الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: نشأته
وُلِد الحافظ العراقي - كما سبق - في مصر، وحمله والده صغيراً إلى الشيخ القناوي؛ ليباركه، إذ كَانَ الشَّيْخ هُوَ البشير بولادة الحَافِظ، وَهُوَ الَّذِي سمَّاه أيضاً (1)؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلاً مَعَ ولده، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته والطفل لَمْ يزل بَعْدُ طريَّ العود، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره (2)، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده، والذي يغلب عَلَى ظننا أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه (3)؛ وذلك لأن أقدم سماع وجد له كان سنة (737 هـ) بمعرفة القناوي (4)، وكان يُتَوقّعُ أن يكون له حضور أو سماع من الشيخ، إذ كان كثير التردد إليه سواء في حياة والده أو بعده، وأصحاب الحديث عند الشيخ يسمعون منه؛ لعلوِّ إسناده (5).
وحفظ الزينُ القرآنَ الكريمَ والتنبيه وأكثر الحاوي مَعَ بلوغه الثامنة من عمره (6)، واشتغل في بدء طلبه بدرس وتحصيل علم القراءات، وَلَمْ يثنِ عزمه عَنْهُ إلا نصيحة شيخه العزّ ابن جَمَاعَة، إذ قَالَ لَهُ: إنه علم كَثِيْر التعب قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن فاصرف همَّتك إلى الحَدِيْث (7). وَكَانَ قَدْ سبق لَهُ أن حضر دروس الفقه عَلَى ابن عدلان، ولازم العماد مُحَمَّد بن إسحاق البلبيسي (8)، وأخذ عَنْ الشمس بن اللبان، وجمال الدين الإسنوي الأصولَ (9) وَكَانَ الأخير كَثِيْر الثناء عَلَى فهمه، ويقول: ((إنَّ ذهنه
(1) لحظ الألحاظ: 220 - 221، وطبقات الحفَّاظ:543.
(2)
لحظ الألحاظ: 221.
(3)
الضوء اللامع 4/ 171.
(4)
لحظ الألحاظ: 221.
(5)
الضوء اللامع 4/ 171.
(6)
لحظ الألحاظ: 227.
(7)
لحظ الألحاظ: 221، الضوء اللامع 4/ 172.
(8)
الضوء اللامع 4/ 172.
(9)
لحظ الألحاظ: 221.
صَحِيْح لا يقبل الخطأ)) (1)، وكان الشيخ القناوي في سنة سبع وثلاثين - وهي السنة التي مات فيها - قد أسمعه على الأمير سنجر الجاولي، والقاضي تقي الدين بن الأخنائي المالكي، وغيرهما ممّن لم يكونوا من أصحاب العلوِّ (2).
ثمَّ ابتدأ الطلب بنفسه، وكان قد سمع على عبد الرحيم بن شاهد الجيش، وابن عبد الهادي، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا (3)، وصرف همَّته إلى التخريج وكان كثير اللهج بتخريج أحاديث " الإحياء " وله من العمر -آنذاك- عشرون سنة (4)، وقد فاته إدراك العوالي مما يمكن لأترابه ومَن هو في مثل سنّه إدراكه، ففاته يحيى بن المصري - آخر مَن روى حديث السِّلَفي عالياً بالإجازة (5) - والكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب بن العلاّق (6)، وكان أوّل مَن طلب عَلَيْهِ: الحافظ علاء الدين بن التركماني في القاهرة وبه تخرّج وانتفع (7)، وأدرك بالقاهرة أبا الفتح الميدومي، فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسناداً (8)، ولم يلقَ من أصحاب النجيب غيره (9)، ومن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الأيوبي (10)، ومن ثَمَّ شدَّ رحاله - على عادة أهل الحديث- إلى الشام قاصداً دمشق فدخلها سنة (754 هـ)(11)، ثُمَّ عادَ إليها بعد ذلك سنة (758هـ)، وثالثة في سنة (759 هـ)(12)، ولم تقتصر رحلته الأخيرة على دمشق بل رحل إلى غالب
(1) الضوء اللامع 4/ 172.
(2)
الضوء اللامع 4/ 171.
(3)
شذرات الذهب 7/ 55.
(4)
الضوء اللامع 4/ 173.
(5)
الضوء اللامع 4/ 171.
(6)
شذرات الذهب 7/ 56.
(7)
الضوء اللامع 4/ 172.
(8)
شذرات الذهب 7/ 56.
(9)
الضوء اللامع 4/ 172.
(10)
الضوء اللامع 4/ 172.
(11)
لحظ الألحاظ: 223.
(12)
المصدر السابق.