المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الصعاليك: الصعاليك: جمع صعلوك وهو الفقير: ويطلق لفظ الصعاليك -في عالم - في تاريخ الأدب الجاهلي

[علي الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الجاهليون

- ‌معنى الجاهلية

- ‌بلاد العرب الجاهليين

- ‌العرب القدامى

- ‌مدخل

- ‌العرب العاربة:

- ‌العرب المتعربة:

- ‌العرب المستعربة:

- ‌أنساب العرب

- ‌مدخل

-

- ‌أنساب القحطانيين:

- ‌بنو كهلان:

- ‌قضاعة:

-

- ‌أنساب العدنانين:

- ‌مضر

- ‌قيس عيلان بن مضر:

- ‌ربيعة

- ‌إياد:

- ‌منازل القبائل العربية

- ‌حياتهم ومعيشتهم

- ‌حالتهم السياسية

- ‌حالتهم الإجتماعية

- ‌مدخل

- ‌الكهانة والعرافة:

- ‌ زجر الطير وضرب الحصى وخط الرمل:

- ‌ الاستقسام بالأزلام:

- ‌ الميسر:

- ‌عبادة الأصنام والأوثان:

- ‌ البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي

- ‌حالتهم الدينية

- ‌اتصالاتهم

- ‌معارفهم

- ‌حول الأدب الجاهلي

- ‌حقائق عامة

- ‌لغة الأدب الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌ الناحية الدينية:

- ‌ الناحية الاقتصادية:

-

- ‌ الناحية الاجتماعية:

- ‌ عنعنة تميم:

- ‌ قلقلة بهراء:

- ‌ كسكسة تميم:

- ‌كشكة أسد أو ربيعة

- ‌ فحفحة هذيل:

- ‌ وكم ربيعة:

- ‌ وهم بني كلب:

- ‌ جمجمة قضاعة:

- ‌ وتم أهل اليمن:

- ‌ الاستنطاء:

- ‌ شنشنة اليمن:

- ‌ لخلخانية الشحر:

- ‌ طمطمانية حمير:

- ‌ غمغمة قضاعة:

- ‌رواية الأدب الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌محمد بن السائب الكلبي:

- ‌ عوانة بن الحكم بن عياض:

- ‌ محمد بن إسحاق:

- ‌4- أبو عمرو بن العلاء:

- ‌ حماد الرواية:

- ‌ المفضل الضبي:

- ‌ خلف الأحمر:

- ‌ هشام بن الكلبي:

- ‌ الهيثم بن عدي:

- ‌ أبو عبيدة:

- ‌ أبو عمرو الشيباني:

- ‌ أبو زيد الأنصاري:

- ‌ الأصمعي:

- ‌ ابن الأعرابي:

- ‌ ابن سلام الجمحي:

- ‌ ابن السكيت:

- ‌أبو حاتم السجستائي

- ‌ ابن قتيبة:

- ‌ السكري:

- ‌المبرد:

- ‌ ثعلب:

- ‌ الطبري:

- ‌ أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري:

- ‌الأصبهاني:

- ‌ المرزباني:

- ‌تدوين الأدب الجاهلي

- ‌مصادر الأدب الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌ المعلقات:

- ‌ المفضليات:

- ‌ الأصمعيات:

- ‌ جمهرة أشعار العرب:

- ‌ مختارات ابن الشجري:

-

- ‌ دواوين الحماسة:

- ‌ ديوان الحماسة لأبي تمام:

- ‌ حماسة البحتري:

- ‌ حماسة الخالديين:

- ‌ حماسة ابن الشجرى:

- ‌ الحماسة المغربية:

- ‌ الحماسة البصرية:

- ‌قضية الانتحال في الأدب الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌ نوع مقطوع بصحته وأصالته:

- ‌ نوع مقطوع بانتحاله:

- ‌ نوع جاء عن طريق غير موثوق بها:

- ‌ نوع جاء عن طريق رواة موثوق بهم:

- ‌ نوع منسوب إلى جاهلي بدون سند:

- ‌النثر والشعر في العصر الجاهلي

- ‌تمهيد

- ‌النثر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌دواعي النثر الجاهلي:

- ‌الحكم والأمثال:

- ‌المفاخرات والمنافرات:

- ‌الخطابة:

- ‌الوصايا:

- ‌سجع الكهان:

- ‌تعليق عام عن النثر الجاهلي:

-

- ‌الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌نوع الشعر الجاهلي:

- ‌كثرة الشعراء في العصر الجاهلي:

- ‌عدد الشعراء

- ‌الشعراء الأمراء:

- ‌ الشعراء الفرسان:

- ‌ الشعراء الحكماء:

- ‌ومن العشاق:

- ‌ومن أشهر المتيمين:

- ‌ الشعراء الصعاليك:

- ‌ الشعراء اليهود:

- ‌ النساء الشواعر:

- ‌ الشعراء الهجائين:

- ‌ الشعراء الوصافين للخيل:

- ‌ الشعراء الموالي:

- ‌ سائر الشعراء الجاهليين:

- ‌بناء القصيدة الجاهلية والوحدة فيها:

- ‌ معلقة امرئ القيس

- ‌ معلقة طرفة بن العبد

- ‌ معلقة زهير بن أبي سلمى

- ‌ معلقة لبيد بن ربيعة

- ‌ معلقة عنترة العبسي

- ‌معلقة عمرو بن كلثوم

- ‌معلقة الحارث بن حلزة

- ‌التعليق على تحليل المعلقات:

- ‌الشعور العام في المعلقات:

- ‌بدء المعلقات:

- ‌العرض الشعري في المعلقات وقيمتها:

- ‌أغراض الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌الوصف:

- ‌الفخر:

- ‌الهجاء والوعيد والإنذار:

- ‌المدح:

- ‌الرثاء:

- ‌الاعتذار:

- ‌الغزل:

- ‌في الحياة والناس:

- ‌المنصفات

- ‌من مُثلُهم العليا:

- ‌الصعاليك:

- ‌الشعر ديوان العرب:

- ‌الظواهر العامة في الشعر الجاهلي

- ‌مدخل

- ‌المادية والحسية:

- ‌البساطة في التفكير:

- ‌الصلة بالبيئة:

- ‌وحدة المعاني وتنوع الصور:

- ‌الصدق والدقة:

- ‌الحياة والحركة:

- ‌الفن القصصي:

- ‌الروح الجماعية:

- ‌المحافظة على التقاليد الشعرية:

- ‌العناية بالألفاظ والعبارات

- ‌المحسنات البلاغية:

- ‌المراجع

- ‌جداول الأنساب

- ‌محتويات الكتاب

الفصل: ‌ ‌الصعاليك: الصعاليك: جمع صعلوك وهو الفقير: ويطلق لفظ الصعاليك -في عالم

‌الصعاليك:

الصعاليك: جمع صعلوك وهو الفقير: ويطلق لفظ الصعاليك -في عالم الأدب- على فئة من الفقراء اتخذوا لأنفسهم طريقة خاصة في حياتهم، فسلكوا سلوكًا له سمات معينة، أهمها: الأنفة والإباء والترفع عن الصغائر والدنايا وحقير الأعمال، معتمدين في حياتهم على القوة والبطش وانتهاز الفرص وخفة الحركة وسرعة الجري والهجوم الخاطف والسلب والنهب والفتك بالأعداء مع الحرص على البر والاهتمام بالمرضى والضعفاء والمحتاجين.

وقد صوروا فلسفتهم في الحياة في أشعارهم، من ذلك ما يقوله عروة بن الورد581:

لحى الله صعلوكا إذا جن ليله

مضى في المشاش آلفا كل مجزر582

يعد الغنى من دهره كل ليلة

أصاب قراها من صديق ميسر583

قليل التماس المال إلا لنفسه

إذا هو أضحى كالعريش المحور584

ينام عشاء ثم يصبح قاعدًا

يحت الحصى عن جنبه المتعفر585

يعين نساء الحي ما يستعنه

فيضحي طليحًا كالبعير المحسر586

ولله صعلوك صفيحة وجهه

كضوء شهاب القابس المتنور587

581 الأصمعيات: ص45 ب: 13-21

582 لحاه الله: قبحه ولعنه الصعلوك: الفقير. المشاش: رءوس العظام اللينة التي يمكن مضغها. مجزر: موضع الجزر، وهو بفتح الزاي قياسًا، وكسرها سماعًا. جن ليله: أظلم.

583 ميسر "بكسر السين المشددة": الذي سهلت ولادة إبله وغنمه، ولم يطلب منها شيئًا. يقول: إن هذا الشخص إذا ملأ بطنه عندما يجود عليه شخص حاله ميسرة، عد نفسه غنيا، ولم يبال من ورائه من عياله وقرابته.

584 العريش: خيمة من خشب أو جريد. المحور: الساقط. يقول إذا شبع فملأ بطنه ألقى نفسه كأنه عريش قد انهار.

585 ينام عشاء: ينام مبكرًا من أول الليل. يحت: ينفض ويزيل. يقصد أنه كسول خامل ليس بصاحب إدلاج ولا غزو.

586 طليح: معيّى. محسر: مجهد ومتعب. يريد أنه يقضي وقته في خدمة المنازل. كلما طلبت منه ربات البيوت، حتى يبلغ منه التعب درجة كبيرة، فيصبح في منتهى الإعياء، كالبعير الذي أجهده طول العمل.

587 صفيحة وجهه: بشرة جلده. الشهاب: شعلة من نار ساطعة. القابس: الذي يقبس النار أي يأخذها. المتنور: المضيء.

ص: 438

مطلا على أعدائه يزجرونه

بساحتهم زجر المنيح المشهر588

وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه

تشوف أهل الغائب المتنظر589

فذلك إن يلق المنية يلقها

حميدًا، وإن يستغن يوما فأجدر590

فهو يدعو بالقبح واللعنة على الصعلوك الفقير الذي ليس له حظ من المال، فيرضى بالاستكانة والمهانة، ويألف الكسل والخمول، ويكتفي في طعامه بأن يبحث في المهملات عن عظام اللحوم الملقاة المهملة فيأكل ما عليها من بقايا، أو يمتص ما بداخلها من نخاع، وإذا جاد عليه صديق بأكلة عد نفسه غنيًّا، ولا يهتم إلا بنفسه فلا يبالي بأولاده ومن عليه أن يعولهم، ويقضي ليله ونهاره في النوم على التراب والحصى، أو في خدمة ربات البيوت إذا تفضلن عليه بتكليفه بتنظيف البيوت، أو قضاء ما يحتجن إليه. لكن لله در هذا الصعلوك الشهم الأبي، فقلة المال في يده لا تؤثر على شخصيته وكرامته، بل إنه عزيز النفس مهاب، بعيد عن الدنايا، فوجهه وضاء، وجبينه مشرق، لما له في قلوب الناس من المهابة، ويحسب الأعداء له ألف حساب وحساب، مهما كانوا منه قريبين أو بعيدين؛ لأنه بطل شجاع، يملأ النفوس رهبة وفزعًا، فمثل هذا أهل للثناء والإعجاب، وهو في حياته ومماته جدير بالاحترام وحسن التقدير.

وكان الصعاليك مشهورين بالجري السريع، والهجوم الخاطف، والعراك العنيف، وانتهاز الفرص، وسرعة التصرف، ولكنهم كانوا يتمسكون بكثير من صفات البطولة والشهامة.

ومما يمثل سرعة الصعاليك في الجري ما يحكيه تأبط شرًّا عن نفسه حينما أسرته بجيلة ففر

588 مطلًّا: مشرفًا. مطلًّا على أعدائه: يغزوهم دائمًا، كأنما ينظر إليهم من مكان عالٍ، فإذا وجد الفرصة سانحة انقض عليهم بالهجوم. يزجرونه: يصيحون به كما يزجر القدح إذا ضرب. المنيح: يقصد به هنا، قدح مستعار سريع الخروج والفوز، يستعار فيضرب ثم يرد إلى صاحبه. وقيل: إن المنيح قد تكثر به القداح، ولاحظ له. وهو أكثر القداح جولانًا؛ لأنه إذا خرج منها رد فيها، وإذا خرج منها غيره مما له حظ عزل عنها. وقيل إن هناك المنيح الذي تكثر به القداح، والمنيح الذي يزجر. المشهر: المشهور.

589 يتشوف: يوجه عينه لينظر. يقول: إن بعد أعداؤه عنه لم يلهه بعدهم عن غزوهم، وهم لا يأمنون ذلك منه، فهم يتوقعونه في كل ساعة كما ينتظر أهل الغائب غائبهم متى يقدم، فأعينهم إليه يتشوفونه.

590 حميدًا: أهل للثناء والمدح.

ص: 439

هاربا منهم، فكان يجري بسرعة هائلة لا تفوقها إلا سرعة الحصان الجامع أو الطائر الجارح، ثم أتبع ذلك بوجهة نظره في الرجل الكامل الذي يعتمد عليه ويستحق الاحترام والتقدير، فيقول591:

إني إذا خلة ضنت بنائلها

وأمسكت بضعيف الوصل أحذاق592

نجوت منها نجاتي من بجيلة إذ

ألقيت ليلة خبت الرهط أرواقي593

ليلة صاحوا وأغروا بي سراعهم

بالعيكتين لدى معدى ابن براق594

كأنما حثحثوا حصًّا قوادمه

أو أم خشف بذي شث وطباق595

لا شيء أسرع مني ليس ذا عذر

وذا جناح بجنب الريد خفاق596

حتى نجوت ولما ينزعوا سلبي

بواله من قبيص الشد غيداق597

ولا أقول إذا ما خلة صرمت

يا ويح نفسي من شوق وإشفاق598

591 مفضلية رقم 1 ب 3-14

592 الخلة: الصداقة. وتقال للصديق، وتطلق على المذكر والمؤنث والمثنى والجمع، وأنث الضمائر من أجل اللفظ. النائل: ما ينال. بضعيف الوصل: بحبل ضعيف. الأحذاق: المتقطع.

593 بجيلة: القبيلة التي أسرته. الخبت: اللين من الأرض. الرهط: موضع. ألقيت أرواقي: استفرغت مجهودي في العدو. يقول: إن ضن عني صديقي بنائله، وكان وصاله ضعيفًا، خليته ونجوت منه كنجائي من بجيلة.

594 العيكتان: موضع. معدى: مصدر ميمي، أو اسم مكان، من "عدا يعدو". ابن براق: هو عمرو، وهو والشنفرى صديقا تأبط شرًّا. وكانا معه ليلة انفلاته من بجيلة.

595 حثحثوا: حركوا من الحث. القوادم: ما ولي الرأس من ريش الجناح. والحص: جمع أحص، وهو ما تناثر ريشه وتكسر، يشير بذلك إلى الظليم، وهو ذكر النعام. الخشف: ولد الظبية. الشث والطباق:نبتان طيبا المرعى، يضمران راعيهما ويشدان لحمهما. أي: كأنما حركوا بحركتهم إياي ظليمًا أو ظبية. والنعام والظباء مضرب المثل في سرعة العدو.

596 العذر: جمع عذرة، وهي ما أقبل من شعر الناصية على وجه الفرس. الريد: الشمراخ الأعلى من الجبل. يقول: لا شيء أسرع مني إلا الفرس. ولا الطائر الجارح الذي يأوي إلى الجبل، إذ هو أسرع طيرانًا من جارح السهل. و"ليس" في هذا الموضع أداة استثناء، وتترك فيه موحدة في التثنية والجمع، وفي المؤنث بغير علامة التأنيث.

597 السلب: ما يسلب في الحرب. الواله: الذاهب العقل. الشد القبيض: الجري السريع. الغيداق: الكبير الواسع، من "الغدق" وهو المطر الكثير. يريد: أنه نجا من بجيلة مسرعًا كالواله، فيكون قد جرد من نفسه شخصًا كان يذهب عقله من سرعة الهرب، والطلب وراءه.

598 صرمت: قطعت.

ص: 440

لكنما عولي إن كنت ذا عول

على بصير بكسب الحمد سباق599

سباق غايات مجد في عشيرته

مرجع الصوت هدًّا بين أرفاق600

عاري الظنابيب، ممتد نواشره

مدلاج أدهم واهي الماء غساق601

حمال ألوية، شهاد أندية

قوال محكمة، جواب آفاق602

فذاك همي وغزوي أستغيث به

إذا استغثت بضافي الرأس نغاق603

يقول تأبط شرا: إذا تنكر صاحبي لواجب الصداقة، وفترت مودته، وانقطعت صلته، فإني أتركه ولا أبقي عليه، وأبعد عنه بسرعة كما فعلت حينما نجوت من بجيلة عندما أثاروا جمعهم ضدي، وركضوا سراعًا ورائي أنا وصاحبي، فكنت أجري بسرعة النعام والظباء، ولم يكن يفوقني في السرعة إلا الحصان الجامح، والطائر الجارح، وكأني في اندفاعي في الجري فاقد العقل، وذلك من سرعة الهرب وقوة الطلب، حتى نجوت ولم يستطيعوا أن يمسوني بأدنى أذى. وليس من عاداتي مطلقًا أن تثيرني قطيعة صاحب لا يعرف حق الصحبة والإخاء. ولكن إذا كان لي أن أعول على أحد، أو أبكي على فقد صداقته، فهو ذلك الرجل الكامل، الخبير بوسائل المجد، السباق إلى العلا والمكارم، الدائم التجوال إلى أقاصي الجهات، الكثير الأسفار في الليالي المظلمة الطوال، ذو العزة والجرأة، وصاحب الكلمة الفاصلة، وحامل اللواء في الحروب والغارات.

فما يقوله تأبط شرًّا هنا، إنما هو تصوير للصعلوك وصفاته في نظره.

599 العول، بفتح الواو مع فتح العين وكسرها: مصدر بمعنى العويل، وهو رفع الصوت بالبكاء والاستغاثة، وبالكسر فقط جمع "عولة" بفتح فسكون. أو بمعنى العول عليه المستغاث به. بدأ في وصف الرجل الكامل يبكي فقد صداقته، أو الذي يعول عليه.

600 مرجع الصوت: يصبح أمرًا ناهيًا. هدًّا: رافعا صوته، مصدر وقع حالًا. الأرفاق: الرفاق، يصفه بأنه رئيسهم، يصدرون عن رأيه بينما يأمر وينهى.

601 الظنابيب: جمع "ظنبوب" وهو حرف عظم الساق، جعلها عارية لهزالها، والعرب تمدح الهزال وتهجو السمن. النواشر: عروق ظاهر الذراع. مدلاج: كثير سفر الليالي بطولها. الأدهم: الليل. واهي الماء: مطره شديد، سحابه لا يمسك الماء. الغساق: الشديد الظلمة. وهما نعت للأدهم. يقول: يدلج في الليل المطر المظلم، فهو ذو عزم وجرأة.

602 المحكمة: الكلمة الفاصلة. جواب آفاق: صاحب أسفار وغزو.

603 غزوي: مقصدي، من الغزو وهو المقصد. ضافي الرأس: كثير الشعر. نغاق ونعاق بمعنًى، وهما روايتان هنا.

ص: 441

وها هو ذا الشنفرى الأزدي يتحدث عن سياسة الصعاليك وحياتهم، فيقول فيما يسوسهم به رئيسهم604:

وأم عيال قد شهدت تقوتهم

إذا أطعمتهم أَوْتَحَتْ وأقلت605

تخاف علينا العيل إن هي أكثرت

ونحن جياع، أي آل تألت606

وما إن بها ضن بما في وعائها

ولكنها من خيفة الجوع أبقت607

مصعلكة لا يقصر الستر دونها

ولا ترتجى للبيت إن لم تبيت608

لها وفضة فيها ثلاثون سيحفًا

إذا آنست أولى العدي اقشعرت 609

وتأتي العدي بارزًا نصف ساقها

تجول كعير العانة المتلفت610

إذا فزعوا طارت بأبيض صارم

ورامت بما في جفرها ثم سلت611

حسام كلون الملح صاف حديده

جراز كأقطاع الغدير المنعت612

تراها كأذناب الحسيل صوادرًا

وقد نهلت من الدماء وعلت613

604 المفضلية رقم 20ب 19-27

605 أراد بأم عيال: تأبط شرًّا، لأنه حين غزوا جعلوا زادهم إليه، وكان يقتر عليهم مخافة أن تطول الغزاة بهم فيموتوا جوعًا، والأزد تسمى رأس القوم وولي أمرهم "أمًّا" وفي اللسان عن الشافعي "قال: العرب تقول للرجل يلي طعام القوم وخدمتهم هو أمهم" واستشهد الشافعي بهذا البيت. أوتحت: أعطت قليلًا، كأقلت. وقد ساق القول عن تأبط شرًّا بضمير المؤنث مساوقة للفظ "أم"، وقال الأصمعي: "وكنايته عن تأبط شرا كأوابد الأعراب التي يلغزون فيها".

606 العيل والعيلة: الفقر. أي آل تألت: أي سياسة ساست.

607 ضن: بخل، وهو بكسر الضاد، الفتح لغة فيه، نقلها اللسان عن ابن سيده.

608 مصعلكة: صاحبة صعاليك، وهم الفقراء. لا يقصر الستر دونها: لا تغطي أمرها، يقول: هي مكشوفة الأمر. لا ترتجي إلخ: لا ترتجي أن تكون مقيمة، إلا أن تريد هي ذلك فتجيء.

609 الوفضة: جعبة السهام. السيحف: السهم العريض النصل. آنست: أحست. العدي: جماعة القوم يعدون راجلين للقتال ونحوه، لا واحد له من لفظه. اقشعرت: تهيأت للقتال.

610 بارزًا نصف ساقها: يريد أنه مشمر جاد. العير: حمار الوحش. العانة: القطيع من حمر الوحش، وإنما شبهه بعير العانة لأن الحمار أغير ما يكون، فهو يتلفت إلى الحمير يطردها عن آنيته.

611 الأبيض: السيف. الصارم: القاطع. الجفر: كنانة السهام. يعني أنه يرمي بما في كنانته ثم يحارب بسيفه.

612 الجراز: السيف القاطع. أقطاع: جمع قطع، بكسر فسكون، كالقطعة. والمراد بأقطاع الغدير أجراء الماء يضربها الهواء فتقطع ويبدو بريقها. المنعت: مبالغة من النعت، وهو الوصف بالحسن.

613 الحسيل: جمع حسيلة، وهي أولاد البقر. شبه السيوف بأذناب الحسيل إذا رأت أمهاتها فجعلت تحرك أذنابها، والنهل والعلل هنا للسيوف أي شربت وكررت الشرب من الدماء.

ص: 442

يقول الشنفرى: إن ولي أمرنا كان يقتر في الطعام، وكثيرًا ما كان يقتصد في توزيعه علينا، وذلك لخشيته من أن يأتي وقت لا نجد فيه قوتًا ونحن جياع، فيالها من سياسة عجيبة!!! إنه لا يفعل ذلك بخلًا منه، أو شحًّا بما لديه علينا، ولكن من خشية الجوع، فقد كان يلي أمر جماعة فقراء ليس لهم مورد رزق ثابت. وهو في منتهى الوضوح والصراحة، ولا يخفي شيئًا من أمره، ولا يستر عنهم أمرًا. وليس لإقامته مكان أو وقت معروف، فهو دائم الكفاح ولا يعرف متى ينتهي ولا إلى أين يعود إلى حين يقرر هو ذلك عندما يقتنع به. وهو كامل السلاح، وجعبته دائمًا عامرة، فإذا أحس خطرًا تهيأ واستعد للقتال والنزال، وإذا أحدق الخطر بدأ يرمي بالسهام، ثم يلتحم بالعدو ويضرب بسيف أبيض صارم، حتى يشفي غلته من دم الأعداء. وفي النهاية يقول عن نفسه:

إذا ما أتتني ميتتي لم أبالها

ولم تذر خالاتي الدموع وعمتي

ولو لم أرم في أهل بيتي قاعدًا

إذن جاءني بين العمودين حمتي614

وإني لحلو إن أريدت حلاوتي

ومر إذا نفس العزوف استمرت615

أبي لما آبي سريع مباءتي

إلى كل نفس تنتحى في مسرتي616

يقول: لست حريصًا على الحياة، فإذا جاءني الموت فلن أعبأ به، ولن أرضى أن يثير موتي مشاعر أحد حتى ولو كان من أرهف أقاربي شعورًا نحوي فإني أؤمن بأن الموت حتم، ولو أني لم أخرج للكفاح وملاقاة الأخطار، وحبست نفسي في بيتي وبين أهلي فسوف يدركني موتي ولن تستطيع أية قوة أن تبعده عني متى انتهى أجلي. وإني لسهل لطيف لمن يكون معي سهلًا لطيفًا، ومر شديد المرارة لمن عاداني. وإذا أبيت شيئًا تركته ولن يستطيع أحد مهما كان أن يرغمني عليه، وما أسرعني إلى محبة كل من ألمس فيه ميلًا إلى ما يسرني.

وشعر الصعاليك في العصر الجاهلي، يرينا كيف كان حال الفقراء، وما كان أكثرهم في

614 لم أرم: لم أبرح. العمودين: لعله أراد بهما عمودي الخباء. الحمة: المنية وهي الموت.

615 العزوف: المنصرف عن الشيء، ويقصد هنا صاحب الإباء وعزة النفس. استمرت: أحست المرارة. يقول: أنا سهل لمن ساهلني، مر على من عاداني.

616 المباءة: الرجوع. أبي: صاحب إباء أي أنفة وعزة نفس. آبى: أكره. تنتحي: تقصد وتميل، وتنتحي في مسرتي. تقصد إلى ما يسرني.

ص: 443