الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
موقف الشريعة الإسلامية من نكاح التحليل
للدكتور / محمد بن أحمد الصالح (1).
تمهيد:
الزواج أساس الأسرة ودعامتها، والقاعدة التي يقوم عليها بناء المجتمع. والأسرة هي اللبنة الأولى في بناء الأمة، والزواج عقد وضعه الشارع الحكيم؛ ليفيد بطريق الأصالة ملك استمتاع الرجل بالمرأة، وحل استمتاع المرأة بالرجل، كما أن الزواج عقد أريد به الدوام والاستمرار إلا لمعارض راجح كاستحباب الطلاق للضرر، أو وجوب الطلاق، إذا أبى المولى الفيء، إلى غير ذلك من الحالات التي شرع فيها الطلاق أو الفرقة.
قال الله تبارك وتعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (2).
ولقد سن الشارع الحكيم سننا قويمة، ووضع لذلك تشريعا كاملا محكما، تنشأ فيه رابطة الزوجية على أساس من الطهر والثقة والتقدير المتبادل، وتقوم فيه علاقة الزوجين على أساس من المودة والرحمة
(1) ورد لكاتب البحث ترجمة في العدد العاشر صفحة 304.
(2)
سورة الروم الآية 21
والسكينة حتى تنبت فيه شجرة الأسرة قوية الجذور، باسقة الفروع، وتنمو وتزدهر وتثمر أينع الثمر، وتنشر في الناس ظلا ظليلا ورائحة زكية.
ولقد رتب الشارع على عقد الزواج حقوقا وواجبات تثبت لكل من الزوجين على الآخر، وطالبهما بحسن العشرة، والاعتدال في المعاملة، والتعاون على الحياة المشتركة بينهما، ورسم الطريق القويم لعلاج ما قد ينشأ بينهما من خلاف ومشكلات، وشرع الطلاق للخلاص حين تستعصي على الزوجين إقامة حدود الله والوقوف على ما رسمه الشارع؛ للسير في علاقة الزوجية، ولقد أباحت الشريعة الطلاق عندما تسوء العشرة بين الزوجين، ويتحكم الشر في نفوسهما، حيث تذهب الثمرات المطلوبة من الزواج من السكن والمودة والرحمة، التي كان يجب توفرها بين الزوجين، وحينئذ فللزوج معالجة ما حصل بينهما من الشقاق والنزاع بإيقاع طلقة واحدة، وهو في حال من الرضى والهدوء، والمرأة في طهر لم يجامعها فيه، وفي هذه الحالة يثبت له الحق في الرجعة قبل مضي العدة، بدون عقد، فإذا ما عاد سوء العشرة بينهما وحل الخصام محل الوئام أبيح له أيضا أن يطلق طلقة واحدة أخرى، وله أن يراجع زوجته ما دامت في عدتها، فإن استقامت حالهما وصلح أمرهما وحسنت العشرة كان بها، وإن ساءت العلاقة ولم ينفع العلاج بالطلقتين الماضيتين أبيح له أن يطلق الطلقة الثالثة، وفي هذه المرة تنفض عرى الزوجية تماما، وتبين البينونة الكبرى، ولا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، زواجا شرعيا نكاح رغبة، يقصد منه إقامة الزوجية وبناء الأسرة والعشرة الدائمة، بدون شرط أو قصد التحليل، فإذا صادف ولم يحالف زواجها الثاني التوفيق وحسن العشرة بل ساءت العلاقة بينهما، وطلقها زوجها الثاني، أو توفي عنها حلت لزوجها الأول بعد فراغ عدتها من الثاني، والأصل في ذلك قول الله تبارك وتعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (1). وقول المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري
(1) سورة البقرة الآية 230
قال: حدثنا سعيد بن عفير، حدثني الليث، قال: حدثني عقيل، عن ابن شهاب قال: أخبرني عروة بن الزبير، أن عائشة رضي الله عنها أخبرته «أن امرأة رفاعة القرظي جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن رفاعة طلقني فبت طلاقي، وإني نكحت بعده عبد الرحمن بن الزبير القرظي، وإنما معه مثل الهدبة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لعلك تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا، حتى يذوق عسيلتك وتذوقي عسيلته (1)».
وعن عائشة رضي الله عنها، «أن رجلا طلق امرأته ثلاثا، فتزوجت فطلق؛ فسئل النبي صلى الله عليه وسلم أتحل للأول؟ قال: لا، حتى يذوق عسيلتها كما ذاق الأول (2)» .
(1) صحيح البخاري بشرح فتح الباري ص 361 ج 9.
(2)
صحيح البخاري بشرح فتح الباري ص 362 ج 9.