينوري في " عيون الأخبار " 2/ 119، وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل 2/ 17، وابن عبد البر في التمهيد 1/ 59 من طرق عن معان بن رفاعة السلامي، عن إبراهيم بن عبد الرحمان العذري، به مرفوعاً، والحديث له طرق أخرى ساقها الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 9 - 14 وقد أشبعت تخريجاً وتعليلاً، فراجعها تجد فائدة إن شاء الله.
(2)
قاله ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 250 - 254، ووافقه عليه ابن الموّاق في ((بغية النقاد))، وقال المزي:((ما قاله ابن عبد البر هو في زماننا مرضي بل ربما يتعين)) وقال ابن سيد الناس: ((لست أرى ما قاله أبو عمر إلا مرضياً)). وقال ابن الجزري: ((إنه الصّواب)). وقال الذهبي: ((إنه الحق)). انظر: نكت الزّركشيّ 2/ 330، والتقييد: 139، وفتح المغيث 1/ 278.
(3)
وقد صحّحه الإمام أحمد، والصّواب: أنه حديث ضعيف، وانظر بلا بد: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 13 وتعليقنا عليه.
(4)
في (ق): ((يقع)).
(5)
قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14: ((وأما استدلاله بهذا الحديث، فلا يصحّ من وجهين: أحدهما: إرساله وضعفه. والثاني: أنه إنما يصحّ الاستدلال به، أن لو كَانَ خبراً، ولا يصح حمله على الخبر لوجود من يحمل العلم، وهو غير عدلٍ، وغير ثقةٍ، فلم يبق له محمل إلا على الأمر.
وزاد البقاعي في النكت الوفية 199/ ب فقال: ((قد أبديت. ثالثاً: وهو أنه لو كان خبراً لم يسمع الجرح أصلاً فيبقى قوله: حتّى يتبين جرحه مناقضاً لاستدلاله)).
(6)
سقطت من (ع).
(7)
يقصد به من طريق أبي حاتم كما في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 14، وانظر: الجرح والتعديل 2/ 17
ولو سلم أنه خبر لم (1) يحتج به؛ إذ لا حصر فيه، فلا ينافيه حمل بعض الفسقة العلم، فإنه إنما (2) هو إخبار بأن العدول يحملونه، لا أن غيرهم لا يحمله (3).
هذا وقد اعتمد جماعة، منهم: ابن سيد الناس ما اختاره ابن عبد البر، وقال الذهبي: إنه حقٌّ (4).
قال: ولا يدخل فيه (5) المستور، فإنه غير مشهور بالعناية بالعلم، فكل من اشتهر بين الحفاظ بأنه من أصحاب الحديث، وأنه معروف بالعناية (6) بهذا الشأن، ثم كشفوا عن أخباره فما وجدوا فيه تليينا (7)، ولا اتفق لهم علم بأن أحدا وثقه، فهذا الذي عناه الحافظ، وإنه يكون مقبول الحديث إلى أن يلوح فيه جرح.
قال: ومن ذلك إخراج الشيخين لجماعة، ما اطلعنا فيهم على جرح، ولا (8) توثيق، فيحتج بهم، لأنهما احتجا بهم (9).
ثم بين الناظم ما يعرف بالضبط، فقال:
(ومن يوافق) دائما، أو (غالبا)، في المعنى، أو في اللفظ، وإن سقط منه لا يغير المعنى (ذا الضبط فضابط) محتج بحديثه، (أو) يوافقه (نادرا فمخطي) ليس بضابط، فلا يحتج بحديثه (10).
(1) سقطت من (م).
(2)
سقطت من (م).
(3)
انظر: فتح المغيث 1/ 325.
(4)
انظر: فتح المغيث 1/ 326 - 327، وتوضيح الأفكار 2/ 126 - 133.
(5)
((فيه)): سقطت من (م).
(6)
في (ق): ((العناية)).
(7)
في (ص) و (ق): ((تلبيساً)).
(8)
في (ق): ((ولا على)).
(9)
انظر: فتح المغيث 1/ 327.
(10)
قال الإمام الشافعي: ((ومن كثر غلطه من المحدّثين، ولم يكن له أصل كتاب صحيح لم نقبل حديثه، كما يكون من أكثر الغلط في الشهادة لم نقبل شهادته)). (الرسالة الفقرة 1044).
268 -
وَصَحَّحُوا قَبُوْلَ تَعْدِيْلٍ بِلَا
…
ذِكْرٍ لأسْبَابٍ لَهُ، أنْ تَثْقُلَا (1)
269 -
وَلَمْ يَرَوْ قَبُوْلَ جَرْحٍ أُبْهِمَا
…
لِلْخُلْفِ في أسبَابِهِ، وَرُبَّمَا
270 -
اسْتُفْسِرَ الجَرْحُ فَلَمْ يَقْدَحْ، كَمَا
…
فَسَّرَهُ (شُعْبَةُ) بِالرَّكْضِ، فَمَا
271 -
هَذَا الَّذِي عَلَيْهِ حُفَّاظُ الأثَرْ
…
كـ (شَيْخَيِ الصَّحِيْحِ) مَعْ أهْلِ النَّظَرْ
ثم بين أن هل يجب ذكر سبب الجرح، والتعديل أو لا؟ فقال:
(وصصحوا) أي: جمهور أئمة الأثر، من أربعة أقوال:(قبول تعديل بلا ذكر لأسباب له) مخافة (أن تثقلا)، ويشق ذكرها، لأنها كثيرة (2)، فمتى (3) كلف المعدل ذكرها احتاج أن يقول: يفعل كذا وكذا - عادا ما يلزمه فعله - ولا يفعل كذا وكذا - عادا ما يلزمه تركه - فيطول (4).
(ولم يروا قبول جرح أبهما) ذكر سببه (5) من الجارح، لعدم مخافة ذلك، لأن الجرح يحصل بأمر واحد، و (للخلف) بين الناس (في أسبابه، و) يدل لعدم قبوله مبهما، أنه (ربما استفسر الجرح) ببيان (6) سببه من الجارح، (فـ) يذكر ما (لم يقدح) بناءً على ما يعتقد أنه يقدح (7).
(1) في نسخة أوب من متن الألفية: ((يثقلا)).
(2)
وهذا ما صوّبه الخطيب البغدادي في كفايته: (165 ت، 99 هـ)، وصحّحه الزركشي في البحر المحيط (4/ 293 - 294) وقال:((هو المنصوص للشافعي)).
(3)
في (ق): ((ولو)).
(4)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 15، وفتح المغيث 1/ 328، والرفع والتكميل:79.
(5)
في (ص): ((سبب)).
(6)
في (ص): ((بيان)).
(7)
لكن قال السبكي في قاعدته التي في الجرح والتعديل: 50 - 51: ((إنّ قولهم: الجرح مقدّم، إنّما يعنون به حالة تعارض الجرح والتعديل، فإذا تعارضا لأمرٍ من جهة الترجيح قدمنا الجرح، لما فيه من زيادة العلم. وتعارضهما هو استواء الظن عندهما، لأن هذا شأن المتعارضين، أما إذا لم يقع استواء الظن عندهما فلا تعارض بل العمل بأقوى الظنين من جرح أو تعديل. وما نحن فيه لم يتعارضا، لأنّ غلبة الظن بالعدالة قائمة. وهذا كما أن عدد الجارح إذا كان أكثر قدم الجرح إجماعاً لأنّه لا تعارض والحالة هذه. ولا يقول منا أحد بتقديم التعديل، لا من قال بتقديمه عند التعارض ولا غيره. =
(كما فسره شعبة) بن الحجاج (بالركض)، حيث قيل له: لم تركت حديث فلان؟ قال: رأيته يركض على برذون (1).
مع أنه ليس بقادح، كما أشار إليه بقوله:(فما) ذا يلزم من ركضه، ما لم يكن بموضع، أو على وجه لا يليق، ولا ضرورة تدعو إليه؟
وكما روي عن شعبة أنه أتى المنهال بن عمرو، فسمع صوتا من داره فتركه (2).
قال ابن أبي حاتم: إنه سمع قراءة بالتطريب (3).
وكذا قال أبوه - أبو (4) حاتم -: إنه سمع قراءةً بألحان، فكره السماع منه (5).
وقال وهب بن جرير، عن شعبة: أتيت منزل المنهال، فسمعت منه صوت الطنبور (6)، فرجعت، ولم أسأله.
قال وهب: فقلت له: هَلاّ سألته؟ عسى كأنه لا يعلم (7).
= وعبارتنا في كتابنا " جمع الجوامع " - وهو مختصر جمعناه في الأصلين، جمع فأوعى -: والجرح مقدّم إن كان عدد الجارح أكثر من المعدل إجماعاً، وكذا إن تساويا، أو كان الجرح أقلّ. وقال ابن شعبان: يطلب الترجيح
…
إذا عرفت هذا علمت أنه ليس كل جرح مقدماً)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 16، وفتح المغيث 1/ 328، والرفع والتكميل:80.
(1)
الكفاية: (182 ت، 110 - 111 هـ).
والبرذون يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، يعرف باسم (الكديش). انظر: معجم متن اللغة 1/ 269، والمعجم الوسيط:48.
(2)
الجرح والتعديل1/ 153و8/ 357، وبنحوه الخطيب في الكفاية (183ت، 112 هـ)، والضعفاء 4/ 237.
(3)
الجرح والتعديل 8/ 357.
(4)
لم ترد في (ع).
(5)
الجرح والتعديل 1/ 153.
(6)
في (ق): ((الطيور)).
(7)
الكفاية: (183 ت، 112 هـ)، والضعفاء 4/ 237، وتهذيب التهذيب 10/ 320. قال ابن القطان في "بيان الوهم والإيهام" (3/ 363 عقب 1107) - معقّباً على ابن أبي حاتم - بعد أن ذكر كلامه: ((هذا ليس بجرحة، إلا أن يتجاوز إلى حدّ يحرم، ولم يذكر ذلك في الحكاية، ولا أيضاً فيما بشع من هذه الحكاية، وذلك ما ذكر العقيلي عن وهب قال: سمعت شعبة يقول: أتيت منهال
…
فهذا -كما ترى- التعسف فيه ظاهر، ولا أعلم لهذا الحديث علة غير ما ذكرت، فاعلمه)) انتهى. وقال البقاعي في النكت: 200 /ب: ((والورع ما فعل شعبة لأنّ الطنبور لا يضرب في بيت أحد إلا بعلمه أو بأن يعرف أهله منه السماح فيما يقارب ذلك من خوارم المروءة إن لم يكن مفسقاً
…
الخ)).
فهذا لا يقدح في الثقة، ولهذا قال ابن القطّان عقب كلام ابن أبي حاتم: هذا ليس بجرح إلا أن يتجاوز إلى حد يحرم (1)، ولم (2) يصح ذلك عنه. انتهى.
وقد وثقه جماعة، منهم: ابن معين، والنسائي، واحتج به البخاري (3)، بل وعلق له من رواية شعبة نفسه عنه في باب ((ما يكره من المثلة من الذبائح)) (4).
فلم يترك شعبة الرواية عنه، وذلك إما لأنه سمعه منه قبل ذلك، أو لزوال المانع منه عنده (5).
فبان بما ذكر: أن البيان مزيل لهذا المحذور، ومبين لكونه قادحا، أو غير قادح، وأن ذلك لا يوجب الجرح.
(هذا) القول المفصَّل هو (الذي عليه) الأئمة (حفاظ الأثر)، ونقاده، كما أفاده أيضا قوله:(وصححوا)(كـ: شيخي الصحيح) البخاريّ، ومسلم (مع) -بالإسكان- (أهل النّظر)، كالشافعيِّ (6).
وقال ابن الصلاح: ((إنه ظاهر مقرر في الفقه وأصوله)) (7).
وقال الخطيب: إنه الصواب عندنا (8).
والقول الثاني: عكسه؛ فيشترط ذكر سبب التعديل دون الجرح؛ لأن أسباب العدالة يكثر التصنع (9) فيها، فيبني المعدل على الظاهر، كقول أحمد بن يونس، لمن (10)
(1) بيان الوهم والإيهام 3/ 363 عقب (1107)، وعبارة:((لم يصح ذلك عنه)) لم ترد في المطبوع.
(2)
في (م): ((لا)).
(3)
انظر: تهذيب الكمال 7/ 239 (6805).
(4)
صحيح البخاريّ 7/ 122 (5515).
(5)
فتح المغيث 1/ 330.
(6)
الكفاية: (178 - 179 ت، 108 هـ).
(7)
معرفة أنواع علم الحديث: 255.
(8)
الكفاية: (179 ت، 108 هـ)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 20.
(9)
في (ص): ((الصنع)).
(10)
في (ق): ((لما)).
قال له: عبد الله العمري ضعيف: إنما يضعفه رافضي، مبغض لآبائه، لو رأيت لحيته، وخضابه، وهيئته، لعرفت أنه ثقة (1).
فاحتج على ثقته بما ليس بحجة؛ لأن حسن الهيئة يشترك فيه العدل، وغيره (2).
والثالث: أنه لابد من ذكر سببهما معا للمعنيين المتقدمين، فكما يجرح الجارح بما لا يقدح، كذلك يوثق المعدل (3) بما لا يقتضي العدالة (4)، كما مَرَّ (5).
والرابع: عكسه إذا كان الجرح أوالتعديل من عالم بصير به، كما سيأتي مع انتقاد كونه قولا (6) مستقلا بما فيه (7).
272 -
فَإنْ يُقَلْ: (قَلَّ بَيَانُ مَنْ جَرَحْ)
…
كَذَا إذَا قَالُوا (8): (لِمَتْنٍ لَمْ يَصِحْ)
273 -
وَأبْهَمُوا، فَالشَّيْخُ قَدْ أجَابَا
…
أنْ يَجِبَ الوَقْفُ إذا اسْتَرَابا
274 -
حَتَّى يُبِيْنَ بَحْثُهُ قَبُوْلَهْ
…
كَمَنْ أُوْلُو الصَّحِيْحِ خَرَّجُوا لَهْ
275 -
فَفي (البُخَارِيِّ) احتِجَاجاً (عِكْرِمَهْ)
…
مَعَ (ابْنِ مَرْزُوْقٍ)، وَغَيْرُ تَرْجُمَهْ
276 -
وَاحْتَجَّ (مُسْلِمٌ) بِمَنْ قَدْ ضُعِّفَا
…
نَحْوَ (سُوَيْدٍ) إذْ بِجَرْحٍ مَا اكتَفَى
(فإن يقل) على القول بأن الجرح لا يقبل إلا مفسرا: قد (قَلَّ) فيما ينقل عن أئمة الحديث في الكتب المعول عليها في الرواة (9)(بيانُ) سبب جرح (منْ جرحْ)،
(1) المعرفة والتاريخ 2/ 665، والكفاية:(165 ت، 99 هـ).
(2)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19، فتح المغيث 1/ 333.
(3)
في (ق): ((الموثق)).
(4)
قال العراقي في شرح التبصرة والتذكرة 2/ 18: ((حكاه الخطيب والأصوليون)). انظر: الكفاية:
(179 - 180ت، 108 - 109 هـ)، والبحر المحيط 4/ 294.
(5)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 18 - 19، وفتح المغيث 1/ 333.
(6)
لم ترد في (ق) و (ص).
(7)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 19.
(8)
في نسخة (ب) من متن الألفية: ((إذا قيل)).
(9)
في (ق): ((الراوية)).
بل اقتصروا فيها غالبا على مجرد قولهم: فلان ضعيف، أو ليس به بأس (1)، أو نحوه.
و (كذا) قل بيانهم سبب ضعف الحديث (إذا قالوا) في كتبهم (لمتن)(2) أي: حديث: إنه (لم يصح)، بل اقتصروا فيها غالبا أيضا على مجرد قولهم (3): هذا حديث (4) ضعيف، أو غير ثابتٍ، أو نحوه.
(وأبهموا) بيان السبب في الأمرين: فاشتراط بيانه يفضي إلى تعطيل (5) ذلك وسد باب الجرح في الأغلب (6).
(فالشيخ) ابن الصَّلاح (7)(قد أجابا) عن ذلك بـ (أَنْ يجبَ الوقفُ) أي: بأنَّا وإنْ لَمْ نَعْتَمِدْهُ فِي إثباتِ الجرحِ، لَكنَّا نعتمِدُهُ فِي أنَّا نتوقَّفُ عَنِ الاحتجاجِ بالرَّاوِي، أَوْ بالحديثِ (8) (إذَا) وَفِي نُسخةِ ((إذ)) (استَرابا) أي: لأجلِ الريبةِ القويةِ الحاصِلةِ بِذَلِكَ.
ويستمرُّ مَنْ وَقَفَ عَلَى ذَلِكَ واقفاً (حَتَّى يُبِيْنَ) - بضمِّ الياء، من أَبَاْنَ - أي: يُظهِرَ (9)(بحثُهُ) عَنْ حالِ ذَلِكَ الرَّاوِي، أَوْ الحَدِيْثِ (قبولَهْ)، والثِّقةَ بعدالتِهِ، بحيثُ لَمْ يؤثّرْ مَا وقفَ عَلَيْهِ فِيهِ من الجرحِ، أَوْ التضعيفِ (10).
(كمَنْ) أي: كَالَّذِي مِنَ الرُّواةِ (أُولُو) أي: أصحابُ (الصَّحِيحِ) البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ، وغيرُهما (خرَّجوا) فِيهِ (لَهْ) مَعَ أنَّه ممَّنْ مسَّهُ من غيرِهم جرحٌ مُبْهَمٌ.
ثُمَّ قَالَ: ((فافْهَم ذَلِكَ، فإنَهُ مَخْلَصٌ حَسَنٌ)) (11).
(1) في (ع): ((أو ليس بشيء)).
(2)
في (م): ((المتن)).
(3)
في (م): ((قوله)).
(4)
((حديث)): لم ترد في (ع).
(5)
في (ص): ((تعليل)).
(6)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 21، وفتح المغيث 1/ 333.
(7)
معرفة أنواع علم الحديث: 256.
(8)
في (ق): ((والحديث)).
(9)
في (ق): ((أظهر)).
(10)
انظر: فتح المغيث 1/ 333.
(11)
معرفة أنواع علم الحديث: 256.
(ففي البُخَارِيِّ احْتِجَاجاً عِكْرِمَهْ) أي: فعِكْرِمَةُ التَّابِعيُّ مَوْلَى ابنِ عَبَّاسٍ مُخرَّجٌ لَهُ فِي"صَحِيْح البُخَارِيِّ" عَلَى وَجْهِ الاحتجاجِ بِهِ (1)، فَضْلاً عَنْ المتَابعاتِ، ونحوِها، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الكلام، لتَبَيُّنِ أنَّه ثقةٌ (2)، (مَعَ ابنِ مَرْزوقٍ) عَمْرٍو الباهِليّ (3)، لَكِنْ متابعةً، لا احتجاجاً.
(وغيرُ) بالرفع عَطفاً عَلَى ((عِكْرِمةَ))، وبالجرِّ عَطفاً عَلَى ((ابنِ مَرْزُوقٍ)) مضافاً فِيْهِمَا إلى (تَرْجَمَهْ) بِجَعْلِها اسماً مُراداً بِها الرَّاوِي الذي خرَّجَهُ البُخَارِيُّ، أطلَقَتْ عَلَيْهِ مَجازاً عَن الْمَصْدَرِ الواقعِ عَلَيْهِ، والمعنى: وغيرُ راوٍ، كإسماعيلَ بنِ أبي أُوَيْسٍ (4)، وَعَاصمِ بنِ عَلِيٍّ (5).
(و) كَذَا (احتجَّ مُسْلِمٌ بمَنْ قَدْ ضُعِّفَا) من غيرِهِ (نَحْوَ سُوَيْدٍ) هُوَ ابن سعيدٌ
(إِذْ ب) مُطْلَقِ (جرحٍ مَا اكتَفَى) مُسْلِمٌ، كالبخاريِّ؛ لأنَّ سُوَيداً صَدوقٌ فِي نفسِهِ، كَمَا قالَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَدْ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ (6).
وأكثرُ مَنْ فسَّر الجرحَ فِيهِ، ذَكَرَ أنَّهُ لما عَمِيَ ربَّما يُلقَّنَ (7) الشيءَ، وهذا وإن كَانَ قادحاً، فإنَّما يَقْدَحُ فِيْمَا حدَّثَ بِهِ بَعْدَ العَمَى، لا فِيْمَا قَبْلَهُ (8).
(1)((به)): سقطت من (ع).
(2)
انظر: ترجمته في تهذيب الكمال 5/ 209 (4598)، وقد أطال الكلام عنه ابن حجر في هدي الساري 425 - 430 فانظره تجد فائدة.
(3)
هو أبو عثمان عمرو بن مرزوق الباهلي البصري، ثقة له أوهام، أثنى عليه أبو حاتم وغيره، توفي سنة
(224 هـ). (الجرح والتعديل 6/ 263، والكاشف 2/ 88 (4228)، والتقريب (5110).
(4)
هو أبو عبد الله إسماعيل بن عبد الله بن أويس الأصبحي المدني، ابن اخت الإمام مالك مكثر فيه لين وله أخطاء، أفحش النسائي القول فيه، توفي سنة (226 هـ). الكامل 1/ 525، وتذكرة الحفاظ 1/ 409، والتقريب (460).
(5)
هو أبو الحسين عاصم بن علي الواسطي، عالم صاحب حديث من أئمة السنة، صدوق ربّما وهم، توفي سنة (221 هـ). تاريخ بغداد 12/ 247، وميزان الاعتدال 2/ 354، والتقريب (3067).
(6)
هو سويد بن سعيد بن سهل الهروي أبو محمد الحدثاني، صدوق في نفسه، إلا أنّه عمي فصار يتلقن، أغلظ القول فيه ابن معين، توفي سنة (240 هـ). ميزان الاعتدال 2/ 248، والتقريب (2690)، وطبقات المدلسين:50.
(7)
في (م): ((تلقن)).
(8)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24، وفتح المغيث 1/ 334.
ولعلَّ مسلماً إنَما خرَّجَ عَنْهُ مَا عَرَفَ أنَّهُ حدَّثَ بِهِ قَبْلَ عَمَاهُ (1)، أَوْ مَا صَحَّ عِنْدَهُ بنزولٍ طلباً للعلوِّ، لا مَا تفرَّدَ بِهِ (2).
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي طالبٍ: قُلْتُ لمسلمٍ: كَيْفَ استجزْتَ الرِّوَايَةَ عَنْ سويدٍ فِي " الصَّحِيحِ "؟ فَقَالَ: ومِنْ أين كنتُ آتي بنسخةِ حَفْصٍ (3).
وذلك أنَّ مُسلماً لَمْ يروِ فِي "صَحِيْحِهِ" عَنْ أَحَدٍ ممَّنْ سَمِعَ حَفْصاً إلا عَنْ سُويدٍ، ورَوَى فِيهِ عَنْ واحدٍ، عَنْ ابنِ وهْبٍ، عَنْ حَفْصٍ (4).
277 -
قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ (أبُو المَعَاليْ)
…
واخْتَارَهُ تِلْمِيْذُهُ (الغَزَاليْ)
278 -
و (ابْنُ الخَطِيْبِ) الْحَقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا
…
أطْلَقَهُ العَالِمْ (5) بِأسْبَابِهِمَا
279 -
وَقَدَّمُوا الجَرْحَ، وَقِيْلَ: إنْ ظَهَرْ
…
مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ فَهْوَ المُعْتَبَرْ
(قُلْتُ: وَقَدْ قَالَ) فِي ردِّ السؤَالِ، إمامُ الحرمينِ (أَبُو الْمَعَاليْ)، فِي كتابه " البُرْهانِ "(6)، (واختارَهُ تلميذُهُ) أَبُو حَامدٍ (7)(الغزاليْ، و) الإمامُ فخرُ الدينِ (ابنُ الخطيبِ) الرازيُّ (8): (الحقُّ أنْ يُحْكَمْ بِمَا أطْلَقَهُ العالِمْ) - بإسكان الميمِ من
(يُحكمْ) و (العالِمْ) - (بأسْبابِهِما) أي: بأسباب الجرحِ والتعديل مِن غَيْرِ بيانٍ لَهَا.
واختارَهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ الباقلَاّنيُّ، وَنَقَلَهُ عَنْ الْجُمْهُورِ (9).
(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 24.
(2)
انظر: المصدر السابق.
(3)
هُوَ حفص بن ميسرة، وهذا النص نقله الذهبي في الميزان 2/ 250 (3621)، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27.
(4)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 27، وفتح المغيث 1/ 334.
(5)
سكن لضرورة الوزن، وسينبه على ذلك الشارح.
(6)
البرهان 1/ 400.
(7)
المستصفى 1/ 162.
(8)
المحصول 2/ 201، وطبعة العلواني 2/ 1/587.
(9)
انظر: الكفاية: (179 ت، 108 هـ).
وَلَمّا كَانَ هَذَا مُخالفاً لما اختاره ابنُ الصلاحِ من كونِ الجرحِ المبهمِ، لا يقبلُ، وَهُوَ عينُ القولِ الرابعِ، قَالَ جَمَاعَةٌ، مِنْهُمْ: التاجُ السبكيُّ.
لَيْسَ هَذَا قولاً مستقلاً، بَلْ تحريرٌ لمحلِّ النزاعِ؛ إِذْ مَنْ لا يكونُ عالِماً بأسبابهِما لا يُقبلانِ مِنْهُ، لا بإطلاقٍ، ولا بتقييدٍ؛ لأنَّ الحُكْمَ عَلَى الشيءِ فرعُ تصوُّرِهِ.
أي: فالنِّزاعُ فِي إطلاقِ العالمِ دُوْنَ إطلاقِ غيرِهِ، وهذا إنْ سُلِّم، فَلا نُسلِّمُ أنَّ تقييدَ غَيْرِ العالمِ بِهما - أي: تفسيرَهُ لَهُمَا - لا يُقبلُ (1).
واختارَ شَيْخُنا: أنَّه إنْ لَمْ يَخْلُ المجروحُ عَنْ تعديلٍ، لَمْ يقبلِ الجرحُ فِيهِ إلا مفسَّراً، وإن خلا عَنْ ذَلِكَ، قُبل فِيهِ مُبْهَماً إذَا صَدَرَ مِن عارِفٍ؛ لأنَّه إذَا خَلا عَن ذَلِكَ، فَهُوَ فِي حَيِّزِ المَجْهولِ، وإعمالُ قولِ المجرِّح أَوْلى مِن إهمالِهِ.
قَالَ: وَمَالَ ابنُ الصَّلاحِ فِي مثلِ هَذَا إلى التوقُّف. انتهى (2).
ثُمَّ بيَّنَ حكمَ تعارضِ الجرحِ والتعديلِ فِي راوٍ واحدٍ، فَقَالَ:
(وَقَدَّمُوا) أي: جُمْهُورُ أئمةِ الأثرِ (الجَرْحَ) عَلَى التعديلِ، وإنْ كَانَ المعدِّلُ أكثرَ عَدداً؛ لأنَّ مَعَ الجارحِ زيادةَ عِلْمٍ لَمْ يَطَّلِع عَلَيْهَا المعدِّلُ؛ ولأنَّه مصدِّقٌ لِلمُعدِّلِ فِيْمَا أَخبرَ بِهِ مِن ظاهرِ حالِهِ، ويخبرُ عَنْ أمرٍ باطنٍ خَفِيَ عَلَى المعدِّلِ (3).
نَعَمْ، إن لَمْ يفسِّرِ الجرحَ، أَوْ قَالَ المعدِّلُ: عَرفْتُ السببَ الذي ذكرَهُ الجارحُ، لكنَّهُ تابَ مِنْهُ، قُدِّمَ التعديلُ، مَا لَمْ يَكُنْ فِي الكذبِ عَلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، كَمَا سَيأتي فِي مَحَلِّهِ.
وَقَالَ ابنُ دقيقِ العيدِ فِي الأَوَّلِ (4): الأقوى طلبُ الترجيحِ، لأنَّ كلاً مِنْهُمَا ينفي قَوْلَ الآخر.
(1) انظر: فتح المغيث 1/ 335.
(2)
شرح النخبة: 193 - 194.
(3)
انظر: الكفاية: (177 ت، 107 هـ)، وجامع الأصول 1/ 128، والمحصول 2/ 201، وطبعة العلواني 2/ 1/588، والإحكام 2/ 317، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 28، وفتح المغيث 1/ 336.
(4)
الاقتراح: 337.
وَلَوْ نفى المعدِّلُ الجرحَ بطريقٍ مُعْتَبرٍ، كأنْ يَقُول عِنْدَ التجريحِ بقتلِهِ لفلانٍ يومَ
كَذَا: أنا رأيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ اليومِ، وَهُوَ حيٌّ، تعارضا لعدمِ (1) إمكانِ الجمعِ؛ فيطلبُ الترجيحُ (2).
(وَقِيلَ: إنْ ظَهَرْ مَنْ عَدَّلَ الأكْثَرَ) بنصبهِ حالاً، بزيادةِ ((ال)) - أي: إنْ ظهرَ المعدِّلون أكثرَ عدداً، (فَهْوَ) أي: التعديلُ (المُعْتبرْ)؛ لأنَّ الكَثْرَةَ تقوِّي الظنَّ، والعملُ بأقوى الظنَّينِ واجبٌ، كَمَا فِي تَعارضِ الخبرينِ (3).
قَالَ الخطيبُ: وَهَذا خَطأٌ؛ لأنَّ المُعدِّلينَ، وإن كَثروا، لا يُخبِرونَ، بعدمِ مَا أخبر بهِ الجارِحونَ، وَلَوْ أخبروا بِهِ وقالوا: نَشْهَدُ أَنَّ هَذَا لَمْ يقع مِنْهُ، لَمْ يصحَّ لأنَّها شَهادةٌ عَلَى نفيٍ محضٍ (4).
ولأنَّ تقديمَ الجرحِ، إنَّما هُوَ لتضمُّنِهِ زيادةً خَفِيَتْ عَلَى المعدِّلِ، وذلك موجودٌ مَعَ زيادةِ عددِ المعدِّلِ.
وَقِيلَ: إنَّهمَا حينئذٍ (5) يتعارضانِ، فيُطلبُ الترجيحُ لزيادةِ قوةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِن وَجْهٍ.
وَقِيلَ: يُقَدَّمُ الأحفظُ (6).
280 -
وَمُبْهَمُ التَّعْدِيْلِ لَيْسَ يَكْتَفِيْ
…
بِهِ (الخَطِيْبُ) والفَقِيْهُ (الصَّيْرَفِيْ)
281 -
وَقِيْلَ: يَكْفِي، نَحْوُ أنْ يُقالا:
…
حَدَّثَنِي الثِّقَةُ، بَلْ لَوْ قَالَا:
282 -
جَمِيْعُ أشْيَاخِي ثِقَاتٌ لَوْ لَمْ
…
أُسَمِّ، لَا يُقْبَلُ مَنْ قَدْ أَبْهَمْ
283 -
وَبَعْضُ مَنْ حَقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ
…
مِنْ عَالِمٍ فِي حَقِّ مَنْ قَلَّدَهُ
ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ التعديلِ المبْهَمِ، والرِّواية عَنِ المعيَّنِ بِلا تعديلٍ، وغيرِهما، فَقَالَ:
(1) في (ع): ((بعدم)).
(2)
نزهة النظر: 193 - 194.
(3)
انظر: فتح المغيث 1/ 337.
(4)
الكفاية: (177 ت، 107 هـ)، وانظر: المحصول 2/ 201.
(5)
في (ق): ((حين)).
(6)
انظر: فتح المغيث 1/ 338.
(وَمُبْهَمُ التَّعْدِيلِ) أي: تعديلِ المبهَمِ، (لَيْسَ يَكْتَفِي بِهِ) أَبُو بَكْرٍ (الخطيبُ)(1)، وأبو نَصْرِ بنُ الصَّبَّاغِ، (والفقيهُ) أَبُو بكرٍ (الصَّيْرَفِيْ)، وغيرُهُم (2)؛ إِذْ لا يلزمُ من كونِهِ عدلاً عِنْدَهُ أَنْ يكونَ عِنْدَ غيرِهِ كَذلِكَ، فلَعَلَّهُ إذَا سمَّاهُ يَكُونُ ممَّنْ جرَّحَهُ غيرُهُ بجرحٍ قادحٍ، بَلْ إضرابُه عَنْ تسميتِهِ ريبةٌ توقعُ تردُّداً فِي القلبِ (3).
(وَقِيلَ: يَكْفِي (4)) تَعْدِيلُهُ، كَمَا لَوْ عيَّنَه؛ لأنَّه مَأمونٌ فِي الحالينِ، وَهُوَ ماشٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ يحتجُّ بالمرسلِ، وأولى بالقَبولِ.
(نَحْو أَنْ يُقالا) بألفِ الإطلاقِ: (حَدَّثَني الثقةُ)، أَوْ العَدْلُ.
(بَلْ) صرَّحَ الخطيبُ بأنَّه (لَوْ قالا) بألفِ الإطلاق - أَيْضاً: (جَمِيْعُ أشياخي ثقاتٌ) و (لَوْ لَمْ أُسَمِّ) ـِهمْ، ثُمَّ رَوَى عمَّنْ لَمْ يُسمِّهِ، (لا يُقْبَلُ) أَيْضاً (مَنْ قَدْ أبْهَمْ)؛ لما ذكر فِيْمَا قبلَهُ.
وإنْ كَانَ أعلى مِنْهُ، كَمَا أفادَهُ كلامُهُ؛ لأنَّ (5) التعديلَ بِهِ إخبارٌ مستقلٌ بخلافِهِ بما (6) قبلَهُ.
أما إذَا قَالَ: كُلُّ مَنْ أَرْوِي لكم عَنْهُ، وأُسمِّيهِ، فَهُوَ عَدْلٌ رِضًا (7)، كَانَ تعديلاً مِنْهُ، لِكلِّ مَنْ رَوَى عَنْهُ، وسمَّاهُ، كَمَا جزمَ بِهِ الخطيبُ (8).
وَقِيلَ: يَكفي تعديلُ المبْهَمِ (9) مِن عالمٍ لا مِن غَيْرِهِ.
(1) الكفاية: (155 ت، 92 هـ).
(2)
منهم الشاشي، وأبو الطيب الطبري، وأبو إسحاق الشيرازي، والماوردي، والروياني، نقله عنهم الزّركشيّ في البحر المحيط 4/ 291. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 30.
(3)
انظر: الكفاية: (154 - 155 ت، 92 هـ) و (551 - 553 ت، 388 - 389 هـ)، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 30 - 31.
(4)
في (م): ((يكتفي)).
(5)
في (م): ((بأن)).
(6)
في (ق): ((فيما)).
(7)
في (ع): ((رضي)).
(8)
الكفاية: (154 - 155 ت، 92 هـ).
(9)
بعد هذا في (ص): ((إن صدر)).
كَمَا قَالَ: (وبعضُ مَنْ حقَّقَ لَمْ يَرُدَّهُ) أي: تعديلُ المبْهَمِ (1). إنْ صدرَ (من عالمٍ) أي: مُجْتهدٍ، كمالكٍ والشافعيِّ (فِي حقِّ مَنْ قَلَّدَهُ) فِي مذهبِهِ، كقولِهِ:((حَدَّثَني الثقةُ)).
فحيثُ رَوَى مالكٌ عَنِ الثقةِ، عَنْ بُكَيْرِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ الأشجِّ، فالثقةُ مَخْرَمَةُ بنُ بُكَيْرٍ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنْ عمرِو بنِ شُعَيْبٍ، فَهُوَ عبدُ الله بنُ وَهْبٍ، وَقِيلَ: الزهريُّ، وَقِيلَ: ابنُ لَهِيْعَةَ (2).
وَحَيْثُ رَوَى الشَّافِعيُّ عَنْ الثقةِ، عَنِ ابنِ أبي ذئبٍ، فَهُوَ مُحَمَّدُ بنُ أَبِي (3) فديك، أَوْ عَنِ الثِّقَةِ عَنِ (4) الليثِ بنِ سَعْدٍ، فَهُوَ يَحْيَى بنُ حسَّانَ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنِ الوليدِ بنِ كثيرٍ، فَهُوَ أَبُو أسامةَ، أَوْ عَنِ الثِّقَةِ، عَنِ الأوزاعيِّ، فَهُوَ عَمْرُو بنُ أبي سَلَمَةَ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنِ ابنِ جُريجٍ، فَهُوَ مسلمُ بنُ خالدٍ، أَوْ عَنِ الثقةِ، عَنْ صالحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، فَهُوَ إِبْرَاهِيمُ بنُ أَبِي يَحْيَى (5).
وخرج ب (مَنْ قلَّدَهُ) غيرُهُ؛ فَلا يقبلُ فِي حقِّه؛ لأنَّ المجتهدَ لا يورِدُ الخبرَ بِذَلِكَ (6) احتجاجاً بِهِ عَلَى غَيْرهِ، بَلْ يورِدُ لأصْحابِهِ لبيانِ قيامِ الحُجَّةِ بِهِ عندَهُ، وَقَدْ عَرَفَ هُوَ مَنْ رَواهُ عَنْهُ (7).
(1) هكذا أبهمه ابن الصّلاح ولم يبين الشارح ولا النّاظم من هو المحقق، لكن السخاوي في فتح المغيث 1/ 339 قال:((ولعله إمام الحرمين)).
(2)
قال الحافظ ابن حجر في تعجيل المنفعة: 547 - 548: ((مالك: أخبرنا الثقة، عن عمرو بن شعيب، قيل: هو عمرو بن الحارث، أو ابن لهيعة. وعن الثقة عنده عن بكير بن الأشج، قيل: هو مخرمة بن بكير. وعن الثقة، عن سليمان بن يسار. وعن الثقة، عن ابن عمر، هو: نافع، كما في موطّأ ابن القاسم)).
قلنا: والأحاديث التي في الموطأ من رواية يحيى التي فيها مالك: عن الثقة، هي:((380، 724، 1479، 1781، 2449، 2767، 2800)). وانظر تدريب الرّاوي 1/ 312 - 313.
(3)
((أبي)): سقطت من (ق).
(4)
في (م): ((من)).
(5)
ترجمته في ميزان الاعتدال1/ 57، وانظر: النكت الوفية: 206/ أ، وتعليقنا على مسند الشّافعيّ حديث (2).
(6)
في (ق): ((كذلك)).
(7)
انظر: فتح المغيث 1/ 340.
284 -
وَلَمْ يَرَوْا فُتْيَاهُ أوْ عَمَلَهُ
…
?عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ- تَصْحِيْحاً لَهُ
285 -
وَلَيْسَ تَعْدِيلاً عَلَى الصَّحِيْحِ
…
رِوَايَةُ العَدْلِ عَلَى التَّصْرِيْحِ
(وَلَمْ يَرَوْا) أي: جُمْهُورُ أئِمَّةِ الأثرِ (فُتْيَاهُ) أي: فَتْواهُ، كَمَا هُوَ بِخطِّهِ أي: العالِمُ مُجتهداً أَوْ مُقلِّداً (أَوْ عَمَلَهُ عَلَى وِفَاقِ المَتْنِ) أي: الحَدِيْثِ الوارد فِي ذَلِكَ المَعْنَى (تَصْحِيْحاً لَهُ)، ولا تعديلاً لراويهِ؛ لإمكانِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْهُ احتياطاً، لدليلٍ آخرَ وافقَ ذَلِكَ الحديثَ (1)، أَوْ لكونِهِ مِمَّنْ يَرى العملَ بالضَّعيفِ، وتقديمَهُ عَلَى القياسِ.
وَقِيلَ: هُوَ تعديلٌ، وَهُوَ مَا رجَّحَهُ الأُصُوليُّونَ (2)، وَقياسُهُ ترجيحُ أنَّه تَصْحيحٌ أَيْضاً عِنْدَهُم.
(وَلَيْسَ تَعْدِيلاً) لِمَنْ يَرْوِي عَنْهُ الْعَدلُ مطلقاً، (عَلَى الصَّحِيحِ) الذي عَلَيْهِ أكثرُ العلماءِ مِنَ المُحدِّثينَ (3)، وغيرِهِم (رِوَايَةُ العدلِ عَلَى) وَجْهِ (4)(التَّصْرِيْحِ) باسمِهِ؛ لأنَّه يَجوزُ أنْ يَرْوِي عَنْ غَيْرِ عَدْلٍ (5).
ومُقَابِلُ الصَّحِيحِ قَوْلانِ:
أحدُهما: أنَّها تعديلٌ مُطْلَقاً؛ لأنَّ الظَّاهرَ أنَّه لا يَرْوِي إلاّ عَنْ عَدْلٍ، إِذْ لَوْ عَلِمَ فِيهِ جَرْحاً لذكرَهُ، لئلا يَكُونَ غَاشّاً فِي الدِّينِ (6).
(1) شرح التبصرة والتذكرة 2/ 34.
(2)
انظر: المصدر السابق 2/ 35.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 260، وبه جزم الماوردي، والرّوياني، وابن القطّان، ونقله القاضي في التقريب عن الجمهور، وقال: إنّه الصحيح، انظر: البحر المحيط4/ 290.
(4)
في (ق): ((ولو على وجه)).
(5)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 35، وفتح المغيث 1/ 342، وتدريب الرّاوي 1/ 314.
(6)
هذا القول حكاه الخطيب في الكفاية: (150 ت، 89 هـ)، وبه قال الحنفية، وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد، وفي النقل عن الإمام الشّافعيّ خلاف، ونسبه الشيرازي إلى بعض الشافعية، وهو اختيار الآمدي، ونقله الإسنوي عن ابن الحاجب. انظر: اللمع: 47، والتبصرة في أصول الفقه: 319، وإحكام الأحكام 2/ 80، ونهاية السول 3/ 48، ودراسات في الجرح والتعديل:209.
وَرَدَّهُ الخطيبُ (1): بأنَّه قَدْ لا يعلمُ عدالتَهُ، ولا جَرْحَهُ، كَيْفَ وَقَدْ وُجِدَ جَمَاعَةٌ مِنَ العدولِ الثِّقاتِ روَوْا عَنْ ضعفاء (2)؟
والثاني: أنَّها تعديلٌ لَهُ إنْ علمَ أنَّه لا يَرْوِي إلا عَنْ عدلٍ، وإلاّ فَلَا.
وهذا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ الأُصوليينَ، كالآمِدِيِّ (3)، وابنِ الحاجبِ (4) وَأَمّا روايةُ غيرِ العدلِ (5)، فليست تَعْديلاً اتّفاقاً.
وخَرَجَ بالتَّصْريحِ بِاسمِهِ مَا لَمْ يُصَرِّحْ بِهِ، فَلا يَكُونُ تَعْديلاً جَزْماً، بَلْ لَوْ عدَّلَ مُبْهَماً، لَمْ يُكتَفَ بِهِ، كَمَا مَرَّ (6).
286 -
وَاخْتَلَفُوا: هَلْ يُقْبَلُ المَجْهُوْلُ؟
…
وَهْوَ -عَلَى ثَلَاثَةٍ- مَجْعُوْلُ
287 -
مَجْهُوْلُ عَيْنٍ: مَنْ لَهُ رَاوٍ فَقَطْ
…
وَرَدَّهُ الأكْثَرُ، وَالقِسْمُ الوَسَطْ:
288 -
مَجْهُوْلُ حَالٍ بَاطِنٍ وَظَاهِرِ
…
وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ لَدَى الجَمَاهِرِ،
289 -
وَالثَّالِثُ: المَجْهُولُ لِلعَدالَهْ
…
في بَاطِنٍ فَقَطْ. فَقَدْ رَأَى لَهْ
290 -
حُجِّيَّةً -في الحُكْمِ-بَعْضُ مَنْ مَنَعْ
…
مَا قَبْلَهُ، مِنْهُمْ (سُلَيْمٌ) فَقَطَعْ
291 -
بِهِ، وَقَالَ الشَّيْخُ: إنَّ العَمَلا
…
يُشْبِهُ أنَّهُ عَلَى ذَا جُعِلا
292 -
في كُتُبٍ منَ الحَدِيْثِ اشْتَهَرَتْ
…
خِبْرَةُ بَعْضِ مَنْ بِهَا تَعَذَّرَتْ
293 -
في بَاطِنِ الأمْرِ، وبَعْضٌ يَشْهَرُ
…
ذَا القِسْمَ مَسْتُوْراً، وَفِيْهِ نَظَرُ
(1) الكفاية: (150 ت، 89 هـ).
(2)
في (ق): ((الضعفاء)).
(3)
الإحكام 2/ 319، وعبارته:((إن عرف من قول المزكي أو عادته أنه لا يروي إلا عن العدل فهو تعديل)).
(4)
منتهى الوصول: 80، وعبارته:((وإن كانت عادته أنه لا يروي إلا عن العدل، فتعديل وإلا فلا)).
وكذلك قال الرّازيّ في المحصول 2/ 202، ونقله الزّركشيّ عن إمام الحرمين، وابن القشيري، والغزالي، والصفي الهندي، والمازري، وقال: هو قول الحذاق. انظر: البحر المحيط 4/ 289.
(5)
في (م): ((العدول)).
(6)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 36.
(واخْتَلَفُوا) أي: العُلَمَاءُ (هَلْ يُقْبَلُ) الرَّاوِي (الْمَجْهُولُ؟ وَهْوَ عَلَى) أقسامٍ (ثَلَاثَةٍ مَجْعُولُ):
الأَوَّلُ: (مَجْهُوْلُ عَينٍ)، وَهُوَ:(مَنْ لَهُ راوٍ) أي: مَنْ لَمْ يَروِ عَنْهُ إلاّ راوٍ (فَقَطْ)، وسمَّاه الرَّاوِي، كجَبَّارٍ الطائيِّ، وعبدِ اللهِ بنِ أعزَّ - بالزاي - فإنَّ كلاً مِنْهُمَا لَمْ يروِ عَنْهُ إلاّ أَبُو إسحاقَ السَّبِيْعِي (1).
(وَرَدَّه) أي: مَجْهُوْلَ العينِ (الأكثرُ) مِنَ العلماءِ، فَلا يقبلونه مطلقاً، وَهُوَ الصَّحِيحُ، للإجماعِ عَلَى عَدمِ قبولِ غَيْرِ العَدْلِ، والْمَجْهُولُ لَيْسَ عدلاً، ولا فِي معناه فِي حصولِ الثقةِ بِهِ (2).
ولأنَّ الفِسْقَ مانعٌ مِنَ القَبولِ كالصِّبا والكفرِ، فيكونُ الشَّكُّ فِيهِ مَانعاً مِن ذَلِكَ، كَمَا أنَّه فِيْهِمَا كَذلِكَ.
وَقِيلَ: يقبلُ مطلقاً (3)، لقولِهِ تَعَالَى:{إنْ جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوْا} (4) أي: فتثبَّتوا، كَمَا قُرِئَ بِهِ فِي السبْعِ (5).
فأوجَبَ التثبُّتَ عِنْدَ وجودِ الفِسْقِ، فعند (6) عَدَمِهِ، لا يجبُ التثبُّتُ، فيجبُ العَمَلُ بقولهِ (7).
(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 38 - 39.
(2)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 37.
(3)
نقله أبو إسحاق الشيرازي في اللمع: 46 عن أبي حنيفة وأصحابه، ونقله البلقيني في محاسن الاصطلاح: 225 عن أبي حنيفة أيضاً. وقد أفاض النسفي في تعليل مذهب أبي حنيفة في قبول مثل هذا في كشف الأسرار 2/ 30، ولكن من يمعن النظر فيه يجد أن مذهب الحنفية يقيّد قبول ذلك في القرون الثلاثة الأولى الفاضلة؛ لأنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم شهد بخيريتهم حين قال:((خير الناس قرني، ثمّ الذين يلونهم، ثمّ الذين يلونهم)). البخاري 8/ 113 (6429) فنسبة الإطلاق إلى أبي حنيفة وأصحابه خطأ.
(4)
سورة الحجرات: 6.
(5)
انظر: معجم القراءات القرآنية 6/ 220.
(6)
في (م): ((وعند)).
(7)
انظر: فتح المغيث 1/ 355.
وَقِيلَ: إنْ كَانَ مَشْهوراً فِي غَيْرِ العِلْمِ، كالزُّهْدِ، والنَّجدةِ (1)، قُبِلَ، وإلاّ فَلَا (2).
وَقِيلَ: إنْ (3) زكَّاهُ أحدٌ مِنْ أئِمَّةِ الجَرْحِ والتعديلِ -وَلَوْ كَانَ الرَّاوِي عَنْهُ- قُبِلَ، وإلاّ فَلَا (4). وَصَحَّحَهُ شَيْخُنا (5).
وَقِيلَ: إن كَانَ المنفردُ بالروايةِ عَنْهُ لا يَرْوِي إلاّ عَنْ عَدلٍ - واكتفينا فِي التعديلِ بواحدٍ - قُبِلَ، وإلاّ فَلَا (6).
(وَالْقِسْمُ الْوَسَطْ) أي: الثَّانِي: (مَجْهُوْلُ حَالٍ (7) بَاطنٍ، وظَاهرِ) مِنَ العدالةِ والجَرحِ، مَعَ معرفةِ عَينِهِ بروايةِ عَدلينِ عَنْهُ.
(وَحُكْمُهُ: الرَّدُّ) فَلا يقبلُ مطلقاً أَيْضاً (لَدَى) أي: عِنْدَ (الجَمَاهِرِ)(8) مِنَ العُلَمَاءِ (9).
وَقِيلَ: يُقبلُ مُطْلَقاً، وإن لَمْ تُقبلْ رِوَايَةُ (10) القِسْمِ الأَوَّلِ (11).
(1) النجدة: هي الشجاعة والنصرة وسرعة الإغاثة. انظر: تاج العروس 9/ 201 (نجد)، ومتن اللغة 5/ 402، والمعجم الوسيط:902.
(2)
وهو قول ابن عبد البر كما نقله عنه ابن الصّلاح وجادة. معرفة أنواع علم الحديث: 497.
(3)
في (ص): ((إن كان)).
(4)
وهو قول ابن القطان في " بيان الوهم والإيهام " 4/ 20 عقب (1438).
(5)
شرح النخبة: 189.
(6)
انظر: البحر المحيط 4/ 282.
(7)
هاهنا مسألة مهمة نريد أن ننبه عليها، وهي: أنّ ابن القطّان الفاسي يفرّق بين المجهول والمستور، وعنده ((المجهول)) و ((مجهول الحال)) سيان، وهو: من لم يرو عنه إلا راوٍ واحدٌ ولم يوثّق، والمستور من روى عنه اثنان فما فوق ولم يوثّق. بيان الوهم والإيهام 4/ 20 عقب (1438)، وهذا رأيٌّ سديدٌ مصيبٌ، ولا نعلم أحداً نقله عن ابن القطّان.
(8)
في (ق): ((الجماهير)).
(9)
انظر: الكفاية: (150 ت، 89 هـ) وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 42، وفتح المغيث 1/ 351.
(10)
في (ق): ((راويه)).
(11)
نسبه ابن المواق لأكثر أهل الحديث كالبزار والدارقطني، وقال الدارقطني: من روى عنه ثقتان فَقَدْ ارتفعت جهالته، وثبتت عدالته. انظر: فتح المغيث 1/ 351.
وَقِيلَ: إن كَانَ الراويانِ لا يرويانِ إلاّ عَنْ عَدلٍ قُبِلَ، وإلاّ فَلَا (1).
(و) القسمُ (الثَّالِثُ: الْمَجْهُوْلُ للعدالهْ) أي: مجهولُها (فِي بَاطنٍ فَقَطْ) أي: لَا فِي الظاهرِ.
(فَقَدْ رَأى لَهْ حُجِّيَّةً) أي: احتجاجاً (فِي الحُكْمِ بَعْضُ مَنْ مَنَعْ) قَبُولَ (مَا قَبْلَهُ) مِنَ القِسْمَيْنِ، (مِنْهُمْ): الفقيهُ (سُلَيْمٌ) - بضمِّ أوَّلِهِ - ابنُ أيُّوبَ الرَّازِيُّ، (فَقَطَعْ بِهِ)(2).
وَعَزاهُ النَّوَوِيّ لكثيرٍ مِنَ المُحقِّقينَ وَصَحَّحَهُ (3).
لأنَّ الإخبارَ مَبنيٌّ عَلَى حُسْنِ الظَّنِّ بالراوِي، ولأنَّ رِوَايَةَ الأخبارِ تَكُونُ عِنْدَ مَنْ يتعسَّرُ عَلَيْهِ مَعْرِفَةُ العدالةِ الباطنةِ.
وبهذا فارقتِ الرِّوَايَةُ الشَّهادةَ، فإنَّها تَكُونُ عِنْدَ الحُكَّامِ، وهم لا يتعسَّرُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ.
(وَقَالَ الشَّيْخُ) ابنُ الصَّلاحِ (4): (إنَّ العملَا يُشبِهُ أنَّه عَلَى ذَا) القَوْلِ (جُعِلا فِي كُتُبٍ) كثيرةٍ (مِنَ الحَدِيْثِ اشتَهرَتْ) بَيْنَ الأئِمَّةِ، وَغيرِهِم حَيْثُ خُرِّجَ فِيْهَا لرواةٍ (خِبرةُ بعضِ مَنْ) خُرِّجَ لَهُ مِنْهُمْ (بِها) أي: بالكتبِ (تعذَّرَتْ فِي باطنِ الأمرِ) لتقادُمِ العهدِ بهم؛ فاكتفى بالعدالةِ الظاهرةِ.
(وَبَعضٌ) مِنَ الأئِمَّةِ، وَهُوَ البَغَوِيُّ (يَشْهَرُ) - بفتحِ أولهِ وثالثِه - من الشُّهْرَةِ، وَهِيَ الوضوحُ، يُقال: شَهَرْتُ الأمرَ أَشْهرُهُ (5) شَهْراً وشُهْرةً (6)، يَعْنِي يلقَّبُ (ذا القِسْمَ: مستوراً) أي: بِهِ (7).
(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 43.
(2)
نقله عن الإمام سليم ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 262، والزركشي في البحر المحيط4/ 281.
(3)
مقدمة شرح صحيح مسلم 1/ 22، والمجموع 6/ 277.
(4)
معرفة أنواع علم الحديث: 262.
(5)
في (م): ((أشهر)).
(6)
الصحاح 2/ 705، وتاج العروس 12/ 262 (شهر).
(7)
انظر: التهذيب 5/ 263، وشرح السنّة 1/ 269.
وَتَبِعَهُ عَلَيْهِ الرَّافعيُّ، والنَّوَوِيُّ (1).
زادَ الناظمُ: (وفيهِ) أي: تلقيبِ مَنْ (2) ذُكِرَ بالمستورِ (نظرُ).
إِذْ فِي عبارةِ الشَّافِعيِّ فِي " اختلافِ الحَدِيْثِ " مَا يَقْتَضِي أنَّ ظَاهِرَيِ العدالةِ مَنْ يحكمُ الحاكمُ بشهادتِهِما (3).
فإنَّه قَالَ فِي جوابِ سُؤالٍ أورَدهُ: فَلا يجوزُ أَنْ يُتْرَكَ الحُكمُ (4)
بشهادتهما (5) إذَا كَانا عَدلينِ فِي الظَّاهِرِ (6).
فَلا يَحسُنُ تعريفُ المستورِ بهذا؛ فإنَّ الحَاكِمَ لا يسوغُ لَهُ الحكمُ بِهِ، لَكِنَّ الظاهرَ أنَّ الشَّافِعيَّ إنَّما أرادَ بالباطنِ مَا فِي نفسِ الأَمْرِ لخفائِهِ عَنّا، فَلا نُكَلَّفُ بِهِ، بدليلِ أنَّه أطلقَ فِي أَوَّلِ " اخْتلافِ الحَدِيْثِ " أنَّه لا يُحتجُّ بِالْمَجْهُولِ (7).
وأما اكتفاؤُه بِحضُورِهما عَقدَ النِّكاحِ مَعَ ردِّهِ المستورَ، فإنَّ النِّكاحَ إنَّما فِيهِ تحمُّلٌ لا حُكْمٌ؛ ولهذا لَوْ رُفعَ العقدُ بهما (8) إلى حاكمٍ لَمْ يحكمْ بصحتِهِ.
ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ رِوَايَةِ المبتدعِ، فَقَالَ:
294 -
وَالخُلفُ في مُبْتَدِعٍ مَا كُفِّرَا
…
قِيْلَ: يُرَدُّ مُطلَقاً، وَاسْتُنْكِرَا
295 -
وَقْيِلَ: بَلْ إذا اسْتَحَلَّ الكَذِبَا
…
نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ، وَنُسِبَا
296 -
(لِلشَّافِعيِّ)، إذْ يَقُوْلُ: أقْبَلُ
…
مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوْا
(1) المجموع 6/ 277، وقال ابن حجر بتوقف الحكم عليها قبولاً ورداً إلى حين استبانة حاله، صرح بذلك في النزهة: 136 (طبعة عليّ حسن)، فقال:((والتحقيق أنّ رواية المستور ونحوه مما فيه الاحتمال لا يطلق القول بردها ولا بقبولها، بل هي موقوفة إلى استبانة حاله كما جزم به إمام الحرمين)).
(2)
في (ع): ((ما)).
(3)
في (م): ((بشهادتها))، وما أثبتناه من جميع النسخ الخطية وهو الموافق لما جاء في اختلاف الحديث.
(4)
في (م): ((الحاكم)). وما أثبتناه من جميع النسخ الخطية وهو الموافق لما جاء في اختلاف الحديث.
(5)
في (م): ((بشهادتها)).
(6)
اختلاف الحديث: 143.
(7)
اختلاف الحديث: 216.
(8)
في (ص): ((بها)).
297 -
وَالأكْثَرُوْنَ - وَرَآهُ الأعْدَلَا -
…
رَدُّوَا دُعَاتَهُمْ فَقَطْ، وَنَقَلا
298 -
فِيهِ (ابْنُ حِبَّانَ) اتِّفَاقَاً، وَرَوَوْا
…
عَنْ أهْلِ بِدْعٍ في الصَّحِيْحِ مَا دَعَوْا
(والخُلْفُ) أي: الاختلافُ واقعٌ بَيْنَ الأئِمَّةِ (فِي) قَبُولِ روايةِ (مبتدعٍ مَا كُفِّرَا) ببدعتِهِ.
(قِيلَ: يُرَدُّ مطلقاً) سَوَاءٌ الداعيةُ، وغيرُهُ؛ لأنَّهُ فَاسقٌ ببدعتِهِ، وإنْ كَانَ متأوِّلاً، فالتحقَ بالفاسقِ غَيْرِ المتأوِّلِ، كَمَا التحقَ الكافرُ المتأوِّلُ بغيرِ المتأوِّلِ.
وهذا يُروى عَنْ مالكٍ (1)، وغيرِهِ (2)، ونقلَهُ الآمِديُّ عَنِ الأكثرينَ (3)، وجَزَمَ بِهِ ابنُ الحاجبِ (4).
(واستُنْكِرا) أي: وأنكرَهُ ابنُ الصَّلاح، فَقَالَ:((إنَّه بعيدٌ (5)، مُباعِدٌ للشّائِع عَنْ (6) أَئِمَّةِ الحَدِيْثِ، فإنَّ كتبَهُم طافحةٌ بالرِّوَايَةِ عَنِ المبتدعَةِ غَيْرِ الدُّعاةِ)) (7)، كَمَا سيأتي.
(وَقِيلَ): لا يُرَدُّ مطلقاً (بَلْ إذَا اسْتَحلَّ الكَذِبَا) فِي الرِّوَايَةِ أَوْ الشهادةِ (نُصْرَةَ مَذْهَبٍ لَهُ)، أَوْ لأهلِ مَذْهَبِهِ، سَوَاءٌ أَدعَى إلى مذهبِهِ أَمْ لا؟ بخلافِ مَا إذَا لَمْ يستحلَّ ذَلِكَ؛ لأنَّ اعتقادَهُ حُرْمةَ الكَذِبِ يمنعُهُ (8) مِنْهُ فيصدُقُ.
(ونُسِبَا) هَذَا القَوْلُ (للشَّافِعيِّ، إِذْ يَقُولُ) أي لقولِهِ: (أقْبَلُ مِنْ غَيْرِ خَطَّابِيَّةٍ مَا نَقَلُوا).
وَعِبارتُهُ: ((أقبلُ شهادةَ أَهْلِ الأهواءِ إلاّ الخَطَّابِيّةَ مِنَ الرَّافِضَةِ؛ لأنَّهم يَروْنَ الشهادةَ بالزُّورِ لِمُوَافِقِيهِم)) (9).
(1) المدخل إلى الإكليل: 42، والكفاية:(194 ت، 120 هـ)، وشرح السّنّة 1/ 250 و 318، وجامع الأصول 1/ 172.
(2)
كالإمام أحمد نقله عنه البغويّ في شرح السنّة 1/ 250.
(3)
إحكام الأحكام 2/ 66 و 75.
(4)
منتهى الوصول: 77.
(5)
وكذلك قاله ابن حجر في النزهة: 137.
(6)
في (ق): ((عند)).
(7)
معرفة أنواع علم الحديث: 271.
(8)
في (ع): ((تمنعه)).
(9)
رواه عنه ابن أبي حاتم في آداب الشّافعيّ ومناقبه: 189، والبيهقي في مناقب الشّافعيّ 1/ 468، وفي السّنن الكبرى10/ 208 - 209، والخطيب البغدادي (حكاية عنه) في الكفاية:(194 - 195 ت، 120هـ).
(والأكْثَرونَ) مِنَ العُلَمَاءِ (وَرَآهُ) ابنُ الصَّلاحِ (الأَعْدَلا) أي: أعدلَ الأقوالِ، وأولاها (1)(رَدُّوْا دُعَاتَهم فَقَطْ).
قَالَ: وَهُوَ مَذْهَبُ الكَثيرِ (2)، أَوْ الأكثر (3).
(وَنَقَلا فِيهِ ابنُ حِبّانَ اتِّفَاقاً)، حَيْثُ قَالَ: الداعيةُ إلى البِدْعَةِ، لا يجوزُ الاحتجاجُ بِهِ عِنْدَ أئِمَّتِنا قاطبةً، لا أعلمُ بَيْنَهُم فِيهِ اختلافاً (4).
لَكِنِ استغربَ شَيْخُنا حِكايةَ الاتِّفاقِ (5).
(و) قَدْ (رَوَوْا) أي: أئِمّةُ الحَدِيْثِ، كالبخاريِّ، وَمُسْلِمٍ أحادِيثَ (عَنْ) جَمَاعَةٍ مِنْ (أَهْلِ بِدْعٍ) - بإسكانِ الدالِ - (فِي الصَّحِيحِ) عَلَى سَبيلِ الاحْتِجَاجِ، والاستشهادِ بهم؛ لأنَّهم (مَا دَعَوْا) أحداً إلى بِدْعَتِهم، وَلَا اسْتَمَالُوهُ إليْهَا (6).
مِنْهُمْ: خَالدُ بنُ مَخْلَدٍ، وعُبَيْدُ اللهِ بنُ مُوسى العَبْسيُّ، وعبدُ الرزاقِ بنُ هَمَّامٍ، وعَمْرُو بنُ دينارٍ.
وأمّا مَن كُفِّرَ بِبِدْعَتِهِ، كَمُنكرِي عِلْمِهِ -تَعَالَى- بِالمعْدومِ، وبالجزيئاتِ، فَلا يُقبلُ عَلَى خلافٍ فِيهِ (7).
وَقَالَ صَاحبُ"المحصولِ": ((الحقُّ أنَّه إنْ اعتَقدَ حُرمةَ الكذبِ، قَبِلْنَا روايتَهُ، وإلاّ فَلَا)) (8).
(1) سقطت من (ع).
(2)
وبه جزم سليم الرازي، وحكاه القاضي عبد الوهاب في الملخص عن مالك، وهو الصحيح من مذهبه. انظر: البحر المحيط 4/ 271، 283. وحكاه الخطيب البغدادي عن الإمام أحمد بن حنبل في الكفاية:
(195 ت، 121 هـ)، ونقل القاضي عياض الاتفاق على ذلك في إكمال المعلم 1/ 125، فقال:
((فأما من دعى فلم يختلف في ترك حديثه)).
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 271.
(4)
المجروحين 3/ 63 - 64.
(5)
شرح النخبة: 137.
(6)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 49.
(7)
انظر: النكت الوفية: 225 / أ.
(8)
المحصول 2/ 195، وطبعة العلواني 2/ 1/567 - 568.
وَقَالَ شَيْخُنا (1): ((التَّحقيقُ أنَّه لا يُرَدُّ كُلُّ مكفَّرٍ ببدعتِهِ؛ لأنَّ كُلَّ طائفَةٍ تدَّعي أنَّ مَخالفيها مُبتدعةٌ، وَقَدْ تبالغُ بتكفيرِها، فَلو أُخِذَ ذَلِكَ عَلَى الإطْلاقِ، لاسْتلْزَمَ تكفيرَ جَمِيْعِ الطَّوائِفِ، فالمُعْتَمَدُ أنَّ الذي تُرَدُّ روايتُهُ: مَنْ أَنْكَرَ أمراً مُتواتراً مِنَ الشَّرعِ مَعلوماً مِنَ الدِّينِ بِالضَّرورةِ)).
299 -
وَ (لِلحُمَيْدِيْ) وَالإمَامِ (أحْمَدَا)
…
بأنَّ مَنْ لِكَذِبٍ (2) تَعَمَّدا
300 -
أيْ فِي الحَدِيْثِ، لَمْ نَعُدْ نَقْبَلُهُ
…
وَإنْ يَتُبْ، وَ (الصَّيْرَفِيِّ) مِثْلُهُ
301 -
وَأطْلَقَ الكِذْبَ، وَزَادَ: أنَّ مَنْ
…
ضُعِّفَ نَقْلاً لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أنْ
302 -
وَلَيْسَ كَالشَّاهِدِ، وَ (السَّمْعَانِيْ
…
أبُو المُظَفَّرِ) يَرَى فِي الجَانِيْ
303 -
بِكَذِبٍ فِي خَبَرٍ إسْقَاطَ مَا
…
لَهُ مِنَ الحَدِيْثِ قَدْ تَقدَّمَا
ثُمَّ بيَّنَ الناظمُ حُكْمَ توبةِ الكاذبِ فِي الحديثِ، فَقَالَ:
(وللحُمَيْدِيْ) - بالإسكان لِما مَرَّ - شيخِ البُخَارِيِّ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، (والإمامِ أَحْمَدا)، وَغَيْرِهِمَا؛ قولٌ:(بأنَّ مَنْ لِكذبٍ تَعمَّدا أي: فِي الحَدِيْثِ) النَّبويِّ، (لَمْ نَعُدْ نَقْبَلَهُ) فِي شيءٍ (3)، (وإنْ يَتُبْ) وتحسنُ توبتُهُ (4)، تغليظاً عَلَيْهِ، لِمَا ينشأُ عَنْ فعلِهِ مِنَ الْمَفْسَدَةِ العظيمةِ، وَهِيَ تَصيرُ (5) بِذَلِكَ شَرْعاً (6).
وخَرَجَ بمتعمِّدٍ الكذبَ فِيْمَا ذُكِرَ، المُخْطِئُ، ومتعمِّدُ الكذبِ فِي حَدِيثِ الناسِ، فإنّا نَقْبلُهما إذَا رَجَعا (7).
(1) شرح النخبة: 136 - 137.
(2)
في النفائس: ((للكذب قد)).
(3)
في (ع): ((شيء ما)).
(4)
قال أحمد بن حنبل: ((توبته فيما بينه وبين الله تعالى)). الكفاية: (190 ت - 117 هـ).
(5)
في (ق): ((تعزيز)).
(6)
انظر: فتح المغيث 1/ 366.
(7)
انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 272.
(وَ) للإمامِ أَبِي بَكْرٍ (الصَّيْرَفِيِّ) شارحِ " الرِّسالةِ "(1)(مِثْلُهُ) أي: مثلُ مَا نُقلَ عَنْ الإمامِ أَحْمَدَ، والحُميديِّ (2).
(وَ) لكنْ (أَطْلَقَ الكِذْبَ) -بكسرِ الكافِ-، وإسكانِ الذَّالِ فِي لغةٍ (3) - وَلَمْ يقيِّدْهُ بالحديثِ النبويِّ، حَيْثُ قَالَ:
((كُلُّ مَنْ أَسْقَطْنَا خبرَهُ من أَهْلِ النقلِ، بكذبٍ وجدناهُ عَلَيْهِ، لَمْ نَعُدْ لقَبُولِهِ بتوبةٍ تَظْهَرُ)) (4). لَكِنْ قَالَ الناظمُ: الظاهرُ أنَّ التقييدَ بِهِ مُرادٌ لَهُ بقرينةِ قولِهِ: ((مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ)) أي لِلحديثِ (5).
(وَزَادَ) الصَّيْرَفِيُّ عَلَيْهِمَا (أنَّ مَنْ ضُعِّف نَقْلاً) أي: مِن جِهةِ نقْلِهِ كَوَهَمٍ (6)، وقِلَّةِ اتقانٍ، (لَمْ يُقَوَّ بَعْدَ أَنْ) حُكِمَ بضعفِهِ أي: وإنْ رَجَعَ إلى التحرِّي، والإتقانِ عَلَى مَا اقْتَضاهُ كلامُهُ.
لَكِنْ حَمَلَهُ الذهبيُّ عَلَى مَنْ يموتُ عَلَى ضَعْفِهِ (7)، وفِيهِ بُعْدٌ؛ لأنَّ الصَّيْرَفِيَّ قَالَ:(وَلَيْسَ) الراوِي فِي ذَلِكَ (كَالشَّاهِدِ)، فإنَّ شهادتَهُ تقبلُ بَعْدَ توبتِهِ وإتقانِهِ، بخلافِ روايةِ الرَّاوِي، كَمَا تقرَّرَ.
لأنَّ الحَدِيْثَ حُجَّةٌ لازِمةٌ لجميعِ المكلَّفينَ، وَفِي جَمِيْعِ الأمْصارِ (8)، فكانَ حُكْمُهُ أغلظَ مبالغةً فِي الزَّجرِ عَنِ الرِّوَايَةِ لَهُ بلا إتقانٍ، وعنِ الكذبِ فِيهِ، عملاً بقولِهِ صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ
(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51.
(2)
رواه عنهما وعن غيرهما الخطيب البغدادي في الكفاية: (190 - 191 ت، 117 - 118 هـ)، وانظر: شروط الأئمة الخمسة للحازمي: 53 - 54.
(3)
الصحاح 1/ 210، وتاج العروس 4/ 114 (كذب).
(4)
انظر: إكمال المعلم 1/ 107، ومعرفة أنواع علم الحديث: 272، والفروق 1/ 5، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 51، والنكت الوفية: 225/ب، وفتح المغيث 1/ 366.
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 51.
(6)
في (ق): ((بوهم)).
(7)
انظر: فتح المغيث 1/ 367.
(8)
في (ص): ((الأعصار)).
كَذِباً عَلَيَّ، لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ)) (1).
(و) الإمامُ (السَّمْعَانِيْ أَبُو المظَفَّرِ يَرى فِي) الرَّاوِي (الجانِي بكَذِبٍ فِي خَبَرٍ) نبويٍّ (إسْقَاطَ مَالَهُ مِنَ الحَدِيْثِ) أي: مَا (قَدْ تَقَدَّمَا) لَهُ مَنَ الحَدِيْثِ (2).
قَالَ ابنُ الصَّلاحِ: ((وَمَا ذَكَرهُ ابنُ السَّمْعَانِيِّ يُضاهِي، مِن حَيْثُ المَعْنَى، مَا ذَكَرَهُ الصَّيْرَفِيُّ)) (3).
أي: لكونِ ردِّ حديثِهِ المستقبَل، إنَّما هُوَ لاحتمالِ كذبِهِ، وذلك جارٍ فِي حديثِهِ الماضي، وفُهِمَ بالأولى أنَّه لا يُقبَلُ حديثُهُ عِنْدَ ابنِ السَّمْعانيِّ فِي المستقبَلِ.
هَذَا وَقَدْ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي " شَرحِ مسلمٍ "، وغيرِهِ: ((وما ذَكرهُ هؤلاءِ الأئمةُ ضَعِيْفٌ مُخالِفٌ للقواعدِ، والمُختارُ: القطعُ بِصِحَّةِ توبتِهِ فِي هَذَا - أي فِي الكَذِبِ فِي الحَدِيْثِ- وَقَبُولِ رواياتِهِ بَعْدَها، وَقَدْ أَجْمَعوا عَلَى صِحةِ روايةِ مَنْ كَانَ كافِراً، فأَسْلَمَ.
قَالَ: وأَجْمَعُوا عَلَى قَبُولِ شَهادَتِهِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّهادَةِ والروايةِ فِي هَذَا)) (4).
وَمَا قالَهُ كُنْتُ مِلْتُ إِليهِ، ثُمَّ ظَهَرَ لي أنَّ الأوجهَ مَا قالَهُ الأئِمَّةُ، لما مَرَّ، ويؤيِّدُه قولُ أئمّتِنا:((إنَّ الزانِيَ إذَا تابَ لا يعودُ محصناً، ولا يحدُّ قاذفُهُ)).
وأما إجماعُهم عَلَى صِحَّةِ رِوَايَةِ مَنْ كَانَ كَافِراً فأَسْلَمَ، فَلنصِّ القرآنِ عَلَى غُفرانِ مَا سَلَفَ مِنْهُ (5).
(1) انظر: فتح المغيث 1/ 368، والحديث أخرجه ابن أبي شيبة (26245)، وأحمد 4/ 245 و 252 و 255، والبخاري 2/ 102 (1291)، ومسلم 1/ 8 (4)، والطحاوي في شرح المشكل (415)، والبيهقي 4/ 72، وابن الجوزي في مقدمة موضوعاته 1/ 73 من طرق، عن سعيد به عبيد الطائي عن عليّ بن ربيعة، عن المغيرة بن شعبة، به.
(2)
قواطع الأدلة1/ 324. قلنا: وقد حكاه الزركشي في البحر المحيط4/ 284عن الماوردي والروياني من الشافعية
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 273.
(4)
شرح صحيح مسلم 1/ 57، وانظر: الإرشاد 1/ 307، والتقريب:95. وانظر: إجابة الزّركشيّ عنه في النكت3/ 405 - 408.
(5)
كما في قوله تعالى: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} . الأنفال: 38.
والفَرْقُ بَيْن الرِّوَايَةِ والشَّهادةِ أنَّ الكَذِبَ فِي الرِّوايةِ أغلظُ مِنْهُ فِي الشَّهادةِ؛ لأنَّ مُتَعلقَها لازمٌ لكلِّ المكلَّفينَ، وَفِي كُلِّ الأعصارِ، كَمَا مَرَّ، مَعَ خَبَرِ:((إِنَّ كَذِباً عَلِيَّ لَيْسَ كَكَذِبٍ عَلَى أحَدٍ)) (1).
304 -
وَمَنْ رَوَى عَنْ ثِقَةٍ فَكَذَّبَهْ
…
فَقَدْ تَعَارَضَا، وَلَكِنْ كَذِبَهْ
305 -
لَا تُثْبِتَنْ (2) بِقَوْلِ شَيْخِهِ فَقَدْ
…
كَذَّبَهُ الآخَرُ، وَارْدُدْ مَا جَحَدْ (3)
306 -
وَإنْ يَرُدَّهُ بِـ (لَا أذْكُرُ) أوْ
…
مَا يَقْتَضِي نِسْيَانَهُ، فَقَدْ رَأوْا
307 -
الحُكْمَ لِلذَّاكِرِ عِنْدَ المُعْظَمِ،
…
وَحُكِيَ الإسْقَاطُ عَنْ بَعْضِهِمِ
308 -
كَقِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمِيْنِ إذْ
…
نَسِيَهُ (سُهَيْلٌ) الَّذِي أُخِذْ
309 -
عَنْهُ، فَكَانَ بَعْدُ عَنْ (رَبِيْعَهْ)
…
عَنْ نَفْسِهِ يَرْوِيْهِ لَنْ يُضِيْعَهْ
310 -
وَ (الشَّافِعي) نَهَى (ابْنَ عَبْدِ الحَكَمِ)
…
يَرْوِي عَنِ الحَيِّ لخَوْفِ التُّهَمِ
ثُمَّ بيَّن النَّاظِمُ حُكْمَ إنكارِ الأصْلِ لحديث (4) الفرعِ عَنْهُ، فَقَالَ:
(وَمَنْ رَوَى) مِنَ الثِّقاتِ (عَنْ) شيخٍ (ثِقَةٍ) حَدِيثاً، (فكذَّبَهْ) صَريْحاً، كقوله: كَذَبَ عَلَيَّ (فَقَدْ تَعَارَضَا) فِي قولهِما، كالبيِّنتَيْنِ إذَا تكاذبتا (5)، إِذْ (6) الشَّيْخُ قَطَعَ بكذبِ الرَّاوِي، والراوِي قطعَ بالنّقلِ عَنْهُ.
(ولَكِنْ كَذِبَهْ) أي: الرَّاوِي (لا تُثبتَنْ) أنتَ (بقولِ شيخِهِ) هَذَا، بحيثُ يَكُونُ جَرْحاً لَهُ، (فَقَدْ كَذَّبَهُ الآخَرُ) أَيْضاً؛ فإنَّه يَقُولُ: بَلْ سَمِعْتُهُ مِنْهُ.
(1) سبق تخريجه.
(2)
بنون التأكيد الخفيفة من أثبت. فتح المغيث 1/ 370.
(3)
هذا البيت سقط من نسخة (ج) من متن الألفية، وألحقه الناسخ في جانب صفحة المخطوط، وهذا إن دلّ على شيء إنّما يدل على مقابلته على أصله المنتسخ منه، والله أعلم.
(4)
في (م): ((تحديث)).
(5)
في (ق): ((تكاذبا)). وفي (ص): ((تكاذبنا)).
(6)
في (م): ((إذا)).
وَلَيْسَ قَبُولُ جَرحِ أحدِهما بأولى مِنَ الآخَرِ، بخلافِ شَهادةِ الفرعِ، فإنَّ تكذيبَ الأصْلِ لَهُ جَرْحٌ لَهُ فِي تِلْكَ الشهادةِ، وفرقَ بغلظِ بابِ الشَّهادةِ وضيقِهِ (1).
(وَارْدُدْ) أنت إذَا تعارضا (مَا جَحَدْ) الشَّيْخُ لكذبِ واحدٍ مِنْهُمَا لا بِعَينِهِ، لَكِنْ لَوْ حدَّثَ بِهِ الشَّيْخُ أَوْ ثِقَةٌ غَيْرُ الأَوَّلِ عَنْهُ، وَلَمْ يكذبْهُ قُبِلَ.
أما إذَا لَمْ يصرِّحْ بتكذيبِه، فإنْ جزمَ بالردِّ، كقولِهِ:((مَا رويتُ هَذَا))، أَوْ ((مَا حدَّثْتُ بِهِ))، أَوْ ((لَمْ أُحدِّثْ (2) بِهِ)) فحكْمُهُ كَذلِكَ، كَمَا قَالَهُ ابنُ الصَّلاحِ (3) تَبَعاً لِغَيْرِهِ، وَجَزَمَ بِهِ النَّاظِمُ (4) فِي شَرْحِهِ (5)، وكذا شَيْخُنا فِي " شَرْحِ النُّخْبةِ "(6) لكنهُ نَقَلَ فِي " شرحِ البُخَارِيِّ " عَنْ جُمْهُورِ المُحَدِّثِيْنَ قَبُولَهُ حَمْلاً لما قَالَهُ عَلَى النِّسيانِ (7).
(وإنْ يَردَّهُ (8) ب) قولِهِ (لَا أذْكُرُ) هَذَا، أَوْ لا أعرفُ أني حَدَّثْتُهُ بِهِ، (أَوْ) نحوُهما مِنْ (مَا يَقْتَضِي)، يعني: يَحْتَمِلُ (نِسيانَهُ)، ك ((لا أعرفُ أنَّه من حديثي)) (9)، (فَقَدْ رَأوا) أي: جُمْهُورُ المُحَدِّثِيْنَ (الحُكْمَ للذَّاكرِ)، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْهُ، كَمَا هُوَ (عِنْدَ الْمُعْظَمِ) مِنَ الفُقَهَاءِ (10)، والْمُتكلِّمينَ، وَصَحَّحَهُ جماعاتٌ (11) مِنْهُمْ ابنُ الصَّلاحِ (12)؛ لأنَّ الرَّاوِيَ مثبتٌ والشيخَ نافٍ، ولأنَّهُ ثقةٌ جازمٌ، فَلا تُرَدُّ روايتُهُ بالاحتمالِ؛ لأنَّ الشَّيْخَ غَيْرُ جازمٍ بالنفي، لاحتمالِ نسيانِهِ.
(1) انظر: نكت الزّركشيّ 3/ 412.
(2)
في (م): ((أحدثه)).
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 274.
(4)
في (ق): ((ابن النّاظم)).
(5)
شرح التبصرة والتذكرة 2/ 53.
(6)
شرح النخبة: 165.
(7)
فتح الباري 2/ 326 وعبارته: ((فإن لم يجزم بالرد كأن قال لا أذكره فهو متفق عندهم على قبوله)).
(8)
في (ص): ((يره)).
(9)
في (ص): ((حدّثني)).
(10)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 54.
(11)
في (ق): ((جماعة)).
(12)
معرفة أنواع علم الحديث: 278.
وَعبارةُ النَّظْمِ (1) تشملُ ظَنَّي الأصلِ والفرعِ (2)، فيقدّمُ الرَّاوِي، وَهُوَ الأشبهُ فِي " المحصولِ "(3) لَكِنْ يشكلُ بتقديمِ الشَّيْخِ فِي جَزْميهما.
وعلى مَا اخترْتُه فِي "شرحِ لُبِّ الأصولِ" من تقديمِ الرَّاوِي فِي المسْألتينِ، تقديماً للمثبتِ عَلَى النافي ولا (4) إشكالَ (5).
(وَحُكِيَ الإسْقَاطُ) فِي المروِيِّ أي: عَدمُ قَبُولِهِ بِذَلِكَ (عَنْ بَعْضِهِم) - بكسر الميم - وَهُم قَوْمٌ مِنَ الحنفيَّةِ؛ لأنَّ الرَّاوِيَ فَرْعُ الشَّيْخِ، فَهُوَ تَابعٌ لَهُ؛ فإذا انْتَفتْ روايتُه انتفتْ روايةُ فرعِهِ، كشهادةِ فَرْعِهِ (6).
ورُدَّ بأن شهادةَ الفرعِ لا تُسْمَعُ معَ القدرةِ عَلَى شهادةِ الأصلِ، بخلافِ الروايةِ.
ومَثَّلَ لذلكَ بقولهِ: (كَقِصَّةِ) حديثِ (الشاهدِ واليمينِ) المرويِّ بلفظِ:
((إن النَّبيّ صلى الله عليه وسلم قضى باليمينِ معَ الشَّاهدِ)) (7).
(إذ نَسِيَهُ سُهَيْلٌ) هُوَ ابنُ أبي صالحٍ (الَّذِي أُخِذْ) بالبناءِ للمفعولِ أي: رُوِيَ الحَدِيْثُ عَنْهُ، عَنْ أبيهِ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ، (فكانَ) سُهَيْلٌ (بَعْدُ عَنْ ربيعهْ) بنِ أبي عَبْدِ الرحمانِ، (عَنْ نَفسِهِ يرويهِ)، فيقولُ: أخبرني ربيعةُ، وَهُوَ عِندي ثقةٌ أنني حدَّثتُه إياهُ، ولا أحفَظُهُ.
(1) في (م): ((النّاظم)).
(2)
في (م): ((الفروع والأصل)).
(3)
المحصول 2/ 207 وطبعة العلواني /1/ 604 - 606.
(4)
في (ع) و (م): ((لا)).
(5)
غاية الوصول شرح لب الأصول: 98.
(6)
هذا مذهب أكثر الحنفية، منهم: الكرخي، والدبوسي، والبزدوي، وصوّبه النسفي منهم، وهو رواية عن الإمام أحمد، ونقل الرافعي أن القاضي ابن كج حكاه وجهاً لبعض الشافعية، وعيّنه شارح اللمع بأنّه: القاضي أبو حامد المروزي. انظر: اللمع: 48، وإحكام الأحكام 2/ 96، وكشف الأسرار 3/ 60، وفواتح الرحموت 2/ 170، ونهاية السول 3/ 156، والبحر المحيط 4/ 325.
(7)
أخرجه أبو داود (3610) و (3611)، وابن ماجه (2368)، والترمذي (1343)، والنّسائيّ (6014)، وأبو يعلى (6683)، وابن الجارود (1007)، والطحاوي في شرح المعاني 4/ 144، وابن حبان (5080)، والدارقطني 4/ 213، والبيهقي 10/ 168، والبغوي (2503) من حديث أبي هريرة.
قَالَ عَبْدُ العزيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ? (1) وَقَدْ كَانَ أصابَتْ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أذهبتْ بَعْضَ عقلِهِ، ونسيَ بَعْضَ حديثِهِ، فكانَ يحدِّثُ بِهِ عَمَّن سَمِعَهُ مِنْهُ (2).
وَفائِدتُهُ: الإعلامُ بالمرويِّ، وكونُهُ (لَنْ يُضِيْعَهْ) مِنْ أضاعَ -إِذْ بتركِهِ لروايتِهِ يضيعُ.
وَقَدْ جمعَ جَمَاعَةٌ مِنَ الأئِمَّةِ أخبارَ مَنْ حدَّثَ ونَسِيَ، مِنْهُمْ: الدَّارَقُطْنِيُّ (3) والخطيبُ (4)
قَالَ: ولأجلِ أنَّ النِّسيانَ غَيْرُ مأمونٍ عَلَى الإنسانِ، فيبادرُ إلى جحودِ مَا رُوِيَ عَنْهُ، وتكذيبِ الرَّاوِي لَهُ، كَرِهَ مَنْ كَرِهَ منَ العُلَمَاءِ التحديثَ عَنْ الأحياءِ (5)
(والشَّافِعيْ) -بالإسكانِ لما مَرَّ- قَدْ (نَهَى ابنَ عَبْدِ الحَكَمِ) مُحَمَّدَ بنَ عَبْدِ اللهِ، حِيْنَ رَوَى حكايةً فأنكرَها (6)، ثُمَّ ذَكَرَها عَلَى أنَّهُ (يَرْوِي عَنِ الحيِّ لخوفِ التُّهمِ)، بتقديرِ إنكارِ الشَّيْخِ.
وظاهرٌ أنَّ محلَّهُ إذَا كَانَ للمرويِّ طريقٌ آخرُ غيرُ طريقِ الحيِّ (7) وإلاّ فَلا كَراهةَ: إِذْ قَدْ يموتُ الرَّاوِي قَبْلَ موتِ الشَّيْخِ (8) فيضيعُ المروي إن لَمْ يحدِّثْ بِهِ غيرُهُ.
(1) في (ق): ((الداروردي)).
(2)
انظر: سنن أبي داود عقب (3610) و (3611).
(3)
ذكره ابن حجر باسم: ((من حدّث ونسي)). نزهة النظر: 166
(4)
ذكره ابن الصّلاح باسم: ((أخبار من حدث ونسي))، وسمّاه الذهبي باسم:((من حدّث ونسي)). انظر: مَعْرِفَة أنواع علم الحَدِيْث: 278، والسير 18/ 290.
(5)
الكفاية: (221 - 222 ت، 139 هـ).
(6)
فقد قال الشّافعيّ لابن عبد الحكم: ((إياك والرواية عن الأحياء)). كذلك قال الشّعبيّ لابن عون: ((لا تحدث عن الأحياء))، وقال معمر لعبد الرزاق:((إن قدرت ألا تحدّث عن رجلٍ حي فافعل)). انظر: مناقب الشّافعيّ للبيهقي2/ 38، والكفاية:(222 - 223 ت، 140 هـ)، والنكت الوفية: 229/ أ.
(7)
قال السخاوي في فتح المغيث 1/ 375: ((لكن قد قيد بعض المتأخرين الكراهة، بما إذا كان له طريق آخر سوى طريق الحي)).
(8)
في (م): ((شيخه)).
311 -
وَمَنْ رَوَى بأُجْرَةٍ لَمْ يَقْبَلِ
…
(إسْحَاقُ) و (الرَّازِيُّ) و (ابْنُ حَنْبَلِ)
312 -
وَهْوَ شَبيْهُ أُجْرَةِ القُرْآنِ
…
يَخْرِمُ مِنْ مُرُوْءةِ الإنْسَانِ
313 -
لَكِنْ (أبُوْ نُعَيْمٍ الفَضْلُ) أَخَذْ
…
وَغَيْرُهُ تَرَخُّصاً، فإنْ نَبَذْ
314 -
شُغْلاً بِهِ - الكَسْبَ أجِزْ إرْفَاقَا،
…
أفْتَى بِهِ الشَّيْخُ (أبُوْ إسْحَاقا)
ثُمَّ بيَّنَ حُكْمَ أخذِ الأُجرةِ عَلَى التحديثِ، فَقَالَ:
(ومَنْ رَوَى) الحديثَ (1)(بأُجْرَةٍ)، أَوْ نحوِها، كجَعالةٍ، (لَمْ يَقْبَلِ) روايتَهُ (إسحاقُ) بنُ إِبْرَاهِيمَ، المعروفُ بابنِ رَاهَوَيْهِ (2)، (وَ) أَبُو حاتِمٍ (3)(الرَّازِيُّ، و) الإمامُ أَحْمَدُ (4)(ابنُ حَنْبَلِ، وَهْوَ) أي: المأخوذُ عَلَى ذَلِكَ (شَبيهُ أُجْرَةِ) مُعلِّمِ (القُرْآنِ)، ونحوِهِ، في الجوازِ وعدمِه.
إلا أنَّ العادةَ ثَمَّ جاريةٌ بالأخذِ مِنْ غَيْرِ خرمِ مروءةٍ، والأخذُ هنا (يَخْرِمُ) أي: يُنْقِصُ (مِن مُروءةِ الإنسانِ) الآخذِ لِذلِكَ؛ إِذْ قَدْ شَاعَ بَيْنَ أَهْلِ الحَدِيْثِ رَداءةُ ذَلِكَ، وتنزيهُ العرضِ عَنِ النظرِ إِليهِ، ولإساءةِ الظنِّ بفاعلِهِ (5).
(لَكِنْ) الحافِظُ (أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ) بنُ دُكَيْنٍ، شَيخُ البُخَارِيِّ (أَخَذْ) عِوضاً عَلَى التَّحديثِ (6)، (وَ) كَذَا أخذَهُ (غيرُهُ)، كَعَفَّانَ (7) شَيخِ البُخَارِيِّ أَيْضاً (تَرخُّصاً) للحاجةِ.
فَقَدْ قَالَ عَلِيُّ بنُ خَشْرَمٍ: سَمِعتُ أبَا نُعَيْمٍ، يَقُول: يَلومونَني عَلَى الأخذِ، وَفِي بيتي ثَلاثةَ عَشَرَ نَفْساً، وما فِيهِ رغيفٌ (8).
(1) في (ص): ((للحديث)).
(2)
رواه الخطيب في الكفاية (240 - 241 ت، 153 - 154 هـ).
(3)
انظر: الكفاية: (241 ت، 154 هـ)، ونكت الزّركشيّ 3/ 417.
(4)
انظر: الكفاية: (241 ت، 154 هـ).
(5)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 58.
(6)
انظر: الكفاية: (243 ت، 156 هـ).
(7)
هو عفان بن مسلم بن عبد الله الباهلي، أبو عثمان الصفار، ثقة ثبت، قال ابن المديني:((كان إذا شك في حرف من الحديث تركه)). التقريب (4625).
(8)
تهذيب الكمال 6/ 35، وسير أعلام النبلاء 10/ 152، وقال الذهبي:((لاموه على الأخذ يعني من الإمام، لا من الطلبة)).
ومِنْهُمْ مَنْ جَوَّزَ الأخذَ بغيرِ طَلَبٍ. ومِنْهُمْ مَن كَانَ يأخذُ مِنَ الأغنياءِ فَقَطْ.
وَمَحلُّ مَا مَرَّ مِن كونِ الأخذِ خارِماً للمروءةِ، إذَا لَمْ يقتَرِنْ بعُذرٍ مِن فَقْرٍ، وَعَدَمِ كَسْبٍ.
(فإنْ) كَانَ ذا كَسْبٍ، لَكِنْ (نَبَذْ) أي: أَلْقَى (شُغْلاً بِهِ) أي: لشُغلِهِ بالتَّحدِيثِ (الكَسْبَ) لنفسِهِ وعيالِهِ، (أجزْ) أنتَ لَهُ الأخذَ (إرْفَاقا) بِهِ في معيشتِهِ، عوضاً عَمّا فاتَهُ مِنَ الكَسْبِ، فَقَدْ (أَفْتى بِهِ) أي: بجوازِ الأخذِ (الشَّيْخُ أَبُو إسْحاقا (1)) الشِّيْرَازِيُّ، لما سَأله أَبُو الحُسَينِ ابنُ النَّقُّوْرِ، لكون أصحابِ الحَدِيْثِ كانوا يمنعونَهُ مِنَ (2) الكَسْبِ، فَكَانَ يأخذُ كِفايتَهُ (3).
315 -
وَرُدَّ ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ
…
كَالنَّوْمِ وَالأدَا كَلَا مِنْ أصْلِ،
316 -
أوْ قَبِلَ التَّلقِيْنَ، أوْ قَدْ (4) وُصِفَا
…
بِالمُنْكَرَاتِ كَثْرَةً، أوْ عُرِفَا
317 -
بِكَثْرَةِ السَّهْوِ، وَمَا حَدَّثَ مِنْ
…
أصْلٍ صَحِيْحٍ فَهْوَ رَدٌّ، ثُمَّ إنْ
318 -
بُيِّنْ (5) لَهُ غَلَطُهُ فَمَا رَجَعْ،
…
سَقَطَ عِنْدَهُمْ حَدِيْثُهُ جُمَعْ
319 -
كَذَا (الحُمَيْدِيُّ) مَعَ (ابْنِ حَنْبَلِ)
…
و (ابْنِ المُبَارَكِ) رَأَوْا فِي العَمَلِ
320 -
قَالَ: وَفيهِ نَظَرٌ، نَعَمْ إذَا
…
كَانَ عِنَاداً مِنْهُ مَا يُنْكَرُ ذَا
(ورُدَّ) عِنْدَ الْمُحدِّثينَ (ذُوْ تَسَاهُلٍ في الحَمْلِ) أي: التحمُّلِ للحديثِ (ك) التحمل (6) حالَ (النَّومِ) الواقعِ مِنْهُ، أَوْ مِنْ شَيخِهِ (7).
(1) في (م): ((إسحاق)).
(2)
في (م): ((عن)).
(3)
انظر: المنتظم 8/ 314، والسير 18/ 373، ومعرفة أنواع علم الحديث: 279، اختصار علوم الحديث: 105، والإرشاد 1/ 315. وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 58.
(4)
في النفائس: ((بلا قد)).
(5)
بتسكين النون لضرورة الوزن، وانظر: النكت الوفية: 233/ أ.
(6)
في (ع) و (ق): ((المحتمل)).
(7)
وقيّده الزّركشيّ بالنوم الذي يطغى عَلَى العقل، أما النعاس الذي لا يختل معه فهم الكلام، فلا بأس به لاسيّما إذا صدر من فطن عالم بهذا الشأن. انظر: نكت الزّركشيّ 3/ 423. واستدل بما حكاه الحافظ ابن كثير عن شيخه الحافظ أبي الحجّاج المزي، أنه كان يكتب في مجلس السّماع، وينعس في بعض الأحيان، ويرد على القارئ رداً جيداً بيّناً واضحاً، بحيث يتعجب القارئ من نفسه، أنه يغلط فيما في يده وهو مستيقظ والشيخ ناعس، وهو أنبه منه!! ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وانظر: اختصار علوم الحديث 1/ 340 - 341.
(و) رُدَّ أَيْضاً ذو تساهُلٍ في حالِ (الأدا)(1) أي: التحديثِ (كلا من أصلِ) أي: كالمُؤَدِّي لا مِن أصلٍ صَحِيْحٍ، والحالةُ أنَّه أَوْ القارئَ، أَوْ بَعْضَ السَّامِعينَ غَيْرُ حافظٍ عَلَى مَا يأتي في بابِهِ.
(أَوْ) أي: ورُدَّ أَيْضاً رِوَايَةُ مَن (قَبِلَ التَّلقِينَ) في الحَدِيْثِ، بأنْ يُلقَّنَ الشَّيءَ فيُحدِّثَ بِهِ مِن غَيْرِ أنْ يعلمَ أنَّه مِن حَدِيثِهِ (2) - وَلَو مرَّةً (3) -كمُوسى بنِ دينارٍ (4)، حَيْثُ لقَّنَهُ حفصُ بنُ غِيَاثٍ (5)؛ فَقَالَ لَهُ: حَدَّثَتكَ عائشةُ بنتُ طلحةَ عَنْ عائشةَ بكذا (6) وكذا. فَقَالَ: حَدَّثتْنِي عَنْهَا بِهِ.
وَقَالَ لَهُ (7): حَدّثك القاسمُ بنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عائشةَ بمثلِهِ. فَقَالَ: حَدَّثَني عَنْهَا بمثلِهِ؛ وذلكَ لِدلالتِهِ عَلَى مُجازفتِهِ، وعدمِ تثبُّتهِ (8).
(أَوْ) مَنْ (قَدْ وُصِفَا) مِنَ الأئِمَّةِ (ب) روايةِ (المُنْكَراتِ)، أَوْ الشواذِّ (كَثْرَةً) (9) أي: حالةَ كونِها ذاتَ كَثْرَةٍ، وَلَم يميِّزها.
(أَوْ عُرِفَا بِكَثرةِ السَّهوِ)، أَوْ الغلطِ في روايتِهِ (و) الحالةُ أنَّه (مَا حدَّثَ مِن أصلٍ صَحِيْحٍ) بَلْ من حفظِهِ، أَوْ من أصلٍ غَيْرِ صَحِيْحٍ.
(1) في (م): ((الأداء)).
(2)
انظر: شرح التبصرة والتذكرة 2/ 59، وأثر علل الحديث: 120 - 124.
(3)
قال ابن حزم في الإحكام 1/ 142: ((من صحّ أنه قبل التلقين - ولو مرة - سقط حديثه كله؛ لأنه لم يتفقه في دين الله عز وجل ولا حفظ ما سمع)).
(4)
هو موسى بن دينار المكي، ضعيف، قال ابن القطّان: دخلت على موسى بن دينار أنا وحفص، فجعلت لا أريده على شيء إلا لقيته (يعني أنّه كان يتلقّن). الضعفاء والمتروكون للدارقطني (519)، وميزان الاعتدال 4/ 204، ولسان الميزان 6/ 116.
(5)
ضبطه ابن حجر في التقريب (1430) بالحروف فقال: ((بمعجمة مكسورة وياء ومثلثة)).
(6)
في (م): ((كذا)).
(7)
سقطت من (ص).
(8)
انظر: فتح المغيث 1/ 386.
(9)
في (ص) و (ق): ((ذات كثرة)).
(فَهْوَ) أي: المتَّصفُ بشيءٍ مِن ذَلِكَ (رَدٌّ) أي: مردودٌ عِنْدَهُم؛ لأنَّ الاتصافَ بِذَلِكَ يَخْرِمُ الثِّقَةَ بالراوِي، وَضَبْطِهِ، وهذا تأكيدٌ وإيضاحٌ لِما قَبْلَهُ.
أما مَنْ لَمْ تكثرْ مناكيرُهُ وَشَواذُّهُ، أَوْ ميَّزَها، أَوْ حدَّثَ مَعَ اتِّصافِهِ بكَثْرَةِ السَّهوِ، أَوْ الغلطِ من أصلٍ صَحِيْحٍ، فَلا يُردُّ (1).
(ثُمَّ إنْ بُيِّنْ) -بِضَمِّ أوّلِهِ، وتشديدِ ثانيهِ، وإسكانِ نُونِهِ مُدْغَمَةً في لامِ- (لَهُ) أي: للراوي الذي سَهَا أَوْ غَلِطَ، وَلَوْ مَرّةً (غَلَطُهُ) أَوْ سَهْوُهُ (فَمَا رَجَعْ) عَنْهُ، بَلْ أصرَّ، (سَقَطَ عِنْدَهُمْ) أي: المُحَدِّثِيْنَ (حديثُهُ جُمَعْ) أي: أحاديثُهُ جميعُها.
وَهَذا شَامِلٌ لقولِهِ: (كَذَا) عَبْدُ اللهِ بنُ الزُّبَيْرِ (الحُمَيْديُّ مَعَ) أَحْمَدَ (ابنِ حَنْبَلِ، وابنِ الْمُبارَكِ) عَبْدِ اللهِ الْمَرْوَزِيِّ، (رَأوْا) إسقاطَ حَدِيثِهِ بِذَلِكَ (في العَمَلِ) احتجاجاً وروايةً، حَتَّى تركوا الكِتَابَةَ عَنْهُ (2).
(قَالَ) ابنُ الصَّلاحِ (3): (وفيهِ نَظَرٌ) أي: لأنه رُبَّما لَمْ يَعْتقِدْ صِدقَ مَا قِيلَ لَهُ.
قَالَ: (نَعَمْ: إذَا كَانَ) عَدمُ رجوعِهِ (عِنَاداً مِنْهُ)، لا حُجَّةَ لَهُ فِيهِ، ولا طَعْنَ، فَقُلْ:(مَا يُنْكَرُ ذا) أي: القَوْلُ بسقوطِ حَدِيثِهِ، وعدمِ الكتابةِ عَنْهُ.
وَقَدْ قَالَ ابنُ مَهْدِيٍّ لِشُعْبَةَ: مَنِ الذي تَتْرُكُ الروايةَ عَنْهُ؟
قَالَ: إذَا تمادَى في غَلَطٍ (4) مُجمعٍ عَلَيْهِ، وَلَمْ يَتَّهِمْ نفسَهُ عِنْدَ اجتماعِهِم عَلَى خلافِهِ، أو رجلٌ يُتَّهَمُ بالكذبِ (5). وذَكَرَ نَحْوَهُ ابنُ حِبَّانَ (6).
(1) انظر: فتح المغيث 1/ 387 - 388.
(2)
انظر: الكفاية: (227 - 228 ت، 143 - 144 هـ)، ومعرفة أنواع علم الحديث: 281، والإرشاد 1/ 318، وشرح التبصرة والتذكرة 2/ 61، وفتح المغيث 1/ 387 - 388، وتدريب الراوي 1/ 339.
(3)
معرفة أنواع علم الحديث: 282، وقال محقق المقنع 1/ 281:((يشير ابن الصّلاح بهذا إلى أنه قد يوجد هذا الوصف في الثّقات، يبين خطؤهم فلا يرجعون لتيقنهم من صحّة حفظهم، كما وقع لمالك رحمه الله في روايته عن عمر بن عثمان، وغيره يقول: عمرو بن عثمان، فبيّن له فلم يرجع، كما تقدم في نوع المنكر)).
(4)
في (ق): ((غلطه)).
(5)
أخرجه الخطيب في الكفاية: (229 ت، 145 هـ) بنحوه.
(6)
المجروحين 1/ 79.
321 -
وَأعْرَضُوا فِي هَذِهِ الدُّهُوْرِ
…
عَنِ اجتِمَاعِ هَذِهِ الأمُوْرِ
322 -
لِعُسْرِهَا، بَلْ يُكْتَفَى بِالعَاقِلِ
…
المُسْلِمِ البَالِغِ، غَيْرِ الفَاعِلِ
323 -
لِلفِسْقِ ظَاهِراً، وَفِي الضَّبْطِ بأنْ
…
يُثْبِتَ مَا رَوَى بِخَطِّ مُؤْتَمَنْ
324 -
وَأنَّهُ يَرْوِي مِنَ اصْلٍ (1) وَافَقَا
…
لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا
325 -
لِنَحْوِ ذَاكَ (البَيْهَقِيُّ)، فَلَقَدْ
…
آلَ السَّمَاعُ لِتَسَلْسُلِ السَّنَدْ
(وأَعْرَضوا) أي: الْمُحَدِّثُوْنَ، وغيرُهم، (في هذِهِ الدُّهورِ) المتأخرةِ (عَنِ) اعتبارِ (اجتماعِ هذِهِ الأمورِ) السّابقةِ، أي: شروطِ مَنْ تُقبلُ (2) روايتُهُ (لعسرِها)، وتَعذُّرِ الوفاءِ بِهَا (3)، (بَلْ يُكْتَفَى) في اشتراطِ عدالتِهِ (بالعاقلِ، المسلمِ، البالغِ، غَيْر الفاعلِ للفسقِ)، ولما (4) يَخْرِمُ المروءةَ (ظاهراً) بأَنْ يَكُونَ مستورَ الحالِ.
(و) يُكْتَفَى (فِي) اشْتِراطِ (الضَّبطِ) أي: ضبطِهِ (بأَنْ يُثْبِتَ) سماعُ (مَا رَوَى بخطِّ) ثقةٍ (مؤتمَنْ) سواءٌ الشَّيْخُ، والقارئُ، وبعضُ السَّامعينَ، وسواءٌ أكتبَ سماعَهُ عَلَى الأصلِ، أَمْ في ثَبَتٍ (5) بيدِهِ، إذَا كَانَ الكَاتِبُ ثِقةً من أهلِ الخِبرةِ بهذا الشأنِ، بحيثُ لا يكونُ الاعتمادُ في روايةِ هَذَا الرَّاوِي عَلَيْهِ، بَلْ عَلَى الثِّقةِ المُقَيِّدِ (6) لِذلِكَ.
(وأنَّهُ يَرْوِي) أي: وبأَنْ يَرْوِي (مِن اصلٍ) - بدرجِ الهمزةِ - (وافَقَا لأصْلِ شَيْخِهِ، كَمَا قَدْ سَبَقَا لِنَحوِ ذَاكَ) الحافظُ (البَيْهَقِيُّ).
فإنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ توسُّعَ مَنْ توسَّعَ في السَّمَاعِ من بعضِ محدِّثي زمانِهِ، الذين لا يحفظونَ حديثَهُم، ولا يُحسِنُونَ قراءتَهُ في كُتُبِهِم، ولا يعرفونَ مَا يُقرَأُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ
(1) بدرج الهمزة؛ لضرورة الوزن، كما سينبه عليه الشارح.
(2)
في (ق): ((نقل)).
(3)
في (ع): ((تعذراً لوفائها)).
(4)
في (ص): ((ولا)).
(5)
قال في التاج: ((الثّبت - محرّكة - الفهرس الذي يجمع فيه المحدّث مروياته وأشياخه)). تاج العروس 4/ 477.
(6)
في (ص): ((المفيد)).