الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الله كان ولم تكن له كلمة ولا روح، فإن قلت ذلك فستفحم العربي يعني المسلم؛ لأن من يرى هذا الرأي زنديق في نظر المسلمين (1).
وواضح أنها المغالطة التي يرمي من ورائها إلى تراجع المسلم عن عقيدته حول خلق المسيح من جهة، كما يهدف عن طريق المغالطة إلى أن يصل إلى أن المسيح قديم مشارك لله في صفاته (2)، والمعلوم أن السلف فصلوا في ما يجب لله من كمال يليق به وردوا على نفاة الصفات وعلى غيرهم من الفرق الضالة، والقرآن قد وضح عقيدة المسلمين في عيسى ابن مريم وأنه عبد الله ورسوله.
فإذا أضفنا إلى ذلك إثارتهم لشبه تتعلق بأمور مثل تعدد الزوجات والمحلل، وأضفنا أكاذيبهم حول شخصية الرسول الكريم وسيرته، ومسألة الحجر الأسود، كل هذا يؤكد أثرهم كغيرهم من اليهود والفرس في إثارة جدل تصدى له علماء الكلام أحيانا، كما تصدى له الفقهاء أحيانا أخرى (3).
(1) أبو زهرة / أبو حنيفة / 86.
(2)
مدكور / مذكرات في علم الكلام / 11.
(3)
أبو زهرة / أبو حنيفة / 87.
3 -
الاتصال بالثقافات الأخرى:
عامل لا يمكن إغفاله، ونعني به ما سعى المسلمون إلى تحصيله من الأفكار عن طريق الترجمة إلى العربية التي ابتدأت في عهد الأمويين، وقد كان تأثير هذا العامل وسط الجو المضطرب بتيارات وتشكيكات بالغ الأهمية، فقد عرف المسلمون المنطق الأرسطي - وإن كان قبوله لم يكن من جميع المسلمين في درجة واحدة؛ بل حورب من البعض واستخدموه في صياغة البراهين والأدلة إلى جانب طرقهم الإسلامية في الاستدلال.
كما عرفوا مصطلحات جديدة من الفلسفة الطبيعية كالجواهر والأعراض والأجسام والحركة والزمان وغيرها.
وإذا كانت الترجمة واتصال الثقافة الإسلامية بغيرها قد أحدثت اضطرابا وجدلا في باب المصطلح، وفي باب المنهج في الاستدلال، فإن
الخطر الحقيقي يكمن فيما دس من أفكار عن طريق الترجمة، استهدفت نشر عقائد الفرس والمجوس وتقديم ما يطعن في الإسلام.
وقد وضح هذا في كتاب كليلة ودمنة الذي ترجمه عبد الله بن المقفع (139 هـ)؛ ليكون لهوا في الظاهر، وتسلية للخواص والعوام باعتباره متحدثا عن الأخلاق والآداب على ألسنة الحيوانات والطير، ويكون تثقيفا في حقيقته للخاصة أكثر، حيث أضيف إليه في العربية باب يسمى "باب برزويه " ليس منه في الأصل الهندي، بل هو زائد عليه، وكان مكتوبا بالفارسية، وهذا الباب به إثارة للبلبلة والاضطراب حيث يشكك في إمكان الوصول إلى الحق الذي يقنع العقل ويزيل الحيرة (1).
وفي نهاية المطاف يقول برزويه: " فحينئذ - بعد استعراضه لكثير من الآمال التي تصبح سرابا - صار أمري إلى الرضا بحالي وإصلاح ما استطعت إصلاحه من عملي، لعلي أصادف في باقي أيامي زمانا أصيب فيه دليلا على هذه الحال "(2).
وإذا كان ما سبق يشكك في أحقية الإسلام بالخاتمية لوفائه بحاجات الناس وتقديم الأمن لهم، فإن اسم المقفع نفسه قد نسب إليه أنه ألف معارضات للقرآن، أراد بها أن يطعن في إعجاز القرآن والتحدي الذي وجهه الله إلى الإنس والجن، حيث أخبر الله - سبحانه - أن الإنس والجن يعجزون عن الإتيان بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا (3).
فإذا عرف العرب هذا عن طريق الترجمة، فإن كثيرا من الذين لا يملكون القدرة على التحليل والتعقل، كانوا هدفا لسهام الزنادقة الذين وجدوا في هذه الأفكار وغيرها من فلسفات اليونان حبائل للشر، يتصيدون بها من عبدوا الله على حرف ومن على شاكلتهم من الضعفاء والمترددين.
(1) مدكور / علم الكلام / 9.
(2)
ابن المقفع / كليلة ودمنة / 46. طبعة دار العودة / بيروت د. ت.
(3)
د. يحيى فرغل / عوامل وأهداف نشأة علم الكلام: 185، 186. طبعة مجمع البحوث الإسلامية.