المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ النقل عن الحنفية: - مجلة البحوث الإسلامية - جـ ٥٢

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات

- ‌أولا: حق ولي الأمر في تولي جباية الزكاة من الأموال الباطنة:

- ‌ النقول من كتب الحنفية:

- ‌ النقول من كتب المالكية:

- ‌ النقول من كتب الشافعية:

- ‌ النقول من كتب الحنابلة:

- ‌ثانيا: النظر في زكاة عروض التجارة:

- ‌ النقل عن الحنفية:

- ‌ النقل عن المالكية:

- ‌ النقل عن الشافعية:

- ‌ النقل عن الحنابلة:

- ‌ثالثا: الديون التي للإنسان على غيره هل تجب فيها الزكاة

- ‌ النقل عن الحنفية:

- ‌ النقل عن المالكية:

- ‌ النقل عن الشافعية:

- ‌الفتاوى

- ‌ التقيد بالمذاهب الأربعة واتباع أقوالهم على كل الأحوال والزمان

- ‌ الجمع بين طريقة الأئمة الأربعة في الدين الإسلامي

- ‌ يقلد مذهب الإمام مالك ويحث الناس على تقليده

- ‌ يتمسك بأحد المذاهب ولا يرضى سواه

- ‌ فتاوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز

- ‌الاستماع إلى برنامجنور على الدرب في المسجد

- ‌الهم بالسيئة

- ‌وجوب إعفاء اللحيةوتحريم حلقها أو قصها

- ‌تربية اللحى وما يوافق الشرع الإسلامي منها

- ‌أخذ الأجرة على حلق اللحى

- ‌ حلق اللحى كاملةأو ناقصة والصباغ بالأسود

- ‌ حلق اللحية لمن يخشى الفتنة

- ‌ حلق اللحية مضطرا لمن يعمل في الجيش

- ‌ طاعة الوالد في حلق اللحية

- ‌حكم الغيبة إذا كان في الإنسان ما يقول

- ‌مجالس الغيبة والنميمة

- ‌تلبس الجني بالإنسي

- ‌علاج الوساوس التي تنتاب بعض الأشخاص

- ‌ التساهل في الوقايةبهدف الموت في بلاد الحرمين

- ‌الدلائل البيناتفيما لم يثبت فيه نهي من الأوقات

- ‌المقدمة:

- ‌المبحث الأول: ما بين غروب الشمس وصلاة المغرب:

- ‌المبحث الثاني: ما قبل صلاة العيد وما بعدها:

- ‌المبحث الثالث: ما بعد صلاة الجمعة:

- ‌الخاتمة:

- ‌أحاديث ربا الفضل وأثرها في العلة والحكمة في تحريم الربا

- ‌خلاصة البحث:

- ‌ أحاديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه:

- ‌ حديث الأعيان الستة:

- ‌ أحاديث الصرف:

- ‌ أحاديث بيع التمر الرديء بالجيد:

- ‌ أحاديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه:

- ‌ حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه:

- ‌ أحاديث أبي هريرة رضي الله عنه:

- ‌ حديث أبي بكرة نفيع بن الحارث الثقفي رضي الله عنه

- ‌ أحاديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

- ‌ حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

- ‌ حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه:

- ‌ حديث معمر بن عبد الله رضي الله عنه:

- ‌ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما:

- ‌ اقتضاء الذهب من الورق:

- ‌ الإحسان في أداء القرض:

- ‌ منع ربا الفضل في الصرف، ولا عبرة لصياغة الحلي من النقدين:

- ‌ حديث البراء بن عازب وزيد بن أرقم:

- ‌ فضالة بن عبيد رضي الله عنه:

- ‌ سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:

- ‌ جابر بن عبد الله رضي الله عنه:

- ‌ رويفع بن ثابت رضي الله عنه:

- ‌ أنس بن مالك رضي الله عنه:

- ‌ أبو بكر الصديق رضي الله عنه:

- ‌ رافع بن خديج رضي الله عنه:

- ‌المزابنة ومسألة العرايا:

- ‌الربا في الحيوان:

- ‌النتائج المستفادة من سرد الأحاديث:

- ‌ربا النساء أو ربا اليد:

- ‌التمهيد: في تعريف البراءة، والعيب

- ‌المسألة الأولى: حكم اشتراط البراءة من العيب:

- ‌المسألة الثانية: ما تشمله البراءة من العيب عند القائلين بصحة الشرط:

- ‌المسألة الثالثة: حكم البيع إذا شرط البراءة عند القائلين بعدم صحة الشرط:

- ‌المسألة الرابعة:شرط المبيع على صفة تالف، وتعداد جميع أو أغلب العيوب الممكنة في المبيع، هل هو شرط للبراءة من العيب

- ‌المسألة الخامسة: كتابة عبارة " البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل " على الفاتورة، هل هي شرط للبراءة من العيب

- ‌العلامة مرعي بن يوسف الحنبلي آثاره العلمية

- ‌ اسمه ونسبه ولقبه وكنيته:

- ‌ ولادته:

- ‌ نشأته وطلبه للعلم وثقافته:

- ‌ أدبه وشعره:

- ‌ شيوخه:

- ‌ ثناء العلماء عليه:

- ‌ عقيدته ومذهبه:

- ‌ تلاميذه:

- ‌ مؤلفاته:

- ‌ وفاته:

- ‌حكم الذبح لغير الله

الفصل: ‌ النقل عن الحنفية:

الدفع إلى كل جائر (1)؛ لأنهم بما عليهم من التبعات فقراء (2).

وقد بسط القرضاوي الكلام على هذه المسألة في كتابه فقه الزكاة، فمن أراد المزيد من الكلام فعليه الرجوع إلى الكتاب المذكور.

(1) كلمة (جائر) لا توجد في مخطوط الأزهر ولا مخطوط الدار.

(2)

الفروع 2/ 556.

ص: 51

‌ثانيا: النظر في زكاة عروض التجارة:

جمهور أهل العلم يرى أنها واجبة؛ لثبوت الأدلة. والذين قالوا بوجوبها، منهم من أوجبها في كل حول، ومنهم من فرق بين المال الذي يدار والذي لا يدار، فأوجبها في كل حول في الأول، وأوجبها في حول واحد بعد البيع، وفيما يلي ما تيسر من نصوص فقهاء الإسلام وأدلتهم وما تيسر من مناقشة بعضهم لبعض. ومن أهل العلم من لا يرى وجوب الزكاة فيها أصلا لعدم الدليل.

ص: 51

1 -

‌ النقل عن الحنفية:

أ - قال الكاساني: وأما أموال التجارة فتقدير النصاب فيها بقيمتها من الدنانير والدراهم، فلا شيء فيها ما لم تبلغ قيمتها مائتي درهم، أو عشرين مثقالا من ذهب، فتجب فيها الزكاة، وهذا قول عامة العلماء. وقال أصحاب الظواهر: لا زكاة فيها أصلا. وقال مالك: إذا نضت زكاها لحول واحد. وجه قول

ص: 51

أصحاب الظواهر أن وجوب الزكاة إنما عرف بالنص، والنص ورد بوجوبها في الدراهم، والدنانير، والسوائم، فلو وجبت بالقياس عليها، والقياس ليس بحجة خصوصا في باب المقادير. (ولنا) ما روي عن سمرة بن جندب أنه قال:«كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا بإخراج الزكاة من الرقيق الذي كنا نعده للبيع» ، وروي عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«في البر صدقة» ، وقال صلى الله عليه وسلم:«هاتوا ربع عشر أموالكم (1)» . فإن قيل: الحديث ورد في نصاب الدراهم لأنه قال في آخره: من كل أربعين درهما درهم.

فالجواب: أن أول الحديث عام وخصوص آخره لا يوجب سلب عموم أوله، أو نحمل قوله:«من كل أربعين درهم (2)» على القيمة، أي من كل أربعين درهما من قيمتها درهم. وقال صلى الله عليه وسلم:«وأدوا زكاة أموالكم (3)» . من غير فصل بين مال ومال، إلا ما خص بدليل، ولأن مال التجارة مال نام فاضل عن الحاجة الأصلية، فيكون مال الزكاة كالسوائم، وقد خرج الجواب عن قولهم: إن وجوب الزكاة عرف بالنص؛ لأنا قد روينا بالنص في الباب على أن أصل الوجوب عرف بالعقل، وهو شكر لنعمة الله، وشكر نعمة القدرة في إعانة العاجز، إلا أن مقدار الواجب عرف بالسنة، وما ذكره مالك غير سديد؛ لأنه وجد سبب وجوب الزكاة وشرطه في كل حول، فلا معنى لتخصيص الحول الأول بالوجوب فيه، كالسوائم والدراهم والدنانير، وسواء كان مال التجارة عروضا، أو عقارا، أو شيئا مما يكال أو يوزن؛ لأن الوجوب في أموال التجار تعلق بالمعنى، وهو المالية والقيمة، وهذه الأموال كلها في هذا المعنى

(1) سنن الترمذي الزكاة (620)، سنن النسائي الزكاة (2477)، سنن أبو داود الزكاة (1572)، سنن ابن ماجه الزكاة (1790)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 132)، سنن الدارمي الزكاة (1629).

(2)

سنن الترمذي الزكاة (620)، سنن ابن ماجه الزكاة (1790)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 92)، سنن الدارمي الزكاة (1629).

(3)

سنن الترمذي الجمعة (616)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 251).

ص: 52

جنس واحد، وكذا يضم بعضها أموال التجارة إلى البعض، في تكميل النصاب؛ لما قلنا. وإذا كان تقدير النصاب من أموال التجارة بقيمتها من الذهب والفضة، وهو أن تبلغ قيمتها مقدار نصاب من الذهب والفضة، فلا بد من التقويم حتى يعرف مقدار النصاب، ثم بماذا تقوم؟ ذكر القدوري في شرحه مختصر الكرخي: أن يقوم بأوفى القيمتين من الدراهم والدنانير، حتى أنها إذا بلغت بالتقويم بالدراهم نصابا، ولم تبلغ بالدنانير قومت بما تبلغ به النصاب. وكذا روي عن أبي حنيفة في الأمالي أنه يقومها بأنفع النقدين للفقراء. وعن أبي يوسف أنه يقومها بما اشتراها به، فإن اشتراها بالدراهم قومها بالدراهم، وإن اشتراها بالدنانير قومها بالدنانير، وإن اشتراها بغيرهما من العروض أو لم يكن اشتراها بأن كان وهب له فقبله ينوي به التجارة قومها بالنقد الغالب في ذلك الموضع، وعند محمد يقومها بالنقد الغالب على كل حال. وذكر في كتاب الزكاة أنه يقومها يوم حال الحول إن شاء بالدراهم، وإن شاء بالدنانير. وجه قول محمد أن التقويم في حق الله تعالى يعتبر بالتقويم في حق العباد، ثم إذا وقعت الحاجة إلى تقويم شيء من حقوق العباد، كالمغصوب، والمستهلك، يقوم بالنقد الغالب في البلدة، كذا هذا. وجه قول أبي يوسف أن المشترى بدل، وحكم البدل يعتبر بأصله، فإذا كان مشترى بأحد النقدين، فتقويمه بما هو أصله أولى. وجه رواية كتاب الزكاة أن وجوب الزكاة في عروض التجارة باعتبار ماليتها دون أعيانها، والتقويم لمعرفة مقدار المالية، والنقدان في ذلك سيان فكان

ص: 53

الخيار إلى صاحب المال يقومه بأيهما شاء. ألا ترى أن في السوائم عند الكثرة وهي ما إذا بلغت مائتين، الخيار إلى صاحب المال، إن شاء أدى أربع حقاق، وإن شاء خمس بنات لبون، فكذا هذا. وجه قول أبي حنيفة أن الدراهم والدنانير وإن كانا في الثمنية والتقويم بهما سواء لكنا رجحنا أحدهما بمرجح، وهو النظر للفقراء، والأخذ بالاحتياط أولى. ألا ترى أنه لو كان بالتقويم بأحدهما يتم النصاب والآخر لا، فإنه يقوم بما يتم به النصاب؛ نظرا للفقراء واحتياطا، كذا هذا. ومشايخنا حلوا رواية كتاب الزكاة على ما إذا كان لا يتفاوت النفع في حق الفقراء بالتقويم بأيهما كان، جمعا بين الروايتين، وكيفما كان ينبغي أن يقوم بأدنى ما ينطلق عليه اسم الدراهم أو الدنانير، وهي التي يكون الغالب فيها الذهب والفضة. وعلى هذا إذا كان مع عروض التجارة ذهب وفضة، فإنه يضمهما إلى العروض، ويقومه جملة؛ لأن معنى التجارة يشمل الكل. لكن عند أبي حنيفة يضم باعتبار القيمة، إن شاء قوم العروض وضمها إلى الذهب والفضة، وإن شاء قوم الذهب والفضة وضم قيمتهما إلى قيمة أعيان التجارة.

وعندهما يضم باعتبار الإجزاء فتقوم العروض، فيضم قيمتها إلى ما عنده من الذهب والفضة، فإن بلغت الجملة نصابا تجب الزكاة وإلا فلا، ولا يقوم الذهب والفضة عندهما أصلا في باب الزكاة على ما مر.

(فصل) وأما صفة هذا النصاب فهي أن يكون معدا للتجارة، وهو أن يمسكها للتجارة، وذلك بنية التجارة مقارنة

ص: 54

لعمل التجارة؛ لما ذكرنا فيما تقدم، بخلاف الذهب والفضة فإنه لا يحتاج فيهما إلى نية التجارة؛ لأنها معدة للتجارة بأصل الخلقة، فلا حاجة إلى إعداد العبد، ويوجد الإعداد منه دلالة على ما مر (1).

(1) بدائع الصنائع 2/ 20، 21.

ص: 55

ب - قال الكاساني في الكلام على الشرائط التي ترجع إلى المال:

ومنها: كون المال ناميا؛ لأن معنى الزكاة وهو النماء لا يحصل إلا من المال النامي، ولسنا نعني به حقيقة النماء لأن ذلك غير معتبر، وإنما نعني به كون المال معدا للاستنماء بالتجارة أو بالإسامة؛ لأن الإسامة سبب لحصول الدر والنسل والسمن، والتجارة سبب لحصول الربح، فيقام السبب مقام المسبب، وتعلق الحكم به، كالسفر مع المشقة، والنكاح مع الوطء، والنوم مع الحدث، ونحو ذلك. وإن شئت قلت: ومنها: كون المال فاضلا عن الحاجة الأصلية؛ لأن به يتحقق الغنا ومعنى النعمة وهو التنعم، وبه يحصل الأداء عن طيب النفس، إذ المال المحتاج إليه حاجة أصلية لا يكون صاحبه غنيا عنه، ولا يكون نعمة، إذ التنعم لا يحصل بالقدر المحتاج إليه حاجة أصلية؛ لأنه من ضرورات حاجة البقاء وقوام البدن، فكان شكره شكر نعمة البدن، ولا يحصل الأداء عن طيب نفس، فلا يقع الأداء بالجهة المأمور بها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم (1)» .

(1) سنن الترمذي الجمعة (616)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 251).

ص: 55

فلا تقع زكاة، إذ حقيقة الحاجة أمر باطن لا يوقف عليه، فلا يعرف الفضل عن الحاجة؛ فيقام دليل الفضل عن الحاجة مقامه، وهو الإعداد للإسامة والتجارة، وهذا قول عامة العلماء. وقال مالك: هذا ليس بشرط لوجوب الزكاة، وتجب الزكاة في كل مال، سواء كان ناميا فاضلا عن الحاجة الأصلية أو لا، كثياب البذلة والمهنة والعلوفة والحمولة والعمولة من المواشي وعبيد الخدمة والمسكن والمراكب وكسوة الأهل وطعامهم، وما يتجمل به من آنية أو لؤلؤ أو فرش ومتاع لم ينو به التجارة ونحو ذلك، واحتج بعمومات الزكاة من غير فصل بين مال ومال، نحو قوله تعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (1)، وقوله عز وجل:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} (2){لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} (3)، وقوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} (4)، وغير ذلك، ولأنها وجبت شكرا لنعمة المال، ومعنى النعمة في هذه الأموال أتم وأقرب؛ لأنها متعلق البقاء فكانت أدعى إلى الشكر. ولنا: أن معنى النماء والفضل عن الحاجة الأصلية لا بد منه لوجوب الزكاة؛ لما ذكرنا من الدلائل، ولا يتحقق ذلك في هذه الأموال، وبه تبين أن المراد من العمومات الأموال النامية الفاضلة عن الحوائج الأصلية. وقد خرج الجواب عن قوله: إنها نعمة؛ لما ذكرنا أن معنى النعمة فيها يرجع إلى البدن؛ لأنها تدفع الحاجة الضرورية وهي حاجة دفع الهلاك عن البدن؛ فكانت

(1) سورة التوبة الآية 103

(2)

سورة المعارج الآية 24

(3)

سورة المعارج الآية 25

(4)

سورة البقرة الآية 43

ص: 56

تابعة لنعمة البدن، فكان شكرها شكر نعمة البدن، وهي العبادات البدنية، من الصلاة والصوم وغير ذلك، وقوله تعالى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} (1) دليلنا؛ لأن الزكاة عبارة عن النماء، وذلك من المال النامي على التفسير الذي ذكرناه، وهو أن يكون معدا للاستنماء، وذلك بالإعداد للإسامة في المواشي والتجارة في أموال التجارة، إلا أن الإعداد للتجارة في الأثمان المطلقة من الذهب والفضة ثابت بأصل الخلقة؛ لأنها لا تصلح للانتفاع بأعيانها في دفع الحوائج الأصلية، فلا حاجة إلى الإعداد من العبد للتجارة بالنية؛ إذ النية للتعيين وهي متعينة للتجارة بأصل الخلقة، فلا حاجة إلى التعيين بالنية، فتجب الزكاة فيها، نوى التجارة، أو لم ينو أصلا، أو نوى النفقة. وأما فيما سوى الأثمان من العروض فإنما يكون الإعداد فيها للتجارة بالنية؛ لأنها كما تصلح للتجارة تصلح للانتفاع بأعيانها، بل المقصود الأصلي منها ذلك، فلا بد من التعيين للتجارة وذلك بالنية، وكذا في المواشي لا بد فيها من نية الإسامة؛ لأنها كما تصلح للدر والنسل تصلح للحمل والركوب واللحم فلا بد من النية، ثم نية التجارة الإسامة لا تعتبر ما لم تتصل بفعل التجارة والإسامة؛ لأن مجرد النية لا عبرة به في الأحكام لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله عفا عن أمتي ما تحدثت به أنفسهم ما لم يتكلموا به أو يفعلوا (2)» . ثم نية التجارة قد تكون صريحا وقد تكون دلالة. أما الصريح فهو أن ينوي عند عقد التجارة أن يكون المملوك به للتجارة، بأن اشترى سلعة ونوى أن تكون للتجارة عند الشراء فتصير للتجارة، سواء كان الثمن الذي

(1) سورة البقرة الآية 43

(2)

صحيح البخاري الطلاق (5269)، صحيح مسلم الإيمان (127)، سنن الترمذي الطلاق (1183)، سنن النسائي الطلاق (3433)، سنن أبو داود الطلاق (2209)، سنن ابن ماجه الطلاق (2044)، مسند أحمد بن حنبل (2/ 491).

ص: 57

اشتراها به من الأثمان المطلقة، أو من عروض التجارة، أو مال البذلة والمهنة، أو أجر داره بعرض بنية التجارة فيصير ذلك مال التجارة؛ لوجود صريح نية التجارة مقارنا لعقد التجارة. أما الشراء فلا شك أنه تجارة وكذلك الإجارة؛ لأنها معاوضة المال بالمال وهو نفس التجارة؛ ولهذا ملك المأذون بالتجارة الإجارة، والنية المقارنة للفعل معتبرة. ولو اشترى عينا من الأعيان ونوى أن تكون للبذلة والمهنة دون التجارة لا تكون للتجارة، سواء كان الثمن من مال التجارة أو من غير مال التجارة؛ لأن الشراء بمال التجارة إن كان دلالة التجارة فقد وجد صريح نية الابتذال، ولا تعتبر الدلالة مع الصريح بخلافها. ولو ملك عروضا بغير عقد أصلا، بأن ورثها ونوى التجارة لم تكن للتجارة؛ لأن النية تجردت عن العمل أصلا فضلا عن عمل التجارة؛ لأن الموروث يدخل في ملكه من غير صنعه. ولو ملكها بعقد ليس مبادلة أصلا، كالهبة والوصية والصدقة، أو بعقد هو مبادلة مال بغير مال، كالمهر وبدل الخلع والصلح عن دم العبد وبدل العتق، ونوى التجارة، يكون للتجارة عند أبي يوسف، وعند محمد لا يكون للتجارة، كذا ذكر الكرخي، وذكر القاضي الشهيد الاختلاف على القلب، فقال في قول أبي حنيفة وأبي يوسف: لا يكون للتجارة، وفي قول محمد: يكون للتجارة. وجه قول من قال: إنه لا يكون للتجارة، أن النية لم تقارن عملا هو تجارة، وهي مبادلة المال بالمال، فكان الحاصل مجرد النية؛ فلا تعتبر. ووجه القول الآخر أن التجارة عقد اكتساب المال، وما لا يدخل

ص: 58

في ملكه إلا بقبوله فهو حاصل بكسبه، فكانت نيته مقارنة لفعله؛ فأشبه قرانها بالشراء والإجارة. والقول الأول أصح؛ لأن التجارة كسب المال ببذل ما هو مال، والقبول اكتساب المال بغير بدل أصلا، فلم تكن من باب التجارة، فلم تكن النية مقارنة عمل التجارة. ولو استقرض عروضا ونوى أن تكون للتجارة اختلف المشايخ فيه، قال بعضهم: يصير للتجارة؛ لأن القرض ينقلب معاوضة المال بالمال في العاقبة، وإليه أشار في الجامع أن من كان له مائتا درهم لا مال له غيرها، فاستقرض قبل حولان الحول بيوم من رجل خمسة أقفزة لغير التجارة، ولم تستهلك الأقفزة حتى حال الحول، لا زكاة عليه في المائتين، ويصرف الدين إلى مال الزكاة دون الجنس الذي ليس بمال الزكاة. فقوله:" استقرض لغير التجارة " دليل أنه لو استقرض للتجارة يصير للتجارة. وقال بعضهم: لا يصير للتجارة وإن نوى؛ لأن القرض إعارة، وهو تبرع لا تجارة، فلم توجد نية التجارة مقارنة للتجارة؛ فلا تعتبر. ولو اشترى عروضا للبذلة والمهنة، ثم نوى أن تكون للتجارة بعد ذلك، لا تصير للتجارة ما لم يبعها، فيكون بدلها للتجارة. فرق بين هذا وبين ما إذا كان له مال التجارة، فنوى أن يكون للبذلة، حيث يخرج من أن يكون للتجارة وإن لم يستعمله؛ لأن النية لا تعتبر ما لم تتصل بالفعل، وهو ليس بفاعل فعل التجارة، فقد عزبت النية عن فعل التجارة، فلا تعتبر للحال، بخلاف ما إذا نوى الابتذال؛ لأنه نوى ترك التجارة، وهو تارك لها في الحال، فاقترنت النية بعمل هو ترك التجارة؛ فاعتبرت.

ص: 59

ونظير الفصلين: السفر مع الإقامة، وهو أن المقيم إذا نوى السفر لا يصير مسافرا ما لم يخرج عن عمران المصر، والمسافر إذا نوى الإقامة في مكان صالح للإقامة يصير مقيما للحال. ونظيرهما من غير هذا الجنس: الكافر إذا نوى أن يسلم بعد شهر لا يصير مسلما للحال، والمسلم إذا قصد أن يكفر بعد سنين - والعياذ بالله - فهو كافر للحال. ولو أنه اشترى بهذه العروض التي اشتراها للابتذال بعد ذلك عروضا أخر تصير بدلها للتجارة بتلك النية السابقة، وكذلك في الفصول التي ذكرنا أنه نوى للتجارة في الوصية والقرض ومبادلة مال بما ليس بمال إذا اشترى بتلك العروض عروضا أخر صارت للتجارة؛ لأن النية قد وجدت حقيقة إلا أنها لم تعمل للحال؛ لأنها لم تصادف عمل التجارة، فإذا وجدت التجارة بعد ذلك عملت النية السابقة عملها؛ فيصير المال للتجارة؛ لوجود نية التجارة مع التجارة؛ وأما الدلالة فهي أن يشتري عينا من الأعيان بعرض التجارة، أو يؤاجر داره التي للتجارة بعرض من العروض، فيصير للتجارة وإن لم ينو التجارة صريحا؛ لأنه لما اشترى بمال التجارة فالظاهر أنه نوى به التجارة. وأما الشراء بغير مال التجارة فلا يشكل. وأما إجارة الدار فلأن بدل منافع عين معدة للتجارة كبدل عين معدة للتجارة في أنه للتجارة، كذا ذكر في كتاب الزكاة من الأصل، وذكر في الجامع ما يدل على أنه لا يكون للتجارة إلا بالنية صريحا فإنه قال: وإن كانت الأجرة جارية تساوي ألف درهم، وكانت عند المستأجر للتجارة، فأجر المؤجر داره بها، وهو يريد التجارة

ص: 60

شرط النية عند الإجارة لتصير الجارية للتجارة، ولم يذكر أن الدار للتجارة أو لغير التجارة، فهذا يدل على أن النية شرط ليصير بدل منافع الدار المستأجرة للتجارة. وإن كانت الدار معدة للتجارة فكان في المسألة روايتان، ومشايخ بلخ كانوا يصححون رواية الجامع، ويقولون: إن العين وإن كانت للتجارة لكن قد يقصد ببدل منافعها المنفعة فيؤاجر الدابة لينفق عليها والدار للعمارة فلا تصير للتجارة مع التردد إلا بالنية. وأما إذا اشترى عروضا بالدراهم أو الدنانير أو بما يكال أو يوزن موصوفا في الذمة فإنها لا تكون للتجارة ما لم ينو التجارة عند الشراء، وإن كانت الدراهم والدنانير أثمانا، والموصوف في الذمة من المكيل والموزون أثمان عند الناس، ولأنها كما جعلت ثمنا لمال التجارة، جعلت ثمنا لشراء ما يحتاج إليه للابتذال والقوت، فلا يتعين الشراء به للتجارة مع الاحتمال. وعلى هذا لو اشترى المضارب بمال المضاربة عبيدا ثم اشترى لهم كسوة وطعاما للنفقة كان الكل للتجارة وتجب الزكاة في الكل؛ لأن نفقة عبيد المضاربة من مال المضاربة، فطلق تصرفه ينصرف إلى ما يملك دون ما لا يملك حتى لا يصير خائنا وعاصيا عملا بدينه وعقله، وإن نص على النفقة. وبمثله المالك إذا اشترى عبيدا للتجارة، ثم اشترى لهم ثيابا للكسوة وطعاما للنفقة فإنه لا يكون للتجارة؛ لأن المالك كما يملك الشراء للتجارة يملك الشراء للنفقة والبذلة، وله أن ينفق من مال التجارة وغير مال التجارة، فلا يتعين للتجارة إلا بدليل زائد. وأما الأجراء الذين يعملون للناس

ص: 61

نحو الصباغين والقصارين والدباغين إذا اشتروا الصبغ والصابون والدهن ونحو ذلك مما يحتاج إليه في عملهم ونووا عند الشراء أن ذلك للاستعمال في عملهم، هل يصير ذلك مال التجارة؟ روى بشر بن الوليد عن أبي يوسف الصباغ إذا اشترى العصفر والزعفران ليصبغ ثياب الناس فعليه فيه الزكاة. والحاصل أن هذا على وجهين: إن كان شيئا يبقى أثره في المعمول فيه، كالصبغ والزعفران والشحم الذي يدبغ به الجلد، فإنه يكون مال التجارة؛ لأن الأجر يكون مقابلة ذلك الأثر، وذلك الأثر مال قائم، فإنه من أجزاء الصبغ والشحم، لكنه لطيف فيكون هذا تجارة. وإن كان شيئا لا يبقى أثره في المعمول فيه مثل الصابون والأشنان والقلي والكبريت فلا يكون مال التجارة؛ لأن عينها تتلف ولم ينتقل أثرها إلى الثوب المغسول حتى يكون له حصة من العوض، بل البياض أصلي للثوب يظهر عند زوال الدرن، فما يأخذ من العوض يكون بدل عمله لا بدل هذه الآلات فلم يكن مال التجارة. وأما آلات الصناع وظروف أمتعة التجارة لا تكون مال التجارة؛ لأنها لا تباع مع الأمتعة عادة. وقالوا في نخاس الدواب إذا اشترى المقاود والجلال والبراذع: إنه إن كان يباع مع الدواب عادة يكون للتجارة؛ لأنها معدة لها، وإن كان لا يباع ولكن تمسك وتحفظ بها الدواب فهي من آلات الصناع فلا يكون مال التجارة إذا لم ينو التجارة عند شرائها. وقال أصحابنا في عبد التجارة قتله عبد خطأ فدفع به: إن الثاني للتجارة؛ لأنه عوض مال التجارة، وكذا إذا فدى بالدية من العروض والحيوان. وأما إذا قتله عمدا فصالح

ص: 62