الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرحلة الثانية:
قد أنتجت المرحلة الأولى في قرنيها الثاني والثالث الهجريين اهتماما امتد حتى القرن الخامس الهجري، ولعله وضح من خلال المؤلفات التي أشرنا إليها في أول هذا البحث. ثم أصيب العالم الإسلامي بموجة تشبه الموجة التي كانت في عصر الجدل والمناظرات؛ من حيث سوء الحال في السياسة والاجتماع، وتفرق الناس في العقيدة فرقا وأحزابا، حتى إذا جاء عصر شيخ الإسلام ابن تيمية (661 - 728 هـ) وجدنا الحال أسوأ من سابقتها الأمر الذي جعل المعركة شديدة في نفسه بين ما علم وما يرى في عصره من ظلمة شديدة وفساد في كل نواحيه.
رأى في ماضي الإسلام عزة واتحادا، وفي حاضره ذلة وانقساما، فتقدم الرجل ليصلح وليداوي. وقد جاء الدواء بأيسر كلفة، ووجد هذه الأمة لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها.
ولو فتشت عن البواعث التي بعثت ذلك العالم التقي على المجاهرة بآراء معينة، لوجدت أن الذي بعث على هذه المجاهرة عيب في الزمان في الفكر، أو في العمل، أو فيهما معا (1).
وإذا كانت هذه العبارة تمثل وصفا مجملا للعصر الذي تشير إليه، فإن كتب التاريخ فصلت القول في مظاهر الخلل التي استدعت بالضرورة اهتمام المخلصين بإنقاذ هذه الأمة بتنقية عقيدتها مما شابها.
وهاهي ذي بعض مظاهر الفساد آنذاك.
أولا: ذبول الحس الإسلامي:
وهذا يفقد الناس حميتهم الإسلامية وارتباطهم بأحكامه، واستعدادهم للتضحية في سبيل نصرته، وقد تجلى هذا الأمر في صور نذكر منها:
1 -
فساد عقائد الناس وإيمانهم بفرضية الجهاد، حتى أن بعض
(1) أبو زهرة تاريخ المذاهب الإسلامية / 2/ 447. دار الفكر العربي.
المسلمين كان يناصر التتار ويؤذي الجنود المسلمين، ويذكر ابن كثير في حوادث سنة (700 هـ) هذا الأمر فيقول: " وفي شوال فيها عرفت جماعة ممن كان يلوذ بالتتر ويؤذي المسلمين، وشنق منهم طائفة، وسمر آخرون، وكحل بعضهم، وقطعت ألسن، وجرت أمور كثيرة. . . . . . . . .
وخرج الشيخ تقي الدين بن تيمية ومعه خلق كثير من المتطوعة والحوارنة لقتال أهل تلك الناحية [يشير إلى جبال الجرد وكسراوات] بسبب فساد نيتهم وعقائدهم وكفرهم وضلالهم، وما كانوا عاملوا به العساكر لما كسرهم التتار وهربوا حين اجتازوا ببلادهم وثبوا عليهم ونهبوهم وأخذوا أسلحتهم وخيولهم، وقتلوا كثيرا منهم، فلما وصلوا إلى بلادهم جاء رؤوسهم إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية فاستتابهم وبين لكثير منهم الصواب، وحصل بذلك خير كثير (1).
2 -
تدخل بعض السياسيين بالفتوى فيما لا يعلمه، يذكر ابن كثير في حوادث سنة تسع وسبعمائة: أن السلطان الناصر محمد بن قلاوون جمع العلماء في مجلسه وسألهم فيما قاله ابن الخليلي وزيرهم في شأن إعادة أهل الذمة إلى لبس العمائم البيضاء لقاء أن يدفعوا للديوان سبعمائة ألف في كل سنة، ولم يتكلم الحاضرون، وكان من بينهم قضاة وعلماء، لكن ابن تيمية انبرى للسلطان مبينا له خطأ هذا التصرف قائلا: حاشاك أن يكون أول مجلس جلسته في أبهة الملك تنصر فيه أهل الذمة لأجل حطام الدنيا الفانية، فاذكر نعمة الله عليك إذ رد ملكك إليك وكبت عدوك ونصرك على أعدائك (2) وفي هذا الأمر ما فيه دلالة على طلب الدنيا وتدل رفعة الإسلام من الوزير، ودلالة على موقف بعض العلماء بالسكوت، إيثارا للسلامة، في مقابل الحق دون خشية لمخلوق.
3 -
تجرؤ بعض النصارى على رسول الإسلام، إذ أن رجلا يدعى عساف النصراني قد سب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين علم العلماء بذلك، ومنهم:
(1) ابن كثير / البداية والنهاية / 14/ 11، 12. مطبعة المتوسط، بيروت لبنان.
(2)
ابن كثير / البداية والنهاية / 14/ 46، 47.