الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بدل مال ليس للتجارة على الرواية الصحيحة أنه لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض قدر النصاب ويحول عليه الحول بعد القبض؛ لأن الثمن بدل مال ليس للتجارة فيقوم مقام المبدل، ولو كان المبدل قائما في يده حقيقة لا تجب الزكاة فيه، فكذا في بدله، بخلاف بدل مال التجارة. وأما الكلام في إخراج زكاة قدر المقبوض من الدين الذي تجب فيه الزكاة على نحو الكلام في المال العين إذا كان زائدا على قدر النصاب وحال عليه الحول فعند أبي حنيفة لا شيء في الزيادة هناك ما لم يكن أربعين درهما، فهاهنا أيضا لا يخرج شيئا من زكاة المقبوض ما لم يبلغ المقبوض أربعين درهما، فيخرج من كل أربعين درهما يقبضها درهما، وعندهما يخرج قدر ما قبض قل المقبوض أو كثر، كما في المال العين إذا كان زائدا على النصاب، وسيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى. وذكر الكرخي أن هذا إذا لم يكن له مال سوى الدين، فأما إذا كان له مال سوى الدين فما قبض منه فهو بمنزلة المستفاد، فيضم إلى ما عنده، والله أعلم (1).
(1) بدائع الصنائع (2/ 9).
2 -
النقل عن المالكية:
أ - جاء في المدونة تحت عنوان: (زكاة القرض وجميع الدين):
(قلت) أرأيت لو أني أقرضت رجلا مائة دينار وقد وجبت علي زكاتها ولم أخرج زكاتها حتى أقرضتها فمكثت عند الذي
أقرضتها إياه سنتين ثم ردها ماذا يجب علي من زكاتها. (فقال). زكاة عامين وهي الزكاة التي كانت وجبت عليك وزكاة عام بعد ذلك أيضا، وهو قول مالك. (قلت) أرأيت دينا لي على رجل، أقرضته مائة دينار فأقام الدين عليه أعواما فاقتضيت منه دينارا واحدا أترى لي أن أزكي هذا الدينار. فقال: لا. (قلت) فإن اقتضيت منه عشرين دينارا. (فقال) تزكي نصف دينار. (قلت) فإن اقتضيت دينارا بعد العشرين دينارا. (فقال) تزكي من الدينار ربع عشره. (قلت) فإن كان قد أتلف العشرين كلها ثم اقتضى دينارا بعد ما أتلفها. (فقال) نعم يزكيه وإن كان أتلف العشرين؛ لأنه لما اقتضى العشرين صار مالا تجب فيه الزكاة فما اقتضى بعد هذا فهو مضاف إلى العشرين، وإن كانت العشرون قد تلفت. (قلت) ولم لا يزكي إذا اقتضى ما دون العشرين. (فقال) لأنا لا ندري لعله لا يقتضي غير هذا الدينار، والزكاة لا تكون في أقل من عشرين دينارا. (قلت) أليس يرجع هذا الدينار إليه على ملكه الأول وقد حال عليه الحول فلم لا يزكيه. (فقال) لأن الرجل لو كانت عنده مائة دينار فمضى لها حول لم يفرط في زكاتها حتى ضاعت كلها إلا تسعة عشر دينارا لم يكن عليه فيها زكاة لأنها قد رجعت إلى ما لا زكاة فيه، فكذلك هذا الدين حين اقتضى منه دينارا قلنا له: لا زكاة عليك حتى تقبض ما تجب فيه الزكاة لأنا لا ندري لعلك لا تقتضي غيره فتزكي عن مال لا تجب فيه الزكاة، وإن اقتضى ما تجب فيه الزكاة زكاه ثم يزكي ما اقتضى من الدين من قليل أو كثير. (قلت) أرأيت إن
كانت عنده عشرون دينارا وله مائة دينار دين على الناس أيزكي العشرين إن كان الدين قد حال عليه الحول ولم يحل على العشرين الحول؟ فقال: لا. (قلت) فإن اقتضى من الدين أقل من عشرين دينارا أيزكيه مكانه؟ قال: لا. (قلت) لم؟ (قال) لأن العشرين التي عنده ليست من الدين وهي فائدة لم يحل عليها الحول. (قلت) فإن حال الحول على العشرين التي عنده وقد كان اقتضى من الدين أقل من عشرين دينارا. (فقال) يزكي العشرين الدينار الآن وما اقتضى من الدين جميعا. (قلت) فإن كان عنده العشرون ولم يقتض من الدين شيئا حتى حال الحول على العشرين ثم اقتضى من الدين دينارا واحدا أيزكي الدينار الذي اقتضى؟ فقال: نعم. (قلت) فإن تلفت العشرون بعد الحول فاقتضى بعدها دينارا أيزكيه؟ قال: نعم. (قلت) وما الفرق بين ما اقتضى من الدين وبين الفائدة، جعلت ما اقتضى من الدين تجب فيه الزكاة يزكي كل ما اقتضى بعد ذلك، وإن كان الذي اقتضى أولا قد تلف، وجعلته في الفائدة إن تلفت قبل أن يحول عليها الحول ثم اقتضى من الدين شيئا لم يزكه إلا أن يكون قد اقتضى من الدين ما تجب فيه الزكاة. (فقال) لأن الفائدة ليست من الدين إنما تحسب الفائدة عليه من يوم ملكها وما اقتضى من الدين يحسب عليه من يوم ملكه، وقد كان ملكه لهذا الدين قبل سنة فهذا فرق ما بينهما. (قلت) وهذا قول مالك. قال: نعم. (قال) ابن القاسم: ولو أن رجلا كانت له مائة دينار فأقامت في يديه ستة أشهر ثم أخذ منها خمسين دينارا فابتاع
بها سلعة فباعها بثمن إلى أجل فإن بقيت الخمسون حتى يحول عليها الحول زكاها، ثم ما اقتضى بعد ذلك من ثمن تلك السلعة من قليل أو كثير زكاه، وإن كانت الخمسون قد تلفت قبل أن يحول عليها الحول وتجب فيها الزكاة فلا زكاة عليه فيما اقتضى حتى يبلغ ما اقتضى عشرين دينارا، فإن بقيت الخمسون في يديه حتى يزكيها ثم أنفقها بعد ذلك فأقام دهرا ثم اقتضى من الدين دينارا فصاعدا فأنه يزكيه؛ لأن هذا الدينار من أصل مال قد وجبت فيه الزكاة وهي الخمسون التي حال عليها فزكاها فالدين على أصل تلك الخمسين؛ لأنه حين وجبت الزكاة في الخمسين صار أصل الدين وأصل الخمسين واحدا في وجوب الزكاة، ويفترقان في أحواله ما فإنما مثل ذلك مثل الرجل يبيع السلعة بمائة دينار ولا مال له غيرها فتقيم سنة في يدي المشتري ثم يقتضي منها عشرين دينارا فيخرج منها نصف دينار ثم يستهلكها ثم يقتضي بعد ذلك من ذلك الدين شيئا فما اقتضى من قليل أو كثير فعليه فيه الزكاة، لأن أصله كان واحدا. (قال) وكل مال كان أصله واحدا أقرضت بعضه أو ابتعت ببعضه سلعة فبعتها بدين وتبقي بعض المال عندك وفيما أبقيت ما تجب فيه الزكاة فلم تتلفه حتى زكيته فهو والمال الذي أقرضت أو ابتعت به سلعة فبعت السلعة بدين فهو أصل واحد يعمل فيه كما يعمل فيه لو ابتيع به كله، فإذا اقتضى مما ابتيع به كله عشرين دينارا وجب فيه نصف دينار وما اقتضى بعد ذلك من قليل أو كثير ففيه الزكاة وإن كان قد استهلك العشرين التي اقتضى. قال: وهو قول مالك. (قال) ابن
القاسم: وكل مال كان أصله واحدا فأسلفت بعضه أو ابتعت ببعضه سلعة وأبقيت منه في يديك ما لا تجب الزكاة فيه فحال عليه الحول وهو في يديك ثم أتلفته فأنه يضاف ما اقتضيت إلى ما كان في يديك مما لا زكاة فيه فإذا تم ما اقتضيت إلى ما كان في يديك مما أنفقت بعد الحول فأنه إذا تم عشرين دينارا فعليك فيه الزكاة ثم ما اقتضيت بعد ذلك من قليل أو كثير فعليك فيه الزكاة. (قال) وكل مال كان أصله واحدا فابتعت ببعضه أو أسلفت بعضه وأبقيت في يديك ما لا تجب فيه الزكاة ثم استهلكته قبل أن يحول عليه الحول فأنه لا يضاف شيء من مالك كان خارجا من دينك إلى شيء منه وما اقتضيت منه قبل أن يحول عليه الحول فاستهلكته قبل أن يحول عليه الحول فهو كذلك أيضا لا يضاف إلى ما بقي لك من دينك، ولكن ما حال عليه الحول في يديك مما تجب فيه الزكاة أو لا زكاة فيه فأنه يضاف إلى دينك، فإن كان الذي في يديك مما تجب فيه الزكاة فإنك تزكي ما اقتضيت من قليل أو كثير من دينك وإن كنت قد استهلكته، وإن كان مما لا تجب فيه الزكاة مما حال عليه الحول فاستهلكته بعد الحول فإنك لا تزكي ما اقتضيت حتى يتم ما اقتضيت وما استهلكت بعد الحول عشرين دينارا فتخرج زكاتها ثم ما اقتضيت بعد ذلك من قليل أو كثير فعليك فيه الزكاة. (قلت) ما قول مالك في الدين يقيم على الرجل أعواما لكم يزكيه صاحبه إذا قبضه؟ فقال: لعام واحد. (قلت) وإن كان الدين مما يقدر على أخذه فتركه، أو كان مفلسا لا يقدر على أخذه منه فأخذه بعد
أعوام أهذا عند مالك سواء؟ (قال) نعم عليه زكاة عام واحد إذا أخذه وهذا كله عند مالك سواء. (قلت) أرأيت لو أن رجلا كانت له دنانير على الناس فحال عليها الحول فأراد أن يؤدي زكاتها من ماله قبل أن يقبضها؟ (قال) لا يقدم زكاتها قبل أن يقبضها. (قال) وقد قال لي مالك في رجل اشترى سلعة للتجارة فحال عليها الحول قبل أن يبيعها فأراد أن يقدم زكاتها. (قال) فقال مالك: لا يفعل ذلك. (فقال) فقلت له: إن أراد أن يتطوع بذلك. (قال) يتطوع في غير هذا ويدع زكاته حتى يبيع عرضه والدين عندي مثل هذا. (قال) ابن القاسم: وإن قدم زكاته لم تجزئه، قال: فرأيت الدين مثل هذا. (قال) أشهب عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمر أن عبد الله بن دينار حدثه عن عبد الله بن عمر أنه قال: ليس في الدين زكاة حتى يقبض، فإذا قبض فإنما فيه زكاة واحدة لما مضى من السنين. (قال) أشهب قال: وأخبرني ابن أبي الزناد وسليمان بن بلال والزنجي مسلم بن خالد أن عمرا مولى المطلب حدثهم أنه سأل سعيد بن المسيب عن زكاة الدين، فقال: ليس في الدين زكاة حتى يقبض فإذا قبض فإنما فيه زكاة واحدة لما مضى من السنين. (قال) ابن القاسم وابن وهب وعلي بن زياد وابن نافع وأشهب عن مالك عن يزيد بن خصيفة أنه سأل سليمان بن يسار عن رجل له مال وعليه دين مثله أعليه زكاة؟ فقال: لا. (قال) ابن وهب عن نافع وابن شهاب أنه بلغه عنهما مثل قول سليمان. (قال) ابن وهب عن يزيد بن عياض عن عبد الكريم بن أبي
المخارق عن الحكم بن عتيبة عن علي بن أبي طالب مثله. (قال) ابن وهب عن عمرو بن قيس عن عطاء بن أبي رباح أنه كان يقول: ليس في الدين زكاة وإن كان في ملاء حتى يقبضه صاحبه. (قال) سفيان عن ابن جريج عن عطاء قال: ليس في الدين إذا لم يأخذه صاحبه زمانا ثم أخذه أن يزكيه إلا مرة واحدة. (قال) ابن مهدي عن الربيع بن صبيح عن الحسن مثله. (قال) أشهب: قال مالك: والدليل على أن الدين يغيب أعواما ثم يقضيه صاحبه فلا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة، العروض تكون عند الرجل للتجارة فتقيم أعواما ثم يبيعها فليس عليه في أثمانها إلا زكاة واحدة، فكذلك الدين، وذلك أنه ليس عليه أن يخرج زكاة ذلك الدين أو العروض من مال سواء لا تخرج زكاة من شيء عن شيء غيره (1).
(1) المدونة 1/ 219.
ب - قال ابن رشد - الجد - تحت عنوان: (في زكاة الديون):
الديون في الزكاة تنقسم على أربعة أقسام: دين من فائدة ودين من غصب ودين من قرض ودين من تجارة. فأما الدين من الفائدة فأنه ينقسم على أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون من ميراث أو عطية أو أرش جناية أو مهر امرأة أو ثمن خلع وما أشبه ذلك فهذا لا زكاة فيه حالا كان أو مؤجلا حتى يقبض ويحول الحول عليه من بعد القبض ولا دين على صاحبه يسقط عنه الزكاة فيه، وإن ترك قبضه فرارا من الزكاة لم يوجب ذلك عليه فيه
الزكاة.
والثاني: أن يكون من ثمن عرض أفاده بوجه من وجوه الفوائد فهذا لا زكاة فيه حتى يقبض ويحول الحول عليه بعد القبض، وسواء كان باعه بالنقد أو بالتأخير، وقال ابن الماجشون والمغيرة: إن كان باعه بثمن إلى أجل فقبضه بعد حول زكاه ساعة يقبضه، فإن ترك قبضه فرارا من الزكاة تخرج ذلك على قولين: أحدهما: أنه يزكيه لما مضى من الأعوام. والثاني: أنه يبقى على حكمه فلا يزكيه حتى يحول عليه الحول من بعد قبضه أو حتى يقبضه إن كان باعه بثمن إلى أجل على الاختلاف الذي ذكرناه في ذلك.
والثالث: أن يكون من ثمن عرض اشتراه بناض عنده للقنية فهذا إن كان باعه بالنقد لم تجب عليه فيه زكاة حتى يقبضه ويحول عليه الحول بعد القبض، وإن كان باعه بتأخير فقبضه بعد حول زكاه ساعة يقبضه، وإن ترك قبضه فرارا من الزكاة زكاه لما مضى من الأعوام، ولا خلاف في وجه من وجوه هذا القسم.
والرابع: أن يكون الدين من كراء أو إجارة فهذا إن كان قبضه بعد استيفاء السكنى والخدمة كان الحكم فيه على ما تقدم في القسم الثاني، وإن كان قبضه بعد استيفاء العمل مثل أن يؤجر نفسه ثلاثة أعوام بستين دينارا فيقبضها معجلة ففي ذلك ثلاثة أقوال: أحدها: أنه يزكي إذا حال الحول ما يجب له من الإجارة وذلك عشرون دينارا؛ لأنه قد بقيت في يده منذ قبضها حولا كاملا، ثم يزكي كل ما مضى له من المدة شيء له بال ما يجب له من الكراء إلى أن يزكي جميع الستين لانقطاع الثلاثة الأعوام، وهذا يأتي على ما في سماع سحنون عن ابن القاسم،
وعلى قياس قول غير ابن القاسم في المدونة في مسألة هبة الدين هو عليه بعد حلول الحول عليه. والثاني: أنه يزكي إذا حال الحول تسعة وثلاثين دينارا ونصف دينار وهو نص ما قاله ابن المواز على قياس القول الأول. والثالث: أنه لا زكاة عليه في شيء من السنين حتى يمضي العام الثاني، فإذا مر زكى عشرين؛ لأن ما ينوى بها من العمل دين عليه فلا يسقط إلا بمرور العام شيئا بعد شيء فوجب استئناف حول آخر بها منذ سقوط الدين عنها. وأما الدين من الغصب ففيه في المذهب قولان: أحدهما: وهو المشهور أنه يزكيه زكاة واحدة ساعة يقبضه كدين القراض. والثاني: أنه يستقبل حولا مستأنفا من يوم يقبضه كدين الفائدة، وقد قيل: أنه يزكيه للأعوام الماضية، وبذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى بعض عماله في مال قبضه بعض الولاة ظلما ثم عقب بعد ذلك بكتاب آخر أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة؛ لأنه كان ضمارا. وأما دين القرض فيزكيه غير المدير إذا قبضه زكاة واحدة لما مضى من السنين، واختلف هل يقومه المدير أم لا، فقيل: أنه يقومه وهو ظاهر ما في المدونة، وقيل: أنه لا يقومه، وهو قول ابن حبيب في الواضحة، وهذا الاختلاف مبني على الاختلاف فيمن له مالان يدير أحدهما ولا يدير الآخر؛ لأن المدير إذا أقرض من المال الذي يدير قرضا فقد أخرجه بذلك عن الإدارة. وأما دين التجارة فلا اختلاف في أن حكمه حكم عروض التجارة، يقومه المدير ويزكيه غير المدير إذا قبضه زكاة واحدة لما مضى من الأعوام كما يقوم المدير عروض
التجارة ولا يزكيها غير المدير حتى يبيع فيزكيها زكاة واحدة لما مضى من الأعوام، وإذا قبض من الدين أقل من نصاب أو باع من العروض بعد أن حال عليه الحول بأقل من نصاب، فلا زكاة عليه حتى يقبض تمام النصاب، أو يبيع بتمامه، فإذا كمل عنده تمام النصاب زكى جميعه، كان ما قبض أولا قائما بيده، أو كان قد أنفقه، واختلف إن كان تلف من غير سببه، وقال محمد بن المواز: لا ضمان عليه فيه؛ لأنه بمنزلة مال تلف بعد حلول الحول عليه من غير تفريط، فعلى قياس قول مالك في هذه المسألة التي نظرها بها يسقط عنه زكاة باقي الدين إن لم يكن فيه نصاب، وعلى قول محمد بن الجهم فيها يزكي الباقي إذا قبضه، وإن كان أقل من نصاب، وهو الأظهر؛ لأن المساكين نزلوا معه بمنزلة الشركاء فكانت المصيبة فيما تلف منه ومنهم، وكان ما بقي بينه وبينهم قل أو كثر. وقال ابن القاسم وأشهب: يزكي الجميع، وهذا الاختلاف إنما يكون إذا تلف بعد أن مضى من المدة ما لو كان ما تجب فيه الزكاة لضمنه، وأما إن تلف بفور قبضه فلا اختلاف في أنه لا يضمن ما دون النصاب، كما لا يضمن النصاب، وقول ابن المواز أظهر؛ لأن ما دون النصاب لا زكاة عليه فيه فوجب أن لا يضمنه في البعد كما لا يضمنه في القرب، ووجه ما ذهب إليه ابن القاسم وأشهب من أنه يضمن ما تلف بغير سببه في البعد مراعاة على قول من يوجب الزكاة في الدين، وإن لم يقبض فهو استحسان، فإذا تخلل الاقتضاء فوائد وكان كلما اقتضى من الدين شيئا أنفقه وكلما حال الحول على
فائدة أفادها أنفقها. فذهب أشهب في ذلك أن يضيف كل ما اقتضى من الدين وكل ما حل من الفوائد إلى ما كان اقتضى قبله من الدين وأنفقه وإلى ما كان حل عليه الحول من الفوائد قبله فأنفقه، وأما ابن القاسم فمذهبه أن يضيف الدين إلى ما أنفقه من الدين وإلى ما أنفقه من الفوائد بعد حلول الحول عليها ولا يضيف الفائدة التي حال الحول عليها إلى ما أنفقه من الدين بعد اقتضائه ولا إلى ما أنفقه من الفوائد بعد حلول الحول عليها. مثال ذلك: أن يقتضى من دين وله خمسة دنانير فينفقها وله فائدة لم يحل عليها الحول وهي عشرة دنانير فينفقها بعد حلول الحول عليها ثم يقبض من دينه عشرة فأنه يزكيها مع العشرة الفوائد التي أنفقها ولا يزكي الخمسة الأولى التي اقتضى من الدين حتى يقتضي خمسة أجزاء، وبالله التوفيق (1).
(1) المقدمات بهامش المدونة 1/ 245 وما بعدها.
ج - وقال ابن رشد الحفيد:
وأما المال الذي هو في الذمة - أعني في ذمة الغير وليس هو بيد المالك - وهو الدين فإنهم اختلفوا فيه أيضا، فقوم قالوا: لا زكاة فيه، وإن قبض حتى يستكمل شرط الزكاة عند القابض له وهو الحول، وهو أحد قولي الشافعي وبه قال الليث، أو هو قياس قوله، وقوم قالوا: إذا قبضه زكاه لما مضى من السنين، وقال مالك: يزكيه لحول واحد وإن أقام عند المديان سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض مثل الميراث
فأنه يستقبل به الحول. وفي المذهب تفصيل في ذلك (1).
(1) بداية المجتهد ونهاية المقتصد 1/ 247.
د - جاء في أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك والشرح الصغير له:
(ويزكي الدين) بعد قبضه - كما يأتي - (لسنة) فقط وإن أقام عند المدين أعواما، وتعتبر السنة (من يوم ملك أصله) بهبة ونحوها، أو قبضه إن كان عما لا زكاة فيه (أو) من يوم (زكاه) إن استمر عنده عاما. ومحل تزكيته لسنة فقط إذا لم يؤخره فرارا من الزكاة، وإلا زكاه لكل عام مضى عند ابن القاسم.
ولزكاته لسنة شروط أربعة:
أولها: أن يكون أصله عينا بيده فيسلفها، أو عروض تجارة يبيعها بثمن معلوم لأجل، وإليه أشار بقوله:(إن كان) الدين الذي هو على المدين (عينا) كائنة (من قرض أو) ثمن (عروض تجارة) لمحتكر، أي سببه أحد هذين الأمرين، لا إن كان الدين عرضا، فلا يزكي إلا على ما سيأتي في المدير.
الشرط الثاني: أن يقبض من المدين، وإليه أشار بقوله (وقبض) لا إن لم يقبض فلا يزكي، اللهم إلا أن يكون أصله ثمن عرض تجارة لمدير فلا يزكي بتمام شروطه الآتية في المدير.
الشرط الثالث: أن يقبض (عينا) ذهبا أو فضة لا إن قبضه
عرضا، فلا زكاة حتى يبيعه على ما سيأتي من احتكار أو إدارة، إذا كان القابض له رب الدين، بل (ولو) كان القابض له (موهوبا له) من رب الدين (أو أحال) ربه به من له عليه دين على المدين، فإن ربه المحيل يزكيه من غيره بمجرد قبول الحوالة، ولا يتوقف على قبضه من المحال عليه؛ ولذا عبرنا بالفعل المعطوف على كان المحذوفة بعد لو، والمعنى وقبضه عينا، ولو أحال به فإن الحوالة تعد قبضا، بخلاف ما ولو وهبه فلا بد من زكاته على ربه الواهب من قبض الموهوب له بالفعل، خلافا لما يوهمه قول الشيخ: ولو بهبة أو إحالة، فقولنا: ولو أحال، في قوة ولو إحالة أي ولو كان القبض إحالة فيزكيه المحيل. وأما المحال فيزكيه أيضا منه لكن بعد قبضه. وأما المحال عليه فيزكيه أيضا من غيره بشرط أن يكون عنده ولو من العروض ما يفي بدينه.
الشرط الرابع: أن يقبض نصابا كاملا ولو في مرات، كأن يقبض منه عشرة ثم عشرة فيزكيه عند قبض ما به التمام، أو يقبض بعض نصاب وعنده ما يكمل النصاب، وإليه أشار بقوله (وكمل) المقبوض (نصابا) بنفسه ولو على مرات بل (وإن) كمل (بفائدة) عنده (ثم حولها) كما لو قبض عشرة وعنده عشرة حال عليها الحول، فيزكي العشرين (أو كمل) المقبوض نصابا (بمعدن)؛ لأن المعدن لا يشترط فيه الحول على ما سيأتي:
(و) ولو اقتضى من دينه دون نصاب، ثم اقتضى ما يتم به النصاب في مرة أو مرات كان (حول المتم) بفتح التاء اسم