الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
زيد بن حارثة الكلبي القائد الشهيد
اللواء الركن: محمود شيت خطاب (1).
نسبه وأيامه الأولى:
هو زيد بن حارثة بن شراحيل بن عبد العزى بن امرئ القيس بن عامر بن النعمان بن عامر بن عبد ود بن عوف بن كنانة بن عوف بن عذرة بن زيد اللات بن رفيدة بن ثور بن كلب بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن الجاف بن قضاعة بن مالك بن عمرو بن مرة بن مالك بن حمير بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان، وإلى قحطان جماع اليمن، وربما اختلف الذين نسبوه في الأسماء وتقديم بعضها على بعض وزيادة شيء فيها (2) ونقص شيء فيها (3).
ومن المعلوم أن العرب كانوا ولا يزالون يهتمون بحفظ أنسابهم تسجيلا ورواية، ومصادر الأنساب في التراث العربي كثيرة جدا، وحتى اليوم إذا زرت حيا من أحياء العرب، وسألت طفلا من أطفاله عن نسبه، سرد عليك نسبه إلى بضعة أسماء أو أكثر، وحفظ الأنساب غير معروف عند غير العرب من الأمم
(1) ورد لكاتب البحث ترجمة في العدد العاشر صفحة 233.
(2)
الاستيعاب (2/ 542) وأسد الغابة (2/ 224).
(3)
أسد الغابة (2/ 224).
الأخرى، فلا غرابة في تشكيكهم باستمرار في صحة الأنساب العربية ودقتها، والمرء عدو ما جهل.
ولا مجال للعربي الأصيل أن يتقبل تشكيك غير العربي بصحة أنساب العرب، ولكن الشك ينحصر في دقتها، وبخاصة إذا ارتفعت إلى عهود سحيقة في القدم.
وأم زيد: سعدى بنت ثعلبة بن عبد عامر بن أفلت من بني معن من طيء.
وزارت سعدى أم زيد قومها وزيد معها، فأغارت خيل لبني القين بن جسر في الجاهلية فمروا على أبيات بني معن رهط أم زيد، فاحتملوا زيدا إذ هو يومئذ غلام يفعة قد أوصف (1)، فوافوا به سوق عكاظ، فعرضوه للبيع، فاشتراه منهم حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي لعمته خديجة بنت خويلد بأربعمائة درهم، فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهبته له، فقبضه رسول الله صلى الله عليه وسلم (2).
وفي رواية أخرى، أن زيدا كان قد أصابه سباء في الجاهلية، فاشتراه حكيم بن حزام في سوق حباشة، وهي سوق بناحية مكة كانت مجمعا للعرب يتسوقون بها في كل سنة، اشتراه حكيم لخديجة بنت خويلد، فوهبته خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وقيل: رآه النبي صلى الله عليه وسلم ينادى عليه بالبطحاء (4)، فذكره لخديجة،
(1) غلام يفعة: شاب. وأوصف الغلام أو الفتاة: بلغ أوان الخدمة. فأوصف: تم قده.
(2)
طبقات ابن سعد (3/ 40 - 41) وأنساب الأشراف (1/ 467).
(3)
الاستيعاب (2/ 543).
(4)
البطحاء: المسيل الواسع فيه دقائق الحصى. والمقصود هنا: بطحاء مكة.
فقالت له يشتريه، فاشتراه من مالها لها، ثم وهبته للنبي صلى الله عليه وسلم (1).
ويقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ابتاع زيدا بالشام لخديجة حين توجه مع ميسرة قيمها، فوهبته له (2).
والمتفق عليه، أن زيدا أصابه سباء، وكان حرا فأصبح عبدا لخديجة، ثم أصبح للنبي صلى الله عليه وسلم ولا أهمية للاختلاف في من اشتراه ولا في مكان بيعه. وقد كان أبوه حارثة حين فقده قال:
بكيت على زيد ولم أدر ما فعل
…
أحي فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري وإن كنت سائلا
…
أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل
فيا ليت شعري هل لك الدهر رجعة
…
فحسبي من الدنيا رجوعك لي بجل (3)
تذكرنيه الشمس عند طلوعها
…
وتعرض ذكراه إذا قارب الطفل
وإن تعبت الأرواح هيجن ذكره
…
فيا طول ما حزني عليه ويا وجل
سأعمل نص العيس في الأرض جاهدا
…
ولا أسأم التطواف أو تسأم الإبل
حياتي أو تأتي على منيتي
…
وكل امرئ فان وإن غره الأمل
وأوصى به قيسا وعمرا كليهما
…
وأوصى يزيدا ثم من بعدهم جبل
يعني جبلة بن حارثة أخا زيد، وكان أكبر من زيد، ويعني يزيد أخا زيد لأمه، وهو يزيد بن كعب بن شراحيل (4).
ثم إن ناسا من بني كلب حجوا، فرأوا زيدا فعرفهم وعرفوه، فقال:" بلغوا أهلي هذه الأبيات، فإني أعلم أنهم جزعوا علي " وقال:
أحن إلى قومي وإن كنت نائيا
…
بأني قطين البيت عند المشاعر
(1) تهذيب الأسماء واللغات (1/ 202).
(2)
أنساب الأشراف (1/ 467).
(3)
بجل: حسب.
(4)
طبقات ابن سعد (3/ 41) وأنساب الأشراف (1/ 467 - 468) وتهذيب ابن عساكر (5/ 456).
فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم
…
ولا تعملوا في الأرض نص الأباعر
فإني بحمد الله في خير أسرة
…
كرام معد كابرا بعد كابر (1)
وانطلق الكلبيون إلى ديارهم، وأعلموا أباه بمكانه، ووصفوا له موضعه وعند من هو، فخرج حارثة وكعب ابنا شراحيل بفدائه، وقدما مكة، «فسألا عن النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هو في المسجد. فدخلا عليه، فقال:" يا ابن عبد الله يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه، أنتم أهل الحرم وجيرانه وعند بيته، تفكون العاني، وتطعمون الأسير، جئناك في ابننا عندك، فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه، فإنا سنرفع لك في الفداء". قال: " من هو؟ "، قالوا:" زيد بن حارثة "، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" فهل لغير ذلك؟ " قالوا: " ما هو؟ " فقال: " دعوه فخيروه، فإن اختاركم فهو لكما بغير فداء، وإن اختارني فوالله ما أنا بالذي أختار على من اختارني أحدا ". قالا: "زدتنا في النصف وأحسنت". ودعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " هل تعرف هؤلاء؟ " قال: "نعم"، قال:" من هما؟ " قال: "هذا أبي - وهذا عمي". قال: " فأنا من قد علمت ورأيت صحبتي لك - فاخترني أو اخترهما "، فقال زيد:"ما أنا بالذي أختار عليك أحدا، أنت مني بمكان الأب والأم "، فقالا:"ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك؟! "، قال:"نعم! إني قد رأيت من هذا الرجل شيئا ما أنا بالذي أختار عليه أحدا أبدا". فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أخرجه إلى (الحجر)(2) فقال: " يا من حضر! اشهدوا أن زيدا ابني، أرثه ويرثني». فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا، فدعي: زيد بن محمد، حتى جاء الله بالإسلام.
ويبدو من سياق هذا الحديث، أنه جرى قبل مبعثه عليه الصلاة والسلام،
(1) أسد الغابة (2/ 225) والاستيعاب (2/ 544) وطبقات ابن سعد (3/ 41).
(2)
حجر الكعبة، انظر التفاصيل في معجم البلدان (3/ 220 - 221).