الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كِتَاب السُّنَّةِ
بَابُ شَرْحِ السُّنَّةِ
4596 -
حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «افْتَرَقَتِ
===
كِتَاب السُّنَّةِ
بَابُ شَرْحِ السُّنَّةِ
أراد به بيان عقايد أهل السنة وسماها سنة؛ لأن السنة تقابل البدعة، وقد اشتهر تسمية العقيدة الباطلة بدعة حتى لا يفهم من المبتدع إلا صاحب تلك العقيدة، وأما الفعل المخالف للشريعة فيسمى صاحبه فاسقًا أو عاصيًا، وأيضًا قد اشتهر عندهم تسمية أهل الحق في العقائد بأهل السنة وما هو إلا لتسميتهم تلك العقائد باسم السنة، فجرى عليها المصنف رحمه الله تعالى.
4596 -
"تفترق أمتي" قالوا: المراد أمة الإجابة وهم أهل القبلة، فإن اسم الأمة مضافًا إليه صلى الله عليه وسلم ينصرف إلى أمة الإجابة عرفًا، والمراد بتفرقهم: تفرقهم في الأصول والعقائد لا في الفروع والعمليات، قال الإمام أبو منصور: قد علم أصحاب المقالات أنه صلى الله عليه وسلم لم يرد بالفرقة المذمومة المختلفين في فروع الفقه من أبواب الحلال والحرام، وإنما قصد بالذم من خالف أهل الحق في أصول التوحيد وفي تقدير الخير والشر وفي موالاة الصحابة وما جرى مجرى هذه الأبواب؛ لأن المختلفين فيها قد كفر بعضهم بعضًا بخلاف النوع الأول، فإنهم اختلفوا فيه من غير تفسيق وتكفير للمخالف فيه، فرجع تأويل الحديث في افتراق الأمة إلى هذا
الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفَرَّقَتِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى أَوْ ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً».
4597 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ، ح وحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَفْوَانُ، نَحْوَهُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَزْهَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَرَازِيُّ، عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْهَوْزَنِيِّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، أَنَّهُ قَامَ فِينَا فَقَالَ: أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
===
النوع من الاختلاف، وقد حدث في آخر أيام الصحابة خلاف القدرية من معبد الجهني وأتباعه وتبرأ منهم المتأخرون من الصحابة كعبد الله بن عمر وجابر وأنس ونحوهم، ثم حدث الخلاف بعد ذلك شيئًا فشيئًا إلى أن تكاملت الفرق الضالة اثنين وسبعين فرقة والثالثة والسبعون هم أهل السنة والجماعة، وهي الفرقة الناجية ثم سر أسماءهم وعقائدهم. اهـ.
قلت: سيظهر أن في بعض ذلك نظر والله تعالى أعلم.
4597 -
"ملة" أي فرقة قيل: الملة في الأصل ما شرع الله لعباده من الدين، ثم اتسعت فاستعملت في الملل الباطلة، فقيل الكفر ملة واحدة والمعنى أنهم يفترقون فرقًا يتدين كل واحد منهم بخلاف ما تتدين به الأخرى، فسمى طريقهم ملة مجازًا.
"ستفترق" قيل: السين للإشارة إلى أن الاختلاف متراخ عن حياته صلى الله عليه وسلم، أو هي لمجرد التأكيد، والمقصود الإخبار بأن الافتراق يقع البتة ولا يتصدر خلافه في النار، قيل: إن أريد الخلود فيها فهو خلاف الإجماع، فإن المؤمنين لا يخلدون في النار، وإن أريد مجرد الدخول فيها فهو مشترك بين الفرق إذ ما من فرقة إلا
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ: " أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ: ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ «زَادَ ابْنُ يَحْيَى،
===
وبعضهم عصاة، والقول بأن معصية الفرق الناجية مطلقًا مغفور بعيد جدًّا.
أجيب: بأن المراد أنهم في النار؛ لأجل اختلال العقائد فمعنى وواحدة في الجنة، أنهم لا يدخلون النار لأجل اختلال في العقائد أو المراد بكونهم في النار طول مكثهم فيها وبكونهم في الجنة أن لا يطول مكثهم في النار، وعبر عنه بكونهم في الجنة ترغيبًا في تصحيح العقائد.
قلت: بقي أنه يلزم أن لا يعفى عن البدعة الاعتقادية كما لا يعفى عن الشرك؛ إذ لو تحقق العفو عن البدعة لا يلزم دخول كل الفرق المبتدعة في النار، فضلًا عن طول مكثهم وهو مخالف لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (1) أجيب: بأن المراد أنهم يتعرضون لما يدخلهم النار من العقائد الردية ويستحقون ذلك، فليتأمل.
قلت: ويحتمل أن المراد أن الغالب في تلك الفرق دخول النار، والغالب في هذه الفرقة دخول الجنة، فيندفع الإشكال من أصله، وقيل: المراد الافتراق مطلقًا أعم من أن يكون بالعقائد والأعمال، وقوله: "في النار أنهم يستحقونها والواحدة الناجية هي التي لا تستحق النار أصلًا فتكون في الجنة ابتداء استحقاقًا، وعلى هذا فمن يستحق النار من أهل السنة بسوء عمله معدود في الفرق المستحقة للنار والله تعالى أعلم.
(1) سورة النساء: الآيتين (48، 116).
وَعَمْرٌو فِي حَدِيثَيْهِمَا» وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ تَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ، كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ لِصَاحِبِهِ " وَقَالَ عَمْرٌو:«الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ لَا يَبْقَى مِنْهُ عِرْقٌ وَلَا مَفْصِلٌ إِلَّا دَخَلَهُ» .
===
ثم قد جاء بيان هذه الفرقة بأنهم على "ما أنا عليه وأصحابي" في رواية الترمذي (1)، فقيل: المراد في العقائد أو في العقائد والأعمال جميعًا، وأورد عليه أن الصحابة قد اختلفوا حتى استحل بعضهم قتل بعض كما في الحروب، فلا يمكن أن يراد جميع الصحابة ولا دلالة للحديث على بعض معين، والحمل على بعض ما يؤدي إلى أن من يكون مع علي نصف النهار يحارب معاوية، ومع معاوية النصف الثاني يحارب عليًّا، ويفعل كل يوم كذلك من غير دليل يكون على طريق ولا يقول به عاقل.
قلت: هذا لا يراد ساقط على تقدير تخصيص هذا القول بالعقائد؛ إذ اختلافهم في العقائد المطلوبة في الدين غير ثابت، نعم، على تقدير العموم يتراءى وروده لكنه ساقط بعد التأمل في قوله صلى الله عليه وسلم:"الأهواء" تنبيهًا على عدم لزوم ما خصه الله تعالى به على الناس، وأن الناجية هي التي تكون على طريقته صلى الله عليه وسلم الأحكام العامة لا في خواصه، وإلا فكون المكلف على طريق النبي صلى الله عليه وسلم يكفي في النجاة بلا ريب، نعم، ما ثبت من أفعال الصحابة بالدليل أن التمسك به من اتباع طريق النبي صلى الله عليه وسلم فهو مندرج فيه وما لا فلا تكليف لأحد به والله تعالى أعلم.
(1) الترمذي في كتاب الإيمان (2641) وقال: هذا حديث مفسر غريب لا نعرفه مثل هذا إلا من هذا الوجه.