الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قالوا: فهذا يدل على استمرار العمل بصلاة هاتين الركعتين في عصر الصحابة والتابعين (1).
الترجيح: بالنظر في أدلة القولين السابقين تبين رجحان القول الأول، وهو القول بأن هذا الوقت ليس وقت نهي، وأنه يستحب صلاة ركعتين بعد غروب الشمس، وقبل صلاة المغرب لقوة أدلته ولضعف أدلة القول الثاني. والله أعلم.
(1) ينظر فتح الباري 2/ 108.
المبحث الثاني: ما قبل صلاة العيد وما بعدها:
اختلف أهل العلم في هذا الوقت على أقوال كثيرة، أهمها:
القول الأول: أنه تجوز صلاة النافلة قبل صلاة العيد إذا كان قد خرج وقت النهي في سائر الأيام، وذلك بطلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، وكذلك تجوز الصلاة بعد العيد.
وهذا قول الإمام الشافعي، وأصحابه، قالوا: هذا في حق المأموم، ويكون من باب النوافل المطلقة، لا على أن ذلك تنفل لصلاة العيد، لأنه ليس للعيد سنة قبله ولا بعده، أما الإمام فيكره له التنفل قبل صلاة العيد وبعدها في المصلى، لأنه لو صلى فيه لأوهم أنها سنة، وهي ليست كذلك (1).
وثبت عن أنس بن مالك رضي الله عنه وعن الحسن البصري
(1) المجموع، باب صلاة العيدين 5/ 12، حلية العلماء، باب صلاة العيدين 2/ 302.
وأخيه سعيد وأبي الشعثاء أنهم صلوا قبل صلاة العيد، وروي ذلك عن أبي هريرة، وأبي برزة، وابن عباس، وبريدة بن الحصيب، ورافع بن خديج، وبنيه رضي الله عنهم (1).
وثبت عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه صلى بعد صلاة العيد (2).
قال الإمام الشافعي رحمه الله: " ولا أرى بأسا أن يتنفل المأموم قبل صلاة العيد وبعدها، في بيته وفي المسجد وطريقه والمصلى وحيث أمكنه أن يتنفل، إذا حلت صلاة النافلة، بأن تبرز الشمس، وقد تنفل قوم قبل صلاة العيد وبعدها، وآخرون قبلها ولم يتنفلوا بعدها، وآخرون بعدها ولم يتنفلوا قبلها، وآخرون تركوا التنفل قبلها وبعدها، وهذا كما يكون في كل يوم يتنفلون ولا يتنفلون، ويتنفلون فيقلون ويكثرون، ويتنفلون قبل المكتوبات وبعدها، وقبلها ولا يتنفلون بعدها، ويدعون التنفل قبلها وبعدها، لأن كل هذا مباح، وكثرة الصلوات على كل حال أحب إلينا، وجميع النوافل في البيت أحب إلي منها ظاهرا إلا في يوم الجمعة "(3).
ورجح هذا القول شيخنا، سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز مفتي المملكة في بعض دروسه العلمية.
(1) سيأتي تخريج هذه الآثار ضمن أدلة هذا القول، وينظر الأوسط 4/ 267.
(2)
سيأتي تخريج هذا الأثر ضمن أدلة القول الثالث. وينظر الأوسط 4/ 267.
(3)
الأم، كتاب صلاة العيدين: الصلاة قبل العيد وبعده 1/ 234.
القول الثاني: أنه تكره الصلاة في المصلى قبل صلاة العيد وبعدها، ولا بأس بذلك في غير المصلى. هذا قول الإمام مالك، وهو قول أكثر الحنابلة، قال شمس الدين بن مفلح الحنبلي:" هذا المذهب "، وصرح بعض الحنابلة بتحريم الصلاة قبل العيد وبعده في المصلى (1)، واستثنى بعضهم تحية المسجد (2).
وقال إسحاق بن راهويه: " الفطر والأضحى ليس قبلهما صلاة، ويصلي بعدهما أربع ركعات يفصل بينهن، إذا رجع إلى بيته، ولا يصلي في الجبان أصلا "(3).
وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: روى ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها (4)» ورأيته (5)
(1) الإنصاف 2/ 431.
(2)
الفروع 2/ 143.
(3)
الأوسط، كتاب العيدين 4/ 270.
(4)
صحيح البخاري الجمعة (964)، صحيح مسلم صلاة العيدين (884).
(5)
هذا من قول عبد الله بن أحمد، أي أنه رأى أباه.
يصلي بعدها ركعات في البيت، وربما صلاها في الطريق، يدخل بعض المساجد (1).
القول الثالث: أن ما قبل صلاة العيد وقت نهي، أما ما بعدها فلا نهي فيه. وهذا مذهب الحنفية.
وثبت عن ابن مسعود وحذيفة رضي الله عنهما النهي عن الصلاة قبل العيد، وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه صلى ركعتين بعد صلاة العيد (2).
القول الرابع: ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها (3).
وكان عبد الله بن عمر وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهما لا يصليان قبل العيد ولا بعده، وروي ذلك عن جابر بن عبد الله وابن أبي أوفى رضي الله عنهم.
وثبت عن أبي مسعود البدري رضي الله عنه أنه قال في يوم عيد: " إنه لا صلاة في يومكم هذا حتى يخرج الإمام ".
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه
(1) المغني 3/ 282، 283.
(2)
سيأتي تخريج ما روي عنهما في ذلك قريبا.
(3)
الأوسط 4/ 265.
قال: " ليست قبله، ولا بعده صلاة "(1).
القول الخامس: أنه لا يصلى قبل صلاة العيد ولا بعدها حتى تزول الشمس. قال شمس الدين بن مفلح الحنبلي: " وفي النصيحة: لا ينبغي أن يصلي قبلها ولا بعدها حتى تزول الشمس، لا في بيته ولا في طريقه، اتباعا للسنة والجماعة من الصحابة، وهو قول أحمد. كذا قال "(2) اهـ.
ويمكن أن يستدل لهذا القول بما يلي:
الدليل الأول: ما روي عن الشعبي رحمه الله أنه سمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: " لا صلاة قبل الأضحى ولا بعدها، ولا قبل صلاة الفطر ولا بعدها حتى تزيغ الشمس ".
الدليل الثاني: ما رواه نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان لا يصلي قبل الصلاة ولا بعدها حتى تزول الشمس.
(1) الأوسط 4/ 265، وسيأتي تخريج هذه الآثار كلها قريبا إن شاء الله تعالى.
(2)
الفروع 2/ 143، وينظر الإنصاف 2/ 432.
الدليل الثالث: ما رواه عبد الملك بن كعب بن عجرة رحمه الله قال: شهدت مع كعب أحد العيدين، قال: فلما انصرف الناس ذهب أكثرهم إلى المسجد، ورأيته يعمد إلى البيت، قلت: يا أبت ألا تعمد إلى المسجد، فإني أرى الناس يعمدون إليه؟ قال: إن كثيرا مما ترى جفاء وقلة علم، إن هاتين الركعتين سبحة هذا اليوم حتى تكون الصلاة تدعوك.
ويمكن أن يجاب عن هذه الأدلة بأن الدليلين الأول والثالث إسناداهما ضعيفان، فلا يحتج بهما، أما الرواية عن ابن عمر رضي الله عنهما فليس فيها إلا مجرد تركه للصلاة في هذا الوقت، وهذا ليس فيه نهي.
وقد استدل أصحاب القول الرابع- وهم القائلون بأن ما قبل صلاة العيد وما بعدها وقت نهي- بأدلة أهمها:
الدليل الأول: ما رواه ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه خرج يوم الفطر، فصلى ركعتين، لم يصل قبلها ولا
بعدها (1)». متفق عليه.
الدليل الثاني: ما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: «بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصلاة قبل الخطبة في العيدين. . . قال: ولم يصل قبل الصلاة ولا بعدها (2)» .
الدليل الثالث: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه خرج فصلى بهم العيد، لم يصل قبلها ولا بعدها (3)» .
(1) صحيح البخاري مع الفتح، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد 2/ 453، حديث (964)، وصحيح مسلم مع شرحه للنووي، كتاب صلاة العيدين 6/ 180، 181.
(2)
رواه الإمام أحمد في مسنده 3/ 314 قال حدثنا أبو معاوية، ثنا عبد الملك، عن عطاء عن جابر. . . فذكره. وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا عبد الملك- وهو ابن أبي سليمان العرزمي- " فهو صدوق، له أوهام " كما في التقريب. وقال الشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 3/ 99، حديث (631):" صحيح على شرط مسلم ".
(3)
رواه الإمام أحمد في مسنده 10/ 165، حديث (6688)(تحقيق أحمد شاكر)، ومن طريقه ابنه عبد الله في مسائله ص 127، وابن ماجه 1/ 410، رقم (1292)، وابن الجارود في المنتقى 1/ 229، رقم (262) من طريق عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، قال سمعت عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. . . فذكره. وإسناده فيه ضعف يسير، من أجل الطائفي، قال في التقريب:" صدوق يخطئ ويهم "، فيتقوى بالأحاديث قبله. وقد صححه الإمام أحمد، وعلي بن المديني، والبخاري، ينظر التلخيص الحبير، كتاب صلاة العيدين 2/ 84، الحديث (691)، وينظر جنة المرتاب ص 301، 302.
الدليل الرابع: ما رواه أبو بكر بن حفص عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه خرج يوم عيد، فلم يصل قبلها ولا بعدها، فذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم فعله.
الدليل الخامس: ما رواه الوليد بن سريع، مولى عمرو بن حريث، قال: «خرجنا مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في يوم عيد فسأله قوم من أصحابه، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما تقول في الصلاة يوم العيد قبل الإمام وبعد؟ فلم يرد عليهم شيئا، ثم جاء قوم فسألوه كما سألوه الذين كانوا قبلهم، فما رد عليهم، فلما انتهينا إلى الصلاة فصلى بالناس فكبر سبعا وخمسا، ثم خطب الناس، ثم نزل فركب، فقالوا: يا أمير المؤمنين، هؤلاء قوم يصلون، قال: " فما عسيت أن أمنع، سألتموني عن السنة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل قبلها ولا بعدها، فمن شاء فعل
ومن شاء ترك، أترون أمنع قوما يصلون، فأكون بمنزلة من منع عبدا إن صلى (2)».
وجه الاستدلال بهذه الأحاديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الذي يجب على الناس التأسي به إلا فيما دل الدليل على أنه خاص به صلى الله عليه وسلم، فيجب الاقتداء به في ترك الصلاة في هذا الوقت.
وأيضا فإن في تركه صلى الله عليه وسلم للصلاة في هذا الوقت مع حرصه على الصلاة، وفي رواية جماعة من أصحابه لهذا الفعل عنه صلى الله عليه وسلم وعملهم به دلالة على أن هذا الوقت وقت نهي.
(1) رواه البزار كما في كشف الأستار، أبواب صلاة العيدين، باب لا يصلي قبل العيد ولا بعدها 1/ 313، حديث (654) قال: حدثنا إسماعيل بن سعيد الجوهري، ثنا إبراهيم بن محمد بن النعمان الجعفي أبو إسحاق، قال: سمعت الربيع بن سعيد الجعفي، ثنا الوليد بن سريع. . . فذكره. وإسناده ضعيف، الربيع بن سعيد لم يوثقه سوى ابن حبان، وقال الذهبي في الميزان 2/ 40:" لا يكاد يعرف " وينظر لسان الميزان 2/ 445. وقال العراقي كما في نيل الأوطار 3/ 371: " في إسناده إبراهيم بن محمد بن النعمان الجعفي لم أقف على حاله، وباقي رجاله ثقات " اهـ. وقال في المجمع في باب الصلاة قبل العيد وبعدها 2/ 203: " فيه من لم أعرفه ".
(2)
في المجمع 2/ 203، ونيل الأوطار 3/ 371:" إذا ". (1)
قال الموفق ابن قدامة: " قال الأثرم: قلت لأحمد: قال سليمان بن حرب: إنما ترك النبي صلى الله عليه وسلم التطوع لأنه كان إماما.
قال أحمد: فالذين رووا هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتطوعوا. ثم قال: ابن عمر وابن عباس هما راوياه، وأخذا به. يشير- والله أعلم- إلى أن عمل راوي الحديث به تفسير له، وتفسيره يقدم على تفسير غيره، ولو كانت الكراهة للإمام كي لا يشتغل عن الصلاة لاختصت بما قبل الصلاة إن لم يبق بعدها ما يشتغل به " (1).
وقد أجيب عن الاستدلال بهذه الأحاديث بجوابين:
الأول: أن ما استدل به مجرد فعل، والفعل لا يدل على النهي.
قال الحافظ أبو بكر بن المنذر: " وليس في ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي قبلها وبعدها دليل على كراهية الصلاة في ذلك الوقت "(2).
الثاني: أن الإمام ليس كغيره، لأنه يخرج للصلاة والخطبة، فلا يجلس قبلهما، فلا يصح الاستدلال بفعله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة على ما يتعلق بالمأمومين.
وقد نقل بعضهم الاتفاق على أن الإمام لا يتنفل في المصلى (3)، بخلاف المأموم فالخلاف فيه مشهور، فهذا يدل على
(1) المغني 3/ 282.
(2)
الأوسط 4/ 270.
(3)
فتح الباري، كتاب العيدين، باب الخطبة بعد العيد 2/ 476.
أن أحكام الإمام تختلف عن أحكام المأمومين.
قال الإمام الشافعي رحمه الله عند كلامه على وقت الغدو للعيدين: " والإمام في ذلك في غير حال الناس. أما الناس فأحب أن يتقدموا حين ينصرفون عن الصبح ليأخذوا مجالسهم ولينتظروا الصلاة؟ فيكونوا في أجرها إن شاء الله تعالى ما داموا ينتظرونها، وأما الإمام فإنه إذا غدا لم يجعل وجهه إلا إلى المصلى فيصلي "(1).
وقال أيضا عند كلامه على الصلاة قبل العيد وبعده بعد روايته لعدم صلاته صلى الله عليه وسلم قبل العيد وبعده: " وهكذا أحب للإمام؛ لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أمرنا به أن يغدو من منزله قبل أن تحل صلاة النافلة، ونأمره إذا جاء المصلى أن يبدأ بصلاة العيد، ونأمره إذا خطب أن ينصرف، وأما المأموم فمخالف للإمام، لا نأمر المأموم بالنافلة قبل الجمعة وبعدها، ونأمر الإمام أن يبدأ الخطبة ثم الجمعة لا يتنفل، ونحب له أن ينصرف، حتى تكون نافلته في بيته، وأن المأموم خلاف الإمام "(2).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله عند كلامه على حديث ابن عباس السابق: " وأما الحديث فليس فيه ما يدل على المواظبة، فيحتمل اختصاصه بالإمام، دون المأموم، أو بالمصلى دون البيت "(3).
(1) الأم، كتاب العيدين: وقت الغدو للعيدين 1/ 232.
(2)
الأم، كتاب العيدين: الصلاة قبل العيد وبعده 1/ 234.
(3)
فتح الباري 2/ 476.
وقال الإمام الشوكاني رحمه الله: " وقد أجاب القائلون بعدم كراهة الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها عن أحاديث الباب- بأجوبة، منها: جواب الشافعي المتقدم، ومنها: ما قاله العراقي في شرح الترمذي من أنه ليس فيها نهي عن الصلاة في هذه الأوقات، ولكن لما كان صلى الله عليه وآله وسلم يتأخر مجيئه إلى الوقت الذي يصلي بهم فيه ويرجع عقب الخطبة، روى عنه من روى من أصحابه أنه كان لا يصلي قبلها ولا بعدها. ولا يلزم من تركه لذلك لاشتغاله بما هو مشروع في حقه من التأخر إلى وقت الصلاة، أن غيره لا يشرع ذلك له ولا يستحب، فقد روى عنه غير واحد من الصحابة أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن يصلي الضحى وصح ذلك عنهم، وكذلك لم ينقل عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم صلى سنة الجمعة قبلها، لأنه إنما كان يؤذن للجمعة بين يديه وهو على المنبر ".
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: " ولكن هذا لا يدل على الكراهة لغير الإمام، بل لا يدل على الكراهة للإمام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى مصلى العيد ليصلي بالناس فصلى بهم، ثم انصرف، كما أنه يوم الجمعة يخرج إلى المسجد ويخطب، ويصلي، وينصرف ويصلي في بيته، فهل يقول أحد: إنه يكره أن يصلي الإنسان في يوم الجمعة في المسجد قبل الصلاة وبعدها؟
ما سمعنا أحدا قال بهذا، فكذلك نقول في صلاة العيد، ولا فرق، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم إمام ينتظر، ولا ينتظر، فجاء فصلى بالناس، ثم انصرف. وكوننا نأخذ الكراهة من مجرد هذا الترك فيه نظر، ولو قالوا: إن السنة أن لا يصلي، لكان أهون من أن يقال: إنه يكره، لأن الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل نهي، إذ إن الكراهة لا تثبت إلا بنهي، إما نهي عام مثل:" كل بدعة ضلالة " وإما نهي خاص، ثم إن ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة واضح السبب؛ لأنه إمام منتظر فجاء فصلى وانصرف، لكن نهي المأموم عن التنفل، والقول بكراهته لا يخلو من نظر " (1).
الدليل السادس: ما رواه ثعلبة بن زهدم، «أن عليا رضي الله عنه استخلف أبا مسعود رضي الله عنه على الناس، فخرج في يوم عيد، فقال: " يا أيها الناس إنه ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام (2)» .
(1) الشرح الممتع على زاد المستقنع، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين 5/ 202، 203.
(2)
رواه النسائي في سننه الصغرى (المجتبى)، كتاب صلاة العيدين: الصلاة قبل الإمام يوم العيد 3/ 181، 182، قال: أخبرنا إسحاق بن منصور، قال: أنبأنا عبد الرحمن، عن سفيان، عن الأشعث، عن الأسود بن هلال، عن ثعلبة بن زهدم. . . فذكره. وإسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الصحيحين، عدا. ثعلبة بن زهدم، وقد اختلف في صحبته، وقد جزم بصحبته أكثر من ألف في الصحابة، وقال العجلي:" تابعي ثقة ". ينظر الإصابة 1/ 200، تاريخ الثقات ص 90، تهذيب التهذيب 2/ 22، 23. وقال الشيخ محمد بن ناصر الدين في صحيح سنن النسائي 1/ 242 " صحيح الإسناد "، وقال الأرنؤوط في تعليقه على جامع الأصول 6/ 152: " إسناده صحيح ". ورواه الطبراني في الكبير 17/ 248، رقم (692) قالت: حدثنا عثمان بن عمر الضبي، ثنا عمرو بن مرزوق، نا شعبة، عن أشعث بن سليم، عن الأسود بن هلال، عن أبي مسعود، قال:" ليس من السنة الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد ". وإسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين، غير عمرو بن مرزوق، فهو من رجال البخاري وحده، وهو " ثقة له أوهام " كما في التقريب، وغير عثمان بن عمر الضبي، وقد وثقه الحاكم، فقال:" ثقة مشهور "، كما في تاريخ الإسلام للذهبي 21/ 224، وذكره ابن حبان في الثقات 8/ 455، وقال:" روى عنه أصحابنا ". وقال الهيثمي في المجمع 2/ 202، والشوكاني في نيل الأوطار 3/ 371:" رجاله ثقات ". وقد رواه ابن أبي شيبة 2/ 178 من طريق وكيع، عن سفيان، وابن المنذر في الأوسط 4/ 268، 269، رقم (2141) من طريق أبي الأحوص، كلاهما عن الأشعث عن الأسود بن هلال عن ثعلبة بن زهدم الحنظلي، قال: لما خرج علي إلى صفين استعمل أبا مسعود الأنصاري على الناس، فكان يوم عيد، فخرج أبو مسعود، فأتى الجبانة، والناس بين مصل وقاعد، فلما توسطهم، قال:" أيها الناس إنه لا صلاة في يومكم هذا حتى يخرج الإمام " وهذا لفظ ابن المنذر، ولفظ ابن أبي شيبة:" أن أبا مسعود الأنصاري قام في يوم عيد فقال. . . " فذكره بنحو رواية ابن المنذر. وإسناد ابن أبي شيبة صحيح.
الدليل السابع: ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا صلاة يوم العيد قبلها ولا بعدها (1)» .
(1) رواه الفريابي في أحكام العيدين ص 228، 229، رقم (165) قال: ثنا قتيبة بن سعيد، ثنا مروان عن عبد الله بن عبد الرحمن الطائفي، عن عمرو بن شعيب. . . فذكره. وإسناده ضعيف، الطائفي فيه ضعف يسير، وشيخه مروان- وهو الفزاري- ذكره الحافظ ابن حجر في تعريف أهل التقديس ص 110 في الطبقة الثالثة من المدلسين الذين لا يقبل من رواياتهم إلا ما صرحوا فيه بالسماع، وقد عنعن. وقد عزا الحافظ في التلخيص الحبير 2/ 84 هذا الحديث للإمام أحمد، ولم أقف عليه في المسند، وذكر ابن قدامة في المغني 2/ 272، وابن مفلح في الفروع 2/ 141 أن ابن بطة أخرجه، وذكر في الفروع أنه لا تظهر صحته. ومما يزيد في ضعفه أنه قد روي عن الطائفي من طريق أصح من هذا الطريق موقوفا على عبد الله بن عمرو، كما سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
الدليل الثامن: ما روي عن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في العيدين قبل الإمام (1)» .
الدليل التاسع: ما رواه ابن سيرين وغيره، عن عبد الله بن مسعود، وحذيفة بن اليمان أنهما كانا ينهيان الناس يوم العيد عن الصلاة قبل خروج الإمام.
(1) رواه ابن وهب، كما في المدونة، كتاب الصلاة، الثاني: في صلاة العيدين 1/ 156 قال: بلغني عن جرير بن عبد الله البجلي. . . فذكره. وإسناده ضعيف، لانقطاعه. وذكر ابن مفلح في الفروع 2/ 141: أنه لا تظهر صحته.
الدليل العاشر: ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه قال: " الصلاة قبل العيد: ليس قبله ولا بعده صلاة ".
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأنه يحتمل أن مراد عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه ليس للعيد سنة خاصة به قبله ولا بعده.
الدليل الحادي عشر: ما رواه ثعلبة الحنظلي، أن أبا
مسعود الأنصاري قام في يوم عيد، فقال:" إنه لا صلاة في هذا اليوم حتى يخرج الإمام "(1).
الدليل الثاني عشر: ما ثبت عن ابن عمر، وسلمة بن الأكوع رضي الله عنهم أنهما لم يصليا قبل صلاة العيد ولا بعدها.
وروي ذلك عن الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، وجابر بن عبد الله، وابن أبي أوفى رضي الله عنهم.
(1) سبق تخريجه قريبا عند تخريج قول أبي مسعود رضي الله عنه: " ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام ".
الدليل الثالث عشر: ما رواه الزهري رحمه الله قال: لم يبلغني أن أحدا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسبح يوم الفطر ولا يوم الأضحى قبل الصلاة ولا بعدها.
وما روي عنه أيضا أنه قال: " ما صلى قبل العيد بدري "(1). .
وما رواه عامر الشعبي رحمه الله تعالى قال: صليت مع شريح العيد، فلم يصل قبلها ولا بعدها، وأتيت المدينة وهم متوافرون، فما رأيت أحدا من الفقهاء يصلي قبله ولا بعده.
(1) ذكره ابن قدامة في المغني 3/ 281.
وما رواه أبو إسحاق السبيعي رحمه الله قال: سئل علقمة بن قيس عن الصلاة قبل خروج الإمام يوم العيد؟ فقال: كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلون قبلها.
ويمكن أن يجاب عن هذا الدليل بأن ما ذكروه من الإجماع غير مسلم، فقد ثبت عن بعض الصحابة أنهم صلوا قبل العيد، وثبت عن بعضهم أنهم صلوا بعدها، وثبت ذلك أيضا عن بعض التابعين، كما سيأتي ضمن أدلة القول الأول والقول الثالث. قال الإمام الشوكاني رحمه الله: " ويرد دعوى الإجماع ما حكاه الترمذي عن طائفة من أهل العلم من الصحابة وغيرهم أنهم رأوا جواز الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها، وروى ذلك العراقي عن أنس بن مالك، وبريدة بن الحصيب، ورافع بن خديج، وسهل بن سعد، وعبد الله بن مسعود، وعلي بن أبي طالب، وأبي برزة، قال: وبه قال من التابعين: إبراهيم النخعي، وسعيد بن جبير، والأسود بن يزيد، وجابر، والحسن البصري، وأخوه سعيد بن أبي الحسن، وسعيد بن المسيب، وصفوان بن محرز،
وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وعروة بن الزبير، وعلقمة، والقاسم بن محمد، ومحمد بن سيرين، ومكحول، وأبو بردة، ثم ذكر من روى ذلك عن الصحابة المذكورين من أئمة الحديث، قال: وأما أقوال التابعين فرواها ابن أبي شيبة، وبعضها في المعرفة للبيهقي. انتهى. ومما يدل على فساد دعوى ذلك الإجماع: ما رواه ابن المنذر عن أحمد أنه قال: الكوفيون يصلون بعدها لا قبلها، والبصريون يصلون قبلها لا بعدها، والمدنيون لا قبلها ولا بعدها ". اهـ (1).
واستدل أصحاب القول الثالث- وهم القائلون بأن ما قبل صلاة العيد وقت نهي، أما ما بعدها فليس وقت نهي- على النهي عن الصلاة قبل العيد ببعض الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الرابع مما يدل على النهي عن الصلاة في هذا الوقت، واستدلوا على عدم النهي عن الصلاة بعد العيد بأدلة أهمها:
الدليل الأول: ما رواه أبو سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه كان لا يصلي قبل العيد شيئا، فإذا رجع إلى منزله صلى ركعتين (2)» .
(1) نيل الأوطار، كتاب العيدين، باب لا صلاة قبل العيد ولا بعدها 3/ 372.
(2)
رواه الإمام أحمد3/ 28، 40، وابن ماجه في سننه في كتاب إقامة الصلاة باب ما جاء في الصلاة قبل صلاة العيد وبعدها 1/ 410، حديث (1293)، والحاكم في مستدركه في كتاب العيدين 1/ 297، والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب صلاة العيدين باب الإمام لا يصلي قبل العيد وبعده في المصلى 3/ 302 من طرق عن عبيد الله بن عمرو الرقي، ثنا عبد الله بن محمد بن عقيل، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد. . . فذكره. وإسناده ليس بالقوي، من أجل عبد الله بن محمد بن عقيل، فهو ضعيف من قبل حفظه. ينظر تهذيب التهذيب 6/ 16، 17، وقال الحافظ في التقريب:" صدوق، في حديثه لين، ويقال: تغير بآخره ". وقال الحاكم: " هذه سنة عزيزة، بإسناد صحيح، ولم يخرجاه "، ووافقه الذهبي في تلخيصه 1/ 297 على تصحيحه. وحسن إسناده الحافظ في بلوغ المرام ص 98، وفي الفتح 2/ 476، والبوصيري في مصباح الزجاجة 1/ 153، والشيخ أحمد البنا في بلوغ الأماني 6/ 158، والشيخ محمد ناصر الدين في الإرواء 3/ 100.
الدليل الثاني: ما رواه الأسود بن هلال رحمه الله قال: خرجت مع علي رضي الله عنه فلما صلى الإمام قام فصلى بعدها أربعا.
الدليل الثالث: ما رواه ابن سيرين وقتادة، عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يصلي بعد العيد أربع ركعات أو ثمان، وكان لا يصلي قبلها.
الدليل الرابع: كما رواه إبراهيم النخعي رحمه الله قال: " كانوا يصلون بعد العيد أربعا "(1).
واستدل أصحاب القول الثاني- وهم القائلون بأنه تكره الصلاة قبل العيد وبعدها في المصلى ولا تكره في غيره- بغالب الأدلة التي استدل بها أصحاب القول الثالث. قالوا: فهذه الأدلة تدل على النهي عن الصلاة قبل العيد أو بعده في المصلى، أما فيما عداه فلم يثبت فيه نهي، بل ورد في حديث أبي سعيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بعد صلاة العيد في بيته (2)» .
(1) رواه ابن أبي شيبة في مصنفه 2/ 189. وإسناده صحيح، رجاله ثقات، رجال الشيخين.
(2)
سبق تخريجه قريبا ضمن أدلة القول الثالث.
قالوا: فالمصلي إنما ترك الصلاة في موضع الصلاة اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولانشغاله بالصلاة وانتظارها، وهذا معدوم في غير موضع الصلاة (1).
واستدل أصحاب القول الأول- وهم القائلون بأن ما قبل صلاة العيد وما بعدها ليس وقت نهي مطلقا- بأن الأصل استحباب الصلاة في جميع الأوقات، إلا ما ورد نهي عن الصلاة فيه، كأوقات النهي الخمسة، لعموم الأدلة التي فيها الحث على الاستكثار من صلاة التطوع، وبما أنه لم يرد نهي في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في هذا الوقت فيبقى على الأصل، فتشرع الصلاة فيه في المصلى وغيره.
قالوا: ومما يدل على أن ما بعد صلاة العيد ليس وقت نهي ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم «أنه صلى بعد العيد ركعتين في بيته» ، وما ثبت عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم صلوا بعد العيد،
(1) المغني 3/ 283.
وبعضهم كان يصلي في المصلى كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما سبق في أدلة القول الثالث.
كما استدلوا على عدم النهي عن الصلاة قبل العيد بأدلة أهمها:
الدليل الأول: ما رواه شعبة مولى ابن عباس رحمه الله قال: كنت أقود عبد الله بن عباس إلى المصلى ليسبح في المسجد ولا يرجع إليه.
الدليل الثاني: ما ثبت عن سليمان التيمي رحمه الله قال: رأيت أنس بن مالك، والحسن، وأخاه سعيدا، وجابر بن زيد أبا
الشعثاء يصلون يوم العيد قبل خروج الإمام.
الدليل الثالث: ما رواه قتادة رحمه الله قال: كان أنس، وأبو هريرة، والحسن، وأخوه سعيد، وجابر بن زيد يصلون قبل خروج الإمام وبعده.
الدليل الرابع: ما رواه عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أنه كان يصلي يوم العيد قبل الصلاة أربعا، وبعدها أربعا.
الدليل الخامس: ما رواه ابن أبي ذئب، عن عباس بن سهل أنه كان يرى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأضحى والفطر
يصلون في المسجد ركعتين ركعتين (1)، ولا يرجعون إليه.
الدليل السادس: ما رواه قتادة، عن أبي برزة أنه كان يصلي في العيد قبل خروج الإمام.
الدليل السابع: ما رواه عيسى بن سهل بن رافع بن خديج الأنصاري، أنه كان يرى جده رافعا وبنيه يجلسون في المسجد حتى تطلع الشمس فيصلون ركعتين ركعتين، ثم يغدون إلى المصلى.
(1) أي يصلون قبل صلاة العيد في المسجد، ثم يذهبون إلى المصلى لصلاة العيد.
الترجيح:
بعد النظر في أدلة الأقوال في هذه المسألة، وما أورد على بعضها من مناقشة، ظهر لي أن القول الصحيح في هذه المسألة هو القول بجواز الصلاة قبل العيد وبعدها، إذا كان قد خرج وقت النهي في سائر الأيام، وذلك بطلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح، أما إذا كان لم يخرج وقت النهي فإنه تجوز تحية المسجد في المسجد دون المصلى، هذا هو مقتضى جميع الأدلة في هذه المسألة.
وعليه فيحمل ما ورد من نهي بعض الصحابة رضي الله عنهم عن الصلاة قبل العيد وعدم صلاة بعضهم في هذا الوقت على أنهم كانوا يبكرون في الذهاب إلى المصلى، فيصلون إليه قبل طلوع الشمس، أو بعد طلوعها وقبل ارتفاعها قيد رمح، هذا هو ظاهر حال الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد الخلفاء الراشدين، ولذلك نهوا عن الصلاة حينئذ، لأن هذا الوقت
وقت نهي في جميع الأيام، فينهى فيه عن النافلة التي ليس لها سبب، وكأنهم رأوا أن المصلى ليس كالمسجد في مشروعية صلاة ركعتي التحية فيه، كما هو قول لبعض أهل العلم، وعلى هذا
يحمل قول أبي مسعود رضي الله عنه «ليس من السنة أن يصلى قبل الإمام (1)» فإنه قال هذا وهو في الجبانة (2)، وكان ذلك في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وعلى فرض أن بعض الصحابة يرى أن ما قبل صلاة العيد، أو ما بعدها، أو هما معا وقت نهي، فإن قولهم معارض بقول من صلى من الصحابة قبل العيد أو بعدها، أو قبلها وبعدها، فإن صلاتهم في هذا الوقت تدل على أنهم يرون أنه ليس وقت نهي، فيرجح قول من ذهب إلى أن هذا الوقت ليس وقت نهي على قول من خالفهم؛ لأن قولهم يؤيده ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة ركعتين بعد العيد في بيته، ويؤيده عموم الأحاديث التي فيها الندب إلى الصلاة في جميع الأوقات عدا أوقات النهي الخمسة، ولأن من أصحاب هذا القول أحد الخلفاء الراشدين وهو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والذين أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن نتمسك بسنتهم، في قوله صلى الله عليه وسلم: «عليكم بسنتي، وسنة الخلفاء الراشدين
(1) سنن النسائي صلاة العيدين (1561).
(2)
قال ابن الأثير في النهاية في غريب الحديث 1/ 236: " الجبان، والجبانة: الصحراء ".
المهديين من بعدي، عضوا عليها بالنواجذ (1)».
(1) رواه الإمام أحمد في مسنده 4/ 126، 127، وأبو داود في سننه في كتاب السنة باب في لزوم السنة 4/ 200، 201، حديث (4607)، وابن أبي عاصم في السنة باب ما ذكر من زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن محدثات الأمور 1/ 19، حديث (32)، وابن حبان في صحيحه (موارد الظمآن ص 56، رقم 102)، والحاكم في المستدرك في العلم 1/ 97، والبيهقي في المدخل ص 115، حديث (50)، وأبو نعيم في الحلية 10/ 114، 115، والبغوي في شرح السنة في كتاب الإيمان باب الاعتصام بالكتاب والسنة 1/ 205، حديث (102)، وقال:" حديث حسن "، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله باب الحض على لزوم السنة 2/ 183 من طرق عن الوليد بن مسلم ثنا ثور بن زيد عن خالد بن معدان عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي وحجر بن حجر قالا: أتينا العرباض بن سارية. . . فذكره. وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا عبد الرحمن السلمي وهو مقبول، كما في التقريب، وعدا حجر بن حجر، وهو أيضا مقبول، كما في التقريب، فتعضد رواية أحدهما رواية صاحبه، وقد صحح هذا الإسناد الشيخ محمد ناصر الدين في ظلال الجنة 1/ 19. ورواه الترمذي في العلم باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع 5/ 44، 45، حديث (2676)، وابن أبي عاصم في الموضع السابق 1/ 17، 19، حديث (27، 30، 31، 33) والدارمي في مقدمة سننه باب اتباع السنة 1/ 57، رقم (95)، والخطيب في الفقيه والمتفقه باب ما جاء في قول الواحد من الصحابة 1/ 176، وأبو نعيم في الحلية 5/ 220، 221، والحاكم في الموضع السابق، وابن عبد البر في الموضع السابق 2/ 181، 182 من طرق عن عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض. . . فذكره، وقال الترمذي:" حديث صحيح ". وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي. ورواه ابن ماجه في مقدمة سننه باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين المهديين 1/ 15، 16، حديث (42)، والحاكم في الموضع السابق، وابن أبي عاصم في الموضح السابق 1/ 17، حديث (26) من طريق الوليد بن مسلم ثنا عبد الله بن العلاء (يعني ابن زبر) حدثني يحيى بن أبي المطاع، قال: سمعت العرباض بن سارية-. . . فذكره. وإسناده حسن، رجاله ثقات، عدا يحيى بن أبي المطاع، وهو صدوق كما في التقريب. ورواه ابن أبي عاصم في الموضع السابق 1/ 18، حديث (28، 29) من طريق المهاصر بن حبيب عن العرباض بن سارية. وصحح إسناده الشيخ محمد ناصر الدين في ظلال الجنة 1/ 17. وقد صحح هذا الحديث غير من سبق ذكرهم الضياء المقدسي في رسالة اتباع السنن واجتناب البدع ص 32، والأرنؤوط في تعليقه على شرح السنة.
أما من صلى من الصحابة قبل صلاة العيد، كأنس بن مالك وغيره، فالظاهر أنهم إنما صلوا بعد طلوع الشمس وارتفاعها، لأن بعض الأئمة في عصرهم كانوا يؤخرون صلاة العيد عن أول وقتها.
قال الإمام الحافظ أبو بكر بن المنذر: " الصلاة مباح في كل يوم وفي كل وقت إلا في الأوقات التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة فيها، وهي وقت طلوع الشمس، ووقت غروبها، ووقت الزوال، وقد كان تطوع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عامة الأوقات في بيته، ولم يزل الناس يتطوعون في مساجدهم، فالصلاة جائزة قبل صلاة العيد وبعده، ليس لأحد أن يحظر منه شيئا، وليس في ترك النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي قبلها وبعدها دليل على كراهية الصلاة في ذلك الوقت، لأن ما هو مباح لا يجوز حظره إلا بنهي يأتي عنه، ولا نعلم خبرا يدل على النهي عن الصلاة قبل صلاة العيد وبعده، وصلاة التطوع في يوم العيد وفي سائر الأيام في البيوت أحب إلينا للأخبار الدالة على ذلك "(1).
وقال الحافظ ابن حجر: " والحاصل أن صلاة العيد لم يثبت لها سنة قبلها ولا بعدها، خلافا لمن قاسها على الجمعة، وأما مطلق النفل فلم يثبت فيه منع بدليل خاص إلا إن كان ذلك في وقت الكراهة الذي في جميع الأيام والله أعلم "(2).
(1) الأوسط 4/ 270.
(2)
فتح الباري شرح صحيح البخاري، كتاب العيدين، باب الصلاة قبل العيد وبعدها 2/ 476.
وقال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين: " وقال بعض العلماء رحمهم الله: إن الصلاة غير مكروهة في مصلى العيد قبل الصلاة ولا بعدها، وقال: بيننا وبينكم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فأين الدليل على الكراهة؛ وهذا خير وتطوع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «عليك بكثرة السجود (1)»، وقال: «أعني على نفسك بكثرة السجود (2)»، فكيف تقولون بالكراهة؟ وهذا مذهب الشافعي رحمه الله في هذه المسألة، وهو الصواب. وقال بعض العلماء: تكره الصلاة بعدها لا قبلها. وقال بعض العلماء: تكره قبلها لا بعدها. وبعض العلماء قال: يكره للإمام دون المأموم، وهذا قول للشافعي أعني التفريق بين الإمام وغيره، والصحيح: أنه لا فرق بين الإمام وغيره، ولا قبل الصلاة ولا بعدها، فلا كراهة، لكن لا نقول: إن السنة أن تصلى، فقد يقال: إن بقاء الإنسان يكبر الله قبل الصلاة أفضل؛ إظهارا للتكبير والشعيرة. أما تحية المسجد فلا وجه للنهي عنها إطلاقا "(3).
(1) رواه مسلم 1/ 353، رقم (488) من حديث ثوبان رضي الله عنه.
(2)
رواه مسلم 1/ 353، رقم (489) من حديث ربيعة الأسلمي رضي الله عنه.
(3)
الشرح الممتع على زاد المستقنع، كتاب الصلاة، باب صلاة العيدين 5/ 203 - 206.