الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى} . وقال في عاد: {فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ} وقال: {وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا} وقال: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَاّ اللَّهُ} .
وقال ابن سلام في موضع آخر: "فلو كان الشعر مثل ما وضع لابن إسحاق، ومثل ما رواه الصحفيون، ما كانت إليه حاجة ولا فيه دليل على علم".
4- أبو عمرو بن العلاء:
ولد سنة 70 هـ -689م ومات سنة 154-770، أحد القراء السبعة، وهو رئيس مدرسة البصرة، أمين، ثقة، عالم بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب، وقد وجه عناية كبيرة إلى تدوين كميات هائلة من الشعر الجاهلي والأخبار المتعلقة به ويقال إنه أحرقها فيما بعد تحت تأثير ديني30.
وقد قال عنه الأصمعي: جلست إليه ثماني حجج، فما سمعته يحتج ببيت إسلامي31. وقال عنه ابن سلام:"وكان أبو عمرو أوسع علمًا بكلام العرب ولغاتها32". وقال ابن سلام كذلك: "سمعت يونس يقول: لو كان أحد ينبغي أن يؤخذ بقوله كله كان ينبغي لقول أبي عمرو بن العلاء في العربية أن يؤخذ كله"33.
30 ابن خلكان، جـ1 ص386. وبغية الوعاة للسيوطي ص267، والفهرست ص 48.
31 العمدة: 1/90.
32 طبقات الشعراء، ص 6.
33 المرجع السابق ص 7.
5-
حماد الرواية:
هو ابن أحد الموالي، من سبي الديلم، سباه عروة بن زيد الخيل، ووهبه لابنته ليلى يخدمها خمسين سنة، ثم ماتت فبيع بمائتي درهم، فاشتراه عامر بن مطر الشيباني وأعتقه34. ولد سنة 75 هـ 794م ولم ينعم في طفولته وحداثته بالاستقرار، حتى عد من الصبيان الأشرار، يروى أنه كان في أول أمره يتشطر، ويصحب الصعاليك واللصوص، فنقب ليلة على رجل فأخذ ماله، وكان فيه جزء من شعر الأنصار، فقرأه حماد، فاستحلاه وتحفظه، ثم طلب الأدب والشعر وأيام الناس ولغات العرب بعد ذلك وترك ما كان عليه فبلغ في العلم ما بلغ35 وطارت شهرته فيما بعد بالكوفة كراوية، وكان رئيس مدرسة
34 الفهرست، ص 140.
35 الأغاني جـ6 ص87. وراجع عن حماد كذلك ابن سلام ص 14-15، كتاب المعارف لابن قتيبة ص 268، وياقوت جـ1 ص 265، والمزهر جـ2 ص 153، جـ3 ص 406.
الكوفة، وقد نال حظوة عند الخليفة الوليد بن يزيد، وكان أحد الثلاثة الذين يقال لهم "الحمادون" بالكوفة: حماد عجرد، وحماد الزبرقان، وحماد الراوية. وكانوا يتنادمون على الشراب ويتناشدون الأشعار، وكانوا يرمون بالزندقة، وكان هؤلاء مع يحيى بن زياد ومطيع بن إياس يعيشون عيشة عبث ومجون يثير نقمة الطبقة المحافظة.
وقد مرت الإشارة إلى ما روي عن قوة حافظته حتى سمي بالراوية، ولكنه كان متهمًا في روايته، غير موثوق به ويرمى بأنه كان يزيد في أشعار الشعراء ويدس عليهم ما ليس لهم، قال ابن سلام:"وكان أول من جمع أشعار العرب وساق أحاديثها حماد الرواية، وكان غير موثوق به؛ كان ينحل شعر الرجل غيره، ويزيد في الأشعار"36. وروى صاحب الأغاني عن جماعة: أنهم كانوا في دار أمير المؤمنين بعيسا باذ37، وقد اجتمع فيه عدة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها، إذ خرج بعض أصحاب الحاجب فدعا بالمفضل الضبي الراوية فدخل، فمكث مليًّا، ثم خرج إلينا ومعه حماد والمفضل جميعًا، وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم معهما، فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم، إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حمادًا بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، ووصل المفضل بخمسين ألفا لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعرًا جيدًا محدثًا، فليسمع من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل. فسألنا عن السبب فأخبرنا أن المهدي قال للمفضل لما دعا به وحده: إني رأيت زهير بن أبي سلمى افتتح قصيدته بأن قال:
دع ذا وعد القول في هرم
ولم يتقدم له قبل قول، فما الذي أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضل ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئًا إلا أني توهمته أنه كان يفكر في قول يقوله، أو يروي في أن يقول شعرًا، فعدل عنه إلى مدح هرم، وقال: دع ذا، أو كان مفكرًا في شيء من شأنه، فتركه، وقال: دع ذا، أي دع ما أنت فيه من الفكر، وعد القول في هرم. فأمسك عنه، ثم دعا بحماد، فسأله
36 طبقات الشعراء، ص14.
37 عيسا باذ: أي عمارة بالفارسية، وكانت محلة شرقي بغداد، منسوبة إلى عيسى بن المهدي، وكانت إقطاعًا له.
عن مثل ما سأل عنه المفضل، فقال: ليس هكذا قال زهير يا أمير المؤمنين؛ قال: فكيف قال؟ فأنشده:
لمن الديار بقُنّة الحجر38
…
أقوين مُذ حِجج ومذ دهر
قفر بمندفع النحائب39 من
…
ضَفْوى40 أولات الضّال والسِّدْر
دع ذا وعد القول في هرم
…
خير الكهول وسيد الحضر
قال: فأطرق المهدي ساعة، ثم أقبل على حماد، فقال له: قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لا بد من استحلافك عليه. ثم استحلفه بأيمان البيعة، وكل يمين محرجة ليصدقنه عن كل ما يسأل عنه، فحلف له بكل ما توثق منه. قال له: اصدقنى عن حال هذه الأبيات من أضافها إلى زهير، فأقر له أنه قائلها، فأمر فيه، وفي المفضل بما أمر به من شهرة أمرهما وكشفه41. ويروى عن صالح بن سليمان42، قال: قدم حماد الراوية على بلال بن أبي بردة البصرة، وعند بلال ذو الرمة، فأنشده حماد شعرًا مدحه به. فقال بلال لذي الرمة: كيف ترى هذا الشعر؟ قال: جيداً: وليس له. قال: فمن يقوله؟ قال: لا أدري إلا أنه لم يقله. فلما قضى بلال حوائج حماد وأجازه، قال له إن لي إليك حاجة، قال: هي مقضية.
قال: أنت قلت ذلك الشعر؟ قال: لا. قال: فمن يقوله؟ قال: بعض شعراء الجاهلية، وهو شعر قديم وما يرويه غيري. قال: فمن أين علم ذو الرمة أنه ليس من قولك؟ قال: عرف كلام أهل الجاهلية من كلام أهل الإسلام.
وروي عن ابن الأعرابي، أنه قال43: "سمعت المفضل الضبي يقول: قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبدًا، فقيل له: وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أم يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، لا، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر، يشبه به
38 القنة: أعلى الجبل، وأراد هنا ما أشرف على الأرض. والحجر. موضع بعينه، وهو حجر اليمامة.
39 النحائب، آبار من موضع معروف.
40 ضفوى: مكان دون المدينة.
41 أغاني جـ6 ص90.
42 أغاني جـ6 ص88.
43 المرجع السابق ص89.
مذهب رجل ويدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق، فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك! ".
وروي عن الطرماح أنه قال44 أنشدت حمادًا الراوية في مسجد الكوفة -وكان أذكى الناس وأحفظهم- قولي:
بان الخليط بسحْرة فتبددوا
وهي ستون بيتًا، فسكت ساعة ولا أدري ما يريد، ثم أقبل علي، فقال: أهذه لك؟
قلت: نعم. قال: ليس الأمر كما تقول، ثم ردها عليّ وزيادة عشرين بيتًا زادها فيها في وقته، فقلت: ويحك! إن هذا الشعر قلته منذ أيام ما اطلع عليه أحد. قال: قد قلت أنا هذا الشعر منذ عشرين سنة، وإلا فعلىَّ وعلىَّ. فقلت: لله علىَّ حِجَّة حافيًا راجلًا إن جالستك بعد هذا أبدًا. فأخذ قبضة من حصى المسجد وقال: لله علىَّ بكل حصاة من هذا الحصى مائة حجة إن كنت أبالي. فقلت: أنت رجل ماجن والكلام معك ضائع. ثم انصرفت.
وقال فيه الأصمعي: "كان حماد أعلم الناس إذا نصح"، وقال خلف:"كنت آخذ من حماد الراوية الصحيح من أشعار العرب، وأعطيه المنحول، فيقبل ذلك مني ويدخله في أشعارها، وكان فيه حمق"45. ومع أنه كان واسع العلم غزير المادة، حاد الذاكرة، فياضًا في الرواية، فقد كان لا يتورع عن الزور والادعاء كما يتبين من الحوادث التي ذكرناها آنفًا عنه، ويظهر أنه كان من الذين يعدون من المهانة ألا يجيبوا على كل سؤال يطرح عليهم، وقد أخذت عليه أبيات مخترعة، وتفسيرات للألفاظ مستغربة. ومن كان مثل حماد عديم التشدد أمام نفسه وأمام غيره فهو يقبل كل شيء من كل الناس دون رادع، فتعجبه الأسطورة، ويهوى النادرة التي يبدع خلقها، ويظهر حماد على مر العصور كآفة للرواية الشعرية، ونادى زعماء المدرسة البصرية بعدم الثقة به، وكان أكثرها ما أخذ عليه إجمالًا وضع الشعر الجاهلي ونسبته إلى غير أهله"46ومات حماد سنة 156هـ-872م.
44 الأغاني جـ6 ص94.
45 المصدر السابق ص70.
46 تاريخ الأدب العربي لبلاشير ص112.