الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أنساب العرب
مدخل
…
أنسابُ العرب
يتضح مما كتبه المؤرخون عن العرب الجاهليين، أنهم كانوا يهتمون اهتمامًا عظيمًا بأنسابهم، ويقولون إن ذلك راجع لحاجتهم إلى التناصر بالعصبية، فكانوا يحفظون أنسابهم ويروونها أبناءهم: ويحافظون عليها جهدهم، وكانت لهم في ذلك اصطلاحات خاصة، فيروي النويري1: "أن جميع ما بنت عليه العرب في نسبها أركانها، وأسست عليه كيانها عشر طبقات.
1-
الجذم: وهو في الأصل، إما إلى عدنان، وإما إلى قحطان.
2-
الجماهير: أي الجماعات.
3-
الشعوب: وهي التي تجمع القبائل.
4-
القبيلة: وهي التي دون الشعب، وتجمع العمائر، وإنما سميت قبيلة لتقابل بعضها ببعض، واستوائها في العدد.
5-
العمائر: وهى القبائل، واحدتها عمارة، وتجمع البطون.
6-
البطون: وهي التى تجمع الأفخاذ.
7-
الأفخاذ: وأحدها فخذ، وتجمع العشائر.
8-
العشائر: وهي التي تتعاقل إلى أربعة آباء.
9-
الفصائل: واحدتها فصيلة وهي أهل بيت الرجل.
10-
الرهط: وهو أسرة الرجل.
ثم ضرب مثلًا لتطبيق ذلك، فقال: وتمثيل التفصيل: عدنان جذم، وقبائل معد جمهور، ونزار بن معد شعب، ومضر قبيلة، وخندف عمارة، وكنانة بطن، وقريش فخذ، وقصي عشيرة، وعبد مناف فصيلة، وبنو هاشم رهط.
ولكن القلقشندي في صبح الأعشى اقتصر على ست طبقات مجاراة للماوردي وغيره من
1 نهاية الأرب "دارالكتب" جـ2 ص 276.
النسابين وهكذا قال الزبير بن بكار2، وهي: الشعب، والقبيلة، والعمارة، والبطن، والفخذ، والفصيلة.
وقد عني المؤرخون والباحثون في اللغة والأدب بدراسة هذه الأنساب، وألفوا فيها كتبًا كثيرة والجميع يحاولون أن يذكروا أنساب القبائل ويرجعوا كلًّا منها إلى جدها الأول، وأصلها الأصيل الذي تفرعت منه. ولكن هذه الأنساب يشوبها كثير من الخلط والتداخل نظرًا لتشابه الأسماء والأمكنة، ولذلك اعتقد بعض الباحثين أن هذه الأنساب ما زالت موضع الشك والارتياب في نظرهم، فمن هؤلاء مرجليوث إذ يقول3:"إن الأبحاث الحديثة أظهرت أن أنساب كل من القبائل العربية يشوبها شيء من الشك". ويقول نيكلسون4 نقلًا عن جولدزيهر: "مما لا شك فيه أن هذه الأنساب خيالية إلى حد ما، لأنه لم يكن هناك قبل الإسلام علم دقيق مضبوط لتسجيل هذه الأنساب، ولذلك لم يرث الباحثون المسلمون الأوائل في هذه الناحية إلا أحاديث مبعثرة ومضطربة، فبنوا عليها أبحاثهم، وكانوا فوق ذلك متأثرين بالسياسة والدين وعوامل أخرى".
ويبدو أن المحاولات التي يقصد بها إثبات النسب إلى الأصول الأولى شيء عسير، بل يكاد يكون مستحيلًا، فقد روي أن مالكًا رضي الله عنه، "سئل عن رجل يرفع نسبه إلي آدم، فكره ذلك، وقال: من يعلم ذلك؟! فقيل له: فإلى إسماعيل، فأنكر ذلك، وقال: ومن يخبره به؟ "5.
ثم إن من يرجع إلى كتب الأدب والتاريخ والنقد يجد أن هناك أسبابًا كثيرة لحدوث الخلط والاضطراب في الأنساب، فمرة ينسب الشخص أو القبيلة إلى أصل ومرة أخرى ينسب إلى أصل آخر. ويرجع أهم هذه الأسباب إلى التبني، والجوار، والزواج، والولاء، ومضي الزمن. وقد ينضم الرجل إلى غير قبيلته فيدخل في قبيلة أخرى، وفي تلك الحالة يجوز
2 العمدة 2/190 والزبير بن بكار من نسل الزبير بن العوام، ويقول عنه ابن النديم: "من أهل المدينة، أخباري، أحد النسابين، وكان شاعرًا صدوقًا راوية نبيل القدر، وولي قضاء مكة.... وتوفي بمكة قاضٍ عليها، في 21 من ذي القعدة سنة 256هـ وكانت سنه 84 سنة،
3 Mohamed and the Rise of Islam
4 Literary History of the Arab
5 فجر الإسلام جـ1 ص5.
أن ينسب إلى قبيلته الأولى، وإلى قبيلته الثانية وأن ينسب إليهما جميعًا، فيقال التميمي ثم الوائلي6.
وحتى بعد تدوين الأنساب: أحدث عدم ضبط قواعد الخط في صدر الإسلام، وعدم استعمال النقط في أول العهد بالتدوين، بعض المشكلات للمتأخرين في ضبط الأعلام، فاختلاف النقط يحدث كما هو معروف اختلافًا في ضبط الأسماء، وهذا ما حدث فعلًا، وإنك لتجد في كتب الأنساب المطبوعة والمحفوظة أمثلة عديدة من هذا القبيل، كذلك أدى إهمال بعض النسابين ذكر الآباء أو الأجداد إلى حدوث شيء من الارتباك في ضبط الأنساب يضاف إلى هذا تشابه بعض القبائل والبطون في قحطان وعدنان.
وقد أشار الهمداني في كتاب الإكليل إلى "العصبية التي كان لها أثر خطير في وضع الأنساب في عهد معاوية وغيره في الشام والعراق، وإلى تقصير نسابي العراق والشام في عدة آباء كهلان وحمير ليضاهوا بذلك -على حد تعبير الهمداني- عدة الآباء من إسماعيل
…
ولا يخلو بعض هذه الأنساب من تحامل العصبية والأحقاد التى كانت في نفوس القبائل والبطون"7.
ولكن كثيرًا من الباحثين أجهدوا أنفسهم، وحاولوا تقصي الحقائق وأثبتوا في دراستهم آخر ما استطاعوا أن يصلوا إليه. معتمدين على ما ثبت في أذهان العلماء والرواة، ومقارنة الأخبار بعضها ببعض لمحاولة استخلاص الحقائق من ذلك. وأصبحت هذه الدراسات أساسًا للبحوث التى تتصل بالعرب القدامى. ومن ثم يقول الأستاذ الدكتور أحمد أمين:"وسواء صحت أم لم تصح، فقد اعتنقها العرب، ولا سيما متأخروهم، وبنوا عليها عصبيتهم وانقسموا في كل مملكة حولها إلى فرق وطوائف حسب ما اعتقدوا في نسبهم، وأصبحت هذه العصبية مفتاحًا نصل به إلى معرفة كثير من أسباب الحوادث التاريخية، وفهم كثير من الشعر والأدب، ولا سيما الفخر والهجاء. والإسلام جاء وكان قد تم اعتناق العرب بأنهم في أنسابهم يرجعون إلى أصول ثلاثة: ربيعة ومضر واليمن. وأخذ الشعراء يتهاجون ويتفاخرون طبقا لهذه العقيدة، واستغلها خلفاء بني أمية ومن بعدهم، فكانوا يضربون بعضا ببعض8".
6 الشهاب الراصد ص 112.
7 جواد علي جـ 4 ص 242.
8 فجر الإسلام ص 9.