الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حالتهم الدينية
كان في شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام أديان ومعتقدات مختلفة، تبعًا لقدرتهم على التفكير الديني، أو تأثرهم بالأديان السابقة، أو اختلاطهم بأهل الأديان التى لها أصل سماوي. فكان فيهم الموحدون، والوثنيون، واليهود، والنصارى، والمجوس، والزنادقة، والصابئة.
أما الموحدون: من العرب قبل الإسلام فكانوا قليلين، عبدوا الله وحده ولم يشركوا معه في عبادته شيئًا آخر، ويقولون إنه كان منهم: ورقة بن نوفل، وخالد بن سنان العيسي، وحنظلة بن صفوان، وزيد بن عمرو بن نفيل، وقس بن ساعدة الإيادي، وعامر بن الظرب العدواني، وزهير بن أبي سلمى، وعبيد بن الأبرص، وأمية بن أبي الصلت، ومنهم كذلك النابغة الجعدي الذي يقال عنه إنه أنكر في الجاهلية الخمر، وهجر الأوثان، والأزلام، وقال في الجاهلية:
الحمد لله لا شريك له
…
من لم يقلها فنفسه ظلم1
وأما الصابئة: فهم الذين كانوا يعبدون الكواكب، وهم يعتقدون في الأنواء ويقولون إن أول من دان بذلك من العرب قبائل سبأ الحميرية، إذ كانوا يعبدون الشمس، وقد ورد ذكر ذلك في القرآن الكريم2 كما يقولون إن كنانة كانت تعبد القمر، وكان بنو جرهم ولخم يسجدون للمشترى، وقريش عبدوا الشعرى العبور، وهي الشعرى اليمانية. ويقال إن من آثار عبادة الكواكب ما جاء من أسمائهم مثل عبد شمس. كما يقولون إن من بقايا آثار عبادة الشمس ما يفعله الغلام إذا سقطت سنه.
وأما المجوسية: فهى عبادة النار، وكانت المجوسية في العرب في تميم. ومن آثار هذه الديانة نار الحلف، وحلفهم بالرماد والنار، ومن مذاهبهم زواج البنات.
1 أديان العرب، ص 193.
2 سورة النمل، {وَجَدْتُهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} .
والزندقة: يقول عنها صاحب القاموس: "الزنديق: من الثنوية أو القائل بالنور والظلمة، أو من لا يؤمن بالآخرة وبالربوبية، أو من يبطن الكفر ويظهر الإسلام". وفي اللسان: الزنديق: القائل ببقاء الدهر، فارسي معرب، وهو بالفارسية "زندكراي" يقول بدوام الدهر، وقال ابن قتيبة في كتاب المعارف عند الكلام على أديان العرب في الجاهلية: كانت الزندقة في قريش، أخذوها عن الحيرة. وقال البلخي في كتاب البدء والتاريخ: كانت الزندقة والتعطيل في قريش. والثنوية يعتقدون أن الصانع اثنان ففاعل الخير نور وفاعل الشر ظلمة. وهما قديمان، لم يزالا ولن يزالا قويين حساسين.. وهما مختلفان في النفس والصورة متضادان في العقل والتدبير، فالنور فاضل حسن تقي طيب الريح حسن المنظر ونفسه خيرة كريمة حكيمة نفاعة، منها الخيرات والمسرات والصلاح، وليس فيها شيء من الضرر والظلمة ضد ذلك3.
أما اليهودية: فهى دين موسى عليه السلام، نسبة إلى يهوذا أحد أسباط إسرائيل الذي تناسل منه أكثر الملوك.
والذى أدخل اليهودية إلى اليمن تبع الأصغر، ومن اليهود الذين نزلوا المدينة بنو قريظة وبنو النضير، وأشهر من دان باليهودية من قبائل العرب: بنو نمير كنانة، وبنو الحارث بن كعب، ولعلها سرت إليها من مجاورة اليهود لهم في تيماء ويثرب وخيبر.
وأما النصرانية: فهي دين المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، نسبة إلى الناصرة أول قرية بث عيسى فيها دعوته، فقال العرب:"ناصري ونصراني".
ودخلت النصرانية بلاد العرب زمن الحواريين، فنقل أن القديس لوقا أول من دعا إليها في بلاد اليمن أثناء مسيره إلى الهند، وبولس دعا إليها في الشام.
وفي تاريخ العصور الوسطى أن عرب غسان تنصروا في أيام القيصر، وقال ابن خلدون: كان أهل نجران "وهم بنو الحارث بن كعب بن مذحج" من بين العرب يدينون بالنصرانية.
وأشهر من تدين بالنصرانية من العرب، قضاعة كأنهم تلقوها عن الروم، فقد كانوا يكثرون من التردد إلى بلادهم للتجارة؛ والغساسنة بالشام لمجاورتهم نصارى الروم، وكثير من
3 بلوغ الأرب، جـ2 ص229.
تنوخ وتغلب وطيئ وحمير، وشاعت النصرانية في قبائل شتى بالحيرة، يقال لهم العباد ومنهم عدي بن زيد العبادي.
وأما الوثنيون، فكانوا أكثرية العرب الجاهليين، وهم عبدة الأصنام والأوثان، والصنم يكون غالبًا تمثالًا، أما الوثن فيكون غالبًا حجرًا، وقد يسمى الصنم بالوثن. يقول ابن الكلبي: المعمول من خشب أو ذهب أو فضة صورة إنسان فهو صنم، وإذا كان من حجارة فهو وثن. وقال السهيلي: يقال لكل ما كان من حجر أو غيره صنم، ولا يقال وثن إلا لما كان من غير الصخر كالنحاس وغيره.
وكانوا في عبادتهم للأوثان يؤمنون بالله، زاعمين أنها تشفع لهم عند الله يقولون:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَى} . {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} .
ويروي ابن الكلبي في كتاب الأصنام: "أن إسماعيل بن إبراهيم صلى الله تعالى عليهما وسلم لما سكن مكة وولد له بها أولاد كثيرة حتى ملئوا مكة ونفوا من كان فيها من العماليق فضاقت عليهم مكة، وقعت بينهم الحروب والعداوات وأخرج بعضهم بعضًا، فتفسحوا في البلاد والتماس المعاش، وكان الذي سلخ بهم إلى عبادة الأوثان والحجارة أنه كان لا يظعن من مكة ظاعن إلا احتمل معه حجرًا من حجارة الحرم تعظيمًا للحرم، فحيثما حلوا وضعوه وطافوا به كطوافهم بالكعبة صبابة بها وحبًّا، وهم على إرث أبيهم إسماعيل من تعظيم الكعبة والحج والاعتمار، ثم سلخ ذلك بهم إلى أن عبدوا ما استحبوا، ونسوا ما كانوا عليه، واستبدلوا بدين إبراهيم وإسماعيل غيره، فعبدوا الأوثان، وصاروا إلى ما كانت عليه الأمم من قبلهم كقوم نوح، وفيهم بقايا على دين أبيهم إسماعيل، مع إدخالهم فيه ما ليس منه4.
وكان لكل قبيلة صنم أو أكثر وكان منها عند الكعبة كثير، حتى قال الزمخشري إنه كان حولها ثلثمائة وستون صنمًا.
ومن هذه الأصنام: إساف ونائلة: وهما صنمان عبدتهما العرب وكانوا ينحرون ويذبحون عندهما، ويقال إنهما كانا في الأصل رجلًا وامرأة فجرا في الحرم فمُسِخا "فوجدوهما مسيخين
4 بلوغ الأرب ج ص200.
فوضعوهما بوضعهما فعبدتهما خزاعة وقريش، ومن حج البيت من العرب"5 وقيل: هما حجران نحتا ومثلا على هيئة إساف ونائلة وسميا باسميهما6. ومنها ذو الخلصة لخثعم، والشارق؛ وهبل "كان أعظم الأصنام عند قريش، وكان من عقيق أحمر على صورة إنسان" وود "عبدته كلب بدومة الجندل"؛ ونسر "لحمير وهمدان منصوب بصنعاء".
وسواع "لكنانة". والعزى لغطفان، واللات لثقيف وكان بالطائف، ومناة للأوس والخزرج، ويغوث لمذحج7.
إن عبادة الأصنام عند العرب الجاهليين، وممارسة بعض الطقوس الدينية. واعتناق بعض الأفكار، نمت فيهم وشاعت تقليدًا للآباء، سيرًا على ما ورثوه عن أجدادهم السابقين وامتثالًا للعرف والعادة، فقد ورد في القرآن الكريم أنهم كانوا دائمًا يقولون: إننا نتبع ما كان
5 بلوغ الأرب جـ2 ص201.
6 مروج الذهب للمسعودي جـ2 ص2 50.
7-
مما قيل أصنام الجاهلية أن:
اللات: "كان بالطائف وقيل بنخلة، وكانت قريش تعبده وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اللات: رجل يلت السويق للحاج، فلما مات عكفوا على قبره يعبدونه".
والعزى: قيل هي شجرة لغطفان كانوا يعبدونها.. وقيل هي صنم لغطفان، وضعها سعد بن سالم الغطفاني، وقيل إنه قدم مكة فرأى الصفا والمروة ورأى أهل مكة يطوفون بينهما، فرجع إلي بطن نخلة، فقال لقومه: إن لأهل مكة الصفا والمروة وليستا لكم، ولهم إله يعبدونه وليس لكم، قالوا. فما تأمرنا؟. قال: أنا أصنع لكم ذلك، فأخذ حجرًا من الصفا وحجرًا من المروة، ونقلهما إلي نخلة، فوضع الذي أخذ من الصفا وقال: هذا الصفا، ثم وضع الذى أخذه من المروة، وقال. هذه المروة، ثم أخذ ثلاثة أحجار وأسندها إلى شجرة، وقال: هذا ربكم، فجعلوا يطوفون بين الحجرين. ويعبدون الثلاثة، حتى فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، وأمر برفع الحجارة، وأمر خالد بن الوليد بالعزى فقطعها. وقيل: هي بيت بالطائف كانت تعبده ثقيف.
ومناة: قيل. هي لخزاعة، كانت بقديد، وقالت عائشة رضي الله عنها في الأنصار. كانوا يهللون لمناة، وكانت حذو قديد. وقيل: هي بيت بالمشلل وكانت تعبده بنو كعب. وقيل: مناة صنم لهذيل وخزاعة، وكانت تعبدها أهل مكة.
وقيل: اللات والعزى ومناة: أصنام من الحجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها. وفكرة الأصنام كانت قديمة، ففى تفسير قوله تعالى. حكاية عن قوم نوح:{وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} [سورة نوح آية23] . إن هذه أسماء آلهتهم، قال محمد بن كعب: هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح، فلما ماتوا كان لهم أتباع يقتدون بهم ويأخذون مأخذهم في العبادة. فجاءهم إبليس، وقال: لو صورتهم صورهم كان أنشط لكم وأشتق إلى العباد، ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس: إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم. فعبدوهم، فابتداء عبادة الأوثان كان من ذلك وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم الصالحين من المسلمين. وقيل كان ود على صورة رجل. وسواع على صورة امرأة، ويغوث على صورة أسد، ويعوق على صورة فرس، ونسر على صورة نسر. "راجع تفسير البغوي والخازن والكشاف للزمخشري" في سورة نوح.
عليه آباؤنا الأقدمون. فعاب عليهم القرآن هذا التقليد الأعمى، وطالبهم باستعمال العقل والتفكير في العقيدة وصفة الإله الذي يستحق العبادة والتقديس، واستهزأ بسلوكهم هذا في قوله تعالى:{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ} 8 وقيل إن فكرة الأصنام وتقديسها انتقلت إليهم من خارج بلادهم، فقد ورد أن قريشًا في الأصل كانت على دين إبراهيم يحجون البيت ويقيمون المناسك خرج عمر بن لحي إلى أرض الشام فوجدهم يعبدون الأصنام ويتقربون إليها.
فأحب أن يفعل قومه مثل ذلك، فجاءهم بصنم، ودانت العرب للأصنام ثم وضعوا إسافًا ونائلة، كل واحد منهما على ركن من أركان البيت وكانت العرب إذا حجت ورأت الأصنام سألت قريشًا وخزاعة، فيقولون إنما نعبدها لتقربنا إلى الله زلفى، لما رأت العرب ذلك اتخذت أصنامًا كثيرة فجعلت كل قبيلة لها صنمًا. ويقال إن عمرو بن لحي هذا -وكان رئيسًا- هو الذي أمرهم بعبادة الصخرة التي يلت عليها السويق للحجاج، فاستجابوا لأمره، وبنوا عليها بيتًا هو "اللات" فالوثني في الجاهلية لم يكن يتمسك في دينه بعقيدة قائمة على عقل سديد، أو تفكير سليم، إنما هي عادات تأصلت في نفوسهم تقليدًا لغيرهم أو تمسكًا بسلوك آبائهم وأجدادهم السابقين.
8 سورة البقرة 170.
9 تاريخ العرب القدامى ص98. ومروج الذهب للمسعودي جـ2، ص56. وتاريخ اليعقوبي جـ1، ص54.