الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لم يكن على علم بذلك العيب فلا رد للمشتري " (1). .
كما رجحه فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله - حيث استطرد وقال حينما سئل عن ذكر بعض بائعي السيارات في الحراج لجميع العيوب الحقيقية وغيرها: " ولا يجوز للإنسان أيضا أن يقول للمشتري: أبرئني من العيوب التي تجدها فيها، وهو يعلم أن فيها عيبا معينا لم يذكره، أما إذا كان لا يدري عنها مثل أن يكون قد اشتراها وباعها قبل أن يعلم ما فيها من العيوب فلا حرج عليه حينئذ أن يقول: أبرئني من كل عيب تجده فيها، فإذا أبرأه فلا بأس، ولا حق للمشتري حينئذ في الرجوع لو وجد عيبا ". .
(1) ينظر: الاختيارات ص 124
المسألة الثانية: ما تشمله البراءة من العيب عند القائلين بصحة الشرط:
ما تقدم في المسألة السابقة من خلاف إنما هو في العيوب الموجودة حين العقد، وأما الحادثة بعد العقد وقبل القبض فلا يخلو الأمر بالنسبة لها عند القائلين بصحة شروط البراءة - وهم الحنفية، والشافعية في قول لهم، والإمام أحمد في الرواية المخرجة عنه - وعند الأقوال الأخرى في الحالات التي قالوا فيها بصحة البراءة من العيب أربع حالات:
الحالة الأولى: أن تكون البراءة من العيب مقيدة بالعيب القائم حال العقد.
وفي هذه الحالة اتفقوا على عدم تناول البراءة للعيب الحادث بعد العقد وقبل القبض. حيث قال بذلك الحنفية (1).، وهو مقتضى قول الشافعية، والحنابلة حيث قالوا: بعدم البراءة من الحادث عند الإطلاق كما سيأتي، فمن باب أولى عند التقييد بما قبل القبض.
الدليل:
أن لفظ البراءة هنا مقيد بوصف، والمقيد بوصف لا يتناول غير الموصوف بتلك الصفة (2). .
الحالة الثانية: أن تضاف البراءة من العيب إلى العيب الحادث بعد البيع وقبل القبض، فيقول: على أني بريء من كل عيب يحدث بعد البيع.
وفي هذه الحالة اتفقوا على عدم صحة البراءة، حيث قال بذلك الحنفية (3).، والشافعية (4).، وهو مقتضى قول الحنابلة حيث قالوا بعدم البراءة من الحادث عند الإطلاق كما سيأتي، فمن باب
(1) ينظر: المبسوط 13/ 94، وبدائع الصنائع 5/ 277
(2)
ينظر: بدائع الصنائع 5/ 277
(3)
ينظر: المبسوط 13/ 94، وبدائع الصنائع 5/ 277
(4)
ينظر: تكملة المجموع للسبكي 12/ 372، وروضة الطالبين 3/ 471، ومغني المحتاج 2/ 53
أولى عند الإضافة إلى الحادث بعد العقد.
الدليل:
أن الإبراء من العيب في هذه الحالة إسقاط لشيء قبل ثبوته، فلم يسقط، كما لو أبرأه من ثمن ما يبيعه له (1). .
الحالة الثالثة: أن تضاف البراءة من العيب إلى العيب القائم حال العقد والحادث بعده وقبل القبض، فيقول: على أني بريء من كل عيب قائم، وما يحدث بعد البيع.
واختلفوا في هذه الحالة على قولين:
القول الأول: لا تصح البراءة في هذه الحالة، وهذا هو الظاهر من قول الحنفية باستثناء أبي يوسف. أخذا من قولهم وتعليلهم في الحالة السابقة وحالة الإطلاق الآتية. وهو الوجه الصحيح عند الشافعية (2). . وهو مقتضى قول الحنابلة حيث قالوا بعدم البراءة من الحادث كما سيأتي، فمن باب أولى عند الإضافة إلى الحادث بعد العقد.
(1) ينظر: مغني المحتاج 2/ 53
(2)
ينظر: تكملة المجموع للسبكي 12/ 372، وروضة الطالبين 3/ 471، ومغني المحتاج 2/ 53
القول الثاني: تصح البراءة في هذه الحالة. وهو الظاهر من قول أبي يوسف من الحنفية حيث قال بصحة البراءة عند الإطلاق كما سيأتي، فمن باب أولى عند التصريح. وهو وجه عند الشافعية (1). .
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول: استدلوا بالدليل المتقدم في الحالة السابقة من أن البراءة إسقاط لشيء قبل ثبوته، فلم يسقط، كما لو أبرأه عن ثمن ما يبيعه له (2). .
مناقشة هذا الدليل:
يمكن مناقشته بأن هذه الحالة تختلف عن التي قبلها، فهذه الحالة شملت البراءة فيها ما قبل العقد وما بعده، فيدخل ما بعده تبعا، والقاعدة أنه يصح تبعا ما لا يصح استقلالا.
دليل أصحاب القول الثاني:
أن العيوب الحادثة قبل القبض تدخل في البراءة عند الإطلاق لما سيأتي من الأدلة في الحالة الآتية مع عدم التصريح بالبراءة منها، فمن باب أولى عند التصريح.
الترجيح:
الظاهر من الخلاف في هذه الحالة أن الراجح هو القول
(1) المراجع السابقة
(2)
ينظر: مغني المحتاج 2/ 53
الثاني، لقوة أدلته كما سيأتي في الحالة الرابعة، والله أعلم.
الحالة الرابعة: أن تكون البراءة من العيب مطلقة، فيقول:
على أني بريء من كل عيب.
واختلفوا في دخول الحادث في هذه الحالة على قولين:
القول الأول: لا يدخل في شرط البراءة العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض. وبهذا قال محمد بن الحسن.، وزفر. من الحنفية. . وبه قال الشافعية (1).، والحنابلة (2). .
القول الثاني: يدخل في شرط البراءة العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض. وبه قال الإمام أبو حنيفة، وأبو يوسف من أصحابه.
(1) ينظر: روضة الطالبين 3/ 471، وتكملة المجموع للسبكي 12/ 371، ومغني المحتاج 2/ 53
(2)
ينظر: كشاف القناع 3/ 196
الأدلة:
دليل أصحاب القول الأول:
أن الإبراء عن العيب يقتضي وجود العيب، لأن الإبراء عن المعدوم لا يتصور، والحادث لم يكن موجودا عند البيع، فلا يدخل تحت الإبراء، فلو دخل إنما يدخل بالإضافة إلى حالة الحدوث، والإبراء لا يحتمل الإضافة، لأن فيه معنى التمليك حتى يرتد بالرد، ولهذا لم يدخل الحادث عند الإضافة إليه نصا، فعند الإطلاق أولى (1). .
مناقشة هذا الدليل:
ناقش صاحب بدائع الصنائع قوله: " إن هذا إبراء عما ليس بثابت " أي معدوم، من وجهين:
الوجه الأول: أن يقال: هذا ممنوع، بل هو إبراء عن الثابت لكن تقديرا، وبيانه من وجهين:
الأول: أن العيب الحادث قبل القبض: كالموجود عند العقد، ولهذا يثبت حق الرد به كما يثبت بالموجود عند العقد، ولما ذكرنا أن القبض حكم العقد، فكان هذا إبراء ثابت تقديرا.
والثاني: أن سبب حق الرد موجود، وهو البيع، لأن البيع يقتضي تسليم المعقود عليه سليما عن العيب، فإذا عجز عن تسليمه
(1) ينظر: بدائع الصنائع 5/ 277، وفتح القدير، 5/ 182، وحاشية رد المختار 4/ 100
بصفة السلامة يثبت له حق الرد بهذه الوسائط حكم البيع السابق، والبيع سبب فكان هذا إبراء عن حق الرد بعد وجود سببه، وسبب الشيء إذا وجد يجعله ثبوتا تقديرا، لاستحالة خلو الحكم عن السبب، فكان إبراء عن الثابت تقديرا، ولهذا صح الإبراء عن الجراحة، لكون الجرح سبب السراية، فكان إبراء عما يحدث من الجرح تقديرا، وكذا الإبراء عن الأجرة قبل استيفاء المنفعة يصح وإن كانت الأجرة لا تملك عندنا بنفس العقد لما قلنا، كذا هذا.
والوجه الثاني: أن هذا إبراء عن حق ليس بثابت لكن بعد وجود سببه، وهو البيع، وأنه صحيح كالإبراء عن الجراح، والإبراء عن الأجرة على ما بينا بخلاف الإبراء عن كل حق له أنه لا يتناول الحادث، لأن الحادث معدوم للحال بنفسه وبسببه، فلو انصرف إليه الإبراء لكان ذلك إبراء عما ليس بثابت أصلا، لا حقيقة، ولا تقديرا، لانعدام سبب الحق، فلم ينصرف إليه.
وقوله: " لو تناول الحادث لكان هذا تعليق البراءة بشرط أو الإضافة إلى وقت " ممنوع، بل هذا إبراء عن حق ثابت وقت الإبراء تقديرا، لما بينا من الوجهين، فلم يكن هذا تعليقا ولا إضافة، فيصح (1). .
أدلة صاحبي القول الثاني:
1 -
أن لفظ الإبراء يتناول الحادث نصا ودلالة، أما النص فإنه عم البراءة عن العيوب كلها، أو خصها بجنس من العيوب
(1) ينظر ذلك كله في: بدائع الصنائع 5/ 277
على الإطلاق نصا، فتخصيصه أو تقييده بالموجود عند العقد لا يجوز إلا بدليل. وأما الدلالة فهي أن غرض البائع من هذا الشرط هو انسداد طريق الرد، ولا ينسد إلا بدخول الحادث، فكان داخلا فيه دلالة (1). .
2 -
أن العيب الحادث قبل القبض لما جعل كالموجود عند العقد في ثبوت حق الرد فكذلك يجعل كالموجود عند العقد في دخوله في شرط البراءة من كل عيب، وهذا لأن مقصود البائع إثبات صفة اللزوم للعقد، والامتناع من التزام ما لا يقدر على تسليمه، وفي هذا لا فرق بين العيب الموجود والحادث قبل القبض.
3 -
ظاهر اللفظ عند إطلاق شرط البراءة يتناول العيوب الموجودة، ثم يدخل فيه ما يحدث قبل القبض، لأن ذلك يرجع إلى تقدير مقصودها، وقد يدخل في التصرف تبعا ما لا يجوز أن يكون مقصودا بذلك التصرف: كالشرب في بيع الأرض، والمنقولات في وقف القرب (2). .
الترجيح:
الظاهر من الخلاف في هذه الحالة أن الراجح هو القول الثاني القائل بدخول العيب الحادث بعد العقد وقبل القبض في شرط البراءة من العيب عند الإطلاق، لقوة أدلته، ولأن المبيع في
(1) ينظر في: بدائع الصنائع 5/ 277
(2)
ينظر في: المبسوط 13/ 94