الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابن خلدون وريادته لعلم تفسير التأريخ
للدكتور / عبد الحليم عويس
أستاذ مشارك بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
من مواليد مصر 1943.
عمل بمركز بحوث المناهج بالكويت ومحاضرا بكلية الشريعة بالرياض.
له أكثر من عشرين مؤلفا وعدد من الكتب المحققة.
قام بالإشراف على تحرير بعض المجلات العلمية والصحافية وله مشاركات في كثير من المجلات العربية والإسلامية.
حضر أكثر من ثلاثين مؤتمرا إسلاميا في أنحاء العالم واختير أمينا عاما لبعضها، وشارك في الإعداد لبعضها.
زار معظم أنحاء العالم العربي والإسلامي.
من أهم كتبه: دولة بني حماد في الجزائر، وابن حزم الأندلسي مؤرخا، ودراسة لسقوط ثلاثين دولة إسلامية. وسلسلة الملف الفقهي (في كتب) والإسلام كما ينبغي أن نؤمن به. وغيرها من البحوث والدراسات.
حمدا لله وشكرا له. . .
وبعد،
فإن علامة المغرب الفيلسوف المؤرخ (عبد الرحمن بن خلدون) المولود بتونس سنة 732 هـ، والمتوفى بمصر سنة 808 هـ، جدير بأن يظل موضوعا متجددا في دراستنا لإسهامات حضارتنا الإسلامية في التأريخ الحضاري الإنساني.
وقد اشتهر هذا الفيلسوف المسلم (بابن خلدون) نسبة إلى جده خالد بن عثمان، وفقا للطريقة المتبعة في المغرب في إضافة واو ونون زيادة في التعظيم.
ولقد كانت نشأته مثل نشأة أترابه في عصره، ففي صباه حفظ القرآن على والده الذي كان معلمه الأول، كما درس إلى جانب والده على عدد من علماء العصر، وقد عني ابن خلدون بذكر أسماء هؤلاء العلماء، وذكر أهم الكتب التي درسها عليهم، غير أن ابن خلدون قد انقطع عن الدراسة في وقت مبكر بسبب هجرة العلماء والأدباء من تونس بعد وباء جارف سنة 750 هـ.
- وكان ابن خلدون حينئذ قد بلغ الثامنة عشرة من عمره، فبدأ يشتغل بالوظائف العامة والسياسة، مع متابعة مستمرة للقراءة والاطلاع والكتابة والتعليم.
وأما حياته العملية فقد بدأها ابن خلدون بوظيفة " كتابة العلامة " أي ديوان الرسائل بتونس، ثم تقلب بعد ذلك في البلاد متوليا المناصب المختلفة، وقاسى كثيرا، بل وعانى الأهوال الشديدة من المؤامرات السياسية، بل شارك فيها أحيانا.
ويرى بعضهم أن ابن خلدون كان ابن عصره، وأننا لا يجوز أن نتصوره تصورا بطوليا منفصلا عن بيئته وظروفها والعصر وتراثه، بل هو - كما يرى هؤلاء- ابن عصره وبيئته، وأنه أفاد من جهود المؤرخين السابقين، وخصوصا بعد أن تحررت فكرة التأريخ من الاعتماد على المنقول، وتعلقت بآفاق من التعدد الثقافي في الحضارات الإنسانية، والتعليل العقلي للمادة التاريخية منذ عصر المسعودي (1).
ونحن نخالف هذا القول بهذا الإطلاق العام، ونعتقد أن عبد الرحمن بن خلدون كان ظاهرة تمثل رد فعل لعصره، وومضة متألقة في بيئة عصره وظروفه، وكأنها ألق الشمس قبل غروب دورة من دورات الحضارة، ونحن مع العلامة (مالك بن نبي) في أن عصر ابن خلدون لم يكن في مستوى ابن خلدون، ولو أنه كان في مستواه لأمكن أن تكون مقدمة ابن خلدون منعطفا جديدا في مسيرة البناء الثقافي الإسلامي.
وقد شهد عصر ابن خلدون سقوط آخر دولة مغربية وأندلسية عظمى، وهي دولة الموحدين التي أسسها المهدي بن تومرت (فكريا) وعبد المؤمن بن علي (سياسيا) قبيل منتصف القرن السادس الهجري، وقد قسمت هذه الدولة إلى ثلاث هي:
الحفصيون في إفريقية (تونس)، وبنو عبد الواد (بنو زيان) في الجزائر، وبنو مرين في المغرب الأقصى.
وقد كان عصره- كعصر ابن حزم الأندلسي في القرن الخامس الهجري - عصر فتن ودسائس وانقسامات، حتى إنه اضطر لأن يغمس يده في هذه الفتن.
على أن هذا لا يجعلنا ننكر تأثر ابن خلدون ببعض المؤرخين المسلمين السابقين الذين كانت تظهر على أيديهم أفكار متكاملة في تفسير التأريخ،
(1) د. عفت الشرقاوي: أدب التاريخ عند العرب 328.