المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القِسْمُ الثَّانِي:‌ ‌ الْحَسَنُ (1) - فتح الباقي بشرح ألفية العراقي - جـ ١

[زكريا الأنصاري]

فهرس الكتاب

- ‌القِسْم الأول: [الدراسة]

- ‌الباب الأول: العراقي، ونظمه "التبصرة والتذكرة

- ‌الفصل الأول: سيرته الذاتية

- ‌المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته:

- ‌المبحث الثاني: أسرته:

- ‌المبحث الثالث: نشأته

- ‌المبحث الرابع: مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه

- ‌المبحث الخامس: شيوخه

- ‌المبحث السادس: تلامذته

- ‌المبحث السابع: آثاره العلمية

- ‌المطلب الأول: مؤلفاته فيما عدا الحديث وعلومه

- ‌المطلب الثاني: مؤلفاته في الحديث وعلومه

- ‌المبحث الثامن: وفاته

- ‌الفصل الثَّانِي: " التبصرة والتذكرة

- ‌المبحث الأول: اسمها

- ‌المبحث الثَّانِي: أصلها

- ‌المبحث الرابع: اهتمام العُلَمَاء بِهَا

- ‌الباب الثَّانِي: الأنصاري، وكتابه " فتح الباقي

- ‌الفصل الأول: القَاضِي زكريا الأنصاري

- ‌المبحث الأول: سيرته الذاتية

- ‌المبحث الثاني: سيرته العلمية

- ‌الفصل الثانِي: كتاب " فتح الباقي

- ‌المبحث الأول: منهجه

- ‌المبحث الثانِي: مُميزات الشرح

- ‌الباب الثَّالِث: التحقيق

- ‌الفصل الأول: التعريف بالكتاب

- ‌المبحث الأول: اسم الكتاب

- ‌المبحث الثانِي: توثيق نسبة الكِتَاب إِلَى مؤلفه

- ‌المبحث الثَّالِث: تاريخ إكماله

- ‌الفصل الثانِي: وصف النسخ المعتمدة في التحقيق

- ‌المبحث الأول: النسخ الخطية للشرح

- ‌المبحث الثَّانِي: النسخ الْمطبوعة

- ‌المبحث الثَّالِث: النسخ الخطية لـ" التبصرة والتذكرة

- ‌الفصل الثَّالِث: منهج التحقيق

- ‌صور مخطوطات

- ‌أَقْسَامُ الْحَدِيْثِ

- ‌أَصَحُّ كُتُبِ الْحَدِيْثِ

- ‌الصَّحِيْحُ الزَّائِدُ عَلَى الصَّحِيْحَيْنِ

- ‌الْمُسْتَخْرَجَاتُ

- ‌مَرَاتِبُ الصَّحِيْحِ

- ‌حُكْمُ الصَّحِيْحَيْنِ والتَّعْلِيْق

- ‌نَقْلُ الْحَدِيْثِ مِنَ الكُتُبِ الْمُعْتَمَدَةِ

- ‌ الْحَسَنُ

- ‌ الضَّعِيْفُ

- ‌الْمَرْفُوْعُ

- ‌الْمُسْنَدُ

- ‌الْمُتَّصِلُ وَالْمَوْصُوْلُ

- ‌(الموقوفُ

- ‌الْمَقْطُوْعُ

- ‌فُرُوْعٌ

- ‌الْمُرْسَلُ

- ‌الْمُنْقَطِعُ وَالْمُعْضَلُ

- ‌الْعَنْعَنَةُ

- ‌تَعَارُضُ الْوَصْلِ وَالإِرْسَالِ، أَو الرَّفْعِ وَالوَقْفِ

- ‌التَّدْلِيْسُ

- ‌الشَّاذُّ

- ‌الْمُنْكَرُ

- ‌ الاعتبار والمتابعات والشواهد:

- ‌زِيَادَاتُ الثِّقَاتِ

- ‌الأَفْرَادُ

- ‌المُعَلَّلُ

- ‌الْمُضْطَرِبُ

- ‌الْمُدْرَجُ

- ‌الْمَوْضُوْعُ

- ‌الْمَقْلُوْبُ

- ‌تَنْبِيْهَاتٌ

- ‌مَعْرِفَةُ مَنْ تُقْبَلُ رُوَايَتُهُ وَمَنْ تُرَدُّ

- ‌مَرَاتِبُ التَّعْدِيْلِ

- ‌مَرَاتِبُ التَّجْرِيْحِ

- ‌مَتَى يَصحُّ تَحَمُّلُ الْحَدِيْثِ أوْ يُسْتَحَبُّ

- ‌أَقْسَامُ التَّحَمُّلِ

- ‌الثَّاْنِي: القِرَاءَةُ عَلَى الشَّيْخِ

- ‌تَفْرِيْعَاتٌ

- ‌الثَّالِثُ: الإجَاْزَةُ

الفصل: القِسْمُ الثَّانِي:‌ ‌ الْحَسَنُ (1)

القِسْمُ الثَّانِي:‌

‌ الْحَسَنُ

(1)

(1) انظر في الحسن:

جامع الأصول 1/ 174 - 178، ومعرفة أنواع علم الحديث: 111، وإرشاد طلاب الحقائق1/ 137 - 152، والتقريب: 42 - 49، والاقتراح: 162، والنفح الشذي 1/ 196 - 308، والمنهل الروي: 35، والخلاصة: 38، والموقظة: 26، واختصار علوم الحديث: 37، ونكت الزركشي 1/ 304 - 388، والشذا الفياح 1/ 107 - 132، والمقنع 1/ 83، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 177، ونزهة النظر: 91، ونكت ابن حجر 1/ 385 - 490، والمختصر: 73، وفتح المغيث 1/ 61، وألفية السيوطي: 15 - 19، وشرح السيوطي على ألفية العراقي: 126، والبحر الذي زخر 2/ 845 - 1316، وتوضيح الأفكار 1/ 154، وظفر الأماني: 174، وقواعد التحديث: 105، وتوجيه النظر 1/ 354 - 395.

والحديث الحسن: وسطٌ بين الصحيح والضعيف، قال ابن القطّان في " بيان الوهم والإيهام " (1118):((الحسن معناه الذي له حال بين حالي الصحيح والضعيف)) وبنحوه قال عقب (1173). وقال عقيب (1432): ((ونعني بالحسن: ما له من الحديث منزلة بين منزلتي الصحيح والضعيف، ويكون الحديث حسناً هكذا؛ إما بأن يكون أحد رواته مختلفاً فيه، وثقّه قوم وضعّفه آخرون، ولا يكون ما ضعّف به جرحاً مفسراً، فإنّه إن كان مفسراً قدّم على توثيق من وثّقه، فصار به الحديث ضعيفاً))؛ ولما كان كذلك عسر على أهل العلم تعريفه.

قال الحافظ ابن كثير: ((وذلك لأنّه أمر نسبيٌ، شيءٌ ينقدح عند الحافظ، ربّما تقصر عبارته عنه)). اختصار علوم الحديث: 37.

وقال ابن دقيق العيد: ((وفي تحرير معناه اضطرابٌ)). الاقتراح: 162.

وذلك لأنّه من أدق علوم الحديث وأصعبها؛ لأنّ مداره عَلَى من اختلف فِيهِ، ومن وهم في بَعْض مَا يَرْوِي. فَلا يتمكّن كلّ ناقدٍ من التوفيق بَيْن أقوال المتقدّمين أو ترجيح قولٍ عَلَى قولٍ إلا من رزقه الله علماً واسعاً بأحوال وقواعد هَذَا الفن ومعرفةٍ قوية بعلم الجرح والتعديل، وأمعن في النظر في كتب العلل، ومارس النقد والتخريج والتعليل عمراً طويلاً، ومارس كتب الجهابذة النقاد حتّى اختلط بلحمه ودمه، وعرف المتشددين والمتساهلين من المتكلمين في الرّجال، ومن هم وسطٌ في ذَلِكَ؛ كي لا يقع فيما لا تحمد عقباه؛ ولذلك قال الحافظ الذهبي:((ثم لا تطمع بأن للحسن قاعدةً تندرج كل الأحاديث الحسان فيها؛ فأنا على إياسٍ من ذلك، فكم من حديثٍ تردد فيه الحفاظ هل هو حسنٌ أو ضعيفٌ أو صحيحٌ؟)). الموقظة: 28. =

ص: 142

50 -

وَالحَسَنُ المَعْرُوْفُ مَخْرَجاً وَقَدْ

اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ بِذَاكَ حَدْ

= وللحافظ ابن حجر محاولةٌ جيّدةٌ في وضعه تحت قاعدة كليةٍ فقد قال في النخبة: ((وخبر الآحاد بنقل عدلٍ تامّ الضّبط، متّصل السّند غير معللٍ ولا شاذٍ: هو الصّحيح لذاته

فإن خفّ الضّبط، فالحسن لذاته)). النخبة: 29، 34.

وهي محاولة جيدةٌ. وقد مشى أهل المصطلح على هذا من بعده. وحدّوا الحسن لذاته: بأنه ما اتصل سنده بنقل عدلٍ خف ضبطه من غير شذوذٍ ولا علةٍ)). وشرط الحسن لذاته نفس شرط الصحيح، إلا أنّ راوي الصحيح تامّ الضبط، وراوي الحسن لذاته خفيف الضبط. وسمّي حسناً لذاته لأنّ حسنه ناشئ عن توافر شروط خاصّة فيه، لا نتيجة شيء خارج عنه.

وقد تبين لنا: أنّ راوي الحسن لذاته هو الراوي الوسط الذي روى جملة من الأحاديث، فأخطأ في بعض ما روى، وتوبع على أكثر ما رواه؛ فراوي الحَسَن: الأصل في روايته المتابعة والمخالفة وَهُوَ الذي يطلق عَلَيْهِ الصدوق، لأنّ الصدوق هُوَ الذي يهم بَعْض الشيء فنزل من رتبة الثقة إلى رتبة الصدوق. فما أخطأ فيه وخولف فيه فهو من ضعيف حديثه، وما توبع عليه ووافقه من هو بمرتبته أو أعلى فهو من صحيح حديثه. أما التي لم نجد لها متابعة ولا شاهداً فهي التي تسمّى بـ (الحسان)؛ لأنّا لا ندري أأخطأ فيها أم حفظها لعدم وجود المتابع والمخالف؟ وَقَدْ احتفظنا بهذه الأحاديث التي لَمْ نجد لها متابعاً ولا مخالفاً وسمّيناها حساناً؛ لحسن ظننا بالرواة؛ ولأنّ الأصل في رواية الراوي عدم الخطأ، والخطأ طارئٌ؛ ولأنّ الصدوق هُوَ الذي أكثر مَا يرويه مِمَّا يتابع عَلَيْهِ. فجعلنا مَا تفرد بِهِ من ضمن مَا لَمْ يخطأ فِيهِ تجوزاً؛ لأنّ ذلك هو غالب حديثه، ولاحتياجنا إليه في الفقه. وبمعنى هذا قول الخطّابي: ((

وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء)). ولا بأس أن نحد ذلك بنسبة مئوية فكأنّ راوي الحسن من روى - مثلاً لا حصراً - مئتي حديث فأخطأ في عشرين حديثاً وتوبع في ثمانين. فالعشرون التي أخطأ فيها من ضعيف حديثه. والثمانون التي توبع عليها من صحيح حديثه. أما المئة الأخرى وهي التي لم نجد لها متابعاً ولا مخالفاً فهي من قبيل (الحسن). ومن حاله كهذا: عاصم ابن أبي النجود، فقد روى جملة كثيرة من الأحاديث فأخطأ في بعض وتوبع على الأكثر فما وجدنا له به متابعاً فهو صحيح، وما وجدنا له به مخالفاً أوثق منه عدداً أو حفظاً فهو من ضعيف حديثه. وما لم نجد له متابعاً ولا مخالفاً فهو (حسن) خلا روايته عن أبي وائل، وزر بن حبيش. وانظر: كتابنا كشف الإيهام الترجمة (328). وممن حاله كحال عاصم: ((عبيدة بن حميد الكوفي، وسليمان بن عتبة وأيوب ابن هانئ، وداود بن بكر ابن أبي الفرات، ومحمد بن عمرو بن علقمة، والحارث ابن عبد الرحمن ابن أبي ذباب، ويونس ابن أبي إسحاق، وسماك بن حرب)).

وهذا الرأي وإن كان بنحو ما انتهى إليه الحافظ ابن حجر العسقلاني إلا أننا لم نجد من فصّله هكذا. وهو جدير بالقبول والتداول بين أهل العلم. وقد يتساءل إنسانٌ بأن من قيل فيهم: صدوق أو حسن الحديث قد اختلف المتقدمون في الحكم عليهم تجريحاً وتعديلاً. وجواب ذلك: أنّ الأئمة النقاد قد اطّلعوا على ما أخطأ فيه الراوي وما توبع عليه فكأنّ المجرّح رأى أن ما خولف فيه الراوي هو الغالب من حديثه، والمعدّل كذلك رأى أن ما توبع عليه هو غالب حديثه فحكم كلٌّ بما رآه غالباً، غير أنا نعلم أنّ فيهم متشددين يغمز الراوي بالجرح وإن كان خطؤه قليلاً، ومنهم متساهلين لا يبالي بكثرة الخطأ، وعند ذلك يؤخذ بقول المتوسطين المعتدلين.

ولذا نجد الحافظ ابن عدي في الكامل، والإمام الذهبي في الميزان يسوقان أحياناً ما أنكر على الراوي الوسط ثم يحكمان بحسن رواياته الأخرى. والله أعلم.

ص: 143

51 -

(حَمْدٌ) وَقَالَ (التِّرمِذِيُّ): مَا سَلِمْ

مِنَ الشُّذُوْذِ مَعَ رَاوٍ مَا اتُّهِمْ

52 -

بِكَذِبٍ وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ

قُلْتُ: وَقَدْ حَسَّنَ بَعْضَ مَا انفَرَدْ

53 -

وَقِيْلَ: مَا ضَعْفٌ قَرِيْبٌ مُحْتَمَلْ

فِيْهِ، وَمَا بِكُلِّ ذَا حَدٌّ حَصَلْ

مِن أقسامِ السُّنَنِ: (الحَسَنُ). قَدِ اختلفتْ أقوالُ أئِمَّةِ الحَدِيْثِ في حَدِّهِ (1)، بالنظرِ لِقسمَيْهِ الآتيينِ، وَقَدْ شَرَعَ في بَيانِهِ، فَقَالَ:

(والحَسَنُ المَعْرُوفُ مَخْرَجاً) بِنَصْبهِ تمييزاً مُحوَّلاً من نائبِ الفاعِلِ أي: المعروفُ مَخْرَجُهُ أي: رجالُهُ، وكلٌّ مِنْهُمْ مَخْرَجٌ خَرَجَ مِنْهُ الحديثُ، ودارَ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ كنايةٌ عَنِ الاتِّصَالِ: إذِ المرسَلُ، والمنقطعُ، والمُعْضَلُ، والمدلَّسُ - بفتحِ اللامِ - قَبْلَ أَنْ يتبيَّنَ تدليسَهُ لا يُعرفُ مَخْرَجُ الحديثِ مِنْها.

(وَقَدْ اشْتَهَرَتْ رِجَالُهُ) بالعدالةِ والضبطِ اشتهاراً دُوْنَ اشتهارِ رجالِ الصَّحِيحِ، (بذاكَ) أي: بما ذكرَ من الاتِّصالِ والشُّهرةِ (حَدْ) الحافظُ أَبُو سليمانَ (حَمْدٌ) - بإسكان الميم - بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِبْرَاهِيمَ بنِ الخطَّابِ البُسْتِيُّ، الشافعيُّ، المشهور بـ ((الخَطَّابيِّ)) نِسبةً إلى جَدِّ أبيهِ (2).

(1) انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 180.

(2)

فقد قال في معالم السّنن 1/ 11: ((الحسن: ما عرف مخرجه واشتهر رجاله. قال: وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء)). وهذا التعريف نقله الإمام المزي في تهذيب الكمال 1/ 71. قال الحافظ العراقي: ((ورأيت في كلام بعض المتأخرين أن في قوله: ما عرف مخرجه؛ احترازاً عن المنقطع، وعن حديث المدلس قبل أن يتبين تدليسه. قال ابن دقيق العيد: ((ليس في عبارة الخطابيّ كبير تلخيص. وأيضاً فالصحيح قد عرف مخرجه واشتهر رجاله. فيدخل الصّحيح في حد الحسن. قال: وكأنه يريد مما لم يبلغ درجة الصّحيح)).

قال الشّيخ تاج الدين التبريزي: فيه نظر؛ لأنه - أي: ابن دقيق العيد - ذكر من بَعْدَ: أن الصّحيح أخص من الحَسَن. قَالَ: ودخول الخاص في حد العام ضروري. والتقييد بما يخرجه عَنْهُ مخلٌّ للحدّ

وهو اعتراضٌ متجهٌ)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 180 - 181، والاقتراح 163 - 165، ونكت الزّركشيّ 1/ 304، والتقييد والإيضاح 43، ونكت ابن حجر 1/ 385، والبحر الذي زخر 3/ 950.

ص: 144

وبما قرَّرتُه في الاشتهارِ، سقطَ الاعتراضُ بأنَّ الخطَّابيَّ لَمْ يميِّزِ الحَسنَ مِنَ الصَّحِيحِ، ولا من الضَّعِيفِ.

(وَقَالَ) الحافِظُ أَبُو عِيسى مُحَمَّدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرَةَ (التِّرْمِذِيُّ)

- بكسرِ التاءِ والميمِ عَلَى المشهورِ، وبالمُعجَمةِ -نسبةً إلى تِرْمِذَ مدينةٍ بطرفِ جَيْحُوْنَ نهرِ بَلْخَ (1) - في " العِللِ " التي في آخر جامعِهِ ما حَاصِلُهُ: الحسنُ عندنا: (ما سَلِمْ مِنَ الشُّذوذِ مَعَ راوٍ) أي: مَعَ أنَّ راوياً من رُواتِهِ (ما اتُّهِمْ بِكَذِبٍ) بأن لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ تَعمُّدُهُ (2).

ولَمَّا شَمِلَ هَذَا مَا كَانَ بَعْضُ رواتهِ سَيِّيءَ الحِفظِ، أَوْ مستوراً، أَوْ مدلِّساً بالعَنْعَنَةِ، أَوْ مخْتَلِطاً، شَرَطَ شَرْطاً آخرَ؛ فقالَ:(وَلَمْ يَكُنْ فَرْداً وَرَدْ)، بَلْ جَاءَ مِن وجهٍ آخرَ فأكثرَ، مِثْلَهُ، أَوْ فوقَهُ، بلفظِهِ، أَوْ بِمعناهُ؛ لِيتَرجَّحَ بِهِ أحدُ الاحتمالينِ.

لأنَّ سيِّيءَ الحفظِ -مثلاً- يُحتملُ أَنْ يكونَ ضَبَط مرويَّهُ، ويُحتملُ خلافُه. فإذا وَرَدَ مثلُ ما رَواهُ مِن وجهٍ آخرَ، غَلَبَ عَلَى الظنِّ أنَّه ضَبَطَ.

واعتُرِضَ عَلَيْهِ: بأنَّ مَا حدَّ بِهِ الحَسنَ، لَمْ يميِّزْهُ عَنْ الصَّحِيحِ، وَرَدَّه بأنَّه مَيَّزَهُ عَنْهُ، حيثُ شَرَطَ فِيهِ أن يُرْوَى مِن وجهٍ آخرَ، دُوْنَ الصَّحِيحِ (3).

رُدَّ بأنّهُ لَمْ يَشترطْ (4) ذَلِكَ في كلِّ حَسَنٍ، بَلْ فيما قَالَ فِيهِ: حَسَنٌ فَقَطْ، وَهُوَ الحسنُ لغيرهِ، دُوْنَ ما قَالَ فِيهِ:((حَسَنٌ صَحِيْحٌ))، أَوْ ((حسنٌ غريبٌ))، أَوْ ((حسنٌ صَحِيْحٌ غريبٌ)) وَهُوَ الحسنُ لذاتِهِ (5).

كَمَا أشارَ إلى ذَلِكَ بقولهِ: (قُلتُ: و) مَعَ شَرْطِهِ عَدَمَ التفرَّدِ بِهِ (قَدْ حَسَّنَ) في " جامعِهِ "(بَعضَ ما انْفَرَدْ) بِهِ راويهِ، حيث يَقُولُ عَقِبَ الحَدِيثِ: ((حَسَنٌ غَريبٌ،

(1) انظر: معجم البلدان 2/ 26.

(2)

الجامع 6/ 251 (العلل)

(3)

انظر مناقشات العلماء لتعريف التّرمذي للحديث الحسن في معرفة أنواع علم الحديث: 111، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 181 وما بعدها، ونكت الزّركشيّ 1/ 307، وتدريب الراوي1/ 158 وما بعدها، والمنهل الروي 53، وتوضيح الأفكار 1/ 160، والنكت لابن حجر 1/ 385 وما بعدها.

(4)

في (ص): ((يشرط)).

(5)

انظر: النزهة: 94.

ص: 145

لا نعْرِفُهُ إلَاّ مِن هَذَا الوجهِ)) فانتقضَ شرطُه المذكورُ (1).

لكِنْ أَجابَ عَنْهُ شيخُنا تَبَعاً لغيرِهِ: ((بأنَّه إنَّما حَدَّ مَا يَقُولُ فِيهِ ((حَسَنٌ)) فَقَطْ، لا الحَسَنُ مُطْلَقاً، إما لغُمُوضِهِ، أَوْ لأنَّهُ اصْطلاحٌ جديدٌ لَهُ)) (2).

(وَقِيلَ)، يَعْني: وَقَالَ الحافِظُ أَبُو الفَرَجِ ابنُ الجَوْزيِّ في كتابَي (3)"الموضوعاتِ"(4) و " العِللِ المُتناهِيةِ "(5): الحسَنُ (مَا) بِهِ (ضَعْفٌ قَرِيبٌ محتَمَلْ) - بفتح المِيْمِ - (فِيهِ).

فالحَسَنُ لِذاتِهِ ضعيفٌ بالنِّسبةِ للصَّحِيحِ، والحسنُ لغيرِهِ ضَعيفٌ أصالةً، وإنّما طَرأَ عَلَيْهِ الحُسْنُ بما عَضَدَهُ، فاحْتَمَلَ الضّعفَ لوجودِ العاضدِ.

فهذهِ ثلاثةُ أقوالٍ.

(وَمَا بِكُلِّ ذَا) أي: بكُلِّ قولٍ مِنْها (حَدٌّ) صَحِيْحٌ (حَصَلْ) للحَسَنِ، بَلْ هُوَ كَما قَالَ ابنُ الصَّلاحِ:((مُسْتَبْهَمٌ لا يَشْفِي الغَليلَ)) (6).

لأنَّه غَيْرُ جامعٍ لأفرادِ الحَسَنِ في الأولينَ، ولِعَدمِ ضَبْطِ القَدْر المحتَمَلِ في الأخيرِ (7).

54 -

وَقَالَ (8): بَانَ لي بإمْعَانِ (9) النَّظَرْ

أَنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذُكِرْ

(1) قال الحافظ العراقي: ((هذا من الزوائد على ابن الصّلاح. وهو إيراد على التّرمذي، حيث اشترط في الحسن أن يروى من غير وجهٍ نحوه. ومع ذلك فقد حسّن أحاديث لا تروى إلا من وجه واحد)). وضرب لذلك مثالاً. انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 182 - 183.

(2)

نزهة النظر: 95.

(3)

في (ق): ((كتاب)).

(4)

الموضوعات 1/ 35، ونقله العراقي في التقييد والإيضاح: 61، وهذا التعريف انتقده السخاوي في فتح المغيث 1/ 66 بقوله:((هذا كلام صحيح في نفسه، لكنه ليس على طريقة التعاريف)).

(5)

لم نجده، ولعله مما سقط من المطبوع، وقد ذكره العراقي في التقييد والإيضاح:61.

(6)

معرفة أنواع علم الحديث: 112.

(7)

انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 184.

(8)

في النفائس: ((قد بان))، وفي جميع النسخ:((وقال بان))، وهو الصحيح؛ لأن:

أنَّ لَهُ قِسْمَيْنِ كُلٌّ قَدْ ذَكَرْ

((ذكر)) في نهاية البيت بصيغة الغياب، و ((قال)) مشعرة به، على العكس من:((قد)).

(9)

في نسخة ب وج من متن الألفية: ((بإمعاني)).

ص: 146

55 -

قِسْماً، وَزَادَ كَونَهُ مَا عُلِّلا

وَلَا بِنُكْرٍ أوْ شُذُوْذٍ شُمِلَا

56 -

وَالفُقَهَاءُ (1) كلُّهُمْ تَسْتَعمِلُهْ (2)

وَالعُلَمَاءُ الْجُلُّ مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ

57 -

وَهْوَ بأقْسَامِ الصَّحِيْحِ مُلْحَقُ

حُجِّيَّةً وإنْ يَكُنْ لا يَلْحَقُ

(وَقَالَ) أي: ابنُ الصلاحِ (بَانَ) أي: ظَهَرَ (لي بإمْعَانِ) أي: إكثاري (النَّظَرْ) في ذَلِكَ، والبحثِ فِيهِ (3)، جامعاً بَيْن أطرافِ كلامِهِم، مُلاحظاً فِيهِ مواقعَ استعمالِهم. (أَنَّ لَهُ) أي: للحَسَنِ (قسمينِ)(4): أحدُهما أي: وَهُوَ المسمَّى بالحسنِ لغيرِهِ: ((مَا في إسنادِهِ مستورٌ لَمْ تَتَحَقَّقْ (5) أهْليَّتُهُ، غَيْرَ أنَّهُ لَيْسَ مُغفَّلاً، ولا كثيرَ الخطإِ فِيمَا يَروِيهِ، ولا مُتَّهماً بالكَذِبِ فِيهِ، ولا يُنْسَبُ إلى مفَسِّقٍ آخَرَ، واعتضدَ بمتابعٍ أَوْ شاهدٍ)) (6).

وثانِيْهِما أي: وَهُوَ المسمَّى بالحسَنِ لذاتِهِ: ((ما اشتَهَرَ راويهِ (7) بالصِّدْقِ والأمَانَةِ، وَلَمْ يَصِلْ في الحفظِ، والإتقانِ، رُتبةَ رجالِ الصَّحِيح)).

فالقسمانِ (كُلٌّ) مِنَ التِّرْمِذِيِّ والخَطَّابِيِّ (قَدْ ذَكَرْ) مِنْهُمَا (قِسْماً)، وتركَ الآخرَ لظهورِهِ عنده، أَوْ لذهولِهِ عَنْهُ، أَوْ لغيرِه (8).

(1) انظر: النكت الوفية: 65 / ب.

(2)

في (م): ((يستعمله))، وكلاهما جائز.

(3)

المثبت من (ص) و (ق) و (ع) وفي (م): ((به)).

(4)

اعترض على ابن الصلاح في تقسيمه هذا باعتراضات، أوردها الزّركشيّ مع أجوبته عنها فانظر: نكته 1/ 313 - 317.

(5)

في (ق): ((يتحقق)).

(6)

معرفة أنواع علم الحديث: 113.

(7)

في (ق): ((رجاله))، وفي (ع):((رواته))، والأصح ((راويه))؛ لأن ضمير الفعل:((يصل)) يعود على مفرد لا جمع.

(8)

في (ص): ((أي ولغيره))، وفي (ع):((أي أو لغيره)).

ص: 147

فَكَلامُ التِّرْمِذِيِّ يُنَزَّلُ (1) عَلَى الأَوَّلِ، وكلامُ الخَطَّابِيِّ عَلَى الثَّاني (2).

(وَزَادَ) ابنُ الصَّلاحِ في كُلٍّ مِنْهُمَا (كَوْنَهُ مَا عُلِّلا) بألِفِ الإطلاقِ (وَلَا بِنُكْرٍ أَوْ (3) شُذُوذٍ شُمِلَا) بِبِنائِهِ للمَفْعولِ (4)، وبألفِ الإطلاقِ، بأَنْ يَسْلَمَ مِن كُلٍّ من الثلاثةِ، لكنْ زيادتُهُ الثَّالِثُ (5) إنَّمَا هِيَ عَلَى الخَطَّابِيِّ دُوْنَ التِّرْمِذِيِّ، لما مَرَّ.

(والفُقَهاءُ كُلُّهمْ تَسْتَعْمِلُهْ) في الاحتِجاجِ والعَملِ بِهِ، (وَالعُلَمَاءُ) مِنَ المُحدِّثِينَ، وغَيْرِهِم (الجُلُّ) أي: المُعظَمُ (مِنْهُمْ يَقْبَلُهْ) فِيهِمَا أَيْضَاً (6).

(وَهْوَ) أي: الحسنُ بِقِسْمَيْهِ (بأقسامِ الصَّحِيحِ مُلْحقُ حُجِّيَّةً) أي: في الاحْتِجاجِ بِهِ، (وإن يَكُنْ لا يَلْحَقُ) الصَّحِيحَ رُتْبةً، لضَعْفِ راوِيهِ، أَو انحطاطِ ضَبْطِهِ.

بَلْ قَالَ ابنُ الصلاحِ: ((مَنْ سمَّاهُ صَحِيحاً لاندراجِهِ فِيمَا يَحْتَجُّ بِهِ، لا يُنْكِرُ أنَّه دونَهُ، فهذا اخْتَلافٌ في العِبارةِ دُوْنَ المَعْنَى)) (7).

58 -

فَإنْ يُقَلْ: يُحْتَجُّ بِالضَّعِيْفِ

فَقُلْ: إذا كَانَ مِنَ المَوْصُوْفِ

59 -

رُوَاتُهُ بِسُوْءِ حِفْظٍ يُجْبَرُ

بِكَوْنِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ يُذْكَرُ

60 -

وَإنْ يَكُنْ لِكَذِبٍ أوْ شَذَّا

أوْ قَوِيَ الضَّعْفُ فَلَمْ يُجْبَر ذَا

61 -

أَلَا تَرَى الْمُرْسَلَ حَيْثُ أُسْنِدَا

أوْ أرْسَلُوا كَمَا يَجِيءُ اعْتُضِدَا

(1) في (ق) و (ص): ((منزل)).

(2)

معرفة أنواع علم الحديث: 113، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 185.

(3)

بعد هذا في (م): ((بالدرج)).

(4)

ويسمّى أيضاً: مبنياً للمجهول.

(5)

في (ق): ((زيادة الثلاثة)) وفي (ع): ((زيادة الثّالث)). وجاء بعدها في (م): ((أي الشذوذ))، وقد سقطت من أصولنا.

(6)

قال العراقي: ((البيت الأول مأخوذ من كلام الخطّابيّ. وقد تقدم نقله عنه إلا أنه قال: عامة الفقهاء، وعامة الشيء يطلق بإزاء معظم الشيء وبإزاء جميعه. والظاهر أن الخطّابيّ أراد الكلّ. ولو أراد الأكثر لما فرّق بين العلماء والفقهاء)). انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 187.

(7)

معرفة أنواع علم الحديث: 127، وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 187.

ص: 148

(فَإنْ يُقَلْ)(1)، فِيْمَا مَرَّ: من أنَّ الحَسَنَ لغيرِهِ يُكْتَفَى فِيهِ بكونِ راويهِ غيرَ متَّهَمٍ، وفي عَاضِدِه بكونِه مِثْلَه، مَعَ أنَّ كلاً مِنْهُمَا ضَعِيْفٌ، لا يُحتجُّ بِهِ: كيفَ (يُحْتَجُّ بِالضَّعِيفِ) إذَا انضمَ إِليهِ ضَعِيْفٌ مَعَ اشتراطِهِم الثِّقةَ في القَبولِ؟

(فَقُلْ): لا مانِعَ مِنْهُ؛ لأنَّ الحديثَ (إذَا كَانَ مِنَ الموْصُوفِ رُوَاتُهُ) واحدٌ أَوْ أكثرُ (بِسُوْءِ حِفْظٍ) أَوْ باختلاطٍ، أَوْ بتدليسٍ، مَعَ اتِّصافِهم بالصِّدقِ والدِّيانةِ، (يُجْبَرُ بكَونِهِ مِنْ غيرِ وجهٍ يُذْكَرُ) فانجبرَ لاكتسابهِ من الهيئةِ المجموعةِ قوةً (2)، كما في الصَّحِيحِ لغيرِه الآتي بيانُه.

ولأنَّ الحكمَ عَلَيْهِ بالضَّعْفِ إنَّما كَانَ لاحتمالِ ما يمنعُ القُبولَ، فلمَّا جاءَ العاضدُ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ زوالُ ذَلِكَ الاحتمالِ.

وليسَ هَذَا مِثْلُ شهادةِ غيرِ عدلٍ، انضمَّ إليها شهادةُ مثلِهِ؛ لأنَّ بابَ الشهادةِ أضيقُ من بابِ الروايةِ.

(وإنْ يَكُنْ) ضَعْفُهُ (لِكَذبٍ) في راوِيهِ، (أَوْ شَذَّا) أي: أَوْ شذوذٍ في روايتِه

(أَوْ قَوِيَ الضَّعْفُ) بشيءٍ آخرَ، مما يقتضي الرَّدَّ، (فَلَمْ يُجبَرْ ذَا) أي الضَّعفُ بوجهٍ آخرَ، وإن كَثُرَتْ (3) طُرُقُهُ.

كحديثِ: ((مَنْ حَفِظَ عَلَى أمَّتِيْ أرْبَعِيْنَ حَدِيْثاً مِنْ أمْرِ دِيْنِهَا، بَعَثَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيْ زُمْرَةِ الفُقَهَاءِ والعُلَمَاءِ)) (4).

(1) المثبت من أصولنا ومن متن الألفية، وفي (م):((قيل)).

(2)

انظر: النزهة: 92.

(3)

المثبت من (ق) و (ع) و (ص): وفي (م): ((قويت)).

(4)

العلل المتناهية 1/ 119، والتذكرة للزركشي 2/ 1885، والدرر المنتثرة 1/ 387، وجاء في نسخة (ق) تعليقة للعلاّمة الآلوسي، قال فيها:((هكذا روي عن عليّ رضي الله عنه، وفي رواية بعثه الله فقيهاً عالماً، وفي رواية أبي الدرداء ((وكنت له يوم القيامة شافعاً وشهيداً))، وفي رواية ابن مسعود:((وقيل له ادخل من أي أبواب الجنة شئت))، وفي رواية ابن عمر ((كتب في زمرة العلماء وحشر في زمرة الشهداء)) كذا ذكره بعض المحدّثين، وفي بعض الروايات نوع تخالف وقد يجمع باختلاف المراتب فتدبر)).

ص: 149

فَقَدْ اتَّفقَ الحُفَّاظُ عَلَى ضَعْفِهِ مَعَ كَثْرَةِ طُرُقِهِ؛ لقوَّةِ ضعفِه (1)، وقصورِها من جَبْرِه، بخلافِ مَا مَرَّ؛ لما خفَّ ضَعْفُهُ، وَلَمْ يَقْصُرِ الجابرُ عَنْ جَبْرِهِ، انجبرَ، واعتضدَ.

(ألا تَرى) الحديثَ (المرسلَ) مَعَ ضَعْفِهِ عِنْدَ الشَّافِعيِّ، ومُوَافِقِيْهِ (حَيْثُ

أُسْنِدا) من وجهٍ آخرَ (أَوْ أرسَلُوا) أي: أُرْسِلَ من وجهٍ آخرَ، بأن أرْسَلَهُ مَنْ أخذَ العِلْمَ مِنْ غيرِ رجالِ التَّابعيِّ الأوَّلِ (كما يَجيءُ) بيانُهُ في بابِهِ (اعتضدا)، وصارَ بذلك حُجَّةً.

واعتُرضَ: بأنَّ الحديثَ إذَا أُسندَ، فالاحتجاجُ بالمسندِ.

وأُجيبَ: بأنَّ المرادَ: مُسْندٌ، لا يُحتجُّ بِهِ منفرداً، وبأنَّ ثَمرتَهُ تَظْهَرُ فيما لَوْ عارضَهُ مسندٌ مثلُهُ، فإنَّهُ يُرجِّحُ عَلَيْهِ لاعتضادِهِ بالمرسَلِ.

62 -

وَالحَسَنُ: الْمشهُوْرُ بِالعَدَالَهْ

وَالصِّدْقِ رَاوِيهِ، إذَا أَتَى لَهْ

63 -

طُرُقٌ اخْرَى نَحْوُهَا مِن الطُّرُقْ

صَحَّحْتُهُ كَمَتْنِ (لَوْلَا أنْ أَشُقْ)

64 -

إذْ تَابَعُوْا (مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرِو)

عَلَيْهِ فَارْتَقَى الصَّحِيْحَ يَجْرِي

(وَالحَسنُ) لذاتِهِ الذي (2) هُوَ (المشْهورُ بالعَدَالَهْ والصِّدقِ راويهِ)، برفعِهِ بـ:(المشهورُ) أي: المشهورُ رواتُه (3) بِذَلِكَ اشتهاراً دُوْنَ اشتهارِ رجالِ الصَّحِيحِ، كَمَا مرَّ (إذَا أَتَى لَهْ طُرُقٌ اخْرَى) - بالدرج - (نحوُها) أي: نحوُ طريقهِ (من الطُرُقِ) التي دُونَها (صَحَّحْتُهُ)(4).

فإنْ ساوتْها، أَوْ رجحَتْهَا، فمجيئُهُ من طريقٍ آخرَ كافٍ، وهذا هُوَ الصَّحِيحُ لغيرِهِ، وما مَرَّ قبلُ، هُوَ الصَّحِيحُ لذاتِه، كَمَا مَرَّ التنبيهُ عَلَيْهِ.

ذَلِكَ (ك: مَتْنِ) أي: حديثِ: (((لَولَا أنْ أشُقْ) عَلَى أمَّتِي لأمَرْتُهُمٍ بالسِّوَاكِ

(1) هذا الكلام اقتبسه الشارح من كلام الإمام النّوويّ في ديباجة أربعينه: 4.

(2)

((الذي)) سقطت من (ق).

(3)

في (ق) و (ع): ((راويه)).

(4)

انظر: شرح التبصرة والتذكرة1/ 191، وللبقاعي تعليق مفيد في هذا الموضع، يراجع النكت الوفية: 70/ أ.

ص: 150

عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ)) (1)، (إذ (2) تَابَعُوا) راويهِ (مُحَمَّدَ بنَ عَمْرِو) بنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أبي سَلَمَةَ،

عَنْ أبي هُرَيْرَةَ عَلَيْهِ، في شَيخِ شيخِهِ، حَيْثُ رَواهُ جماعةٌ غَيْرُ أبي سَلَمَةَ، عَنْ أبي هُرَيْرَةَ (3).

(فارْتَقى) من طريقِ مُحَمَّدٍ بهذهِ المتابعاتِ (الصَّحِيحَ يَجْرِي) أي: جارياً إِليهِ.

ولولاها لَمْ يرتَقِ (4)؛ لأنَّ راويه مُحَمَّداً، وإنْ اشتهرَ بالصِّدْقِ، والصِّيانةِ، ووثَّقَهُ بعضُهم لذلك، لَمْ يكنْ متقناً، حَتَّى ضَعَّفَه بعضُهم لِسُوءِ حِفْظِهِ (5).

والحديثُ رواهُ الشيخانِ مِن طريقِ عبدِ الرَّحمانِ بنِ هُرْمُزَ الأعرجِ (6)، فَهُوَ صَحِيْحٌ لذاتِهِ مِنْ طريقِهِ، صَحِيْحٌ لغيرِهِ، حَسَنٌ لذاتِهِ من طريقِ مُحَمَّدٍ باعتبارَيْنِ (7).

65 -

قَالَ: وَمِنْ مَظِنَّةٍ لِلحَسَنِ

جَمْعُ (أبي دَاوُدَ) أيْ في السُّنَنِ

66 -

فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرْتُ فِيْهِ

ما صَحَّ أوْ قَارَبَ أوْ يَحْكِيْهِ

67 -

وَمَا بهِ وَهْنٌ شَدِيْدٌ قُلْتُهُ

وَحَيْثُ لَا فَصَالِحٌ خَرَّجْتُهُ

68 -

فَمَا بِهِ وَلَمْ يُصَحَّحْ وَسَكَتْ

عَلَيْهِ عِنْدَهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ

(1) أخرجه أحمد 2/ 58 و 287و399 و 429، والترمذي (22)، والطحاوي في شرح المعاني 1/ 44، والطبراني في الأوسط (7420)، والبيهقي 1/ 37، وأبو نعيم في الحلية 8/ 386.

(2)

في (ق): ((إذا)).

(3)

منهم: حميد بن عبد الرحمان، وحديثه أخرجه: أحمد في مسنده2/ 460و517، والنسائي في الكبرى (3043) و (3044) و (3045)، وابن الجارود في المنتقى (63)، وابن خزيمة في صحيحه (140)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 43، والطبراني في الأوسط (7420)، والبيهقي في الكبرى1/ 35.

وكذلك أخرجه من طريق عطاء مولى أم صبيّة عن أبي هريرة مرفوعاً: أحمد في مسنده 1/ 120 و 2/ 509، والدارمي (1492)، والنسائي في الكبرى (304)، والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/ 43. والبيهقي في الكبرى 1/ 36.

ورواه مالك في الموطأ 1/ 85 (بشرحه تنوير الحوالك) من طريقه موقوفاً على أبي هريرة. قال ابن عبد البر في التمهيد 7/ 199: ((هذا الحديث يدخل في المسند لاتصاله من غير وجه، ولما يدل عليه اللفظ)). ثمّ قال: ((وبهذا اللفظ رواه أكثر الرواة عن مالك)).

(4)

في (ق): ((يرتق إليه)).

(5)

معرفة أنواع علم الحديث: 118، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 192.

(6)

صحيح البخاريّ 2/ 5 (887) و 9/ 105 (7239)، وصحيح مسلم 1/ 151 (252).

(7)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 118، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 192 - 194.

ص: 151

(قَالَ) ابنُ الصلاحِ: (ومِنْ (1) مَظِنَّةٍ) - بكسر الظاء - أي: موضعُ الظنِّ، بمعنى: العِلْم (لِلحَسَنِ) أي: ومن مَظَانِّهِ (2) غيرُ مَا مَرَّ: (جَمْعُ) الإمامِ الحافظِ (أبي داودَ) سليمانَ بنِ الأشعثِ السِّجِسْتَانيِّ، (أيْ فِي) كتابِه (السُّنَنِ، فإنَّهُ قَالَ: ذَكَرتُ فِيْهِ مَا صَحَّ، أَوْ) ما (قَارَبَ) هُ، يعني: الحسنَ لغيرِه، (أَوْ) ما (يَحْكِيْهِ) أي: يُشْبِهُهُ، يعني: الحسنَ لذاتِهِ، و ((أَوْ)) للتقسيم.

وعبَّر أَبُو دَاوُدَ بـ ((الواو))، وَهِيَ فِيهِ أجودُ مِن ((أَوْ))، فَقَالَ: ذكرتُ فِيهِ الصَّحِيحَ، وما يُشْبِهُهُ، وما يُقارِبُهُ (3).

قَالَ: (وَمَا) كَانَ فِيهِ من حديثٍ (بِهِ وَهْنٌ) أي: ضَعْفٌ (شديدٌ، قُلْتُهُ) أي: بيَّنْتُ وَهْنَهُ أي: إلَاّ أَنْ يكونَ ظاهراً، فلم أبَيِّنْهُ لظهورِهِ.

(وحَيْثُ لَا) وَهْنَ بِهِ شديدٌ، ولم أذكرْ فِيهِ شيئاً، (فـ)(4) هُوَ (صالِحٌ خَرَّجْتُهُ)،

(1) في (م): ((من)) بدون (واو).

(2)

قال في الصحاح: ((مظنّة الشيء: موضعه ومألفه الذي يظنّ كونه فيه، والجمع المظانّ))، وقال في اللسان:((المظانّ جمع مظنّة -بكسر الظاء- وهي موضع الشيء ومعدنه، مفعلة من الظن بمعنى: العلم)). انظر: الصحاح 6/ 2160، واللسان 13/ 274 (ظنن).

(3)

هذا النصّ الذي يذكر في كتب المصطلح بلفظ: ((ذكرت فيه الصحيح وما يشبهه وما يقاربه))، لم نجده في رسالة أبي داود إلى أهل مكة المطبوع مع مقدّمة عون المعبود 1/ 53، وكذا في المطبوع مع بذل المجهود 1/ 35، ولا في المطبوعة بتحقيق الدكتور محمد لطفي الصباغ. على الرغم من تضافر العديد من كتب المصطلح على نسبته إلى الرسالة. ينظر: التقييد والإيضاح: 55، وفتح المغيث 1/ 77، وكشف الظنون 2/ 1005، وقد رواه عنه الخطيب في تاريخ بغداد 9/ 57، من طريق ابن داسة، عنه، من غير عزو إلى رسالته، والذي يدّل عليه صنيع الحازمي في شروط الأئمة الخمسة: 67 - 68، أنّ هذا المقطع ليس في رسالة أبي داود، فإنّه نقل بسنده نصّاً من الرسالة، ثم قال عقبه: ((وقد روينا عن أبي بكر بن داسة أنّه قال: سمعت أبا داود يقول:

فذكره)). وهذا هو مقصد ابن الصلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 119 - 120، فإنه قال: ((وروينا عنه أنه قال: ذكرت فيه الصحيح

)). ثم قال: ((وروينا عنه أيضاً ما معناه: أنه يذكر في كل باب أصحّ ما عرفه)). وهذا النقل الثاني عن رسالة أبي داود إلى أهل مكّة 1/ 35، فكأنه يشير إلى أنّ الأول ليس في الرسالة. فرحمه الله ما أنبل قصده وأدق مسلكه. وينظر ما كتبه محقق النفح الشذي 1/ 207 - 208.

(4)

سقطت من (ص).

ص: 152

وبعضُه أصحُّ مِنْ بعضٍ (1).

قَالَ ابنُ الصلاحِ (2): (فَـ) عَلَيْهِ: (مَا) وَجَدنَاهُ (بِهِ) أي: بكتابِهِ، (وَلَمْ يُصَحَّحْ) - ببنائِهِ للمفعول - أي: لَمْ يُصَحِّحْهُ أحدٌ مِنَ الشَّيْخينِ، ولا غَيْرِهِما، ممَّنْ يُميِّزُ بَيْنَ (3) الصَّحِيحِ والحَسَنِ، (وَسَكَتْ) أي (4): أَبُو داودَ (عَلَيْهِ)، فَهُوَ (عِندهُ لَهُ الحُسْنُ ثَبَتْ)، وإنْ كَانَ فِيهِ مَا ليسَ (5) بحسَنٍ عِنْدَ غَيرهِ (6).

قَالَ شيخُنا: ((ويمكنُ أَنْ يَكونَ فِيهِ ممّا بِهِ وهنٌ غيرُ شديدٍ، ما ليسَ بحسنٍ عندَهُ أَيْضَاً)) (7).

69 -

و (ابْنُ رُشَيْدٍ) قَالَ -وَهْوَ مُتَّجِهْ-

: قَدْ يَبْلُغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ

70 -

وَلِلإِمَامِ (اليَعْمُرِيِّ) إنَّمَا

قَوْلُ (8)(أبي دَاوُدَ) يَحْكِي (مُسْلِما)

(1) رسالة أبي داود إلى أهل مكة، مطبوعة مع بذل المجهود 1/ 35، وفي نص الرسالة التي ساقها السيوطي بسنده في كتابه " البحر الذي زخر " 3/ 1117. وانظر: النفح الشذي 1/ 208، ونكت الزّركشيّ 1/ 336 - 342.

(2)

معرفة أنواع علم الحديث: 120.

(3)

((بين)): سقطت من (ق).

(4)

((أي)): سقطت من (ص).

(5)

في (ق): ((ما ليس فيه)).

(6)

فيه نظر، بل هو خطأ محض! لعدّة أمور، يطول المقام في سردها، منها: اختلاف روايات السنن، ففي بعض الروايات من أقوال أبي داود ما ليس في الأخرى، ثمّ إنّ أبا داود قد يضعّف الحديث بالراوي فإذا جاء هذا الراوي بحديث آخر يسكت أحياناً؛ لأنّه تقدم الكلام عليه عنده، ثم إنّ أبا عبيد الآجري في سؤالاته ينقل كثيراً من تضعيف أبي داود لبعض الأحاديث، وهو قد سكت عنها في سننه. وقد أطال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح 1/ 432 - 445 في بحث هذه المسألة، وذكر أمثلة كثيرة من الأحاديث الضعيفة التي سكت عنها أبو داود.

فينبغي التنبيه على: أنّ سكوت أبي داود لا يستفيد منه كل أحد، فقد قال الحافظ ابن حجر في النكت 1/ 439:((فلا ينبغي للناقد أن يقلّده في السكوت على أحاديثهم ويتابعه في الاحتجاج بهم، بل طريقه أن ينظر هل لذلك الحديث متابع فيعتضد به، أو هو غريب فيتوقف فيه؟)).

(7)

النكت 1/ 435 بتصرف.

(8)

في نسخة (ب) من متن الألفية: ((جمع)).

ص: 153

71 -

حَيثُ يَقُوْلُ: جُمْلَةُ الصَّحِيْحِ لا

تُوجَدُ عِنْدَ (مَالِكٍ) وَالنُّبَلا

(و) اعترضَ الحافظُ (ابنُ رُشَيْدٍ) - بضم الراء وفتح الشين - وَهُوَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ عُمَرَ السَّبْتيُّ (1) الإسكندرانيُّ ابنَ الصَّلاحِ حيثُ (قَالَ: وَهْوَ) أي: وَمَا قاله ابنُ رُشيدٍ (2)(مُتَّجِهْ) كما قالَهُ أَبُو الفتحِ اليَعْمُريُّ: ((لا يلزمُ (3) من كونِ الحديثِ لَمْ ينصَّ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُدَ بضَعْفٍ، ولا غيرُهُ بصِحَّةٍ، أَنْ يكونَ الحديثُ عندَه حَسَناً)) (4).

بَلْ (قَدْ يبلغُ الصِّحَّةَ عِنْدَ مُخْرِجِهْ) أي: أبي دَاوُدَ، وإنْ لَمْ يبلغْهُ عِنْدَ غيرِهِ؛ فالحكمُ لَهُ بالحسنِ، لا بالصحَّةِ تحكُّمٌ.

وجملةُ: (وَهْوَ متَّجِهْ) معترِضةٌ بَيْن القولِ ومقولِهِ، كَمَا أشرتُ إِليهِ. وأجابَ الناظمُ عَنِ الاعتراضِ:((بأنَّ ابنَ الصَّلاحِ إنَّما ذكرَ مالنا أنْ نعرفَ الحديثَ بِهِ عِنْدَ أبي داودَ، والاحتياطُ أَنْ لا يُبْلَغَ (5) بِهِ (6) درجةَ الصحةِ، وإنْ جازَ أنْ يبلغَها عِندَهُ؛ لأنَّ عِبارتَهُ:((فَهُوَ صالحٌ)) أي: للاحتجاجِ والعملِ بِهِ.

فإن كَانَ يرى الحسنَ رتبةً بَيْن الصَّحِيحِ والضَّعِيفِ، فالاحتياطُ مَا قالَهُ ابنُ الصلاحِ، أَوْ يرى - كبعضِهم - أنَّهُ ينقسمُ إلى صَحِيْحٍ وضعيفٍ، فما سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ صَحِيْحٌ، والاحتياطُ - أي (7): عَلَى الرأيينِ - أَنْ يُقالَ: صالحٌ كَما عبَّرَ هُوَ عَنْ نَفْسِهِ)) (8).

أي: لأنا لا نعلمُ أيُّهما رَأْيُهُ.

وَقَدْ أفاد كلامُ أبي داودَ عَلَى الرأي الأولِ مَعَ ما تقرَّرَ: أنَّ الحديثَ إذَا كَانَ بِهِ وَهْنٌ غيرُ شديدٍ، فَهُوَ حَسَنٌ يُحتجُّ بِهِ، سواءٌ أوُجِدَ لَهُ جابرٌ أَمْ لا؟ وإن كَانَ عِنْدَ (9)

(1) في (ق): ((البستي)).

(2)

((ابن رشيد)): لم ترد في (ص) و (ع).

(3)

في (م): ((إذ لا يلزم)).

(4)

النفح الشذي 1/ 218، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 198.

(5)

في (ع) و (ص): ((نبلغ)).

(6)

((به)): لم ترد في (ق).

(7)

((أي)): لم ترد في (ق) و (ع).

(8)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 198 - 199، والتقييد والإيضاح:53.

(9)

في (ص): ((عنده)).

ص: 154

غيرِهِ يحتاجُ إلى جابرٍ.

فما في كتابهِ سِتَّةُ أقسامٍ أَوْ ثَمَانِيَة (1):

1 -

صَحِيْحٌ لذاتِهِ.

2 -

صَحِيْحٌ لغيرِهِ.

3 -

حَسَنٌ لذاتِهِ.

4 -

حَسَنٌ لغيرِهِ، بلا وَهْنٍ فِيْهِمَا.

5 -

ما بِهِ وَهْنٌ شديدٌ.

6 -

ما بِهِ وَهْنٌ غيرُ شديدٍ.

وهذا قسمانِ:

1 -

ما لَهُ جابرٌ.

2 -

وَمَا لا جابرَ لَهُ.

وما قَبْلَهُ قِسمانِ:

1 -

ما بَيَّنَ وَهْنَهُ.

2 -

وما لَمْ يُبيِّنْ وَهْنَهُ.

(وللإمام) الحافظِ أبي الفَتْحِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مُحَمَّدِ (2) بنِ أَحْمَدَ ابنِ سيِّدِ الناسِ (اليَعْمُرِيِّ) - بفتحِ الياءِ، مَعَ فَتح الميمِ وضَمِّها - نسبةً إلى يَعْمُرَ بنِ شَدَّاخٍ (3) - بفتح المعجمةِ، وتشديدِ (4) المهملةِ، وآخرُه خاءٌ (5) معجمةٌ - من بني ليث -، اعتراضٌ آخرُ عَلَى ابنِ الصلاحِ، فإنَّه قَالَ (6):

لَمْ يَرْسُمْ أَبُو دَاوُدَ شيئاً بالحسن، (إنَّما قولُ أبي دَاوُدَ) أي: السابقُ، وَهُوَ: ذكرتُ فِيهِ الصحيحَ، وما يُشْبِهُهُ أي: في الصِّحَّةِ، ويقاربُهُ أي: فِيْهَا، كَمَا دلَّ لِذلِكَ

(1) انظر: النكت لابن حجر 1/ 435.

(2)

كلمة: ((محمّد)) الأخيرة: لم ترد في (ص).

(3)

انظر: الاشتقاق لابن دريد: 171، والتاج 7/ 278.

(4)

في (ص): ((وتشديد الدال)).

(5)

((خاء)): سقطت من (ع) و (ص).

(6)

النفح الشذي 1/ 208.

ص: 155

قولُهُ: بعضُها أصحُّ من بعضٍ، فإنَّه يُشيرُ إلى القَدْرِ المُشْتَرَكِ بَيْنَهُما، كَما (1) تَقْتَضيهِ صيغةُ أفعلَ في الأكثرِ، (يَحْكِي مُسْلِما) أي: يُشْبِه قولَهُ، (حَيثُ يَقُولُ) أي: مُسلمٌ في " صحيحِه "(2): (جملةُ الصَّحِيحِ لا تُوجَدُ عِنْدَ) الإمامِ (مَالِكٍ، والنُّبلا (3)) أي: الفُضلاءِ، كشُعبةَ، والثوريِّ.

72 -

فَاحْتَاجَ أنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ

إلى (يَزيْدَ بنِ أبي زيَادِ)

73 -

وَنَحْوِهِ، وإنْ يَكُنْ ذُو السَّبْقِ

قَدْ فَاتَهُ، أدْرَكَ بِاسْمِ الصِّدْقِ

74 -

هَلَاّ قَضَى عَلَى كِتَابِ (مُسْلِمِ)

بِمَا قَضَى عَلَيْهِ بِالتَّحَكُّمِ

(فَاحْتَاجَ) أي: مسلمٌ (أَنْ يَنْزِلَ في الإسْنَادِ)، عَنْ حَدِيثِ أهلِ الطَّبقَةِ الْعُليا في الحفظِ والإتقان، (إلى) حديثِ مَنْ يَلِيْهِم في ذَلِكَ، كحديثِ (يزيدَ بنِ أبي زيادِ، ونحوِهِ)، ك: ليثِ بنِ أبي سُلَيْمٍ، وعطاءِ بنِ السَّائبِ (4).

(وإنْ يَكُنْ ذُو) أي: صاحبُ (السَّبْقِ) في الحفظِ والإتقانِ، كمالكٍ (5) (قَدْ فَاتَهُ) أي: سَبَقَ بهما يزيدَ - مثلاً - فَقَدْ (أَدْرَكَ) أي: لحِقَه المسْبُوقُ (بِاسْمِ الصِّدْقِ)، والعدالةِ. فالضميرُ في ((فَاتَهُ)) عائدٌ لمَنْ ذُكِرَ من يزيدَ، ونحوِهِ، ويجوزُ عودُه لمسلمٍ.

أي: وإنْ يكنْ قَدْ فاتَ مسلماً الأخْذُ عَنْ ذي السَّبْقِ، لكونِ أحدِهما لَمْ يَسمعْ ذَلِكَ الحديثَ، فَقَدْ أدركَ غَرَضَهُ بالأخذِ عمَّنْ شارَكَ ذا السبقِ في اسمِ الصِّدقِ والعدالةِ.

فمعنى كلامِ مسلمٍ، وأبي داودَ واحدٌ، غَيْرَ أنَّ مسلماً اشترطَ الصَّحِيحَ، فاجتنبَ حديثَ الطَّبَقَةِ الثالثةِ، وَهُوَ الضَّعِيفُ الواهي، وأتى بالقسمينِ الأخيرين؛ وأبا داودَ لَمْ يشترطْهُ، فذكرَ ما يشتدُّ وَهْنُه عندَهُ، والتزمَ بيانَهُ (6).

(1) في (ص): ((لما)).

(2)

صحيح مسلم 1/ 5 - 6 (ط عبد الباقي).

(3)

في (م): ((النبلاء)) بتجويد الهمزة، خطأ.

(4)

شرح ألفية العراقي للسيوطي: 134.

(5)

المصدر السابق.

(6)

انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 200 - 201.

ص: 156

فَـ (هَلاّ قَضى) أي: ابنُ الصَّلاح (عَلَى كتابِ مُسْلِم بِما قَضى عَلَيْهِ (1)) أي: عَلَى أبي داودَ (بالتحكُّمِ) السابقِ.

فـ: ((التَّحَكُّمُ)) عائدٌ عَلَى (2)((مَا)) بإقامة الظاهرِ مقامَ المُضْمَرِ، ويجوزُ أَنْ يكونَ عائِدُها محذوفاً، و ((التَّحَكُّمُ)) بدلٌ مِنْها، أَوْ عطفُ بيانٍ عَلَيْهَا.

وأجابَ الناظمُ عَنْ الاعتراضِ: بأنَّ مسلماً التزمَ الصحةَ في كتابِه، فليسَ لَنَا أنْ نحكمَ عَلَى حديثٍ فِيهِ بأنَّهُ حَسَنٌ عندَهُ، وأبو دَاوُدَ إنَّما قَالَ:((ما سكَتُّ عَنْهُ، فَهُوَ صالحٌ)). والصالحُ يصدقُ بالصحيحِ وبالحسنِ، فالاحتياطُ أَنْ يُحكَمَ عَلَيْهِ بالحسنِ (3).

75 -

وَ (البَغَوِيْ) إذْ قَسَّمَ المَصَابحَا

إلى الصِّحَاحِ والحِسَانِ جَانِحا

76 -

أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ في السُّنَنْ

رَدَّ عَلَيهِ إذْ بِهَا غَيْرُ الحَسَنْ

77 -

كَانَ (أبُوْ دَاوُدَ) أقْوَى مَا وَجَدْ (4)

يَرْوِيهِ، والضَّعِيْفَ حَيْثُ لَا يَجِدْ

78 -

في البَابِ غَيْرَهُ فَذَاكَ عِنْدَهْ

مِنْ رَأيٍ اقْوَى قَالهُ (ابْنُ مَنْدَهْ)

79 -

وَالنَّسَئيْ (5) يُخْرِجُ مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا

عَليْهِ تَرْكاً، مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ

(و) الإمامُ الحافظُ، مُحْيي السُّنَّةِ، أَبُو مُحَمَّدٍ الحُسَينُ بنُ مسعودٍ (البَغَوِيْ) - بالإسكان للوزن، أَوْ لنيِّةِ الوقفِ -، نسبةً إلى ((بَغْ)) بلدةٍ من بلادِ خُرَاسَانَ، بَيْن مَرْوَ وهراةَ (6)، (إذ) أي: لكونِهِ (قَسَّمَ) كتابَهُ (المَصَابحا) - بحذف الياء؛ تخفيفاً -، (إلى الصِّحَاحِ والحِسَّانِ جَانِحا) أي: مائلاً إلى (أنَّ الحِسَانَ مَا رَوُوْهُ) أي: أَبُو داودَ، والتِّرْمِذِيُّ، والنَّسائيُّ، وغيرُهم (في) كُتُبِ (السُّنَنْ) من مؤلَّفاتِهِم، وإنَّ الصِّحَاحَ مَا

(1) في (ص): ((قضى به)).

(2)

((على)): سقطت من (ص).

(3)

التقييد والإيضاح: 54.

(4)

ضبطت في بعض النسخ بالبناء للمجهول، وكلاهما جائز.

(5)

قصد النّسائي وإنما قال: ((النسئي))؛ لضرورة الوزن، كما نبّه على ذلك الشارح.

(6)

انظر: معجم البلدان 1/ 467، والتاج 10/ 225.

ص: 157

رواهُ الشيخانِ في صَحِيحَيْهما، أَوْ أحدِهما (1).

(رَدَّ) أي: رَدَّهُ (عَلَيْهِ) ابنُ الصَّلاحِ بِأنَّ هَذَا اصطلاحٌ لا يُعْرَفُ، وَليسَ الحَسَنُ عِنْدَ أَهْلِ الحديثِ عبارةً عمَّا في السُّنَنِ، (إذ بها غَيْرُ الحَسَنْ) مِنَ الصَّحِيحِ والضَّعِيفِ (2).

فَقَدْ (كَانَ أَبُو داودَ) يتتبعُ مِن حديثِه (أَقْوَى مَا وَجَدْ) فـ (يَرْويهِ، و) يَروي (الضَّعِيفَ) الذي يُجْبَرُ، (حَيْثُ لَا يَجِدْ في البَابِ) حَدِيثاً (غَيْرَهُ، فَذَاكَ) أي: الضعيفُ (عِنْدَهْ مِنْ رأيٍ) أي: رأيِ (3) الرجالِ (اقْوَى) -بالدرجِ- كَمَا (قالَهُ ابْنُ مَنْدَهْ)، وَهُوَ أَبُو عبدِ اللهِ مُحَمَّدُ بنُ إسحاقَ (4). وتقديمُ (مِنْ) عَلَى أفعلِ التفضيلِ إذَا لَمْ يَكُنْ مجرورُها اسمَ استفهام -كَمَا هنا- قليلٌ (5).

(و) كَانَ أَبُو عبدِ الرَّحمانِ أَحْمَدُ بنُ شُعَيْبٍ (النَّسئيْ) -بحذفِ الألفِ، وبالإسكانِ للوزنِ، أَوْ لنيةِ الوقْفِ - لا يَقْتصِرُ في تخريجِهِ عَلَى المتَّفَقِ عَلَى قَبولِهِ، بَلْ (يُخْرِجُ) حَدِيثَ (مَنْ لَمْ يُجْمِعُوا) أي: أئِمَّةُ الحَدِيثِ (عَلَيْهِ تَرْكاً) أي: عَلَى تركِهِ،

(1) مصابيح السّنّة 1/ 2، 189.

(2)

انظر: معرفة أنواع علم الحديث: 122، وقد تعقبه البلقيني في " محاسن الاصطلاح ": 111، فقال:((لا يقال الاصطلاحات لا مشاحة فيها، فقد قال البغويّ: أردت بالصحيح ما خرج في كتاب الشيخين، وبالحسن: ما أورده أبو عيسى وأبو داود، وغيرهما، وما كان فيهما من غريب وضعيفٍ أشرت إليه، وأعرضت عن ذكر ما كان منكراً أو موضوعاً)). وكذلك رد عليه التاج التبريزي بنحو هذا كما سيأتي. وقد رجعنا إلى مصابيح السّنّة للإمام البغويّ، فوجدنا الحق مع البلقيني، فقد قال البغويّ في ديباجة كتابه: ((أعني بالصحاح: ما أخرجه الشيخان، أبو عبد الله محمّد بن إسماعيل الجعفي البخاريّ، وأبو الحسين مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري - رحمهما الله - في جامعهما أو أحدهما. وأعني بالحسان: ما أورده أبو داود،

، وما كان فيهما من ضعيف أو غريب أشرت إليه وأعرضت عن ذكر ما كان منكراً أو موضوعاً

)). المصابيح 1/ 110 وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 202 - 203.

(3)

في (ص): ((من رأي)).

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 121. وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 203، والنكت الوفية: 86/ب.

(5)

انظر على سبيل المثال: شرح ابن عقيل 2/ 184.

ص: 158

حَتَّى إنَّه يُخْرِجُ للمجهولينَ (1).

وَهُوَ - كَمَا زادَه الناظمُ - (مَذْهَبٌ مُتَّسِعُ).

قَالَ شَيْخُنا: فقولُ ابنِ مَنْدَه: ((وأبو (2) داودَ يأخذُ مأخذَ النَّسائيِّ)) (3)، يعني: فِي عَدمِ التقييدِ بالثِّقةِ، وإنِ اخْتَلَفَ صَنيعُهُمَا.

قَالَ: وما رُدَّ بِهِ عَلَى البَغَوِيِّ فِيْمَا مَرَّ، رَدَّه التاجُ التِّبْرِيزيُّ: بأنَّهُ لا مُشَاحَّةَ في الاصطلاحِ، وَقَدْ صرَّح البَغَوِيُّ في أَوَّلِ كتابِه بقوله: أعني بالصِّحاح: كَذَا، وبالحسانِ: كَذَا، وَلَمْ يقلْ أرادَ المُحَدِّثُوْنَ بِهِمَا كَذَا، فلا يَرِدُ عَلَيْهِ شيءٌ مما ذُكِرَ، خصوصاً وَقَدْ قَالَ: ومَا كَانَ فيها من ضَعِيْفٍ، أَوْ غريبٍ أَشرْتُ إِليهِ، وأَعْرضْتُ عَمَّا كَانَ مُنْكَراً أَوْ مَوْضُوْعاً (4).

(1) شروط الأئمة الستة: 19 لذا نجد في " سنن النسائي " الصحيح وغير الصحيح، وكتاب النسائي هو "السنن الكبرى" وهو عدّة روايات استعمل منها المزّي في التحفة تسع روايات، وقد طبع الكتاب في دار الكتب العلمية، 1991، بتحقيق: الدكتور عبد الغفار البنداري، وسيد كسروي، وهي طبعة ملفقة من عدّة روايات، وفيها من التصحيف والتحريف والسقط ما لا يخفى على أدنى طالب علم. وكتاب "المجتبى" - الذي طبع قديماً وهو المشهور المتداول، وإليه العزو عند الإطلاق - ليس من اختيار النسائي، بل هو من اختيار تلميذه أبي بكر أحمد بن محمد بن السني. نصّ على هذا الذهبي في " تذكرة الحفاظ " 3/ 940، وَفِي " السّير" 14/ 131، وقد أخطأ ابن الأثير في "جامع الأصول" 1/ 196 - 197 في أن المجتبى من اختيار النسائي، وأنّه أهدى السنن لأميرٍ فقال:((أصحيح كلّه؟)) قال: ((لا)) قال: فاكتب لنا منه الصّحيح، فجرد المجتبى. وقد ردّ الذهبي هذا في " السير " 14/ 131 فقال: ((

هذا لم يصحّ بل المجتبى اختيار ابن السني)).

وللشيخ شعيب الأرناؤوط تعليق نفيس في هذا الموضع دبجه يراعه في مراجعته لتهذيب الكمال 1/ 328 هامش (4) بعد قول الدكتور بشّار: ((مما يؤسف عليه أن كتاب " السنن الكبرى " لم يصل إلينا، ويظهر أنّه كان عزيزاً في فترات طويلة)). والعجب من الشيخ شعيب كيف سكت على هذا الكلام وفيه ما فيه، ولو كان في المقام سعة لتناولناه بالنقد، ولربّما كان السكوت خيراً من كل كلامٍ.

(2)

في (ق): ((أبي)).

(3)

انظر: النكت لابن حجر 1/ 484.

(4)

انظر: النكت لابن حجر 1/ 445 - 446.

ص: 159

80 -

وَمَنْ عَليها أطْلَقَ الصَّحِيْحَا

فَقَدْ أَتَى تَسَاهُلاً صَرِيْحَا

81 -

وَدُوْنَهَا في رُتْبَةٍ مَا جُعِلَا

عَلى المَسَانِيْدِ، فَيُدْعَى الجَفَلَى (1)

82 -

كَمُسْنَدِ (الطَّيَالَسِيْ) و (أحْمَدَا)

وَعَدُّهُ (لِلدَّارِميِّ) انْتُقِدَا (2)

83 -

والحُكْمُ لِلإسْنَادِ بِالصِّحَّةِ أوْ

بِالْحُسْنِ دُوْنَ الحُكْمِ لِلمَتْنِ رَأَوْا

84 -

وَاقْبَلْهُ إنْ أَطْلَقَهُ مَنْ يُعْتَمَدْ

وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ

(وَمَنْ عَلَيْهَا) أي: كُتُبُ السُّنَنِ كلُّها، أَوْ بعضُها (أطْلَقَ الصَّحِيْحَا)، كالحاكم (3)، حَيْثُ أَطْلقَهُ عَلَى "سُنَنِ" أبي داودَ، والتِّرْمِذِيِّ، وكابنِ مَنْدَه (4) حَيْثُ أطلقَهُ عَلَى سُنَنِ أبي دَاوُد، وَالنَّسَائِيِّ؛ وكأبي طاهرٍ السِّلَفِيِّ (5)، حَيْثُ قَالَ: اتَّفَقَ عُلَمَاءُ المشْرقِ والمغْربِ (6) عَلَى صِحَّةِ الكُتُبِ الخمسةِ (7)؛ (فَقَدْ أتَى تَسَاهُلاً صَرِيحا)، إذ فِيها مَا صرَّحُوا بأنَّهُ ضَعِيْفٌ، أَوْ منكرٌ، أَوْ نحوُهُ (8).

(1) في نسخة (أ) و (ب) و (ج) من متن الألفية و (ص) و (ق) و (ع) و (م): ((الجفلا))، والصواب ما أثبتناه، انظر: اللسان 11/ 114 (جفل).

(2)

هذا البيت ساقط من نسخة (ج) من متن الألفية.

(3)

معرفة أنواع علم الحديث: 125 - 126.

(4)

النكت لابن حجر 1/ 481.

(5)

بكسر السين وفتح اللام وانظر في سبب هذه النسبة: الأنساب 3/ 297، ووفيات الأعيان 1/ 107، ونكت الزّركشيّ 1/ 381، ونكت ابن حجر 1/ 489، وتاج العروس 23/ 460.

(6)

قول أبي طاهر السلفي، أجاب عنه المصنّف في كتابه " التقييد والإيضاح ": 62 فقال - معقّباً على ابن الصّلاح-: ((وإنّما قال السلفي بصحة أصولها كذا ذكره في مقدّمة الخطّابي (معالم السنن 4/ 357)، فقال: وكتاب أبي داود فهو أحد الكتب الخمسة التي اتفق أهل الحل والعقد من الفقهاء وحفّاظ الحديث الأعلام النبهاء على قبولها والحكم بصحة أصولها))، ثم قال المصنف:((ولا يلزم من كون الشيء له أصل صحيح أن يكون صحيحاً))، فلا ندري لماذا جعل المصنف هنا كلامه في موضع النقد مع أنه انتقد غيره على مثله.

(7)

هي الكتب الستّة، خلا ابن ماجه، إذ لم تضف إليها إلا بعد القرن السادس، قال البقاعي في النكت الوفية: 77/ ب: ((وأول من ضمّ ابن ماجه إليها ابن طاهر المقدسي؛ فلم يقلّد في ذلك فلما ضمنه الشيخ عبد الغني إليها في كتابه " الكمال " تابعه الناس)).

(8)

قال ابن الصّلاح في معرفة أنواع علم الحديث: 126 ((وهذا تساهلٌ؛ لأن فيها ما صرّحوا بكونه ضعيفاً أو منكراً أو نحو ذلك من أوصاف الضّعيف)). وانظر: النكت لابن حجر 1/ 482.

ص: 160

(وَدُونَها فِي رُتْبَةٍ) أي: رُتْبَةِ الاحتجاجِ (مَا جُعِلا) أي: ما صُنِّفَ (عَلَى المسَانيدِ)، وَهُوَ: مَا أُفْرِدَ فِيهِ حَدِيثُ كُلِّ صَحَابِيٍّ عَلَى حدةٍ من غَيْرِ تَقْيِيْدٍ بما يحتجُّ بِهِ غالباً؛ فيكونُ عامّاً، بخلافِ مَا صُنِّف عَلَى الأبوابِ، فإنَّه إنما يُذكَرُ فِيهِ مَا يحتجُّ بِهِ غالباً، فيكونُ خاصّاً.

(فَيُدعَى) أي: فبسببِ عُمومِ مَا في المسانيدِ، يُسَمَّى الحَدِيثُ فيها الدعوةَ (الجَفَلَى) - فتح الجيم والفاء مقصوراً - أي: العامةَ (1).

والنَّقَرَى - بزِنَة الجَفَلَى -: الدعوةُ الخاصَّةُ. يقالُ: فلانٌ يَدْعُو الجَفَلَى، إذَا عَمَّ بدعوتِهِ (2)، وفلانٌ يَدْعُو النَّقَرَى، إذَا خَصَّ بها قَوْماً دُوْنَ قومٍ (3).

قَالَ طَرَفَةُ (4):

نَحْنُ في المَشْتَاةِ نَدْعو الجَفَلَى

لا تَرَى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ (5)

والمَشْتَاةُ - بفتح الميم -: الشِّتاءُ (6)، والآدِبُ اسمُ فاعِلٍ اسمُ من الأدْب -بفتحٍ ثُمَّ سكون-: وَهُوَ (7) الدعوةُ إلى الطعامِ، كالمأْدُبَةِ، ويقالُ: المَأدُبَةُ للطعامِ الذي يُدْعَى إِليهِ أَيْضاً، ويقالُ في فعلِها: أدَبَه أدْباً وآدَبَه إيْداباً، أي: دَعَاْهُ (8).

(1) قال الحافظ العراقي في شرح التبصرة والتذكرة1/ 207: ((كنى به عن بيان كون المسانيد دون السّنن في مرتبة الصّحّة؛ لأن من جمع مُسْنَد الصّحابيّ يجمع فِيهِ مَا يقع لَهُ من حديثه، سواءٌ كَانَ صالحاً للاحتجاج أم لا؟)).

وقال البقاعي في النكت الوفية: 76/ ب: ((فإن من شأن المسند أن يذكر فيه ما ورد عن ذلك الصّحابيّ جميعه فيدعى الحديث فيه الدعوة الجفلى أي: العامة للضيف وغيره بخلاف المرتب على الأبواب؛ فإن شأنه أن يساق الحديث فيه للاحتجاج، والمحتج من شأنه أن لا يورد لإثبات دعواه إلا المقبول، فالمبوب إذا قال: باب كيت وكيت فكأنه قال إنه ادعى أنّ الحكم في المسألة الفلانية كذا وكذا بدليل ما حدثنا فلان عن فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا

الخ)).

(2)

انظر: لسان العرب 11/ 114 (جفل).

(3)

انظر: المصدر السابق 5/ 230 (نقر).

(4)

وهو: طرفة بن العبد بن سفيان البكري الوائلي، شاعر جاهلي. انظر: الأعلام3/ 225.

(5)

البيت من الرمل، وهو في ديوانه:84.

(6)

انظر: اللسان 14/ 421 (شتا).

(7)

في (ص) بعد كلمة ((هو)): ((بفتح الدال وضمها)). وفي (ع): ((وهي الدعوة)).

(8)

انظر: اللسان 2/ 5 (أدب).

ص: 161

والمسانيدُ (كمُسْنَدِ) أبي داودَ (الطَّيَالِسِيْ)(1) - بالإسكان للوزن، أَوْ لِنِيَّةِ الوَقْفِ - نسبةً إلى الطَّيَالِسَة التي تُلْبَس عَلَى العمائِمِ (2).

(و) كمسندِ الإمامِ (أَحْمَدَ) بنِ حنبلٍ (3).

(وَعَدُّهُ) أي: ابنُ الصَّلاح (للدَّارِمِيِّ) أي: لِمُسْنَدِ الحافظِ أبي مُحَمَّدٍ عبدِ اللهِ بنِ عبدِ الرحمانِ الدَّارِمِيِّ نسبةً إلى دارِمِ بنِ مالكٍ، بطنٍ من تميمٍ (4) - في المسانيدِ (انْتُقِدا) عَلَيْهِ؛ فإنَّه مُرتَّبٌ عَلَى الأبوابِ، لا عَلَى المسانيدِ (5).

إذَا عُرِفَ ذَلِكَ، فطريقُ مَنْ أرادَ الاحتجاجَ بحديثٍ من السُّنَنِ، أَوْ من المسانيد أنَّه إنْ كَانَ متأهّلاً لمعرفةِ ما يحتجُّ بِهِ مِنْ غيرِهِ، فلا يَحتجُّ بِهِ، حَتَّى ينظرَ في اتِّصالِ إسنادِهِ، وحالِ رُواتِهِ، وإلاّ فإن وَجَدَ أحداً من الأئِمَّةِ صحَّحَهُ، أَوْ حَسَّنَهُ فَلَهُ تقليدُهُ، وإلَاّ فلا يُحتجُّ بِهِ (6).

ولَمَّا أنهى الكلامَ عَلَى القسمينِ (7) عقَّبَهُمَا بما يَتَعلَّقُ بهما، فَقَالَ:(والحُكْمُ) الواقعُ مِنَ المُحَدِّثِ (للإسنادِ بالصِّحَّةِ، أَوْ بالحُسْنِ)، كهذا حَدِيثٌ إسنادُهُ صَحِيْحٌ، أَوْ حَسَنٌ، (دُوْنَ الحُكْمِ) مِنْهُ بذلك (لِلمَتْنِ)، كهذا حَدِيثٌ صَحِيْحٌ، أَوْ حَسَنٌ (رَأَوْا)؛ لأنَّه لا تَلازُمَ بَيْن الإسنادِ، والمتنِ؛ صِحَّةً، ولا حسناً؛ إذ قَدْ يَصِحُّ الإسنادُ، أَوْ يحسنُ؛ لاجتماعِ شروطِه من الاتصالِ، والعدالَةِ، والضَّبْطِ، دُوْنَ المتنِ، لقادحٍ من شُذُوذٍ، أَوْ علَّةٍ (8).

(1) في المطبوع نقص لعدة مسانيد من الصحابة، وهو من رواية يونس بن حبيب، عنه وفي المطبوع قرابة ألف حديث عن شعبة بن الحجّاج شيخ أبي داود، ونحن نواصل السير في تحقيق هذا المسند تحقيقاً علمياً رصيناً، يجلّي نصوصه ويتكلّم على أحاديثه يسّر الله تعالى لنا إكماله وطبعه، بعونه ومنّه وكرمه.

(2)

انظر: الأنساب 4/ 68.

(3)

مسند الإمام أحمد بن حنبل، طبع قديماً بمصر، وهي معروفة بـ (الميمنية)، وطبع أيضاً بتحقيق العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر رحمه الله ولكنه لم يكمله، ويقوم بتحقيقه الآن الشيخ شعيب الأرنؤوط.

(4)

انظر: الأنساب 2/ 503.

(5)

انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 207، والتقييد والإيضاح: 59، والنكت الوفية 81/ 4، وكتاب الدارمي طبع بشرح وتحقيق السيد أبي عاصم نبيل بن هاشم الغمري في السعودية عام (1999م) في عشر مجلدات، انتهى فيه محققه إلى أن اسم الكتاب:" المسند الجامع " معتمداً في ذلك على نسخه الخطية، والله أعلم.

(6)

انظر: التقييد: 57.

(7)

في (ع): ((القسمين الأوليين)).

(8)

ولذلك يقول الإمام الزيلعي في نصب الراية1/ 347: ((وصحة الإسناد يتوقف على ثقة الرجال، ولو فرض ثقة الرجال لم يلزم منه صحّة الحديث، حتّى ينتفي منه الشذوذ والعلة)). وانظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209.

ص: 162

(و) لكنْ (اقْبَلْهُ) أي: الحكمَ للإسنادِ بذلك في المتن أَيْضاً، (إنْ أَطْلَقَهُ من يُعْتَمَدْ) عَلَيْهِ، (وَلَمْ يُعَقِّبْهُ بضَعْفٍ يُنْتَقَدْ) بِهِ المتنُ؛ إذِ الظَّاهرُ من مِثْلِهِ الحُكْمِ لَهُ بالصِّحَّةِ، أَوْ بالحسنِ؛ لأنَّ الأصلَ عَدمُ القادحِ، نظراً إلى أَنَّ مثلَ مَنْ ذُكرَ (1)، إنَّما يُطلقُ بعدَ الفَحْصِ عَنِ انتفاءِ القادحِ (2).

85 -

وَاسْتُشْكِلَ الحُسْنُ مَعَ الصِّحَّةِ في

مَتْنٍ، فَإنْ لَفْظاً يُرِدْ فَقُلْ: صِفِ

86 -

بِهِ الضَّعِيْفَ، أوْ يُرِدْ مَا يَخْتَلِفْ

سَنَدُهُ، فَكَيْفَ إنْ فَرْدٌ وُصِفْ؟

87 -

وَ (لأَبِي الفَتْحِ) في الاقْتِرَاحِ

أنَّ انفِرَادَ الحُسْنِ ذُوْ اصْطِلَاحِ

88 -

وَإنْ يَكُنْ صَحَّ فَليْسَ يَلْتَبِسْ

كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ لَا يَنْعَكِسْ

89 -

وَأوْرَدوا مَا صَحَّ مِنْ أفْرَادِ

حَيْثُ اشْتَرَطْنَا غَيْرَ مَا إسْنَادِ

(واسْتُشْكِلَ الحُسْنُ) الواقعُ جمعُه في كلامِ التِّرْمِذِيِّ، وغيرِهِ، (مَعَ الصِّحَّةِ في مَتْنٍ) واحدٍ، كهذا حَدِيثٌ ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ))، لما مَرَّ من أنَّ الحسنَ قاصرٌ عَنْ الصَّحِيحِ، فكيفَ يُجمعُ بَيْنَهُما في حَدِيثٍ واحدٍ؟ (3)

(1) في (ق): ((ذكرنا)).

(2)

قال التاج التبريزي: ((ولقائل أن يقول: لا نسلم أن قولهم: هذا صحيح الإسناد يحتمل كونه شاذاً أو معللاً مردوداً؛ ليكون دُوْنَ قولهم: هَذَا حَدِيث صَحِيْح، فإن صحّة الإسناد مستلزمة بصحة المَتْن دُوْنَ العكس، والحكم بصحة الإسناد مَعَ احتمال عدم صحته بعيد جداً)). البحر الذي زخر 3/ 1249 - 1250. قَالَ الزّركشيّ 1/ 367 منتصراً لابن الصّلاح: ((هَذَا فِيهِ نظر، وَقَدْ تقدم في كلام المصنف أنهم إذا قالوا: ((هَذَا حَدِيث صَحِيْح))، فمرادهم اتصال سنده، لا أنه مَقْطُوْع بِهِ في نَفْس الأمر، وَقَدْ تكرر في كلام المزي والذهبي وغيرهما من المتأخرين ((إسناده صالح والمتن منكر)). ولكن الحافظ ابن حجر اختار أن التلازم بين الحكم بصحة الإسناد وصحة المتن أغلبي، وما ندّ عن هذه القاعدة قليل لا يصلح التعويل عليه، فضلاً عن تأسيس قاعدة عليه، فقال:((لا نسلم أن عدم العلة هو الأصل، إذ لو كان هو الأصل ما اشترط عدمه في شرط الصّحيح، فإذا كان قولهم: صحيح الإسناد يحتمل أن يكون مع وجود العلة لم يتحقق عدم العلة، فكيف يحكم له بالصحة؟)). ومن ثمّ فرق بين حكم الحافظ المعتمد، وبين من عرف من حالة التفريق في الحكم بين السند والمتن وبين من لم يعرف عنه ذلك. النكت 1/ 474.

(3)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 209 - 210.

ص: 163

وجوابُه: أَنْ يُقالَ: قائلُ ذَلِكَ إما يريدُ الحُسْنَ اللُّغويَّ، أَوْ الاصطلاحيَّ. (فَإنْ لَفْظاً) أي: فإن (يُرِدْ) قائلُهُ بالحُسْنِ حُسْنَ لفظِه، فَهُوَ كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاحِ غيرُ مستنْكَرٍ (1)، وبه يزولُ الإشكالُ.

لكن تعقَّبَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ (2)، بأنَّهُ إنْ أرادَ ذَلِكَ (فَقُلْ) لَهُ:(صِف بِهِ) أي: بالحسنِ (الضعيفَ) أي: فيلزمُك أَنْ تُطلقَهُ عَلَى الضَّعِيفِ، وإن بلغَ رُتبةَ الوضعِ، إذَا كَانَ حَسَنَ اللفظِ، ولا قائلَ بِهِ من المُحَدِّثِيْنَ، إذَا جَرَوْا عَلَى اصطلاحِهِم (3).

(أَوْ) إنْ (يُرِدْ) بِهِ (ما يختلفْ سندُهُ)، بأَنْ يكونَ للحديثِ إسنادٌ حسنٌ، وإسنادٌ صحيحٌ فَجَمَعَ -كَمَا قَالَ ابنُ الصَّلاح- بَيْنَ الوصفينِ، باعتبارِ تعدُّدِ الإسنادينِ، وبه يزولُ الإشكالُ (4).

لكن تعقَّبَهُ ابنُ دقيقِ العيدِ أَيْضاً، بأنَّه وإنْ أمكنَ ذَلِكَ فِيْمَا روي من غيرِ وجهٍ لاختلافِ مَخْرَجِهِ، (فكيفَ) يمكنُ (إنْ) حديثُ (فردٌ وُصِفْ)؟ بِذلكَ، بأنْ لا يكونَ لَهُ إلَاّ مَخْرَجٌ واحدٌ؟ (5)

كَمَا يقعُ في كلامِ التِّرْمِذِيِّ كثيراً، حَيْثُ يَقُولُ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إلَاّ مِن هَذَا الوجهِ، أَوْ لا نَعرِفُهُ إلَاّ مِن حَدِيثِ فُلَانٍ (6).

(ولأَبِي الفَتْحِ) مُحَمَّدٍ تقي الدِينِ بنِ عَلِيِّ بنِ وَهْبٍ القُشَيْرِيِّ، المعروفِ بابنِ دقيقِ العيدِ، (في) كتابِهِ:(الاقْتِرَاحِ)(7) في علمِ الحديثِ، جوابٌ عَنْ الإشكالِ (8) بَعْدَ ردِّهِ الجوابينِ السابقينِ، كَمَا مَرَّ.

(1) معرفة أنواع علم الحديث: 125.

(2)

الاقتراح: 174.

(3)

انظر: شرح التبصرة والتذكرة 1/ 210.

(4)

معرفة أنواع علم الحديث: 125.

(5)

انظر: الاقتراح 173، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 210.

(6)

المصادر السابقة، وانظر: النزهة: 94 - 95.

(7)

الاقتراح: 175 - 176.

(8)

وهناك أجوبة أخرى تراجع في النكت الوفية: 88/ أ.

ص: 164

وحاصلُه: (أنَّ انْفِرادَ الحُسْنِ ذُوْ اصطِلاحِ) أي: أنَّ الحسنَ الواقعَ في سَنَدٍ، أَوْ متنٍ، هُوَ للمعنى (1) الاصطلاحيِّ المُشْتَرَطِ فِيهِ القصورُ عَنْ الصِّحَّة، (وإنْ يَكُنْ) أي: الحَدِيثُ (صَحَّ) أي: صَحِيْحاً، (فَليسَ يَلْتَبِسْ) حينئذٍ الجمعُ بينِ الوصفينِ، لحصولِ الحسن لا محالةَ تبعاً للصحَّةِ.

لأنَّ وجودَ الدرجةِ العُلْيا، كالحفظِ والإتقانِ، لا يُنافي وجودَ الدُّنيا، كالصدقِ وَعَدمِ التُّهمةِ بالكَذِبِ؛ فيصحُّ أَنْ يُقالَ في هَذَا: إنَّهُ حَسَنٌ باعتبارِ وُجودِ الصِّفةِ الدنيا، صَحِيْحٌ باعتبارِ وجودِ العليا (2).

قَالَ: وعلى هَذَا (كُلُّ صَحِيْحٍ حَسَنٌ) و (لَا يَنْعَكِسْ) أي: وليسَ كُلُّ حسنٍ صَحِيْحاً (3).

وسبقَهُ إلى ذَلِكَ ابنُ الموَّاقِ (4)، فَقَالَ: لَمْ يخصَّ التِّرْمِذِيُّ الحَسَنَ بصفةٍ تُميِّزُه عَنْ الصَّحِيحِ، فلا يكونُ صَحِيْحاً إلَاّ وَهُوَ غَيْرُ شاذٍّ، ورواتُه ثِقاتٌ، ولهذا لا يكادُ يقولُ في حديثٍ يُصَحِّحُهُ إلَاّ:((حَدِيثٌ حَسنٌ صَحِيْحٌ))؛ فلا منافاةَ في الجَمْعِ بَينَهُما.

(و) لكنَّ ابنَ سيِّدِ الناسِ (5)، وغيرَهُ، قَدْ (أوْرَدُوا) عَلَى ذَلِكَ (ما صَحَّ مِنْ) أحاديثِ (أفْرَادِ) أي: ليسَ لها إلَاّ إسنادٌ واحدٌ، (حيثُ اشْتَرطْنَا) كالتِّرْمذيِّ في الحَسَن (غَيْرَ مَا إسْنادِ)، بزيادةِ ((مَا)).

وحاصلُهُ: أنَّ التِّرْمِذِيَّ، وموافقِيهِ اشترطوا في الحسنِ أن يُرْوَى من غيرِ ما وجهٍ، بخلافِ الصَّحِيحِ، فانتفى أَنْ يكونَ كُلُّ صَحِيْحٍ حسناً، فالأفراد الصحيحةُ ليستْ حسنةً عندَهُ.

(1) في (ع) و (ص): ((المعنى)).

(2)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 212، والتقييد والإيضاح:61.

(3)

الاقتراح: 175 - 176.

(4)

شرح التبصرة والتذكرة 1/ 212.

(5)

النفح الشذي 1/ 291، وشرح التبصرة والتذكرة 1/ 213.

ص: 165

فأجابَ عَنْهُ الناظِمُ: ((بإنَّ التِّرْمِذِيَّ إنَّما يشترطُ في الحسنِ ذَلِكَ، إذَا لَمْ يبلغْ رتبةَ الصَّحِيحِ، وإلَاّ فلا يَشْترِطهُ، بدليل قولِه كثيراً: ((هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ غريبٌ))، فلما ارتفعَ إلى رتبةِ الصِّحَّةِ أثبتَ لَهُ الغرابةَ باعتبارِ فرديَّتِهِ)) (1).

هَذَا وَقَدْ أجابَ شيخُنا (2) عَنْ أصلِ الإشكالِ: ((بأنَّ الحَدِيثَ إنْ كَانَ فرداً، فإطلاقُ الوصفينِ من المجتهدِ يَكُونُ لتردُّدِ أئِمَّةِ الحَدِيثِ في حالِ ناقلِهِ، هل اجتمعَتْ فِيهِ شُروطُ الصِّحَّةِ، أَوْ قصرَ عنها؟

فيقولُ فِيهِ: حَسَنٌ باعتبارِ وصفٍ عِنْدَ قومٍ، صَحِيْحٌ باعتبارِ وصفِهِ عِنْدَ قومٍ، غايتُه أنَّه حذفَ مِنْهُ حرفَ التردُّدِ؛ لأنَّ حقَّهُ أنْ يَقُولَ:((حَسَنٌ أَوْ صَحِيْحٌ)).

وَعَلَيْهِ فما قِيلَ فِيهِ: ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ)) دُوْنَ ما قِيلَ فِيهِ: ((صَحِيْحٌ))؛ لأنَّ الجزمَ أقوى مِنَ التردُّدِ.

وإنْ لَمْ يَكنْ فَرداً فالإطلاقُ يَكُونُ باعتبارِ إسنادينِ: أحدُهما صَحِيْحٌ، والآخرُ حَسَنٌ.

وَعَلَيْهِ: فما قِيلَ فِيهِ: ((حَسَنٌ صَحِيْحٌ)) فَوْقَ ما قيلَ فِيهِ: ((صَحِيْحٌ))؛ لأنَّ كثرةَ الطُّرُقِ تُقَوِّي)).

(1) شرح التبصرة والتذكرة 1/ 215. والذي يبدو لنا، عدم الخوض في تفسير ذلك، فإنه تعب ليس وراءه إربٌ، فالترمذي له اصطلاحاته الخاصّة به، بل إنّه قال: ((حسنٌ صحيحٌ)) على كثير من الأحاديث التي فيها مقال، فانظر الأحاديث: (324) و (356) و (785) و (873) و (989) و (902) و (1853) و (1854) و (1858) و (1924) و (2002) و (2039) و (2078) و (2923) و (3320).

لذا فإنّ عدداً من العلماء انتقد الترمذي وعدّه متساهلاً في تصحيح الأحاديث، منهم: الإمام الذهبي في مواضع من " الميزان "، انظر مثلاً: 3/ 407 و 4/ 416، ونقل في ترجمة كثير بن عبد الله المزني من الميزان 3/ 407: أن العلماء لا يعتمدون على تصحيحه. وانظر: الجامع الكبير 1/ 25 - 32.

(2)

انظر: النزهة 93 - 94.

ص: 166