الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
3 -
نصوص وآثار جزئية في موضوع البحث ونقول عن العلماء في ذلك:
ما سبق بيانه في الأمر الأول والثاني تقعيد كل عام يندرج فيه موضوع البحث ونحوه، أما الأمر الثالث ففيه أدلة جزئية من السنة النبوية، وآثار عن الصحابة هي نص في الموضوع، ونقول عن العلماء في حكم ذلك نذكرها فيما يلي:
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله على حديث أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه في قطع القلادة (1) والوتر.
قال ابن الجوزي: وفي المراد بالأوتار ثلاثة أقوال؛ أحدها أنهم كانوا يقلدون الإبل أوتار القسي؛ لئلا تصيبها العين بزعمهم، فأمروا بقطعها إعلاما بأن الأوتار لا ترد من أمر الله شيئا، وهذا قول مالك. (قلت): وقع ذلك متصلا بالحديث من كلامه في الموطأ، وعند مسلم وأبي داود وغيرهما قال مالك: أرى أن ذلك من أجل العين، ويؤيده حديث عقبة بن عامر، رفعه:«من علق تميمة فلا أتم الله له (2)» أخرجه أبو داود أيضا، والتميمة: ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك. وقال ابن عبد البر: إذا اعتقد الذي قلدها أنها ترد العين فقد ظن أنها ترد القدر، وذلك لا يجوز اعتقاده.
ثانيها: النهي عن ذلك؛ لئلا تختنق الدابة، عن محمد بن الحسن - صاحب أبي حنيفة - وكلام أبي عبيدة يرجحه؛ فإنه قال: نهى عن ذلك لأن الدواب تتأذى بذلك، ويضيق عليها نفسها ورعيها، وربما تعلقت بشجرة فاختنقت، أو تعوقت عن السير.
ثالثها: أنهم كانوا يعلقون فيها الأجراس، حكاه الخطابي، وعليه يدل تبويب البخاري، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أم حبيبة أم المؤمنين، مرفوعا:«لا تصحب الملائكة رفقة فيها جرس (3)» . أخرجه النسائي من حديث أم سلمة أيضا، والذي يظهر أن البخاري أشار إلى ما ورد في بعض طرقه، فقد أخرجه الدارقطني من طريق عثمان بن عمر المذكور بلفظ:«لا تبقين قلادة من وتر ولا جرس في عنق بعير إلا قطع (4)» . (قلت): ولا فرق بين الإبل وغيرها في ذلك إلا على
(1) فتح الباري - ج6 - ص106 - 107.
(2)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).
(3)
سنن أبو داود الجهاد (2554)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 327)، سنن الدارمي الاستئذان (2675).
(4)
صحيح البخاري الجهاد والسير (3005)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2115)، سنن أبو داود الجهاد (2552)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 216)، موطأ مالك الجامع (1745).
القول الثالث، فلم تجر العادة بتعليق الأجراس في رقاب الخيل، وقد روى أبو داود والنسائي من حديث أبي وهب الحساني، رفعه:«اربطوا الخيل وقلدوها، ولا تقلدوها الأوتار (1)» فدل على أن لا اختصاص للإبل، فلعل التقييد بها في الترجمة للغالب، وقد حمل النضر بن شميل الأوتار في هذا الحديث على معنى الثأر، فقال: معناه لا تطلبوا بها ذحول الجاهلية. قال القرطبي: وهو تأويل بعيد. وقال النووي: ضعيف. وإلى نحو قول النضر جنح وكيع، فقال: المعنى: لا تركبوا الخيل في الفتن؛ فإن من ركبها لم يسلم أن يتعلق به وتر بطلب به، والدليل على أن المراد بالأوتار جمع الوتر بالتحريك لا الوتر بالإسكان، ما رواه أبو داود أيضا من حديث رويفع بن ثابت:«من عقد لحيته أو تقلد وترا فإن محمدا برئ منه (2)» ؛ فإنه عند الرواة أجمع بفتح المثناة. انتهى.
(1) سنن النسائي الخيل (3565)، سنن أبو داود الجهاد (2553)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 345).
(2)
سنن النسائي الزينة (5067)، سنن أبو داود الطهارة (36)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 109).
وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: (1).
باب - " من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما؛ لرفع البلاء أو دفعه ". وقول الله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (2).
عن عمران بن حصين رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة من صفر، فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة. فقال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (3)» . رواه أحمد بسند لا بأس به.
وله عن عقبة مرفوعا: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (4)» ، وفي رواية:«من تعلق تميمة فقد أشرك (5)» .
ولابن أبي حاتم عن حذيفة أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى
(1) فتح المجيد من ص116 إلى ص133: باستثناء الشرح الذي في ص119.
(2)
سورة الزمر الآية 38
(3)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).
(5)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 156).
فقطعه وتلا قوله: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (1).
فيه مسائل:
الأولى: التغليظ في لبس الحلقة والخيط ونحوهما لمثل ذلك.
الثانية: أن الصحابي لو مات وهي عليه ما أفلح، فيه شاهد لكلام الصحابة أن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر.
الثالثة: أنه لم يعذر بالجهالة.
الرابعة: أنها لا تنفع في العاجلة، بل تضر لقوله:«لا تزيدك إلا وهنا (2)» .
الخامسة: الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك.
السادسة: التصريح بأن من تعلق شيئا وكل إليه.
السابعة: التصريح بأن من تعلق تميمة فقد أشرك.
الثامنة: أن تعليق الخيط من الحمى من ذلك.
التاسعة: تلاوة حذيفة الآية دليل على أن الصحابة يستدلون بالآيات التي في الشرك الأكبر على الأصغر، كما ذكر ابن عباس في آية البقرة.
العاشرة: أن تعليق الودع عن العين من ذلك.
الحادية عشرة: الدعاء على من تعلق تميمة أن الله لا يتم له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له. أي: ترك الله له.
(1) سورة يوسف الآية 106
(2)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
قال حفيده عبد الرحمن بن حسن رحمه الله:
قوله: " باب من الشرك: لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلاء أو دفعه ".
رفعه: إزالته بعد نزوله. ودفعه: منعه قبل نزوله.
قال: وقول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ} (1) قال ابن كثير: أي لا تستطيع شيئا من الأمر: {قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ} (2) أي: الله كافي من توكل عليه: {عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} (3) كما قال هود عليه الصلاة والسلام حين قال قومه: {إِنْ نَقُولُ إِلا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُون} (4){مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} (5){إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (6) قال مقاتل في معنى الآية: فسألهم النبي صلى الله عليه وسلم فسكتوا: أي لأنهم لا يعتقدون ذلك فيها.
وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عن الله، لا على أنهم يكشفون الضر، ويجيبون دعاء المضطر، فهم يعلمون أن ذلك لله وحده، كما قال تعالى:{ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ} (7){ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (8).
قلت: فهذه الآية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير الله في جلب نفع أو دفع ضر، وإن ذلك شرك بالله، وفي الآية بيان أن الله تعالى وسم أهل الشرك بدعوة غير الله والرغبة إليه من دون الله. والتوحيد ضد ذلك. وهو أن لا يدعو إلا الله، ولا يرغب إلا إليه، ولا يتوكل إلا عليه، كذا جميع أنواع العبادة لا يصلح منها شيء لغير الله. كما دل على ذلك الكتاب والسنة، وإجماع سلف الأمة وأئمتها، كما تقدم.
قال: " وعن عمران بن حصين، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة
(1) سورة الزمر الآية 38
(2)
سورة الزمر الآية 38
(3)
سورة الزمر الآية 38
(4)
سورة هود الآية 54
(5)
سورة هود الآية 55
(6)
سورة هود الآية 56
(7)
سورة النحل الآية 53
(8)
سورة النحل الآية 54
من صفر. فقال: ما هذه؟ قال: من الواهنة. قال: انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت (1)» رواه أحمد بسند لا بأس به ".
قال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا المبارك، عن الحسن قال:
أخبرني عمران بن حصين، «أن النبي صلى الله عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة - قال: أراها من صفر - فقال: ويحك، ما هذه؟ قال: من الواهنة. قال: أما إنها لا تزيدك إلا وهنا، انبذها عنك، فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (2)» رواه ابن حبان في صحيحه فقال:«فإنك إن مت وكلت إليها» والحاكم وقال: صحيح الإسناد. وأقره الذهبي.
وقال الحاكم: أكثر مشايخنا على أن الحسن سمع من عمران. وقوله في الإسناد: " أخبرني عمران " يدل على ذلك.
قوله: " عن عمران بن حصين " أي: ابن عبيد بن خلف الخزاعي، أبو نجيم - بنون وجيم مصغر - صحابي ابن صحابي. أسلم عام خيبر، ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة.
قوله: " رأى رجلا " في رواية الحاكم: «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة صفر، فقال: ما هذه؟ (3)» الحديث. فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث.
قوله: " ما هذه؟ " يحتمل أن الاستفهام للاستفصال عن سبب لبسها، ويحتمل أن يكون للإنكار. وهو أظهر.
قوله: " من الواهنة " قال أبو السعادات: الواهنة: عرق يأخذ في المنكب وفي اليد كلها فيرقى منها. وقيل: هو مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء، وإنما نهى عنها؛ لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد.
(1) سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(2)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(3)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
قوله: «انزعها؛ فإنها لا تزيدك إلا وهنا (1)» النزع: هو الجذب بقوة، أخبر أنها لا تنفعه، بل تضره وتزيده ضعفا، وكذلك كل أمر نهي عنه، فإنه لا ينفع غالبا، وإن نفع فضره أكبر من نفعه.
قوله: «فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (2)» ؛ لأنه شرك. والفلاح: هو الفوز والظفر والسعادة.
قوله: " وله عن عقبة بن عامر مرفوعا: «من تعلق تميمة فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له (3)» وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك (4)» الحديث الأول رواه الإمام أحمد كما قال المصنف ورواه أبو يعلى، والحاكم قال: صحيح الإسناد. وأقره الذهبي.
قوله: " وفي رواية " أي: من حديث آخر رواه أحمد. فقال: حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث، حدثنا عبد العزيز بن مسلم، حدثنا يزيد بن أبي منصور، عن دجين الحجري، عن عقبة بن عامر الجهني، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إليه رهط، فبايع تسعة وأمسك عن واحد، فقالوا: يا رسول الله بايعت تسعة وأمسكت عن هذا؟ فقال: إن عليه تميمة، فأدخل يده فقطعها، فبايعه وقال: من تعلق تميمة فقد أشرك (5)» ورواه الحاكم بنحوه، ورواته ثقات.
قوله: " عن عقبة بن عامر " صحابي مشهور، فقيه فاضل، ولي إمارة مصر لمعاوية ثلاث سنين. ومات قريبا من الستين.
قوله: " من تعلق تميمة " أي: علقها متعلقا بها في طلب خير أو دفع شر.
قال المنذري: خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهل وضلالة؛ إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى.
وقال أبو السعادات: التمائم جمع تميمة، وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام.
قوله: " فلا أتم الله له " دعاء عليه.
(1) سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(2)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(3)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).
(4)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 156).
(5)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 156).
قوله: «ومن تعلق ودعة (1)» بفتح الواو وسكون المهملة. قال في مسند الفردوس: شيء يخرج من البحر يشبه الصدف يتقون به العين.
قوله: (فلا ودع الله له) بتخفيف الدال: أي لا جعله في دعة وسكون. قال أبو السعادات: وهذا دعاء عليه.
قوله: (وفي رواية: «من تعلق تميمة فقد أشرك (2)» قال أبو السعادات: إنما جعلها شركا؛ لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم، وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.
قال المصنف رحمه الله: (ولابن أبي حاتم، عن حذيفة أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه، وتلا قوله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (3).
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن إشكاب، حدثنا يونس بن محمد، حدثنا ابن سلمة، عن عاصم الأحول، عن عروة قال:(دخل حذيفة على مريض، فرأى في عضده سيرا، فقطعه - أو انتزعه - ثم قال: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (4).
وابن أبي حاتم: هو الإمام عبد الرحمن بن أبي حاتم محمد بن إدريس الرازي التميمي الحنظلي الحافظ، صاحب الجرح والتعديل والتفسير وغيرهما. مات سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.
وحذيفة: هو ابن اليمان: واسم اليمان: حسيل - بمهملتين مصغرا - ويقال: حسل - بكسر ثم سكون- العبسي- بالموحدة - حليف الأنصار، صحابي جليل من السابقين، ويقال له: صاحب السر، وأبوه أيضا صحابي. مات حذيفة في أول خلافة علي رضي الله عنه سنة ستة وثلاثين.
قوله: (رأى رجلا في يده خيط من الحمى) أي: عن الحمى. وكان
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).
(2)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 156).
(3)
سورة يوسف الآية 106
(4)
سورة يوسف الآية 106
الجهال يعلقون التمائم والخيوط ونحوها؛ لدفع الحمى، وروى وكيع عن حذيفة (أنه دخل على مريض يعوده فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟ قال: شيء رقي لي فيه. فقطعه، وقال: لو مت وهو عليك ما صليت عليك). وفيه: إنكار مثل هذا، وإن كان يعتقد أنه سبب، فالأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله تعالى ورسوله مع عدم الاعتماد عليها. وأما التمائم والخيوط والحروز والطلاسم ونحو ذلك، مما يعلقه الجهال فهو شرك يجب إنكاره وإزالته بالقول والفعل، وإن لم يأذن فيه صاحبه.
قوله: (وتلا قوله {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (1) استدل حذيفة رضي الله عنه بالآية على أن هذا شرك، ففيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزله الله في الشرك الأكبر؛ لشمول الآية له، ودخوله في مسمى الشرك، وتقدم معنى هذه الآية عن ابن عباس وغيره في كلام شيخ الإسلام وغيره. والله أعلم.
وفي هذه الآثار عن الصحابة: ما يبين كمال علمهم بالتوحيد وما ينافيه أو ينافي كماله.
(1) سورة يوسف الآية 106
وقال الشيخ رحمه الله باب: (ما جاء في الرقى والتمائم):
في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه: «أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره. فأرسل رسولا: أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت (1)» .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2)» رواه أحمد وأبو داود.
(التمائم): شيء يعلق على الأولاد من العين، لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه، ويجعله من المنهي عنه، منهم ابن مسعود رضي الله عنه.
و (الرقى): هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة.
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3005)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2115)، سنن أبو داود الجهاد (2552)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 216)، موطأ مالك الجامع (1745).
(2)
سنن أبو داود الطب (3883)، سنن ابن ماجه الطب (3530)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 381).
و (التولة): شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته.
وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا «من تعلق شيئا وكل إليه (1)» رواه أحمد والترمذي.
وروى أحمد عن رويفع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس: أن من عقد لحيته أو تقلد وترا. أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه (2)» .
وعن سعيد بن جبير قال: من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة. رواه وكيع.
وله عن إبراهيم قال: " كانوا يكرهون التمائم كلها، من القرآن وغير القرآن ".
فيه مسائل:
الأولى: تفسير الرقى والتمائم.
الثانية: تفسير التولة.
الثالثة: أن هذه الثلاث كلها من الشرك من غير استثناء.
الرابعة: أن الرقية بالكلام الحق من العين والحمة ليس من ذلك.
الخامسة: أن التميمة إذا كانت من القرآن فقد اختلفت العلماء: هل هي من ذلك أم لا؟
السادسة: أن تعليق الأوتار على الدواب عن العين من ذلك.
السابعة: الوعيد الشديد على من تعلق وترا.
الثامنة: فضل ثواب من قطع تميمة من إنسان.
التاسعة: أن كلام إبراهيم لا يخالف ما تقدم من الاختلاف؛ لأن مراده أصحاب عبد الله.
(1) سنن الترمذي الطب (2072).
(2)
سنن النسائي الزينة (5067)، سنن أبو داود الطهارة (36)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 109).
وقال حفيده رحمه الله:
قوله: (باب ما جاء في الرقى والتمائم).
أي: من النهي وما ورد عن السلف في ذلك.
قوله: " في الصحيح عن أبي بشير الأنصاري «أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره فأرسل رسولا: أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قطعت (1)» هذا الحديث في الصحيحين.
قوله: " عن أبي بشير " بفتح أوله وكسر المعجمة، قيل: اسمه قيس بن عبيد، قاله ابن سعد، وقال ابن عبد البر: لا يوقف له على اسم صحيح، وهو صحابي، شهد الخندق، ومات بعد الستين. ويقال أنه جاوز المائة.
قوله: " في بعض أسفاره " قال الحافظ: لم أقف على تعيينه.
قوله: " فأرسل رسولا " هو زيد بن حارثة. روى ذلك الحارث بن أبي أسامة في مسنده، قاله الحافظ.
قوله: " أن لا يبقين " بالمثناة التحتية والقاف المفتوحتين، و" قلادة " مرفوع على أنه فاعل. و" الوتر " بفتحتين. واحد أوتار القوس.
وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره، وقلدوا به الدواب، اعتقادا منهم أنه يدفع عن الدابة العين.
قوله: " أو قلادة إلا قطعت " معناه: أن الراوي شك هل قال شيخه: قلادة من وتر أو قال: قلادة، وأطلق ولم يقيده؟ ويؤيد الأول ما روي عن مالك: أنه سئل عن القلادة فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر. ولأبي داود: " ولا قلادة ". بغير شك.
قال البغوي في شرح السنة: تأول مالك أمره عليه الصلاة والسلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم والقلائد ويعلقون عليها العوذ، يظنون أنها تعصمهم من الآفات، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا.
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3005)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2115)، سنن أبو داود الجهاد (2552)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 216)، موطأ مالك الجامع (1745).
قال أبو عبيد: كانوا يقلدون الإبل الأوتار؛ لئلا تصيبها العين، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بإزالتها إعلاما لهم بأن الأوتار لا ترد شيئا. وكذا قال ابن الجوزي وغيره.
وقال الجاحظ: ويؤيده حديث عقبة بن عامر، رفعه:«من تعلق تميمة فلا أتم الله له (1)» رواه أبو داود، وهي ما علق من القلائد خشية العين ونحو ذلك. انتهى.
قال المصنف: " وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (2)» رواه أحمد وأبو داود ".
وفيه قصة، ولفظ أبي داود: عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: «إن عبد الله رأى في عنقي خيطا، فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رقي لي فيه. قالت: فأخذه ثم قطعه، ثم قال: لأنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الرقى والتمائم والتولة شرك. فقلت: لقد كانت عيني تقذف، وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقى سكنت. فقال عبد الله: إنما ذاك عمل الشيطان، كان ينخسها بيده، فإذا رقى كف عنها، إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أذهب الباس، رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما (3)» . ورواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: صحيح وأقره الذهبي.
قوله: " إن الرقى " قال المصنف: (هي التي تسمى العزائم، وخص منه الدليل ما خلا من الشرك، فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة) يشير إلى أن الرقى الموصوفة بكونها شركا هي التي يستعان فيها بغير الله، وأما إذا لم يذكر فيها إلا أسماء الله وصفاته وآياته، والمأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم فهذا حسن جائز، أو مستحب.
قوله: (فقد رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العين والحمة) كما تقدم ذلك في باب من حقق التوحيد. وكذا رخص في الرقى من غيرها، كما في صحيح مسلم، عن عوف بن مالك «كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا: يا رسول الله، كيف
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).
(2)
سنن أبو داود الطب (3883)، سنن ابن ماجه الطب (3530)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 381).
(3)
سنن أبو داود الطب (3883)، سنن ابن ماجه الطب (3530)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 381).
ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم. لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا (1)» وفي الباب أحاديث كثيرة.
قال الخطابي: وكان عليه السلام قد رقى ورقي، وأمر بها وأجازها؛ وإنما جاءت الكراهة والمنع فيما كان منها بغير لسان العرب؛ فإنه ربما كان كفرا أو قولا يدخله شرك.
قلت: من ذلك ما كان على مذاهب الجاهلية التي يتعاطونها، وأنها تدفع عنهم الآفات ويعتقدون أن ذلك من قبل الجن ومعونتهم، وبنحو هذا ذكر الخطابي.
وقال شيخ الإسلام: كل اسم مجهول فليس لأحد أن يرقي به فضلا عن أن يدعو به، ولو عرف معناه؛ لأنه يكره الدعاء بغير العربية، وإنما يرخص لمن لا يحسن العربية، فأما جعل الألفاظ الأعجمية شعارا فليس من دين الإسلام.
وقال السيوطي: قد أجمع العلماء على جواز الرقى عند اجتماع ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله أو بأسمائه وصفاته، وباللسان العربي وما يعرف معناه، وأن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.
قوله: " والتمائم " قال المصنف: " شيء يعلق على الأولاد من العين " وقال الخلخالي: التمائم: جمع تميمة، وهي ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وعظام لدفع العين، وهذا منهي عنه؛ لأنه لا دافع إلا الله، ولا يطلب دفع المؤذيات إلا بالله وبأسمائه وصفاته.
قال المصنف: " لكن إذا كان المعلق من القرآن فرخص فيه بعض السلف، وبعضهم لم يرخص فيه ويجعله من المنهي عنه. منهم ابن مسعود ".
اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا في جواز تعليق التمائم التي من القرآن وأسماء الله وصفاته، فقالت طائفة: يجوز ذلك. وهو قول عبد الله بن عمرو بن العاص، وهو ظاهر ما روي عن عائشة، وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد في رواية. وحملوا الحديث على التمائم التي فيها شرك.
(1) صحيح مسلم السلام (2200)، سنن أبو داود الطب (3886).
وقالت طائفة: لا يجوز ذلك، وبه قال ابن مسعود وابن عباس. وهو ظاهر قول حذيفة وعقبة بن عامر وابن عكيم، وبه قال جماعة من التابعين، منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد في رواية اختارها كثير من أصحابه وجزم بها المتأخرون، واحتجوا بهذا الحديث وما في معناه.
قلت: هذا هو الصحيح؛ لوجوه ثلاثة تظهر للمتأمل. الأول: عموم النهي ولا مخصص للعموم، الثاني: سد الذريعة؛ فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك، الثالث: أنه إذا علق فلا بد أن يمتهنه المعلق بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء ونحو ذلك.
وتأمل هذه الأحاديث وما كان عليه السلف - رضي الله تعالى عنهم - يتبين لك بذلك غربة الإسلام، خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور واتخاذ المساجد عليها والإقبال عليها بالقلب والوجه، وصرف جل الدعوات والرغبات والرهبات وأنواع العبادات التي هي حق الله تعالى إليها من دونه، كما قال تعالى:{وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (1){وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (2) ونظائرها في القرآن أكثر من أن تحصر.
قوله: " التولة " قال المصنف: هي " شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها، والرجل إلى امرأته ". وبهذا فسرها ابن مسعود راوي الحديث، كما في صحيح ابن حبان والحاكم " قالوا: يا أبا عبد الرحمن، هذه الرقى والتمائم قد عرفناها. فما التولة؟ قال: شيء تصنعه النساء يتحببن به إلى أزواجهن ".
قال الحافظ: التولة - بكسر المثناة وفتح الواو واللام مخففا - شيء كانت المرأة تجلب به محبة زوجها، وهو ضرب من السحر. والله أعلم.
(1) سورة يونس الآية 106
(2)
سورة يونس الآية 107
وكان من الشرك لما يراد به دفع المضار وجلب المنافع من غير الله تعالى.
قال المصنف: " وعن عبد الله بن عكيم مرفوعا: «من تعلق شيئا وكل إليه (1)» رواه أحمد والترمذي " ورواه أبو داود والحاكم. وعبد الله بن عكيم: هو بضم المهملة مصغرا. ويكنى أبا معبد الجهني الكوفي. قال البخاري: أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يعرف له سماع صحيح. وكذا قال أبو حاتم. قال الخطيب: سكن الكوفة وقدم المدائن في حياة حذيفة. وكان ثقة. وذكر ابن سعد عن غيره: أنه مات في ولاية الحجاج.
قوله: «من تعلق شيئا وكل إليه (2)» التعلق يكون بالقلب ويكون بالفعل، ويكون بهما " وكل إليه " أي: وكله الله إلى ذلك الشيء الذي تعلقه، فمن تعلق بالله وأنزل حوائجه به، والتجأ إليه، وفوض أمره إليه، كفاه وقرب إليه كل بعيد ويسر له كل عسير، ومن تعلق بغيره أو سكن إلى رأيه وعقله ودوائه وتمائمه ونحو ذلك، وكله الله إلى ذلك وخذله، وهذا معروف بالنصوص والتجارب، قال تعالى:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (3).
وقال الإمام أحمد: حدثنا هشام بن القاسم، حدثنا أبو سعيد المؤدب، حدثنا من سمع عطاء الخراساني قال: لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت فقلت: حدثني حديثا أحفظه عنك في مقامي هذا وأوجز. قال: نعم، أوحى الله تبارك وتعالى إلى داود: يا داود، أما وعزتي وعظمتي، لا يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي، أعرف ذلك من نيته، فتكيده السماوات السبع ومن فيهن، والأرضون السبع ومن فيهن إلا جعلت له من بينهن مخرجا، أما وعزتي وعظمتي لا يعتصم عبد من عبادي بمخلوق دوني، أعرف ذلك من نيته، إلا قطعت أسباب السماء من يده، وأسخت الأرض من تحت قدميه، ثم لا أبالي بأي أوديتها هلك.
قال المصنف: " وروى الإمام أحمد عن رويفع قال: قال لي رسول الله
(1) سنن الترمذي الطب (2072).
(2)
سنن الترمذي الطب (2072).
(3)
سورة الطلاق الآية 3
صلى الله عليه وسلم: «يا رويفع، لعل الحياة ستطول بك، فأخبر الناس أن من عقد لحيته أو تقلد وترا أو استنجى برجيع دابة أو عظم، فإن محمدا بريء منه (1)» .
الحديث رواه الإمام أحمد عن يحيى بن إسحاق والحسن بن موسى الأشيب كلاهما عن ابن لهيعة. وفيه قصة اختصرها المصنف. وهذا لفظ الحسن: حدثنا ابن لهيعة، حدثنا عياش بن عباس عن شييم بن بيتان قال: حدثنا رويفع بن ثابت قال: «كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ جمل أخيه على أن يعطيه النصف مما يغنم وله النصف، حتى إن أحدنا ليصير له النصل والريش، وللآخر القدح. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)» الحديث. ثم رواه أحمد عن يحيى بن غيلان، حدثني الفضل، حدثنا عياش بن عباس: أن شييم بن بيتان أخبره، أنه سمع شيبان القتباني. الحديث. ابن لهيعة فيه مقال. وفي الإسناد الثاني: شيبان القتباني. قيل فيه: مجهول. وبقية رجالهما ثقات.
قوله: " لعل الحياة ستطول بك " فيه علم من أعلام النبوة؛ فإن رويفعا طالت حياته إلى سنة ست وخمسين فمات ببرقة من أعمال مصر أميرا عليها، وهو من الأنصار. وقيل: مات سنة ثلاث وخمسين.
قوله: " فأخبر الناس " دليل على وجوب إخبار الناس، وليس هذا مختصا برويفع، بل كل من كان عنده علم ليس عند غيره مما يحتاج إليه الناس وجب إعلامهم به فإن اشترك هو وغيره في علم ذلك فالتبليغ فرض كفاية، قاله أبو زرعة في شرح سنن أبي داود.
قوله: " أن من عقد لحيته " بكسر اللام لا غير، والجمع لحى بالكسر والضم. قاله الجوهري قال الخطابي: أما نهيه عن عقد اللحية فيفسر على وجهين. أحدهما: ما كانوا يفعلونه في الحرب، كانوا يعقدون لحاهم، وذلك من زي بعض الأعاجم يفتلونها ويعقدونها. قال أبو السعادات: تكبرا وعجبا، ثانيهما: أن معناه معالجة الشعر ليتعقد ويتجعد وذلك من فعل أهل التأنيث. قال أبو زرعة بن العراقي: والأولى حمله على عقد اللحية في الصلاة، كما دلت عليه رواية محمد بن الربيع. وفيه " أن من عقد لحيته في الصلاة ".
(1) سنن النسائي الزينة (5067)، سنن أبو داود الطهارة (36)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 109).
(2)
سنن النسائي الزينة (5067)، سنن أبو داود الطهارة (36)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 108).
قوله: " أو تقلد وترا " أي: جعله قلادة في عنقه أو عنق دابته. وفي رواية محمد بن الربيع: " أو تقلد وترا يريد تميمة ".
فإذا كان هذا فيمن تقلد وترا فكيف بمن تعلق بالأموات، وسألهم قضاء الحاجات، وتفريج الكربات، الذي جاء النهي عنه وتغليظه في الآيات المحكمات؟
قوله: «أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمدا بريء منه (1)» قال النووي: أي برئ من فعله، وهذا خلاف الظاهر. والنووي كثيرا ما يتأول الأحاديث بصرفها عن ظاهرها، فيغفر الله تعالى له.
وفي صحيح مسلم عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا «لا تستنجوا بالروث ولا العظام؛ زاد إخوانكم من الجن (2)» " وعليه لا يجزئ الاستنجاء بهما، كما هو ظاهر مذهب أحمد؛ لما روى ابن خزيمة والدارقطني، عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يستنجى بعظم أو روث، وقال: إنهما لا يطهران (3)» .
قوله: " وعن سعيد بن جبير قال: «من قطع تميمة من إنسان كان كعدل رقبة». رواه وكيع " هذا عند أهل العلم له حكم الرفع؛ لأن مثل ذلك لا يقال بالرأي، ويكون هذا مرسلا؛ لأن سعيد تابعي وفيه: فضل قطع التمائم؛ لأنها شرك.
ووكيع: هو ابن الجراح بن وكيع الكوفي، ثقة إمام صاحب تصانيف، منها الجامع وغيره. روى عنه الإمام أحمد وطبقته. ومات سنة سبع وتسعين ومائة.
وقوله: " وله عن إبراهيم قال: كانوا يكرهون التمائم كلها من القرآن وغير القرآن ". وإبراهيم هو الإمام إبراهيم بن يزيد النخعي الكوفي، يكنى أبا عمران، ثقة من كبار الفقهاء. قال المزي: دخل على عائشة، ولم يثبت له سماع منها، مات سنة ست وتسعين، وله خمسون سنة أو نحوها.
قوله: " كانوا يكرهون التمائم - إلى آخره " مراده بذلك: أصحاب عبد الله بن مسعود، كعلقمة والأسود وأبي وائل والحارث بن سويد، وعبيدة
(1) سنن النسائي الزينة (5067)، سنن أبو داود الطهارة (36)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 109).
(2)
صحيح مسلم الصلاة (450)، سنن الترمذي الطهارة (18)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 459).
(3)
صحيح مسلم الطهارة (262)، سنن الترمذي الطهارة (16)، سنن النسائي الطهارة (41)، سنن أبو داود الطهارة (7)، سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (316)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 439).
السلماني ومسروق والربيع بن خثيم وسويد بن غفلة وغيرهم، وهم من سادات التابعين، وهذه الصيغة يستعملها إبراهيم في حكاية أقوالهم، كما بين ذلك الحفاظ كالعراقي وغيره.
وقال الشيخ محمد صديق حسن رحمه الله (1).
فصل في شرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما لرفع البلايا ودفعها، ومعنى رفع الشيء إزالته بعد نزوله، ومعنى دفع الشيء منعه قبل نزوله.
عن عمران بن حصين رضي الله عنه، «أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا في يده حلقة (2)» - وفي رواية الحاكم، «دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي عضدي حلقة - من صفر (3)» - فالمبهم في هذه الرواية هو عمران راوي الحديث.
قال: ما هذه؟ يحتمل أن يكون الاستفهام للاستفصال عن سبب لبسها أو يكون للإنكار وهو أظهر قال: من الواهنة. قال أبو السعادات: " الواهنة " عرق يأخذ بالمنكب وفي اليد كلها فيرقى منها، وقيل: مرض يأخذ في العضد، وهي تأخذ الرجال دون النساء.
قال: انزعها، نهى عنه لأنه إنما اتخذها على أنها تعصمه من الألم، وفيه اعتبار المقاصد، والنزع هو الجذب بقوة.
فإنها لا تزيدك إلا وهنا. أخبر أنها لا تنفعك بل تضرك وتزيدك ضعفا، وكذلك كل أمر نهى عنه فإنه لا ينفع غالبا، وإن نفع بعضه في اعتقاده الكاذب فضرره أكبر من نفعه «فإنك لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا (4)» ؛ لأنه شرك استعان صاحبه بغير الله تعالى و (الفلاح) هو الفوز والظفر والسعادة.
وفي هذا شاهد لكلام الصحابة إن الشرك الأصغر أكبر من الكبائر وأنه لم يعذره بالجهالة. وفيه الإنكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك، رواه أحمد بسند لا بأس به. وله رضي الله عنه، عن عقبة بن عامر مرفوعا:«من تعلق تميمة (5)» أي علقها متعلقا بها في قلبه في طلب خير أو شر وضير. قال المنذري: خرزة كانوا
(1) الدين الخالص ج2 ص130 - 134.
(2)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(3)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(4)
سنن ابن ماجه الطب (3531)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 445).
(5)
مسند أحمد بن حنبل (4/ 154).
يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الآفات، وهذا جهل وضلال، إذ لا مانع ولا دافع غير الله تعالى.
وقال أبو السعادات: التمائم جمع تميمة، وهي خرزة كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، فأبطلها الإسلام، فلا أتم الله له. دعاء عليه ومن تعلق ودعة بفتح الواو وسكون المهملة. قال في مسند الفردوس: الودع شيء يخرج من البحر شبه الصدف يتقون به العين فلا ودع الله له بتخفيف الدال، أي: لا جعله له في دعة وسكون.
قال أبو السعادات: هذا دعاء عليه. وروى هذا الحديث أيضا أبو يعلى، والحاكم وقال: صحيح الإسناد وأقره الذهبي. وفي رواية لأحمد: «من تعلق تميمة فقد أشرك (1)» وهذا أصرح من الأول، ورواه الحاكم أيضا بنحوه، ورواته ثقات.
قال ابن الأثير: إنما جعلها شركا لأنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم وطلبوا دفع الأذى من غير الله الذي هو دافعه.
قال: ولابن أبي حاتم، عن حذيفة، أنه رأى رجلا في يده خيط من الحمى فقطعه وتلا قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} (2).
وفي لفظ: دخل حذيفة على مريض فرأى في عضده سيرا فقطعه أو انتزعه، ثم قال:{وَمَا يُؤْمِنُ} (3) الخ.
كان الجهال يعلقون التمائم والخيوط ونحوها لدفع الحمى واستدل حذيفة بالآية على أن هذا شرك.
وفيه صحة الاستدلال على الشرك الأصغر بما أنزل الله تبارك في الشرك الأكبر؛ لشمول الآية له ولدخوله في مسمى الشرك.
وفي رواية عن حذيفة بلفظ: أنه دخل على مريض فلمس عضده، فإذا فيه خيط، فقال: ما هذا؟ قال: شيء رقي لي فيه. فقطعه، وقال: لو مت وهي عليك ما صليت عليك.
(1) مسند أحمد بن حنبل (4/ 156).
(2)
سورة يوسف الآية 106
(3)
سورة يوسف الآية 106
وفي إنكار مثل هذا وإن كان يعتقد أنه سبب، فالأسباب لا يجوز منها إلا ما أباحه الله ورسوله مع عدم الاعتماد عليها.
وأما التمائم والخيوط والحروز والطلاسم ونحو ذلك مما يعلقه الجهلة البطلة فهو شرك، يجب إنكاره وإزالته بالقول والفعل، وإن لم يأذن فيه صاحبه.
وفي هذه الآثار عن الصحابة ما يبين كمال علمهم بالتوحيد، وبما ينافيه من أنوع الشرك أو ينافي كماله.
وقال: في فصل في رد شرك الرقى والتمائم
عن أبي بشير الأنصاري، «أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض أسفاره - قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تعيينه - فأرسل رسولا - هو زيد بن حارثة، رواه الحارث بن أسامة في مسنده كما قال الحافظ - أن لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر - بفتحتين واحد أوتار القوس، وكان أهل الجاهلية إذا اخلولق الوتر أبدلوه بغيره وقلدوا به الدواب؛ اعتقادا منهم أنه يدفع عن الدابة العين - أو قلادة إلا قطعت (1)». رواه الشيخان في الصحيحين.
والشك فيه من الراوي: هل قال شيخه: قلادة من وتر. أو قال: قلادة. وأطلق ولم يقيد. ويؤيد الأول ما روي عن مالك: أنه سئل عن القلادة فقال: ما سمعت بكراهتها إلا في الوتر.
ولأبي داود قلادة بغير شك.
قال البغوي في شرح السنة: تأول مالك أمره عليه السلام بقطع القلائد على أنه من أجل العين، وذلك أنهم كانوا يشدون تلك الأوتار والتمائم والقلائد ويعلقون عليها العوذ، ويظنون أنها تعصمهم من الآفات. فنهاهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عنها، وأعلمهم أنها لا ترد من أمر الله شيئا.
وقال أبو عبيدة: كانوا يقلدون الإبل الأوتار لئلا تصيبها العين. فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإزالتها إعلاما لهم بأن الأوتار لا ترد شيئا، وكذا قال ابن الجوزي وغيره.
(1) صحيح البخاري الجهاد والسير (3005)، صحيح مسلم اللباس والزينة (2115)، سنن أبو داود الجهاد (2552)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 216)، موطأ مالك الجامع (1745).
قال الحافظ: ويؤيده حديث عقبة المتقدم، وهي ما علق من القلائد وخشية العين ونحو ذلك. أهـ. وعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «إن الرقى والتمائم والتولة شرك (1)» رواه أحمد وأبو داود وفيه قصة. ولفظ أبي داود: عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود، أن عبد الله رأى في عنقي خيطا فقال: ما هذا؟ قلت: خيط رقي لي فيه. قالت: فأخذه ثم قطعه، ثم قال: أنتم آل عبد الله لأغنياء عن الشرك. سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول. . . إلخ.
فقلت: لقد كانت عيني تقذف وكنت أختلف إلى فلان اليهودي فإذا رقى سكنت. فقال عبد الله: إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده، فإذا رقى كف عنها.
إنما كان يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: «أذهب البأس رب الناس، واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما (2)» . رواه أيضا ابن ماجه وابن حبان، والحاكم وقال: صحيح. وأقره الذهبي.
سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، عن حكم استعمال الأسورة المغناطيسية فأجاب حفظه الله:
والذي أرى في هذه المسألة هو ترك الأسورة المذكورة وعدم استعمالها؛ سدا لذريعة الشرك، وحسما لمادة الفتنة بها والميل إليها، وتعلق النفوس بها، ورغبة في توجيه المسلم بقلبه إلى الله سبحانه ثقة به واعتمادا عليه، واكتفاء بالأسباب المشروعة المعلومة إباحتها بلا شك، وفيما أباح الله ويسر لعباده غنية عما حرم عليهم، وعما اشتبه أمره، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه (3)» . وقال عليه الصلاة والسلام: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (4)» ، ولا ريب أن تعليق الأسورة المذكورة يشبه ما تفعله الجاهلية في سابق الزمان، فهو إما من الأمور المحرمة الشركية أو من وسائلها وأقل ما يقال
(1) سنن أبو داود الطب (3883)، سنن ابن ماجه الطب (3530)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 381).
(2)
صحيح البخاري الطب (5750)، صحيح مسلم السلام (2191)، سنن ابن ماجه الطب (3520)، مسند أحمد بن حنبل (6/ 45).
(3)
صحيح البخاري الإيمان (52)، صحيح مسلم المساقاة (1599)، سنن الترمذي البيوع (1205)، سنن النسائي البيوع (4453)، سنن أبو داود البيوع (3329)، سنن ابن ماجه الفتن (3984)، مسند أحمد بن حنبل (4/ 270)، سنن الدارمي البيوع (2531).
(4)
سنن الترمذي صفة القيامة والرقائق والورع (2518)، سنن النسائي الأشربة (5711)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 200)، سنن الدارمي البيوع (2532).
فيه أنه من المشتبهات، فالأولى بالمسلم والأحوط له أن يترفع بنفسه عن ذلك، وأن يكتفي بالعلاج الواضح الإباحة البعيد عن الشبهة، هذا ما ظهر لي ولجماعة من المشائخ والمدرسين (1).
هذا ما تيسر جمعه والله الموفق. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
عضو
…
نائب رئيس اللجنة
…
الرئيس
عبد الله بن قعود
…
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
(1) مجلة الجامعة الإسلامية - السنة الثالثة ص139 شوال عام 92.
صفحة فارغة
الفتاوى
إعداد
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
في هذه الزاوية تجيب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما يرد إليها من أسئلة واستفتاءات تهم المسلمين في شؤونهم الدينية والاجتماعية.