الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
حجمه في مرحلته التاريخية. . . أما المؤرخ فهو يقدم لنا التأريخ أقرب إلى السكونية الجامدة التي تعطينا جانبا معرفيا منظورا، ولا تحرك فينا جوانب الاستحضار والتفاعل، والبصر بالعوامل الباطنية للحدث.
- وفي مقدمة ابن خلدون ومن خلال عرضه، نستطيع أن نتحقق من وجود هذه الشروط التي تجعله مفسرا رائدا للتاريخ، وهي الشروط التي انتهى إليه البحث الفلسفي في التاريخ، كما ذكرنا.
قوانين ابن خلدون الحضارية وتقويمها
- يرى ابن خلدون في تفسيره للتاريخ أن التطور سنة من سنن الله في الحياة الاجتماعية، ويقول:" إن أحوال العالم والأمم وعوائدهم ونحلهم لا تدوم على وتيرة واحدة ومنهاج مستقر، إنما هو اختلاف على الأيام والأزمنة، وانتقال من حال إلى حال، وكما يكون ذلك في الأشخاص والأوقات والأمصار، فكذلك يقع في الآفاق والأقطار والأزمنة والدول "(1).
وأهم ما يوجه التطور الاجتماعي والعمراني عند ابن خلدون هو نظريته في العصبية، فهي بمثابة المحور الذي تدور حوله معظم المباحث الاجتماعية والتاريخية عنده، وهو يتخذ من هذه الرابطة موضوعا لدراسة شاملة وعميقة فيتكلم عن مصدر العصبية، ويردها إلى الطبيعة البشرية " لأن صلة الرحم طبيعة في البشر إلا في الأقل، ومن صفتها النعرة على ذوي القربى وأهل الأرحام إن ينالهم ضيم أو تصيبهم هلكة:
ويدخل في هذه العصبية عنده (عصبة الولاء)، والعصبية عنده من خصائص البادية، وهي ما يفسد بحياة الحضر، ولها أثرها الهام في الحياة الاجتماعية؛ لأن بها يتم التغلب، وبالتغلب يحصل الملك، وهكذا تلعب العصبية دورا هاما في تأسيس الملك وتكوين الدولة، فاتساع الدولة يكون مناسبا مع قوة تلك العصبية، ويلاحظ ابن خلدون نوعا من العلاقة بين قوة العصبية
(1) المقدمة: ص 38 طبع المكتبة التجارية، وأيضا: د. علي عبد الواحد وافي: عبد الرحمن بن خلدون 166.
وبين أمور الديانة والدعوة الدينية أيضا، ففي رأيه أن الدعوة الدينية من غير عصبية لا تتم، كما يلاحظ نوعا من المشابهة بين تأثير الدين وبين تأثير العصبية في الحياة الاجتماعية، وهي نظرية موفقة إلى حد كبير في إظهار أوثق أنواع الروابط الاجتماعية، وتعيين أهم أشكال التكاتف الاجتماعي في مثل تلك البيئات الجغرافية وتلك العهود التاريخية، وهي تدل على تفكير فاحص ونافذ ومحيط ومتعمق في درس الحوادث الاجتماعية وتعليل الوقائع التاريخية، كذلك تكشف نظرية ابن خلدون في الدول وأعمارها عن نظرية في التطور الاجتماعي، ذات أبعاد بيولوجية، فالدولة عنده كائن حي يتطور على الدوام وفق نظام ثابت، كما تتطور جميع الكائنات الحية (1).
فالحضارة عند ابن خلدون تتعاقب على الأمم في ثلاثة أطوار: هي طور البداوة، ثم طور التحضر، ثم طور التدهور الذي يؤدي إلى السقوط.
- فأما طور البداوة فيمثل له ابن خلدون بمعيشة البدو في الصحاري، والبربر في الجبال، والتتار في السهول، وهؤلاء عند ابن خلدون لا يخضعون لقوانين مدنية ولا تحكمهم سوى حاجاتهم وعاداتهم.
- وأما طور التحضر: فهو طور تأسيس الدولة عقب الغزو والفتح، ثم الاستقرار في المدن، والتمكن من العلوم والصناعات، وهذا الطور يقوم على الدين والعصبية - وقد عقد ابن خلدون لهذا الفصل فصلا آخر بعنوان " فصل في أن الدولة العامة الاستيلاء، العظيمة الملك، أصلها الدين إما من نبوة أو دعوة حق".
- وأما طور التدهور: فيأتي في نهاية التحضر، بعد مرحلة الازدهار، ووصول الناس إلى مرحلة الانغماس في الترف، والتحلل في الأخلاق، وتغير العادات إلى المناكر، والتواضع عليها. ويرى ابن خلدون أن مراحل تحضر الدولة هي ذاتها عوامل تدهورها، ذلك أن الحضارة، وإن كانت غاية العمران فهي في الوقت نفسه مؤذنة بنهاية عمره، وأول هذه العوامل هو العصبية التي
(1) عن د. عفت الشرقاوي: أدب التاريخ 342 - 343
تتسم بها الرياسة والملك، ولكن صاحب الرياسة يطلب بطبعه الانفراد بالملك والمجد، والطبيعة الحيوانية تدفعه إلى الكبر والأنفة، فيأنف من أن يشاركه أهل عصبيته فيدفعهم عن ملكه، ويأخذهم بالقتل والإهانة وسلب النعمة، حتى يصبحوا بعض أعدائه، وطبيعة التأله في الملوك تدفعه إلى الاستئثار، إذ لا تكون الرياسة إلا بالانفراد، فيجدع أنوف عشيرته وذوي قرباه لينفرد بالملك والمجد ما استطاع، ويعاني الملك في ذلك بأشد مما عانى في إقامة الملك، لأنه كان يدافع الأجانب وكان ظهراؤه على ذلك أهل العصبية أجمعهم، أما حين الانفراد بالملك فهو يدافع الأقارب مستعينا بالأباعد، فيركب صعبا من الأمر. إنه أمر في طبائع البشر لا بد منه في كل الملوك. على أن العامل الحاسم في ضعف الدولة هو الترف، إنه إذا كان قد زاد من قوة الدولة في أولها، فإنه أشد العوامل أثرا في ضعفها وانهيارها، ويفسر ابن خلدون ذلك بأسباب اقتصادية وأخلاقية ونفسية (1).
أما العامل الاقتصادي فإن طبيعة الملك تقتضي الترف حيث النزوع إلى رقة الأحوال في المطعم والملبس والفرش والآنية، وحيث تشييد المباني الحافلة والمصانع العظيمة والأمصار المتسعة والهياكل المرتفعة، وحيث إجازة الوفود من أشراف الأمم ووجوه القبائل مع التوسعة في الأعطيات على الصنائع والموالي، وإدرار الأرزاق على الجند، ويزيد الانغماس في الترف والنعيم لا من جانب السلطان وبطانته فحسب، بل من جانب الرعية أيضا، إذ الناس على دين ملوكهم (2).
أما العامل الأخلاقي النفسي، الذي يجعل الترف معول هدم يؤدي إلى انهيار الدولة، فمبعثه في رأي ابن خلدون ما يلزم عن الترف من فساد الخلق، فإن عوائد الترف تؤدي إلى العكوف على الشهوات وكثير من مذمومات الخلق، فتذهب عن أهل الحضر طباع الحشمة ويقذعون في أقوال الفحشاء، فضلا عن أن الترف يذهب ويضعف العصبية والبسالة، حتى إذا
(1) د. أحمد محمد صبحي: في فلسفة التاريخ 147.
(2)
المرجع السابق 147 - 148.
انغمسوا في النعيم أصبحوا عيالا على الدولة، كأنهم من جملة النسوان والولدان المحتاجين إلى المدافعة عنهم، فالترف مفسد لبأس الفرد وشكيمة الدولة، والترف مفسد للخلق بما يحصل في النفس من ألوان الفساد والسفه، والترف مظهر لحياة السكون والدعة ودليل ميل النفس إلى الدنيا والتكالب على تحصيل متعها، حتى يتفشى الخلاف والتحاسد، ويفت ذلك في التعاضد والتعاون، ويفضي إلى المنازعة ونهاية الدولة (1).
وقد انتهى ابن خلدون من خلال نظريته في تفسير التاريخ - باستثناء عشرات النظرات والآراء الجزئية - إلى عدد من القوانين اعتبرت جوهر نظريته، وهي:
1 -
أن تطور التاريخ يخضع للتدافع والصراع والتفاعل.
2 -
أن العصبية الدينية والقبلية لها دور أساسي في بناء الدول.
3 -
أن الحضارة كالكائن الحي في تطوره من البداوة إلى الحضارة ثم الاضمحلال.
4 -
وأن الدول كالأفراد تخضع لدورة الحياة الفردية نفسها حتى تموت.
5 -
أن العوامل الجغرافية والبيئية مؤثرة في التاريخ.
6 -
أن للاقتصاد دورا مهما في العمران البشري.
7 -
أن الدول تسقط بسقوط العصبية والولاء للدين.
8 -
أن العرب (والإنسانية كلها) لا تصلح بغير الدين.
إنني هنا لا أحاول القيام بعملية استقصائية للنظرية الخلدونية في تفسير
(1) المرجع السابق 149
التأريخ، لكن الذي أردت الوقوف عنده هو المكانة التي تبوأتها الفكرة الخلدونية في تفسير التأريخ، سواء في الحضارة الإسلامية أو في الفكر التأريخي الإنساني.
لقد شكلت مقدمة ابن خلدون منعرجا حاسما في كيفية فهم الإنسان لتأريخه وتقويمه له. وما يرجو منه من كشف، لا عن ماضيه فحسب، بل خاصة عن تطور الجنس الذي ينتمي إليه ومصيره.
لقد كانت الكتابة التاريخية - قبل ابن خلدون - وعلى امتداد التاريخ كله، باستثناء الشذرات التي ألمعنا إليها. . .
- كانت هذه الكتابات تنظر إلى التأريخ على أنه مجرد رواية صادقة، ووثيقة مؤكدة في نسبتها إلى صاحبها وعصرها وسلامة مضمونها، ومعلومات جزئية غايتها الإلمام بحوادث الماضي والإحصاء العددي لها. . . أجل: حاول الإنسان أولا - أن يؤرخ للحوادث البارزة، أي أن يكون لنفسه، ولعشيرته، ولقومه ذاكرة تحفظ المفاخر خاصة، وتضبط أزمانها حسب السنوات، من دون أن يحاول أن يفهم فهما عقليا عميقا ضرورة بروزها في زمن وبيئة خاصة، وسر تداخلها، ومدى تأثيره على جنسه كإنسان يقطع النظر عن النظرة الجزئية المحدودة.
- وعلى الرغم من الومضات الصادرة من حين إلى حين في بعض أحقاب التأريخ، وعلى يد بعض الأفذاذ الذين ألمعنا إليهم، فإن التأريخ بقي محصورا في دائرة الحفظ التسجيلي للوقائع، مع توخي الصدق، والتحري في الرواية.
ولعل مرحلة الصدق والتحري ودراسة الوثائق، بل الاعتماد عليها، هي أفضل ما استطاع المنهج التأريخي أن يصل إليه قبل عصر ابن خلدون.
وما إن جاء مؤرخنا المسلم العظيم حتى بدأ التأريخ - كما يقول (إيف لاكوست)( Yves Lacaste)" يكتسي صبغته العلمية ".
- لقد فهم (ابن خلدون) علاقة التفاعل المتبادلة، التي تربط الإنسان بتأريخه. . . وقد أسماها ابن خلدون " التغلبات للبشر بعضهم على بعض "،
وقامت بعد ابن خلدون نظريات عالية الصوت، تتحدث عن الصراع، وعن " الديالكتيك " وعن " الجدلية المادية " و" الجدلية الفكرية ". . . كلها قد اتكأت على هذا القائد العظيم، وانحرفت عنه يمينا أو يسارا.
إن ابن خلدون قدم المحاولة العلمية الأولى التي تخصصت في تفسير التأريخ، وهي محاولة اعتمدت على المنهج القرآني، ولم تنفصل عنه. . . لقد صور ابن خلدون حقيقة التأريخ بكل وضوح في عبارته المشهورة:
" حقيقة التأريخ أنه خبر عن الاجتماع الإنساني، الذي هو عمران العالم، وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات وأصناف التغلبات للبشر بعضهم على بعض، وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع، وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال (1).
ويعلق أحد المؤرخين المعاصرين (2) على رؤية ابن خلدون للتأريخ- كما صورتها عبارته السابقة- فيقول:
إن هذا التعريف للتأريخ يدهشنا، إذ هو تعريف له كما نفهمه نحن اليوم، بل كما يفهمه أنصار الحركة التجريدية الذين حملوا حملة شعواء في مؤتمر سنة 1950 بباريس، على من بقي من المؤرخين متمسكا بالطريقة التقليدية في رواية الحوادث واعتبار التأريخ يكفي أن يكون سجلا لها. فابن خلدون يريد عكس ذلك، فهو يريد أن يجعل من التأريخ أداة كشف عن سر " الاجتماع الإنساني "، وعن خروج هذا الإنسان من " التوحش " إلى " التأنس " بفضل الله، ثم بفضل الصراع الجدلي الذي يعبد سبيله، عبر عقبات متجددة، نحو إنسية أكمل، عن طريق الرقي المستمر الناشئ حتما عما " ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع
(1) ابن خلدون المقدمة ص57 طبعة بولاق.
(2)
د. محمد الطالبي: مقال التاريخ ومشاكل اليوم والغد عالم الفكر عود 1 / م5 / الكويت (إبريل) 1974
وسائر ما يحدث في ذلك العمران بطبيعته من الأحوال"، وطبيعة الأحوال هذه التي يشير إليها ابن خلدون، ويعتبرها القانون الذي بمقتضاه يسير التطور الضروري الذي لا يعاند، إنما هي سنة الله التي توجه شراع الخليقة، لينة تارة، عنيفة أخرى، والتي أشار إليها القرآن في أكثر من آية، وهكذا يصبح التأريخ، استكشافا كليا لتطور الإنسان، ومحاولة حل للغز وضعه اليوم في هذا الكون، ولمصيره العاجل أو الآجل.
ولئن كان ابن خلدون لم يطبق كثيرا من آرائه هذه الطموحة الجريئة في كتاب العبر، فإن ذلك لا يسلب فضل التعبير عنها بغاية الدقة والوضوح. فإنه كان من المستحيل علميا- لا سيما في زمانه، تطبيقها من طرف باحث واحد، في موسوعة فتحت صفحاتها لتاريخ العالم الإسلامي بأكمله - ولعل استعصاء تطبيق هذه الآراء في كتاب (العبر) هو الذي جعل ابن خلدون يضمن خلاصة أفكاره وعبره واعتباراته خاصة في (المقدمة).
وهكذا فتح أبوابها للاجتماع والاقتصاد والمؤسسات، وضروب الثقافات والعلوم. لأن كل ذلك إن لم يكن تاريخا صرفا بالمعنى الضيق، فلا غنى للمؤرخ عنه، ولا سبيل لفهم الإنسان بدونه.
وهكذا كان ابن خلدون عملاقا، يقف متفردا، كحد فاصل بين مرحلتين متميزتين في المنهج التأريخي، وقد أعطى بهذا المنهج المتفرد سبقا للحضارة الإسلامية، التي كان لها الفضل الكبير في الانتقال بالتأريخ من مرحلة الجمع إلى مرحلة التفسير، ومن منهجية التوثيق إلى منهجية التمحيص والتركيب الفلسفي الذي يمثل مرحلة جديدة في الرشد العقلي للإنسانية كلها.
في الأضحية وصلاة العيد 173
في إفطار رمضان والقضاء والكفارة 174
في أوقاف المسجد 175
في بناء المسجد 176
في التصوير 177
في الحج 178
في الدعاء179
في الدين 180
في الربا 181
في الرشوة 182
في الرضاعة 183
في الزكاة 184
في زكاة أموال جمعت للتجارة 185
في الزواج 186
في الصلاة 187
في الصيام 188
في الوضوء - الصلاة- الأمانة- الطواف 196
في الطلاق 118، 189
في العبادات 190
في القتل الخطأ 191
في قراءة القرآن من أجل التكسب 192
في اللحم المذبوح ببلاد الكفر وأهل الكتاب 193
في المواريث 194
في النذر 195
(ق)
القدس. . والفيصل- والإسلام 217