الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رواية الأدب الجاهلي
مدخل
…
رواية الأدب الجاهلي
سبق أن أشرنا إلى أن العرب الجاهليين أتيحت لهم فرص كثيرة للقول والاحتفال به، والإنصات إليه في وعي وانتباه، والاستمتاع به في شغف واهتمام، فكانت هناك مجالس العشيرة ومجتمعات القبائل على نطاق خاص وعلى نطاق عام، وحلقات المباريات الأدبية، وندوات الأدباء والنقاد، يضاف إلى ذلك خطرات الأديب، وسبحات خياله، وفيض مشاعره حول حياته وأحاسيسه الخاصة، وما هذه الأحوال إلا مصادر الإلهام الأدبي، وروافد سيله وفيضانه، إذ تسبح الخواطر، وتحلق الخيالات، وتتوالى المشاعر، فتفيض المعاني، وتتوارد الصور، ويعمل الحس والذوق، فإذا ما اكتمل الإطار، وتم الإبداع النفسي، انطلقت الألسنة، لتضيف إلى الوجود آثارًا جديدة في عالم الأدب.
ولا نريد أن نبالغ هنا، فندعي -كما قال الكثير عن العرب الجاهليين- أنهم كانوا جميعًا مطبوعين على البلاغة، وكلهم أرباب فصاحة وبيان، فكأنهم كانوا جميعًا شعراء وأدباء، فذلك مما يأباه الواقع؟ فلم يحدث في أمة من الأمم -وإن كان أفرادها كلهم كذلك- كأن حديثهم العادي كان أدبًا، وحاجاتهم اليومية لا تقضى إلا بشعر رائع أو نثر بليغ، إنما نعتقد أنهم كانت فيهم ميول ظاهرة إلى تذوق الأدب والاستمتاع به. كان منهم أفراد منحوا موهبة الأدب، فوجدت منهم طبقة الأدباء الممتازين، شعراء فحول، وناثرون بلغاء، ومحدثون فصحاء، وكان منهم ذواقون للأدب، خبيرون بمواطن حسنه، وأسرار بلاغته، وسماعون للقول الممتاز، يتعشقون سحره، ويطربون لسماعه، ويحلو لهم ترديده وتكراره.
وكان النص الأدبي يلقى شفهيًّا، وربما كان هناك من الأدباء من يدون أثره الأدبي، ولكن يبدو أن ذلك كان قليلًا ونادرًا، نظرًا لشيوع الأمية وعدم معرفة الكتابة بين كثير منهم، وسنشير إلى ذلك فيما بعد إن شاء الله. ومن ثم كان الجميع تقريبًا يعتمدون على ذاكرتهم في تأليف النص الأدبي وإلقائه، وسماعه وترداده.
فكان الأديب يلقي ما دبجته قريحته معتمدًا على ذاكراته، وجمهوره يتلقى عنه معتمدًا على الحافظة، فيسمعونه، ويرددونه بحكم شغفهم بالأدب، وميلهم لحفظه وصيانته،
معتمدين كذلك، لا على قلم يدون، وقرطاس يحفظ، بل على قواهم العقلية الطبيعية الذاكرة الحافظة، أقلامهم الوعى والانتباه ودقة السماع والإنصات، وقراطيسهم صفحات الأفئدة والقلوب. ولكن هل كانوا يحفظونه بمجرد سماعه لأول مرة، كأنهم آلات تسجيل؟ ربما كان الأديب يكرره أكثر من مرة، وربما كان السامعون يعاودون تكراره، بعضهم مع بعض، فيكمل كل منهم لزميله ما قد يكون ندَّ عن ذاكرته، أو غاب عنه وعيه، وهكذا حتى يثبت النص، طبق الأصل، كما ورد عن صاحبه، ويصبح كأنما هو مسطر في كتاب. ومن المعروف أن الموهبة تقوى بالممارسة والتدريب، والعادة تصبح طبيعة بالتكرار والاستمرار، ومن ثم نعتقد أنه كان بين الجاهليين قوة في الذاكرة وحدة في الحافظة، بسبب اعتمادهم الكلي عليها، والمداومة على ممارستها لأداء هذه الوظيفة، مدفوعين إلى ذلك بحكم شغفهم الطبعي لحفظ هذه الآثار وصيانتها، وأرهف قوة الذاكرة عندهم عدم شيوع الكتابة بينهم؛ لندرة من يعرفها، ولأن ظروف الحياة عندهم ما كانت تهيئ لهم أوقاتًا يجلسون فيها لتعلم القراءة والكتابة، فالسعي إلى لقمة العيش التي تقيم أودهم، كان يشغلهم عن هذا وأمثاله مما لا يتصل بصميم الحياة في بيئتهم وظروفهم، كما أن أدوات الكتابة كانت الحجارة والجلود والسعف، وأمثالها مما لا يحبب الكثير في مزاولتها. ومن ثم كان الاعتماد الأساسي في حفظ الآثار وتسجيلها يقوم على الذاكرة والترديد الشفهي.
وكان أكثر الناس اهتمامًا بنصوص الأديب أهله وعشيرته؛ ذلك لأنهم كانوا يعتبرون الأديب لسان حالهم: فهو المعبر عما في نفوسهم، والمذيع لأخبارهم، والمسجل لمآثرهم وأمجادهم، تنطلق منه الكلمات فتدوي في الآفاق، وتخترق الفضاء كالسهام، فتنفذ في الأسماع، وتستقر في القلوب. وتتناقلها الأجيال؛ الخلف عن السلف، فتظل عالقة بالأذهان، خالدة خلود الإنسان، فالعشيرة ومعهم الأصدقاء1 كانوا السجل الأصلي لآثار أدبائهم، يحفظونها عن ظهر قلب، ويذيعونها في الآفاق، ويرددونها في كل مكان، ويتلقاها الأبناء عن الآباء في زهو وافتخار، ويتغنون بها في كل زمان، وقد يبلغ بهم عشق النص الأدبي والإعجاب به إلى درجة تلهيهم عن بعض الأعمال، وفي مثل ذلك يقول بعض بني بكر في بني تغلب لكثرة تردادهم قصيدة عمرو بن كلثوم2:
1 الأغاني ج2 ص 165.
2 الشعر والشعراء ج2 ص 635.
ألهى بني تغلب عن كل مكرمة
…
قصيدة قالها عمرو بن كلثوم
يروونها أبدًا مذ كان أولهم
…
يا للرجال لشعر غير مسئوم
فالرواية الشفهية كانت سبيل النشر والحفظ والبقاء للآثار الأدبية وبخاصة البدو، أما في الحضر فيجوز أن كان من بينهم من دَوَّن آثاره. والرواية الشفهية -مع أن فيها ما فيها من صعوبة واحتمال للخلط أحيانًا- تعتبر وسيلة مضبوطة للنقل الصحيح، فهي ليست إلا النطق والسماع والمشافهة، وفيها تلقى العبارات مضبوطة، وتتلقى صحيحة، وذلك يجعلها بعيدة كل البعد عن التصحيف الذي هو أظهر عيوب الكتابة والنقل عن الكتب، مما دعا اللغويين وثقات الرواة إلى أن يتحاشوا النقل عن صحيفة3 مهما كانت، وبخاصة قبل النقط والشكل.
وكان أشد العشيرة تعلقًا بأدبهم من كان يحس في نفسه أن لديه الموهبة الأدبية فكان الناشئ الموهوب يتعلق بالأديب أشد تعلق، ليتلقى منه كل ما ينتج، وهذا الناشئ بعمله ذلك إنما يغذي موهبته الأدبية، وينمي مقدرتها، حتى يتكامل نموها ويتم نضجها، وبجانب هذه الفائدة الشخصية التي يحققها لنفسه، كان يحفظ هذه الآثار، ويصونها من الضياع، ويعمل على نشرها وإذاعتها بمداومة مدارستها وتكرارها. ومن ثم نشأت السلاسل في كثير من القبائل، مثل:
سلسلة أوس بن حجر الذي كان زوجاً لأم زهير بن أبي سلمى، فنشأ هذا راوية لأوس، وعن زهير أخذ ابنه كعب4.
وسلسلة المسيب بن علس خال الأعشى، راويته5.
وسلسلة المهلهل خال امرئ القيس.
وسلسلة المرقش الأكبر عم المرقش الأصغر عم طرفة بن العبد. وسلسلة الهذليين6.
وبجانب اهتمام أفراد العشيرة بأدبائهم كان يهتم بهم كذلك كثير ممن لا يمتون إليهم بصلة القرابة أو العصبية، حبًّا في الأدب ورغبة في تثقيف عقولهم، وتغذية مواهبهم، وتنمية
3 طبقات فحول الشعراء لابن سلام، ص6.
4 الأغاني جـ8 ص91.
5 الشعر والشعراء جـ1 ص127.
6 الشعر والشعراء، ص635.
قدراتهم الأدبية، كما حدث في سلسلة أوس بن حجر السالفة الذكر، إذ أخذ عن كعب بن زهير وروى له الحطيئة، وعن هذا أخذ هدبة بن خشرم، وعن هدبة أخذ جميل وعن جميل أخذ كثير وروى له. وقد تغنى كثير من الشعراء الأفذاذ بتثقيف عقولهم، وتكوين شخصياتهم الأدبية، بآثار السابقين الفحول، ومن ذلك ما يقوله الفرزدق:
وهب القصائد لي النوابغ إذ مضوا
…
وأبو يزيد وذو القروح وجرول
والفحل علقمة الذي كانت له
…
حلل الملوك كلامه لا ينحل
وأخو بني قيس،7 وهن قتلنه8
…
ومهلهل الشعراء ذاك الأول
والأعشيان كلاهما ومرقش
…
وأخو قضاعة7 قوله يتنخل
وابنا أبي سلمى زهير وابنه
…
وابن الفريعة حين جد المقول
والجفعري10 وكان بشر11 قبله
…
لي من قصائده الكتاب المجمل
ولقد ورثت لآل أوس12 منطقًا
…
كالسم خالط جانبيه الحنظل
والحارثي13 أخو الحماس ورثته
…
صدعًا كما صدع الصفاة المعول
وبلغ من اهتمام العرب بالأدب أن تخصص قوم في حفظه وروايته، ووجدت في تاريخ العرب طبقات من الرواة منذ العصر الجاهلي14.
وقد وردت الأخبار بما يفيد قوة الذاكرة وسعة المحفوظ لدى كثير من الرواة، فقد روي عن الأصمعي أنه قال:"أحفظ ستة عشر ألف أرجوزة"15، وجاء في كتاب الأغاني16: أن حمادًا الراوية روى عن نفسه فقال: "قال لي الوليد بن يزيد: أنت حماد
7 هو طرفة بن العبد.
8 أي القصائد.
9 أبو الطمحان القيني.
10 لبيد بن ربيعة.
11 بشر بن أبي خازم.
12 أوس بن حجر.
13 النجاشي الحارثي.
14 الشهاب الراصد ص 258.
15 إنباه الرواة للقفطي. دار الكتب.
16 جـ6 ص92.
الراوية؟ فقلت له: إن الناس ليقولون ذلك، قال: فما بلغ من روايتك؟ قلت: أروي سبعمائة قصيدة أول كل واحدة منها: "بانت سعاد" فقال: "إنها لرواية". وفي موضع آخر يقول صاحب الأغاني17:
"إن الوليد بن يزيد قال لحماد الراوية: بم استحققت هذا اللقب، فقيل لك الراوية؟ فقال: بأني أروي لكل شاعر تعرفه يا أمير المؤمنين أو سمعت به، ثم أروي لأكثر منهم ممن تعرف أنك لم تعرفه ولم تسمع به، ثم لا أنشد شعرًا قديمًا ولا محدثًا إلا ميزت القديم منه من المحدث، فقال: إن هذا العلم وأبيك كثير، فكم مقدار ما تحفظ من الشعر؟ قال: كثيرًا، ولكني أنشدك على كل حرف من حروف المعجم مائة قصيدة كبيرة، سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون شعر الإسلام قال: سأمتحنك في هذا، وأمره بالإنشاد: فأنشد الوليد حتى ضجر، ثم وكل به من استحلفه أن يصدقه عنه ويستوفي عليه، فأنشده ألفين وتسعمائة قصيدة للجاهليين".
ربما كان في بعض هذه الأخبار شيء من المبالغة، ولكنها على كل حال تدل على قوة الذاكرة، وسعة الأفق، لدى هؤلاء الذين خصصوا أنفسهم لهذه المهمة.
كانت المجالس الأدبية كثيرة في العصر الجاهلي، لكثرة المناسبات التي تستدعي هذه المجالس، وكان الأدب قوامها، فحبب الكثير من الناس في حضورها، والمداومة عليها، لشغفهم بالأدب وحبهم له، إما إلقاءً ونشيدًا وإما سماعًا ومتعة، وإما رغبة في حفظه وهضمه، لتغذية مواهب أدبية ناشئة أو لصيانته ونشره في الآفاق بين مختلف الأجيال. كان الأدب يحظى بالاهتمام والعناية والرعاية والنشر عن طريق السماع والمشافهة والرواية. واستمر اهتمام العرب بالأدب كذلك في صدر الإسلام، فكما كان الأدب موضع الاهتمام في العصر الجاهلي، احتل كذلك مكان عالية بين العرب بعد ظهور الدعوة الإسلامية الجديدة، بل كان الأدب عمادًا هامًّا للدعوة منذ جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وخير شاهد على ذلك القرآن الكريم والحديث الشريف، وهما من الفصاحة في الذورة العليا، فأولهما كلام الله تعالى جل شأنه خالق البلاغة والبلغاء، وثانيهما كلام الرسول عليه الصلاة والسلام أفصح البلغاء أجمعين.
17 جـ6، ص71.
وظلت المجالس والمحافل تعقد في كل مناسبة، وكان الأدب حليتها وبهجتها؛ يترنم الأديب بإلقاء أثره الأدبي، ويتغنى الراوي بترديده، ويستمتع الحاضرون بسحره وجماله، ويكفي شاهدًا على استمرار المجالس الأدبية وترديد الآثار الأدبية عن طريق الرواية والمشافهة وردود الأخبار الصحيحة عن حضور النبي صلى الله عليه وسلم هذه المجالس، وطلبه أن يسمع شيئًا من القطع الأدبية الممتازة، فمن ذلك ما يرويه صاحب الأغاني18 عن أنس بن مالك قال: "جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم في مجلس ليس فيه إلا خزرجي، ثم استنشدهم قصيدة قيس بن الخطيم، يعني قوله:
أتعرف رسمًا كاطراد19 المذاهب
…
لعَمْرةَ وحشًا غير موقف راكب
فأنشده بعضهم إياها، حتى بلغ إلى قوله.
أجالدهم يوم الحديقة حاسرًا
…
كأن يدي بالسيف مخراق لاعب
فالتفت إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:"هل كان كما ذكر؟ " فشهد له ثابت بن قيس بن شماس، وقال له: والذي بعثك بالحق يا رسول الله، لقد خرج إلينا يوم سابع عرسه وعليه غلالة وملحفة مورسة20 فجالدنا كما ذكر".
وكذلك كان الخلفاء الراشدون محبين للأدب، يروونه، وينشدون كثيرًا منه قال ابن سلام:"كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يكاد يعرض له أمر إلا أنشد فيه بيت شعر"21. ويروى كذلك أن "عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لبعض ولد هرم: أنشدني بعض مدح زهير أباك. فأنشده، فقال عمر: إنه كان ليحسن فيكم المدح. قال: ونحن إن كنا لنحسن له العطية. قال: قد ذهب ما أعطيتموه، وبقي ما أعطاكم". وفي رواية عمر بن شبة: قال عمر لابن زهير: "ما فعلت الحلل التي كساها هرم أباك؟ قال: أبلاها الدهر، قال: لكن الحلل التي كساها أبوك هرمًا لم يبلها الدهر"22.
18 الأغاني ك3 ص7.
19 الأطراد. التابع. والمذاهب واحدها مذهب. وهو جلد تجعل فيه خطوط مذهبة بعضها في إثر بعض. عمرة: هي عمرة بنت رواحة أخت عبد الله بن رواحة. وهي أم النعمان بن بشير "طبقات الشعراء ص56".
20 مورسة: مصبوغة بالورس، وهو نبات أصفر تصبغ به الثياب ويتخذ منه طلاء للوجه.
21 البيان والتبيين، جـ2 ص241.
22 خزانة الأدب للبغدادي جـ2 ص292.
وفي عصر الأمويين، اشتد شغفهم بالأدب، ومما يروى في ذلك أن "الأصمعي ذكر يومًا بني أمية وشغفهم بالعلم، فقال: "كانوا ربما اختلفوا، وهم بالشام، في بيت من الشعر، أو خبر، أو يوم من أيام العرب، فيبردون فيه بريدًا إلى العراق"23. وكان خلفاء بني أمية وحكامهم يشتهرون بحب الأدب وعقد المجالس الأدبية للمنافسة في صنع الأدب وراويته، فمعاوية وهو أولهم كان مولعًا بمعرفة أخبار الماضين فاستدعى عبيد بن شرية الجرهمي من صنعاء اليمن، وأخذ يسأله عن الأخبار المتقدمة والملوك السالفة، وغير ذلك، فأعجب معاوية، وأمر أن يدون وينسب إلى عبيد بن شرية24. وأشرنا آنفا إلى موقف من مواقف الوليد بن يزيد مع حماد الراوية. ويقال إن زياد بن أبيه بعث بولده إلى معاوية، فكاشفه عن فنون من العلم، فوجده عالمًا بكل ما سأله عنه، ثم استنشده، فقال: لم أرو منه شيئًا، فكتب معاوية إلى زياد. ما منعك أن ترويه الشعر، فو الله إن كان العاق ليرويه فيبر، وإن كان البخيل ليرويه فيسخو، وإن كان الجبان ليرويه فيقاتل25.
ولم يكن حال المجالس الأدبية في العصر العباسي أقل شأنًا مما كانت عليه أيام الأمويين، وليس هذا مكان الحديث عن الأدب في العصور التالية للعصر الجاهلي، ولكن لا ينبغي لنا أن نغفل في حديثنا عن رواية الأدب الجاهلي الإشارة إلى أن الاهتمام بالأدب وسماعه رواية ومشافهة كان من أهم مظاهر المجالس والمحافل في العصر الإسلامي وزمن الأمويين والعباسيين، وتزخر كتب الأدب والتاريخ بالكلام المستفيض عن مظاهر الاهتمام بالأدب وروايته في هذه العصور.
فبجانب اهتمام عشائر الأدباء وأصدقائهم بالآثار الأدبية التي ينتجونها، والعمل على نشرها وحفظها، وجد كثير -من غير الأهل والأصدقاء- يعشقون الأدب، يحفظونه ويروونه، حتى اتخذه قوم منهم حرفة ومهنة لهم، فوجدت طبقات من الرواة لم يكن لديهم الموهبة على صنع النصوص الأدبية، ولكن خصصوا أنفسهم لحفظ الأدب، فلم يكونوا منقطعين لأديب خاص أو أدباء معينين، كما سبق أن رأينا في بعض السلاسل الأدبية التي أشرنا إليها آنفاً، ولكنهم، عملوا على أن يحفظوا أكبر قدر مستطاع من الأدب من غير تحديد لأشخاص أو
23 العسكري: التصحيف والتحريف ص4.
24 الفهرست ص 138.
25 العقد الفريد جـ 6ص 125.