الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الساحة الفكرية أخذ المعتزلة موقفا مضادا له، وأخذ الأشاعرة موقفا متوسطا، وفي كل ذلك جدل ومناظرات كانت سمة العصر وطابع الفكر الإسلامي آنذاك (1).
أقول في ضوء الحقيقتين السابقتين: يجب أن ننظر إلى الفرق باعتبارها عاملا هاما في ازدهار حركة الجدل الديني في القرنين الثاني والثالث الهجريين، ومقارنة معتقدات كل وأصولها بمعتقدات وأصول غيرها، ثم رصد ما حدث بينهم من مناظرات ومراسلات يظهر أثرهم في الفكر الإسلامي، وليس تفصيل هذا من خطتنا، وإنما حسبنا أن نشير إلى الظاهرة وندل عليها في مظانها من كتب الفرق والملل والنحل، كما نشير إلى أن أثر الفرق ليس راجعا إلى موضوعات الجدل بقدر ما هو راجع إلى منهج تناول هذه الموضوعات والهدف المرتبط به.
(1) أبو زهرة / مالك / 117 - 121. وأبو حنيفة / 80 - 90. (دار الفكر العربي دت).
2 -
وجود طوائف غير مسلمة في المجتمع الإسلامي:
ضم المجتمع الإسلامي آنذاك فئات شتى، اختلفت اتجاهاتهم، وتباين بمقدار هذا حقدهم على الإسلام، بل وطريقة الكيد له، فلقد كان هناك من دخلوا الإسلام من أصحاب العقائد والحضارات الأخرى، كالفرس الذين دخلوا الإسلام لكنهم لم ينتسبوا إليه إلا بمقدار ما يظهر في سلوكهم الخارجي، أما حقيقة الأمر فقد تجلت في بثهم بين المسلمين كثيرا من أفكارهم القديمة التي تخالف الفهم الإسلامي الصحيح كما في مسألة الجبر مثلا، حيث كانت من البحوث التي طرقها الزرادشتية والمانوية وغيرهم، فقد جاء في كتاب المنية والأمل للمرتضى عن الحسن:«أن رجلا من فارس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: رأيت أهل فارس ينكحون بناتهم وأخواتهم، فإن قيل لهم لم تفعلون؟ قالوا: قضاء الله وقدره. فقال عليه السلام: سيكون في أمتي من يقولون مثل ذلك، وأولئك مجوس أمتي» (1).
(1) أبو زهرة / تاريخ المذاهب 1/ 117.
كما تجلت في تسترهم تحت التصوف والتشيع لإيجاد فرق باطنية عرف الفكر الإسلامي خطرها وشرها (1) وخصوصا في مجال تأويل النصوص والخروج بها عن ظاهرها، وقطع الصلة بينها وبين أسباب نزولها تمهيدا لاستغلالها في مكائدهم (2).
ويقرر ابن حزم الأندلسي أن مكائد الفرس كانت سببا في خروج أكثر الطوائف الغالبة، وبخاصة طوائف الشيعة عن الإسلام، ويرجع ذلك إلى أن زوال دولتهم على أيدي العرب، والفرس كانوا يظنون أنفسهم أحرارا وغيرهم - والعرب منهم - عبيدا، جعلهم يكيدون للإسلام بالمحاربة. . . فرأوا أن كيده على الحيلة أنجع، فأظهر قوم منهم الإسلام، واستمالوا أهل التشيع بإظهار محبة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واستشناع ظلم علي رضي الله عنه ثم سلكوا بهم مسالك شتى حتى أخرجوهم عن الإسلام " (3) ويذكر ابن حزم الغلاة الذين اتخذوا بهذا كالحلوليين، ومسقطي الشرائع، ومنكري النبوات وغيرهم.
أما اليهود والنصارى فقد شاركوا الفرس وغيرهم في إثارة الشكوك، وبذر بذور الفرقة بين المسلمين، ففكرة الجبر التي تقضي بأن الإنسان مجبور لا إرادة له قيل: إن أول من دعا إليها يهودي بالشام، وتعلمها منه الجعد بن درهم ونشرها بين الناس بالبصرة، وتلقاها عن الجعد الجهم بن صفوان الذي أضاف إلى فكرة الجبر أفكارا أخرى ليست من الإسلام في شيء، وفي صدد الحديث عن الجعد بن درهم يقول صاحب سرح العيون:" تعلم منه الجهم بن صفوان القول الذي نسب إليه الجهمية، وقيل: إن الجعد أخذ ذلك على أبان بن سمعان، وأخذه أبان عن طالوت بن أخت لبيد بن أعصم اليهودي " وأخذها طالوت من لبيد بن الأعصم اليهودي.
وهذه الرواية لا تنفي إسهام الفرس وغيرهم في بث بذور الفرقة بين
(1) ابن تيمية / الفرقان بين الحق والباطل / 157، وقد سبقت إشارتنا إلى ذلك.
(2)
البغدادي / الفرق بين الفرق / 281 - 312. تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد.
(3)
الفصل / 2/ 115.
المسلمين، والشيء نفسه نجده عند النصارى كما يروى، " قيل إن أول من تكلم في القدر رجل من أهل العراق كان نصرانيا فأسلم ثم تنصر، وأخذ عنه معبد الجهني وغيلان الدمشقي.
ومن هذا نرى: أن الفكرة دخيلة في الإسلام، راجت بين المسلمين من عنصر أجنبي دعا إليها باسم الإسلام وهو يضمر غيره (1).
وإلى جانب هذا: كان اليهود يثيرون من الأفكار ما يدعو إلى الرد والمناظرة، فقد شكك أحدهم أهل البصرة في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الوقوف عند نبوة موسى فهي الثابتة دون غيرها، الأمر الذي جعل علماء السلف يناظرون هذا اليهودي وغيره ويفحمونهم.
كما ادعى بعضهم أن رسالة محمد إلى العرب خاصة، بل ادعى هذا - وهو عيسى بن يعقوب الأصبهاني - النبوة لنفسه وزعم أن الله كلمه، وأنه أرسل من قبل المسيح المنتظر (2).
كذلك كان اليهود وراء مشكلات كثيرة مثل مشكلة خلق القرآن، والدعوة إلى فهم النصوص على ظاهرها في مسألة الصفات مما أدى إلى التمثيل والتشبيه (3).
كذلك كان بعض النصارى يعلمون أتباعهم كيف يجادلون المسلمين بطريقة تشككهم في عقيدتهم كما فعل يوحنا الدمشقي الذي كان يعلم النصارى حوارا " إذا سألك العربي: ما تقول في المسيح؟ فقل: إنه كلمة الله. ثم ليسأل النصراني المسلم: بم سمي المسيح في القرآن؟ وليرفض أن يتكلم بشيء حتى يجيب المسلم؛ فإنه سيضطر إلى أن يقول: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} (4) فإذا أجاب بذلك فاسأله عن كلمة الله وروحه مخلوقة أو غير مخلوقة. فإن قال: مخلوقة. فليرد عليه: بأن
(1) تاريخ المذاهب / 1/ 125.
(2)
الملل والنحل / 2/ 55.
(3)
الملل والنحل / 1/ 141.
(4)
سورة النساء الآية 171