الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويظهر واضحا من شعر الفخر أن العربي في الجاهلية كان يحب أن يظهر نفسه بمظهر التفوق التام على الآخرين، وأن يشاع عنه أنه أعلى شأنًا من غيره في كل شيء، ويتضح من فخرهم أن الميل إلى الإعجاب الشديد بالنفس كان متسلطًا على العرب في الجاهلية لدرجة عظيمة، حتى إن الشاعر في بعض الأحيان كان يفخر بتفوق فرعه على بقية فروع قبيلته الآخرين، فيدعي أنه نال من الأمجاد والبطولة والفوز ما لم يستطع الآخرون أن يصلوا إليه، وأظهر مثل لذلك، قول عمرو بن كلثوم.
وكنا الأيمنين إذا التقينا
…
وكان الأيسرين بنو أبينا
فصالوا صولة فيمن يليهم
…
وصلنا صولة فيمن يلينا
فآبوا بالنهاب وبالسبايا
…
وأبنا بالملوك مصفدينا
فقومه هم الأيمنون، في حين أن بقية عشيرته في غير فرعه كانوا أهل الشمال وبينما رجع هؤلاء من الحرب بالنهاب والسبايا، عاد قومه وقد أسروا ملوك الأعداء ورؤساءهم، وقد صفدوهم بالقيود والأغلال.
وفي الفخر نرى أن ما قيل في الناحية القبلية يكاد يكون ثلاثة أضعاف ما قيل في الناحية الشخصية. وهذا معناه أن العصبية القومية كانت سائدة في ذلك الحين، حتى استولت على نفوس الشعراء، وسيطرت إلى حد كبير على مشاعرهم، فكان فيها معظم إنتاجهم.
ولكن هذا يدلنا من ناحية أخرى على أن الشاعر -في وسط هذا الشعور الجماعي المتسلط- ما كان لينسى نفسه: كفرد قائم بذاته، وكشاعر له إحساسه الخاص، فكان يتحدث عن نفسه، ويفتخر بشخصيته، وبطولته، وقوته، في حرية تامة، وكيفما شاء.
الهجاء والوعيد والإنذار:
كان الهجاء على عكس الفخر، يعددون فيه عيوب الخصوم والأعداء، فيذكرون ما في تاريخهم من مخازٍ، وما نزل بهم من هزائم، وما حل بهم من خسائر أو عار، ويرمونهم بأقبح العادات، وذميم الصفات، وكثيرًا ما كان يتخلل هجاءهم وعيد وتهديد، وقد كان الهجاء يوجه إلى الأعداء في معرض الفخر، أو في ثنايا المدح؛ لأن في تحقير الأعداء والحطة من شأنهم رفعة للمفتخر أو للممدوح. وكان من أبرز ما هجا به الشعراء في العصر الجاهلي:
الهزيمة في الحروب، والجبن، والضعف، والفرار من الميدان، والقتل، والأسر، والسبي، ودفع الفدية، والنفي من الموطن، وخسة الأصل، ولؤم الطبع، والبخل، والشح والحرص، والاعتداء على الجار واللاجئ، والهرب من الضيفان، والحمق، والغدر، وإنكار الجميل، وكفران المعروف، وأخذ الدية، والجوع، وسوء الغذاء، وما كان العدو أو الخصم ليسلم من الهجاء والسب والذم مهما علا شأنه، ولو كان ملكًا، وهجاء طرفة والمتلمس لعمرو بن هند ملك الحيرة مشهور، وقد كان عمرو من أقسى الملوك، وأعنفهم. ويذكر الرواة لهما فيه هجاء مؤلمًا178 عنيفًا. كذا هجاء عبد قيس بن خفاف البرجمي النعمان بن المنذر ملك الحيرة. وقد رأينا في معلقة الحارث بن حلزة هجاءً وتقريعًا في تهكم وسخرية، مما يدل على ذكاء وعبقرية. ومن أمثلة الهجاء ما يقوله أوس بن غلفاء الهجيمي التميمي، في هجاء يزيد بن الصعق الكلابي، ومنه179:
فأجر يزيد مذمومًا أو انزع
…
على علب بأنفك كالخطام180
وإن الناس قد علموك شيخًا
…
تهوك بالنواكة كل عام181
وإنك من هجاء بني تميم
…
كمزداد الغرام إلى الغرام182
هم منوا عليك فلم تثبهم
…
فتيلًا غير شتم أو خصام183
وهم ضربوك ذات الرأس حتى
…
بدت أم الدماغ من العظام184
فإنا لم يكن ضباء فينا
…
ولا ثقف ولا ابن أبي عصام185
ولا فضح الفضوح ولا شييم
…
ولا سلماكم، صمي صمام186
178 راجع ديوان طرفة والمتلمس.
179 المفضليات، ص 228.
180 العلب: أن تؤخذ حديدة أو نحوها فتحمى ويكوى بها الأنف حتى يقشر ويبدو العظم. الخطام: حبل يوضع في أنف البعير لإذلاله.
181 التهوك: التحير والتردد. أو السقوط في هوة التردي. النواكة: الحمق.
182 الغرام: الشر الدائم؛ وذلك لأن يزيد بن الصعق كان قد هجا بني تميم.
183 تثبهم: تكافئهم أو تجازيهم. فتيلًا: يقصد أدنى شيء.
184 ضربه ذات الرأس: أصاب أم رأسه. أم الدماغ: الجلدة التي تحيط بالدماغ وتجمعه.
185 ضباء: رجل من بني أسد كان جارًا لبني جعفر، فقتله بنو أبي بكر بن كلاب غدرًا فلم يدرك بنو جعفر بثأره ولم يدوا ديته. يقصد أن يتهكم بهؤلاء، أي لست من هؤلاء الذين غدر بهم فذهبت دماؤهم هدرًا.
186 هذه أعلام رجال. صمي صمام: يقال للداهية: "صمي صمام" مثل "قطام" وهي الداهية، أي زيدي.
وكان عمرو بن هند أخو قابوس بن هند ملكًا على الحيرة. وكان عمرو شديدًا، وكان له يوم بؤس، ويوم نعمى، فيوم يركب في صيده يقتل أول من لقي، ويوم يقف الناس ببابه، فإن اشتاق حديث رجل أذن له، فهجاه طرفة فقال:
فليت لنا مكان الملك عمرو
…
رغوثًا حول قبتنا تخور187
من الزمرات أسبل قادماها
…
وضرتها مركنة درور188
يشاركنا لنا رخلان فيها
…
وتعلوها الكباش فما تنور189
لعمرك إن قابوس بن هند
…
ليخلط ملكه نوك كثير190
قسمت الدهر في زمن رخي
…
كذاك الحكم يقصد أو يجور191
لنا يوم وللكروان يوم
…
تطير البائسات وما نطير192
187 الرغوث: النعجة المرضع. تخور: تصوت. وأصل الخوار للبقرة فجعله هنا للنعجة. يتمنى أن لو كان لهم مكان الملك عمرو نعجة رغوث، تصيح بجوار قبتهم، وتدر عليهم اللبن.
188 الزمرات: القليلات الصوف؛ وخصها لأنها أغزر لبنًا، أسبل: طال وكمل. قادماها: خلفاها، وأصلها للناقة لأن لها أربعة أخلاف: قادمين وآخرين، فاستعار القادمين للشاة. والضرة: لحم الضرع. مركنة: لها أركان، أي جوانب، وأصل. وقيل: هي المجتمعة. درور: كثيرة الدر. ومعنى البيت: وتكون هذه النعجة من الغنم المشهورة بكثرة اللبن، ذات الضرة الكبيرة التي لها جوانب واسعة مملوءة باللبن على الدوام.
189 رخلان: مثنى رخل، وهي الأنثى من أولاد الضأن، تعلوها الكباش: تلقحها. تنور: تنفر. يقول: وهذه النعجة غزيرة الدر، كثيرة اللبن، قد ألفت الذكور فما تنفر منها.
190 قابوس: أخو عمرو بن هند، وكان يرشحه للملك بعده، النوك، بفتح النون: الحماقة. يقسم أن في حكم هؤلاء حمقًا كثيرًا وجهالة وضلالًا.
191 في البيت يخاطب عمرو بن هند، ويذكر ما كان من يوم صيده، ويوم وقوف الناس ببابه، وقد بينه في الأبيات التالية، رخي: سهل لين. كذاك الحكم: جملة اسمية، على حذف مضاف، أي ذو الحكم. يقصد: يتوسط في الأمر. ويعدل. يجور: يظلم ويجاوز الحد. يخاطب الملك عمرو بن هند، فيقول: لقد أتيت في زمن سهل لين، فحكمت، وقسمت الزمن كما تشاء، فكنت جائرًا ظالمًا. والحكام يختلفون، منهم من يعدل ومنهم من يجور ويظلم، وأنت من هؤلاء الظالمين.
192 كروان: جمع كروان، وهو طائر معروف، ويقال له:"كرا" ومنه المثل المعروف "أطرق كرا إن النعام بالقرى" يضرب للرجل يظن أنه محتاج إليه، فتقول له أسكن فقد أمكنني من هو أنبل منك وأرفع. والنعام إنما يكون في القفار فإذا كان بالقرى فقد أمكن، وصار أقرب منالًا. البائسات: يروى بالنصب على التوهم كما تقول: مررت به المسكين، ولقيته البائس، ويروى بالرفع على القطع، أو على البدل من الضمير المستتر في "تطير". يقول: لقد كنت جائرًا حين قسمت دهرك، فجعلته يومين: يومًا لنا، لا نستطيع السير فيه، ويوما للكروان تكون فيه بائسة معذبة، ما تنزل في مكان إلا وتطير منه، خشية أن تقتلها في صيدك.
فأما يومهن فيوم نحس
…
تطاردهن بالحدب الصقور193
وأما يومنا فنظل ركبًا
…
وقوفًا ما نحل وما نسير194
وكانت الهزيمة مؤلمة أشد الألم على الفرسان، تثير الغيظ والحقد والبغضاء، فكانوا يتبعونها بوعيد وتهديد ليمحوا آثار ما حدث، ويعيدوا إلى أنفسهم مجد النصر والشرف. من ذلك مثلًا ما حدث في يوم الرقم حيث انتصرت فيه غطفان على بني عامر بن صعصعة رهط عامر بن الطفيل، فأقبل عامر منهزمًا حتى دخل بيت أسماء بن قدامة الفزارية، ثم تمكن من الفرار، فقال195:
ولتسألن أسماء وهي حفية
…
نصحاءها أطردت أم لم أطرد؟
قالوا لها: فلقد طردنا خيله
…
قلح الكلاب، وكنت خير مطرد
فلأنعينكم الملا وعوارضًا
…
ولأهبطن الخيل لابة ضرغد
بالخيل تعثر في القصيد كأنها
…
حدأ تتابع في الطريق الأقصد
ولأثأرن بمالك وبمالك
…
وأخي المرواة الذي لم يسند
وقتيل مرة أثأرن فإنه
…
فرع وإن أخاهم لم يقصد
يا أسم أخت بني فزارة إنني
…
غازٍ، وإن المرء غير مخلد
فيئي إليك فلا هوادة بيننا
…
بعد الفوارس إذ ثووا بالمرصد
إلا بكل أحم نهد سابح
…
وعلالة من كل أسمر مذود
وأنا ابن حرب لا أزال أشبها
…
سعرًا وأوقدها إذا لم توقد
فإذا تعذرت البلاد فأمحلت
…
فمجازها تيماء أو بالأثمد
فالشاعر هنا يتأجج غضبًا وثورة، ويهدد أعداءه ويتوعدهم بحرب ضروس يثأر بها لشرفه ويقتص للأبطال من قومه، ويذيق فيها الأعداء أقسى أنواع العذاب.
193 نحس: شؤم. وسوء. الحدب: ما ارتفع من الأرض وغلظ. الصقور: جمع صقر: وهو كل شيء يصيد من البزاة والشواهين. يقول: يوم الكروان يوم سوء لمطاردة الصقور لهن.
194 يقول: وأما اليوم المخصص لنا. فتظل قيامًا على بابه، تنتظر الإذن، ولكنه لا يأذن لنا فنحل عنده، ولا يأمر بالرجوع فنسير عنه.
195 مفضلية رقم 107.
وقد كان التهديد بالشعر من الوسائل التي توعد بها الشعراء أعداءهم، تشهيرا بهم، ونشرا لمخازيهم وعيوبهم، بجانب الحرب والقتال، من ذلك ما يقوله النابغة الذبياني في تهديده لعدوه:
فلتأتينك قصائد وليدفعن
…
جيش إليك قوادم الأكوار196
ومما ورد في التهديد بالشعر، هجاء وتشهيرًا بالمخازي والعيوب قول مزرد197:
فدع ذا ولكن ما ترى رأي عصبة
…
أتتني منهم منديات عضائل198
يهزون عرضي بالمغيب ودونه
…
لقرمهم مندوحة ومآكل199
على حين أن جربت واشتد جانبي
…
وأنبح مني رهبة من أناضل200
وجاوزت رأس الأربعين فأصبحت
…
قناتي لا يلفى لها الدهر عادل 201
فقد علموا في سالف الدهر أنني
…
معن إذا جد الجراء ونابل202
زعيم لمن قاذفته بأوابد
…
يغني بها الساري وتحدى الرواحل203
مذكرة تلقى كثيرًا رواتها
…
ضواح، لها في كل أرض أزامل204
تكر فلا تزداد إلّا استنارة
…
إذا رازت الشعر الشفاه العوامل205
196 ديوان النابغة الذبياني ص50.
والأكوار: جمع كور وهو رحل الناقة. والقوادم: جمع قادمة، وهى مقدمة الرحل. يتوعد الشاعر عدوه بالهجاء شعرًا. وبالقتال بالجيوش والأسلحة.
197 المفضلية رقم 17
198 المنديات: المخزيات. التي يعرق لها الوجه ويندى. العضائل: الشدائد.
199 يهزون: فسره الأنباري بأنه يقطعون. والمعروف في هذا الهذ بالذال، بمعنى القطع. القرم: الأكل بمقدم الفم.
200 أنبح مني: صيرته إلى أن ينبح كالكلب.
201 العادل: المقوم، أو المساوي المماثل.
202 المعن: المعترض، من قولهم "عن له" إذا اعترض له في الخصومة والمناظرة. الجراء: الجري. النابل: الحاذق في أموره. يقول: إذا جرت الخصومة ففي فضل أعترض به على الناس.
203 الزعيم: الكفيل. الأوابد: الغريب من الكلام، وأراد هنا ما يهجوهم به.
204 مذكرة: شديدة قوية، صفة للأوابد. ضواح: بارزة ظاهرة، لكثرة ما يرددها الرواة، واحدتها ضاحية. أزامل: جمع أزمل، وهو كل صوت مختلط.
205 تكر: تعاد كرة بعد كرة. رازت: جربت، تنظر كيف هو. العوامل: النواطق بالشعر.
فمن أرمه منها ببيت يلح به
…
كشامة وجه، ليس للشام غاسل206
كذاك جزائي في الهديِّ وإن أقل
…
فلا البحر منزوح ولا الصوت صاحل207
ويلاحظ في الهجاء أنه وإن كان مثيرًا، فإنه على العموم عفيفًا فلم يكن بصفة عامة مقذعًا، ولم ينزل إلى الحضيض أو السب الجارح.
وإذ حدث من الأقارب ما يستحق المؤاخذة، فإنه يوجه اللوم أو التوبيخ، وكان أسلوبه أقل عنفًا من هجاء الأجانب، وأحيانًا كان يقال في أسلوب التلميح أو التعريض لا التصريح، كالأبيات التي تنسب إلى سعد بن مالك في حرب البسوس، وفيه دعاء عليهم أن يجازيهم الله بفعلتهم وما ارتكبوا ضد قومهم وعشيرتهم.
وأشد ما يكون الهجاء عنفًا عندما يكون ردًّا على منتصر، أو هجاء سابق208.
وكان الوعيد يقال بصيغة قوية ملتهبة تؤكد التصميم على تنفيذه وبخاصة إذا كان للأخذ بالثأر.
وفي التهديد بالشعر بيان لقوة الشعر وعمق تأثيره في نفوسهم.
وكان الشاعر يستشيط غضبًا عندما يعلم أن العدو يدبر الأمور لشن القتال ضد قومه، فيسرع الشاعر إلى تنبيه قومه، واستثارة حميتهم، لكي يعدوا العدة للقاء أعدائهم ورد كيدهم في نحورهم، وإذا كان بعيدًا عنهم أرسل إليهم سرًّا على عجل منذرًا ومستثيرًا، كما كان من لقيط بن يعمر الإيادي، فقد كان كاتبًا في ديوان كسرى، فعلم أنه مجمع على غزو إياد، فكتب إليهم شعرًا ينذرهم به، فوقع الكتاب بيد كسرى، فقطع لسان لقيط، وغزا إيادًا. فمما كتبه لقيط في ذلك قوله209:
بل أيها الراكب المزجي مطيته
…
إلى الجزيرة مرتادًا ومنتجعا210
206 يلح: من لاح يلوح، إذا ظهر. الشام: جمع شامة.
207 الهدي: المهاداة، كما فسره الأنباري، وأصله: ما يهدى. والمراد التهادي بالشعر، وهو المهاجاة. صاحل: من الصحل، بفتح الحاء، وهو بحة الصوت.
208 راجع شعر الحرب للمؤلف.
209 مختارات ابن الشجري، قصيدة رقم1.
210 الارتياد والنجعة: طلب الكلا.
أبلغ إيادًا وخلل في سراتهم
…
إني أرى الرأي أن لم أعص قد نصعا211
يا لهف نفسي إن كانت أموركم
…
شتى وأحكم أمر الناس فاجتمعا
إني أراكم وأرضا تعجبون بها
…
مثل السفينة تغشى الوعث والطبعا212
ألا تخافون قوما لا أبا لكم
…
أمسوا إليكم كأمثال الدبا سرعا213
أبناء قوم تأووكم على حنق
…
لا يشعرون أضر الله أم نفعا
أحرار فارس أبناء الملوك لهم
…
من الجموع جموع تزدهي القلعا214
فهم سراع إليكم: بين ملتقط
…
شوكا، وآخر يجني الصاب والسلعا215
لو أن جمعهم راموا بهدته
…
شم الشماريخ من ثهلان لانصدعا216
في كل يوم يسنون الحراب لكم
…
لا يهجعون إذا ما غافل هجعا
خرز عيونهم كأن لحظهم
…
حريق غاب ترى منه السنا قطعا217
لا الحرث يشغلهم، بل لا يرون لهم
…
من دون بيضتكم ريًّا ولا شبعا218
وأنتم تحرثون الأرض عن سفه
…
في كل معتمل تبغون مزدرعا
وتلقحون حيال الشول آونة
…
وتنتجون بدار القلعة الربعا219
وتلبسون ثياب الأمن ضاحية
…
لا تفزعون وهذا الليث قد جمعا
وقد أظلمكم من شطر ثغركم
…
هول له ظلم تغشاكم قطعا.
211 التخليل: التخصيص، من خلل المطر إذا خص ولم يكن عاما. والسراة: جمع سري وهو الشريف.
212 تعجبون بها: تسرون وتزهون. الوعث: الأرض المسترخية الرطبة، والطبع: الوسخ، ومراده هنا الغثاء والكدر.
213 الدبا: أصغر ما يكون من الجراد، والنمل. السرع، بفتح السين وكسرها: ضد البطء.
214 ازدهيت فلانًا: تهاونت به. القلع: السحاب العظيم.
215 الصاب والسلع: شجران مران، كنى بهما عن السلاح.
216 الهدة: الصوت الشديد، تسمعه من سقوط ركن أو حائط، أو ناحية جبل، وهي الجلبة، يريد كثرة عددهم. الشماريخ: جمع شمراخ بكسر الشين، وهي رءوس الجبال. ثهلان: جبل يضرب به المثل في العلو. انصدع: انشق.
217 الخزر: كسر العين بصرها. الغاب: جمع غابة وهي الأجمة ذات الشجر المتكاثف.
218 البيضة هنا كناية عن عقر الدار ومحله القوم.
219 الحيال: جمع حائل وهي غير الحامل، والشول: جمع شائل، وهي الناقة التي ترفع ذنبها للفحل تطلب اللقاح. القلعة. مكان غير مستوطن: والقوم على قلعة: أي على رحلة. الربع الفصيل ينتج في الربيع، وهو أول النتاج.
ما لي أراكم نياما في بلهنية
…
وقد ترون شهاب الحرب قد سطعا220
فاشفوا غليلي برأي منكم حصد
…
يصبح فؤادي له ريان قد نقعا221
ولا تكونوا كمن قد بات مكتنعًا
…
إذا يقال له افرج غمة كنعا222
يسعى ويحسب أن المال مخلده
…
إذا استفاد طريفًا زاده طمعا
فاقنوا جيادكم واحموا ذماركم
…
واستشعروا الصبر لا تستشعروا الجزعا223
ولا يدع بعضكم بعضًا لنائبة
…
كما تركتم بأعلى بيشة النخعا324
صونوا حيادكم واجلوا سيوفكم
…
وجددوا للقسي النبل والشرعا225
أذكوا العيون وراء السرح واحترسوا
…
حتى ترى الخيل من تعدائها رجعا226
واشروا تلادكم في حرز أنفسكم
…
وحرز أهلكم لا تهلكوا هلعا227
فإن غلبتم على ضن بداركم
…
فقد لقيتم بأمر الحازم الفزعا
لا تلهكم إبل، ليست لكم إبل!
…
إن العدو بعظم منكم قرعا228
لا تثمروا المال للأعداء إنهم
…
إن يظهروا يحتووكم والتلاد معا229
هيهات لا مال من زرع ولا إبل
…
يرجى لغابركم إن أنفكم جدعا230
والله ما انفكت الأموال مذ أبد
…
لأهلها إن أصيبوا مرة تبعا
يا قوم إن لكم من إرث أولكم
…
مجدًا قد أشفقت أن يفنى وينقطعا.
220 البلهنية: العيش اللين.
221 حصد: محكم. نقع الماء العليل: شفاه.
222 المكتنع: القريب منك دنوًّا. كنع: جبن وهرب.
223 اقنوا جيادكم: اتخذوها لأنفسكم قنية للنسل لا للبيع. الذمار: ما يجب عليك حفظه والدفاع عنه.
224 بيشة: اسم قرية غناء في واد كثير الأهل باليمن، النخع: قبيلة من الأزد وقيل من اليمن.
225 الشرع بفتح الشين وكسرها الوتر الرقيق.
226 أذكوا العيون: أرسلوا الطلائع لكشف العدو. السرح: شجر كبار عظام طوال. التعداء. العدو. رجعا: من الرجع وهو ترجيع الدابة يديها في السير.
227 شرى ضد باع. الحرز: المكان. يقصد صونوا دياركم في قلوبكم، ودافعوا عنها وضنوا بها على الأعداء. الهلع الجزع.
228 قرع العظم: كناية عن الإصابة في الصميم.
229 يحتووكم: يستولوا عليكم.
230 الغابر: من الأضداد ومعناه هنا الآتي. الجدع: القطع: وجدع الأنف كناية عن الإذلال.
ماذا يرد عليكم عز أولكم
…
إن ضاع آخره أو ذل واتضعا
يا قوم لا تأمنوا إن كنتم غيرًا
…
على نسائكم كسرى وما جمعا231
يا قوم بيضتكم لا تفجعن بها
…
إني أخاف عليها الأزلم الجذعا232
هو الجلاء الذي يجتث أصلكم
…
فمن رأى مثل ذا رأيا ومن سمعا
قوموا قيامًا على أمشاط أرجلكم
…
ثم افزعوا، قد ينال الأمن من فزعا333
وقلدوا أمركم، لله دركم
…
رحب الذراع بأمر الحرب مضطلعا334
لا مترفا إن رخاء العيش ساعده
…
ولا إذا عض مكروه به خشعا235
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه
…
هم يكاد سناه يقصم الضلعا236
مسهد النوم تعنيه أموركم
…
يروم منها إلى الأعداء مطلعا237
ما انفك يحلب هذا الدهر أشطره
…
يكون متبعًا طورًا ومتبعا238
حتى استمرت على شزر مريرته
…
مستحكم الرأي لا قحمًا ولا ضرعا239
وليس يشغله مال يثمره
…
عنكم ولا ولد يبغي له الرفعا240
كمالك بن قنان أو كصاحبه
…
عمرو القنا يوم لاقى الحارثين معا
إذ عابه عائب يوما فقال له
…
دمث لجنبك قبل الليل مضجعا241
231 الغير: جمع غيور
232 الأزلم الجذع: الدهر لأنه جديد أبدًا. ويريد به هنا كسرى.
233 الأمشاط: جمع مشط وهي سلاميات ظهر القدم، والسلاميات: عظام الأصابع واحدتها سلامى.
234 الدر: اللبن، ولله دره: دعاء بكثرة الخير. فلان يضطلع بكذا: تقوى أضلاعه على حمله.
235 المترف: من الترفة: وهي النعمة. وأترفته: أطغته. خشع: خضع وذل.
236 الريث الإبطاء، والمقصود أنه لا ينام إلا بمقدار ما يدعى فيجيب، قصم الشيء: كسره. الضلع بوزن عنب: واحد الضلوع.
237 السهاد: الأرق. المطلع بالتشديد، الموضع الذي تشرف منه على الشيء.
238 حلب فلان الدهر أشطره: مرت عليه ضروب من خيره وشره، وأصل ذلك من أخلاف الناقة، لها خلفان آخران، فكل خلفين شطر.
239 الشزر: فتل الحبل مما على اليسار، وذلك أشد لفتله. المريرة: من إمرار الحبل أي شدة فتله، والمراد استحكم أمره، وقويت شكيمته. القحم: الشيخ الهرم. الضرع: الرجل الضعيف.
240 الرفع: جمع رفعة، وهي ضد الضعة.
241 دمث الشيء. مرسه حتى يلين، هذا الشطر مثل يضرب لأخذ الأهبة والاستعداد للأمر قبل وقوعه.