الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14-
المتنخل "من هذيل".
15-
المخبل السعدي "من تميم".
16-
الممزق العبدي.
17-
النمر بن تولب.
18-
هدبة بن الخشرم.
19-
يزيد بن عبد المدان.
ومع هذه الأسماء الكثيرة للشعراء الذين ورد ذكرهم في الطبقات والدراسات التي ذكرت آنفًا، فإن هناك عددًا ضخمًا سواهم خلدهم الباحثون في مختاراتهم ودراساتهم، من أمثال أصحاب دواوين الحماسة، وعلى رأسهم أبو تمام، وأصحاب المختارات وعلى رأسهم المفضل والأصمعي، وأصحاب معاجم الشعراء ومن أشهرهم المرزباني.
بناء القصيدة الجاهلية والوحدة فيها:
كان الشاعر الجاهلي يبدأ قصيدته -إذا كانت تتضمن أفكارًا كثيرة متعددة- بافتتاحية يجعلها مقدمة لما سيأتي بعدها، وكان أكثر هذه الافتتاحات دورانًا على ألسنة الشعراء الحديث عن الأطلال وارتحال الحبيبة وأثرهما في نفس الشاعر، وسنتحدث عن ذلك إن شاء الله عند الكلام عن بدء المعلقات.
وكان من بين الافتتاحيات: الحديث عن الصبا والشباب، والشيب، والخمر، والطيف، ثم الحديث عن ذكريات الحبيبة وجمالها، ومحاولة التسلي عنها، وبعد ذلك تتوالى الأفكار حسب ما يراه الشاعر، وسيتبين بمشيئة الله تعالى من تحليل بعض القصائد الطوال، أن الشاعر الجاهلي كان يحاول أن يعرض أفكاره في تسلسل منطقي، كل فكرة ترتبط بسابقتها برباط عقلي، ظاهر أو خفي، حتى الافتتاحية التي كان الشاعر يبدأ بها قصيدته كان يأتي بها مناسبة للفكرة الأساسية في القصيدة، والشعور العام الذي استولى عليه فيها.
ومن أهم ما يمتاز به الشعر العربي اتحاد الوزن والقافية في جميع أبيات القصيدة الواحدة إلى آخرها، مهما كان طولها، كما تمسك العربي في شعره بوحدة البيت الواحد، وضرورة تمامه بنفسه، وأنه يجب ألا يكون معناه التام متوقفًا على شيء في بيت سابق أو بيت لاحق.
وقد ظن قوم أن التزام الوزن والقافية في القصيدة الواحدة إنما هو تشدد من المتزمتين لا مبرر له، يكبل الناشئين من الأدباء، ويقف حجر عثرة في سبيل انطلاقهم بحرية مطلقة نحو الإبداع الفني الذي يتطلبه طموحهم.
والإنصاف يقتضي من أصحاب هذا الظن أن ينظروا إلى هذا نظرة موضوعية عميقة، لا نظرة شخصية ضحلة، فالشعر عمل فني رائع، مثله كمثل أي تخصص علمي أو فني يتطلب مؤهلات عليا وكفاءات ممتازة. والوصول إلى ذلك يحتاج إلى كفاح طويل وعمل متواصل والطريق إلى القمة دائمًا على درجات، يصعدها المتطلع إلى العلا واحدة تلو الأخرى، ولا يمكن أن يحدث ذلك طفرة واحدة. فعلى الطَّمُوح إلى المعالي أن يصعد إليها السلم درجة درجة، وفي كل منها يستجمع من القوة ما يؤهله للصعود إلى أعلى حتى يصل إلى القمة، ويحتل المركز الذي يليق بما بذل من جهد وكفاح، أما من يحاول أن يقفز إلى ما ليس أهلًا له، فلن يتحقق له ما يريد فالوضع الصحيح لكل إنسان يجب أن يكون مناسبًا لقدرته وكفاءته.
فطريق الشعر طويل وشاق يحتاج إلى موهبة وكفاءات ومؤهلات، والشعراء يختلفون في الجودة والمكانة، وبعضهم يجعل الشعراء أربعة أنواع:
1-
شاعر خنذيذ وهو الذي يجمع إلى جودة شعره رواية الجيد من شعر غيره.
2-
شاعر مفلق وهو الذي لا رواية له، لكنه مجيد.
3-
شاعر فقط وهو فوق الرديء بدرجة.
4-
شعرور وهو لا شيء.
ومن أطراف ما قيل في ذلك شعرًا:
الشعراء فاعلمنّ أربعة
…
فشاعر يجري ولا يجرى معه
وشاعر يخوض وسط المعمعة
…
وشاعر لا تشتهي أن تسمعه
وشاعر لا تستحي أن تصفعه2
2 تاريخ آداب اللغة العربية لجورجي زيدان جـ1 ص67 مطبعة الهلال.
وقد ذكر بعض المستشرقين أن اتحاد القافية في القصيدة في الشعر العربي، نشأ عن الحاجة إلى إعانة الذاكرة في عصر كان لا يعتمد في حفظ الأشياء فيه إلا على الذاكرة. كما أرجعوا إلى السبب نفسه تمسك العربي بوحدة البيت الواحد، وضرورة تمامه بنفسه.
ولا شك أن وحدة الوزن والقافية في القصيدة الواحدة، تساعد الذاكرة على تلقيها بسرعة وسهولة، كما تعمل على بقائها فيها مدة أطول، وعلى ترديدها وقت الحاجة في يسر وتتابع.
كما أنه لا ريب في أن وحدة الوزن والقافية في القصيدة الواحدة، وبخاصة إذا كانت طويلة تدل على اتساع الأفق اللغوي، وامتلاك زمام البيان، ودقة الحس الفني، وقوة النفس الشعري لدى الشاعر، وأعتقد أن العرب في تمسكهم بوحدة الوزن والقافية والبيت في شعرهم، كانوا يقصدون السمو بالشعر، والاحتفاظ له بدرجة عليا، بحيث لا يصل إليها إلا من توافرت فيه مؤهلات خاصة، وكفاءات فنية ممتازة، بحيث يكون قادرًا على التزام وحدة الوزن والقافية والبيت، مهما كان طولها، وواضح أن هذا يتطلب ثروة لغوية هائلة، وثقافة أدبية واسعة، ومقدرة فائقة على التنويع والتطوير في التعبير والتصوير.
لكن وحدة البيت الواحد في القصيدة التي تعني استقلاله استقلالًا تامًّا في تركيبه وبنائه عن سابقه وعن لاحقه، ليست مما يعين الذاكرة على حفظ القصيدة بأكملها. بل إن ذلك ربما كان سببًا في حدوث شيء من الخلط في نظام القصيدة ومواضع الأبيات فيها، مما يظهر القصيدة في بعض الأحيان مختلطة مضطربة في الترتيب والنظام، ومن المعلوم، أنه كلما تماسكت أجزاء القصيدة بتشابك كل بيت فيما قبله وفيما بعده بأي نوع من أنواع الترابط، كانت أشد بناءً وأحكم نسجًا، فتجيء القصيدة كلًا واحدًا كالسلسلة الواحدة المتصلة الحلقات، المتينة الأحكام، فتتحقق فيها الوحدة الكاملة. وذلك يجعل القصيدة أسهل حفظًا، وأسرع علوقًا بالذهن، وأكثر بقاء في الذاكرة. وأيسر تذكرًا، وأكمل إلقاء، وأضبط رواية. وهذا الترابط الوثيق بين أبيات القصيدة، وبخاصة إذا كانت طويلة له الفضل الأكبر في حفظها تامة وروايتها كاملة. فحينما تجيء القصيدة مترابطة الأبيات في جميع أجزائها، تأتي كأنها قصة تسوق كل جزئية من الراوي أو القارئ أو السامع إلى ما يليها، كأنما ينتقل إليها من تلقاء نفسه بدون شعور بأدنى عسر أو مشقة.
وإذا وجد اضطراب في ترتيب بعض الأبيات في قصيدة جيدة، فأغلب الظن أن ذلك
حدث من الرواة الذين يعتمدون على الذاكرة فهي عرضة للخلط والنسيان بسبب كثرة المحفوظ فيها.
ومن المستبعد أن يكون هذا الاضطراب من الشاعر صاحبها، فالقصيدة الرائعة لابد أن يكون مؤلفها بارعًا ممتازًا، والشعراء الممتازون دائمًا أصحاب عقول ناضجة، وأذواق فنية مرهفة، تجعل تفكيرهم مرتبطًا منظمًا، لهذا لابد أن يجيء تعبيرهم متقنًا محكمًا في تسلسل منطقي دقيق.
وبسبب هذا تعرضت القصيدة الجاهلية للقيل والقال، من حيث وجود الوحدة فيها وعدمها، وأثارت هذه القضية جدلًا كثيرًا بين النقاد والباحثين.
لهذا رأينا أن نعرض بالتحليل والدراسة بعض القصائد الجاهلية الطوال المشهورة، لنتبين مدى مقدرة الشاعر الجاهلي الفنية في عرض أفكاره متصلة الحلقات في تسلسل فكري محكم. راجين أن يكن نصب أعيننا دائمًا حقيقتان هامتان، الأولى: أن الشعراء في الجاهلية، وبخاصة الممتازون المشهورون، كانوا يعدون من قمم الطبقات المثقفة في العقل والتفكير، والتعبير والتصوير. والثانية: أن من أهم نواحي البلاغة في اللغة العربية الإيجاز بالحذف اعتمادًا على فطنة القارئ وذكائه.
وهذه القصائد هي المعلقات السبع، واخترناها لشهرتها وللوثوق من أصالتها، وفيما يلي عرض لكل منها على حدة، ثم تعليق ودراسة لها.