الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من الفتوى رقم 2573
السؤال الثالث: أحد الناس
يقلد مذهب الإمام مالك ويحث الناس على تقليده
وله عدة حجج منها:
أ - أن الواحد منا لم يصل إلى درجة النظر في الأدلة ليعرف الصحيح من الضعيف فعليه تقليد مذهب حتى يصل إلى هذه الدرجة.
ب - أن معظم الخلاف بين الأئمة السابقين كان أصوليا بمعنى: أنه يجب أن تعرف أصول كل إمام حتى تحكم بعد ذلك على صحة هذا القول من ذاك، ويقول لمن يخالف رأيه: أنه لم يتعمق في الفقه، ولو قرأ في الفقه كثيرا لوصل إلى ما وصل إليه من وجوب التقليد لأحد المذاهب الأربعة.
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
ج: يختلف الناس في استعدادهم وتفكيرهم ومعلوماتهم؛ فمنهم الذكي والغبي، ومنهم العالم والأمي، فمن كان لديه قوة في الاستعداد، وسعة في التفكير، وأوتي من العلم ما يمكنه من استنباط الأحكام من أدلتها في جميع المسائل أو بعضها وجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يقلد غيره من العلماء فيما أدركه من الأدلة - حسب القواعد العلمية - واقتنع به، وما عجز عنه من
المسائل سأل أهل العلم عن دليله أو عن معنى ما أشكل عليه فهمه من الدليل؛ لقوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (1) فعم الله بذلك السؤال عن الدليل وعما أشكل فهمه منه، وأمر تعالى بالتعاون على البر والتقوى، فقال:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (2)، ولا شك أن التعاون على الوصول إلى أدلة الشريعة وإلى فهم ما خفي معناه منها من أول ما يدخل في معنى هذه الآية وأمثالها، وقد كان هذا شأن الصحابة رضي الله عنهم، فقد كان بعضهم يسأل بعضا عما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم أحيانا ويسأل عما خفي عليه من معاني الأدلة أحيانا.
أما من كان أميا أو متعلما لكنه قاصر في استعداده الفكري أو محصوله العلمي فلا سبيل له إلا أن يسأل غيره من أهل الذكر، وهم أهل العلم بالشريعة؛ لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3) وهذا أمر يشهد له الواقع، وجرت به السنة الكونية في الناس، وإن ظنوا أنهم من المجتهدين، فليسلكوا طريقه، وليتعلموا، وليدربوا أنفسهم على البحث، وليسلكوا منهج من سبقهم من العلماء، ولينتفعوا بالثروة العلمية التي ورثوها حتى يؤتيهم الله من فضله علما نافعا وقوة على استخلاص الأحكام من أدلتها، فعند ذلك يمكنهم الاجتهاد ولو في بعض المسائل.
ومن أراد المزيد في مسألة الاجتهاد والتقليد فليرجع إلى ما
(1) سورة الأنبياء الآية 7
(2)
سورة المائدة الآية 2
(3)
سورة الأنبياء الآية 7
كتبه العلامة ابن القيم في هذه المسألة في كتابه (إعلام الموقعين). وإلى غيره.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو
…
نائب الرئيس
…
الرئيس
عبد الله بن غديان
…
عبد الرزاق عفيفي
…
عبد العزيز بن عبد الله بن باز
من الفتوى رقم 5166
السؤال الثاني: ما سبب تمسكنا بالأقوال والمذاهب الأربعة، وما العلاقة بينهم وبين الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل يعرف الرسول بأنهم سيأتون من بعده، وهل إذا كان يوم القيامة يسأل الله الأمة عن المذاهب الأربعة أو على من اتبعوا من المذاهب الأربعة، وهل صحيح في الدين الإسلامي أن نختار واحدا منها ونتبعه، وما حكم اختيار ذلك وما المراد بالمذاهب الأربعة وهل إذا كان رجل مسلم لم يتمذهب بأي مذهب من المذاهب الأربعة هل عليه ذنب؟
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه، وبعد:
ج: أولا: سبب التمسك بالأقوال والمذاهب الأربعة هو أنها تعتمد في الأصل على مصادر التشريع من الكتاب والسنة
والإجماع والقياس وغير ذلك من الأدلة.
ثانيا: العلاقة بين الأئمة الأربعة وبين الرسول صلى الله عليه وسلم هي أن السنة التي جاء بها صلى الله عليه وسلم مصدر من مصادر التشريع التي اعتمدوا عليها فهم متبعون لسنته صلى الله عليه وسلم.
ثالثا: الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعرف أنهم سيأتون من بعده؛ لأن هذا من علم الغيب وهو من اختصاص الله جل وعلا، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه، ونحن لا نعلم دليلا يدل على أن الله أطلعه على ذلك كما قال تعالى:{قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (1)، وقال تعالى:{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا} (2){إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (3).
رابعا: يجب على المسلم أن يتعلم أمور دينه ويسأل أهل العلم عما أشكل عليه، كما قال تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (4)
والله جل وعلا لا يسأل الناس يوم القيامة عن المذاهب الأربعة ولا عما تبعوا من المذاهب الأربعة وإنما السؤال يقع عن اتباع شرع الله وإجابة رسله قال تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} (5){عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (6)، وقال تعالى:{وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} (7).
(1) سورة النمل الآية 65
(2)
سورة الجن الآية 26
(3)
سورة الجن الآية 27
(4)
سورة الأنبياء الآية 7
(5)
سورة الحجر الآية 92
(6)
سورة الحجر الآية 93
(7)
سورة القصص الآية 65
خامسا: المذاهب الأربعة، هي: مذهب أبي حنيفة، ومالك بن أنس ومحمد بن إدريس الشافعي، وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم، وكل واحد منهم استنبط ما فتح الله عليه به من فقه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة وقياس بعض الأمور على بعض إذا كانت متشابهة ومشتركة في العلة، وأنه لا يوجد فارق مؤثر بينها وهم مجتهدون، والمجتهد إن أصاب فله أجران: أجر اجتهاده، وأجر إصابته، وإن أخطأ فله أجر اجتهاده وخطؤه معفو عنه، وما استنبطوه من الفقه يعرض على مصادر التشريع فما وجد له مستند شرعي أخذ به وما لم يوجد له مستند من الأدلة رد، فإن كلا يؤخذ من قوله ويرد إلا محمدا صلى الله عليه وسلم.
فمن استطاع أن يأخذ الأحكام بأدلتها وجب عليه ذلك، ومن لم يستطع وجب عليه أن يسأل أهل العلم عما أشكل عليه، وبهذا يعلم أنه يتبع من المذاهب ما استند إلى دليل شرعي ما لم يخالفه ما هو أقوى منه، وأنه لا يجوز أن يعتمد شخص على مذهب ويعمل بجميع ما فيه بصرف النظر عن المستند الشرعي لما يأخذ به، وأنه لا يلزمه الأخذ بمذهب واحد منهم، بل عليه إن كان من أهل العلم أن يأخذ بالدليل، وإلا سأل أهل العلم عما