الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غير دفتر ولا كتاب76. مات عن دون الخمسين، سنة 328هـ. قال أبو علي القالي: "كان أبو بكر بن الأنباري يحفظ فيما ذكر ثلاثمائة ألف بيت شاهدة في القرآن" وكان ممن يقدم من الكوفيين، ثقة صدوقًا، دينًا. وله كتب كثيرة في القرآن والحديث والنحو والشعر والشعراء، منها شرح القصائد الطوال السبع، شرح المفضليات، كما صنع طائفة من داودين شعراء الجاهلية والإسلام.
76 الفهرست، ص118.
24-
الأصبهاني:
أبو الفرج، علي بن الحسين بن محمد الأصبهاني، ويتصل نسبه بعبد مناف، فهو من بني أمية. ولد بأصبهان سنة 284هـ. وتوفي سنة 357هـ، وهو الكاتب المعروف، النحوي، اللغوي، الشاعر. تلقى العلم عن أبي بكر بن الأنباري، والأخفش الصغير، وأبي بكر بن دريد، ومحمد بن جرير الطبري، وجعفر بن قدامة، وغيرهم من أساطين العلم والأدب واللغة والتاريخ، فكان عالمًا بأيام الناس والأنساب وكان شاعرًا محسنًا قال التنوخي:"كان أبو الفرج يحفظ من الشعر والأغاني والأخبار والآثار والأحاديث المسندة والنسب ما لم أر قط من يحفظ مثله". وكان أبو الحسن البستي يقول: "لم يكن أحد أوثق من أبي الفرج" ومات ببغداد، وله من المؤلفات عشرات الكتب، أهمها كتاب الأغاني المعروف77.
77 الفهرست، ص172.
25-
المرزباني:
أصله من خراسان، ويقول عنه ابن النديم:"آخر من رأينا من الأخباريين المصنفين. راوية صادق اللهجة، واسع المعرفة بالروايات، كثير السماع ولد سنة 297هـ، ومات سنة 378هـ"78، وذكر له ابن النديم كتبًا كثيرة، منها الموشح، ومعجم الشعراء.
هذه نبذة قصيرة عن أشهر الرواة الذين حملوا لواء الأدب، وحفظوه من الضياع حتى سلموه بقدر ما استطاعوا إلى الأجيال التي أعقبتهم، وقد أوردنا عن كل منهم خاصة آراء النقاد والمؤرخين فيه. بعد ما قاموا به من الفحص والتحري والدراسة الشاملة لهم، وبخاصة فيما يتصل بالأمانة فيما يؤدون ومبلغ الثقة التي نالها كل منهم بقدر ما أثر عن أخلاقه ونزاهته وسيرته وسلوكه. وقد رأينا فيهم الكثير الذي قام بتدوين بعض الأثار الأدبية، لأن الرواية
78 الفهرست، ص196، وقال الخطيب إن المرزباني مات سنة 384هـ. "الموشح، ص1 م من المقدمة".
متصلة بالتدوين، فالذين قاموا بتدوين الأدب أو إملائه إنما هم في الأصل رواة.
ومما ذكرناه عن هؤلاء الرواة يتبين أن أقدمهم مات حوالي منتصف القرن الثاني، أي أن طائفة الرواة المحترفين في الإسلام ظهرت في أواخر القرن الأول عندما استتب أمر الدولة وهدأ روع المسلمين بعد الحركات الأولى، واتسعت رقعة العالم الإسلامي، وقد ساعد على رواج الرواية الأدبية حينئذ محافظة الأمويين على النزعة العربية، وحبهم الظاهر للآثار الأدبية، وتشجعيهم روايتها، ومكافأتهم الأدباء والرواة بسخاء، مع ما في نفس كل منهم -راوية كان أو منتجًا للأدب- من ميل إلى الشهرة وحب الظهور. ثم كان مما شجع على ظهور هؤلاء الرجال وتخصصهم في رواية الأدب أن المسلمين احتاجوا إلى النصوص الأدبية القديمة لما اشتغل علماؤهم بالتفسير، فاهتم الأدباء بجمع النصوص الأدبية لكي يستعينوا بها على فهم ما استغلق عليهم من ألفاظ القرآن وعباراته، لذلك قالوا:"إن علوم الأدب كلها وسيلة لفهم كتاب الله تعالى، وإن حكم البلاغة ومعرفة العلوم الأدبية حكم الوجوب الكفائي، وشرفها بشرف ما يتوصل إليه، فكلها علوم آلية"79، وورد عن ابن عباس أنه قال:"إذا أشكل عليكم الشيء من القرآن فارجعوا فيه إلى الشعر، فإنه ديوان العرب"80. فاهتمام المسلمين بفهم مفردات الكتاب والسنة كان مما شجع على الاشتغال بعلوم الأدب وروايته، ولذلك يقال إن الإمام الشافعي قال إنه طلب اللغة والأدب عشرين سنة ليستعين بهما على الفقه ومن هنا لما أرادوا أن يطرد علمهم في الدين والأدب من ينبوع واحد أوجبوا الإسناد في الأدب أيضًا.
وكان الإسناد في الحديث ينتهي إلى الصحابة ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في الأدب، فكانت أسانيد الأدباء على اختلاف عصورهم تنتهي إلى الطبقة الأولى كأبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية. ولا نجد في كتب الأدب رواية واحدة يتصل سندها بالجاهلية؛ لأن هؤلاء الرواة "يعنى رواة الطبقة الأولى" أكدوا أنهم أخذوا أكثر ما يروونه عن قوم أدركوا عرب الجاهلية؛ أو نقلوا عمن أدركهم. والحقيقة أن أبا عمرو بن العلاء روى عن عرب أدركوا عرب الجاهلية، لأنه ولد سنة 70 وتوفي سنة 159هـ. وكان لا يأخذ إلا عن
79 الشهاب الراصد، ص 259،
80 الفاضل للمبرد، ص10.
العرب في البادية حتى إن الأصمعي جلس إليه عشر حجج ما سمعه يحتج ببيت إسلامي81.
فالطبقة الأولى وهم كبار الرواة: أبو عمرو بن العلاء، والكلبي، وعوانة، وحماد الراوية كانوا يستقون معلوماتهم ممن أدركوا عرب الجاهلية رأسًا، أو مما وثقوا به من كتب مدونة، لكن حماد الراوية أثار الشكوك وسوء الظن، كما أثارها غيره مثل الراوية المدني عيسى بن دأب الذي كان يضع الشعر وأحاديث السمر، وكلامًا ينسب إلى العرب82. وأما من جاء بعد هذه الطبقة فكانوا تلاميذهم، وكانوا يروون عن أساتذتهم من رجال الطبقة الأولى، إلا أنه لكثرة المآخذ التي وجهت ضد حماد وخلف رأى جماعة من العلماء وخاصة جيل الأصمعي أن يقوموا بتصفية الروايات بالاعتماد على التحقيقات الشخصية لدى الأعراب، فكانوا على اتصال وثيق بالصحراء وأطلقوا على سكانها اسم فصحاء العرب وكان الإسناد للطبقة الأولى يتسلسل حتى يصل إلى أحد رجالها، ولكن كل طبقة كانت أوسع معرفة عمن قبلها بما تضيفه من جديد عن سابقيها.
ولما اتسعت الدولة الإسلامية، واختلط العرب بغيرهم من أهل الأمم الأخرى بسبب الفتوح الإسلامية، شاع اللحن والخطأ، فوجدت الحاجة إلى وضع علوم النحو واللغة. فكان ذلك مما ساعد على ازدهار الرواية الأدبية، وجمع النصوص للشواهد التي تستنبط منها القاعدة أو تؤيدها.
وبهذا ازدهرت سوق الرواية الأدبية، فاشتغل بها كثير من العلماء، حتى كان بينهم تنافس، وصل إلى عداء شخصي في بعض الأحيان، وأدى هذا التنافس إلى وجود مدرسة بالبصرة، ومدرسة بالكوفة، وكان على رأس رواة الأولى أبو عمرو بن العلاء، ورئيس الثانية حماد الراوية، وكان التعاون بين هاتين المدرستين ظاهرًا في القرن الثاني، حيث كان بينهما تبادل علمي؛ تلاميذ الكوفة يتلقون عن أساتذة البصرة وبالعكس، فالكوفيون أمثال الكسائي، وتلميذه اللحياني، وابن السكيت كانوا تلاميذ أساتذة البصرة83؛ والبصريون أمثال أبي زيد التوزي والسكري درسوا على أساتذة الكوفة84، وكثير من الرواة الذين تحدثنا عنهم فيما
81 الشهاب الراصد، ص259.
82 راجع المزهر 2/414، والمعارف لابن قتيبة 267 والمسعودي: مروج الذهب 1-138، الأغاني 4-129.
83 راجع السيرافي في 563، والمزهر 2/253.
84 المزهر 2/251، 253:257.
سبق جمع بين الروايتين البصرية والكوفية. وأما الخلاف الواقع بين هاتين المدرستين، فإنه لا يعود إلى زمن تأسيسها، بل إلى أواخر القرن الثالث للهجرة "التاسع الميلادي" وهو ناشئ عن العداوات الشخصية بين رئيسي المدرستين حيئنذ، وهما: المبرد في البصرة، وثعلب في الكوفة85. ولكن الخلاف كان واضحًا بين المدرستين في المنهج، فالبصريون كانوا يتجهون إلى إدخال كل شيء إلى ضمن قواعد ثابتة، وهم كالفقهاء يلتزمون القياس، ويجعلون ما سواه خطأ، وإذا كان مسموعًا قالوا: شاذ لا يقاس عليه: أما الكوفيون فيفسحون المجال للاستعمال، ورأوا أن يحترموا ما جاء عن العرب، وأجازوا استعماله، ولو كان لا ينطبق على القواعد العامة. ومن ثم "كان 86 البصريون أكثر اعتدادًا بأنفسهم، وأكثر ثقة بما يروون، وأشد ارتيابًا بما يرويه الكوفيون. لذلك كان الكوفي يأخذ عن البصري، ولكن البصري يتحرج عن أن يأخذ عن الكوفي
…
وظل الحال كذلك حتى تأسست مدينة بغداد "في أواخر القرن الثالث" وهدأت الأمور السياسية، وأخذ الخلفاء والأمراء يشجعون العلماء، ويدعونهم لتربية أولادهم فتسابق العلماء إلى بغداد.. وكان التقاء الكوفيين والبصريين في بغداد سببًا في عرض المذهبين ونقدهما والانتخاب منهما، ووجود مذهب منتخب كان من ممثليه ابن قتيبة.
وقد أدى التنافس والعداء الشخصي الذي كان بين الرواة كالذي كان بين أبي عبيدة والأصمعي، وهما بصريان، والذي كان بين المبرد البصري وثعلب الكوفي، إلى تدقيق الرواة فيما يأخذون، وتمحيصهم لكل ما يسمعون فكانوا على حذر دائم تجاه ما ينقل إليهم، يحصرون أذهانهم، ويوجهون كل وعيهم لكل ما يسمعون سواء من الأعراب أو من الرواة، فيمحصون ويقابلون بين مختلف الروايات، ولا يقبلون شيئًا إلا بعد التحقيق والتثبت من صدقه وحقيقته، خوفًا من نقد الزملاء، أو تشنيع الأعداء، وحبا في الشهرة بالأمانة والنزاهة والدقة، بل كان كثير من جمهور السامعين لديه من الفطنة وسعة الاطلاع، وقوة الذوق الأدبي ما يمكنه من معرفة الصحة والزيف في كل ما يلقى أمامهم من نصوص. فكان العلماء رقباء على الرواة، كما كان الرواة رقباء على الأعراب الذين ينقلون عنهم، وكتب الأدب فيها
85 تاريخ الأدب العربي لبلاشير صفحة 119.
86 ضحى الإسلام جـ2 صفحة 260.
كثير من الحوادث التي تؤيد ذلك، منها ما أورده ابن سلام إذ يقول:"أخبرني أبو عبيدة أن داود بن متمم بن نويرة قدم البصرة في بعض ما يقدم له البدوي في الجلب والميرة، فنزل النحيت، فأتيته أنا وابن نوح العطاردي، فسألناه عن شعر أبيه متمم، وقمنا له بحاجته، وكفيناه ضيعته، فلما نفد شعر أبيه جعل يزيد في الأشعار ويصنعها لنا، وإذا كلام دون كلام متمم، وإذا هو يحتذي على كلامه، فيذكر المواضع التي ذكرها لمتمم، والوقائع التي شهدها، فلما توالى ذلك علمنا أنه يفتعله"87. فلم يكن الرواة على العموم، يقبلون كل ما يلقى إليهم، دون فحص وتمحيص، ولم يكن كل ما يقوله الرواة ليسمع منهم ويقبل دون حجة أو برهان. فالتنافس وما جره في بعض الأحيان من خصومات، أفاد النصوص الأدبية، إذ حمل الرواة على الاستزادة منها بقدر ما يستطيعون، مع التثبت والتحري الدقيق في كل ما ينقلون.
ومما ذكرناه عن الرواة، يتبين أنه كان فيهم بصريون وفيهم كوفيون، وفي كل من الفريقين أمين ثقة، ومنهم مطعون في أمانته، فكما كان في البصريين ثقات عدول، كان ذلك في الكوفيين أمناء مصدقون، وكما كان في الكوفيين من ليس أهلًا للثقة، كذلك كان في البصريين من أثر عنهم الخلط والادعاء، فمسألة الثقة وعدمها ليست متصلة ببلد، ولا بمدرسة معينة، إنما هي تتعلق بطبيعة الشخص وأخلاقه، وميوله ونزعته. ومن ثم فلا ينبغي أن يرمى الرواة كلهم بالطعن والاتهام، لوجود من يطعن في نزاهته من بينهم، كما لا يصح أن نشك في رواة بلد معين أو مدرسة، لأن من بين رجالها من كان موضع الشك والاتهام، فالكل لا يؤخذ بجريرة بعضه، ولا تزر وازرة وزر أخرى، فمن كان ثقة أمينًا، فهو عدل، مصدق، يقبل منه ما يقول، ما دام لا يوجد ضده دليل قوي ولا برهان ثابت محقق.
وواضح أن هؤلاء الرواة الذين ذكرناهم كانوا يعيشون في المدن، فهم من أهل الحضر، وليس معنى هذا أن البدو لم يكن منهم رواة، بل كان منهم رواة كثيرون، وقد ذكر منهم صاحب الفهرست عشرات، ومن بينهم:
أبو البيداء الرياحي88: أعرابي نزل البصرة، وكان يعلم الصبيان بأجر.
87 طبقات فحول الشعراء، ص14.
88 الفهرست، ص72.
وأبو مالك عمرو بن أبي كركرة89: وهو أعرابي كان يعلم في البادية، وهو بصري المذهب.
وأبو سوار الغنوي90: وعنه أخذ أبو عبيدة.
وأبو الجاموس 91 ثور بن يزيد: أعرابي كان يفد البصرة على آل سليمان وعنه أخذ ابن المقفع الفصاحة.
وأبو ملحم الشيباني: أعرابي كان أعلم الناس بالشعر واللغة توفي سنة 248، وقيل أصله ومولده بفارس، لكنه انتسب إلى بني سعد، ويقال إنه كان أحفظ الناس92.
وأبو شبلي العقيلي 93: وقد وفد على الرشيد واتصل بالبرامكة.
والبهدلي: وعنه أخذ الأصمعي.
وفي بدء الرواية العلمية لم يكن الرواة في القرن الأول بحاجة إلى الارتحال إلى البادية إذ كانت الصلة ما زالت شديدة بعرب الجاهلية وأعرابها؛ لأن عرب الجاهلية أو من أخذوا عنهم كانوا لا يزالون أحياء. كما سبقت الإشارة إلى ذلك عند الكلام عن الطبقة الأولى من الرواة، لكن لما اتسعت الدولة، واستقر الناس في المدن، واختلط العرب بغيرهم من الأعاجم، أراد الرواة والعلماء استقاء اللغة والأدب من مصادرهما الأصيلة النقية؛ لذلك رحلت الطبقة الثالثة من الرواة إلى البادية، وقد سبق أن ذكرنا الاحتياطيات الشديدة التي أخذ العلماء أنفسهم بها في جمع اللغة ليكون ما يأخذونه عربيًّا حقًّا وأصيلًا، فحصروا ميدانهم في نطاق معين من القبائل التي تسكن منطقة بعيدة كل البعد عن تأثير الاختلاط الأجنبي، ومن أقدم من رحل إلى البادية يونس بن حبيب الضبي المتوفى سنة 183، وخلف الأحمر المتوفى سنة 180هـ، والأصمعي. وظل شأن العلماء والرواة في الذهاب إلى البادية والأخذ عن أهلها إلى أواخر القرن الرابع 94، وقد أشرنا آنفا إلى أن بعض الأعراب كانوا هم أنفسهم يفدون إلى
89 المرجع السابق، ص72.
90 المرجع السابق، ص73.
91 المرجع السابق، ص73
92 المرجع السابق، ص75.
93 الفهرست، ص74.
94 الشهاب الراصد، ص265.
الحواضر والمدن، يقيمون فيها، أو يملون على الرواة ما يعرفون من اللغة والأدب.
فالطبقات المتأخرة من الرواة كانوا يأخذون عمن سبقهم من الرواة، ومن كان في عصرهم من أعراب البادية الفصحاء الذين يحفظون الأدب. ولم يكن المتأخرون من الرواة ليقبلوا كل ما يلقى عليهم أو يصل إليهم، دون بحث أو تمحيص، بل كانوا يتحرون الحقيقة بالدرس والمقارنة والاستنباط، كما حدث عن أبي عبيدة مع ابن متمم بن نويرة، حين قدم البصرة.