الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
استزاد أو ازداد فقد أربى والحظر لمحض حق الله تعالى، ويقع العقد الربوي باطلا في الصرف والمقايضة، أما في القرض فيفسد العقد بشرط الربا ويرجع صحيحا بإلغاء الشرط المفسد.
5 -
ربا الفضل يوصد بعض أبواب المقايضة، ويفتح أبواب البيع بالنقود إذ هي أضبط وأدق تقديرا لقيم السلع وفي استخدام النقود تنشيط للتجارة وازدهار للأسواق.
ربا النساء أو ربا اليد:
تعارف الفقهاء إطلاق ربا النسيئة على ربا الديون المذكورة في القرآن الكريم، بينما ربا (النساء) هو الشطر الثاني المفهوم من حديث الأعيان الستة مما يسميه الفقهاء ربا النساء، أو ربا اليد عند الشافعية - إنما هو في البيوع ولا علاقة له بالديون، وقد حظرت به السنة التأجيل في بعض البيوع الخاصة أو التأخير في تنفيذها، فيجب لصحة العقد حضور البدلين وتسليمهما ناجزا، ولا يدخل فيه السلف في أي من المتعاقدين ويمتاز بالخصائص التالية:
1 -
يسري ربا النساء حيث يطبق ربا الفضل دائما، كبيع الذهب بالذهب، فكما يحرم التفاضل يحرم غياب أحد البدلين عن مجلس العقد في الصرف والمقايضة، فلا يصح العقد بشرط تأجيل أحد البدلين.
2 -
يتسع ربا النساء في الصرف والمقايضة حتى عند اختلاف
الجنس، فيجب تسليم البدلين عند التعاقد في مجموعتي النقود والأطعمة، بينما يتوقف عمل ربا النسيئة باستخدام النقد مع السلع الأخرى.
3 -
أباحت الشريعة التجارة المؤجلة البيع الآجل، والقروض، كما نظمته آية الدين حيث يتأجل دين القرض؛ رفقا بالمدين، ويباح للتاجر استثمار ماله في البيع المؤجل، والسلم بتأخير الثمن أو المبيع فيهما.
فكان ربا نسيئة استثناء من هذه الإباحة، وهذا هو مصدر اعتراض القائلين:" إنما البيع مثل الربا "؛ لأنهم قاسوا القرض بفائدة معينة على البيع المؤجل بربح مقابل للتأجيل، وهو البيع الذي يسميه الحنفية: المرابحة، ويشبه البيع بالتقسيط مع زيادة الثمن مقابل التأجيل.
وللشوكاني رسالة في هذا الموضوع سماها: [شفاء العلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل](1).
وما دامت الزيادة في الأثمان المؤجلة أصلها الإباحة، فليس القصد من تحريم التأجيل في الصرف والمقايضة هو سد الذريعة إلى ربا الديون الذي يحظر الاعتياض عن التأجيل - كما قال الأستاذ زكي الدين بدوي - تبعا لابن القيم، وصار هذا عرفا عند أكثر الفقهاء.
4 -
حرمت السنة بيع الكالئ بالكالئ فلا يصح بيع مؤجل
(1) نيل الأوطار- الشوكاني (5/ 129، 130).
بمؤجل مثله ولو كان الدينان متماثلين نوعا ومقدارا وأجلا، وفي ذلك تأكيد لربط ماهية ربا النسيئة بالديون وإبراز ربا النساء كقسم مستقل عن الديون وليبقى قسيما لربا البيوع فلا يختلط بربا الديون، فهناك فرق بين ربا النساء- الذي يحظر التأجيل في بعض البيوع وبين ربا الدين الذي لا يعرض بنوع من التحريم لتأجيل الديون، وإنما يقتصر التحريم فيه على أخذ عوض عن الأجل زيادة عن رأس مال الدين.
ولعل ربا البيوع لم يكن واضح المعالم حتى بالنسبة لبعض الصحابة حيث كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يبيع نفاية بيت المال في الكوفة حتى بلغه النهي عنه، فقال للصيارفة: يا معشر الصيارفة، إن الذي كنت أبايعكم لا يحل، لا تحل الفضة إلا وزنا بوزن (1).
واستشهد بمذهب ابن عباس قبل رجوعه، فكان رضي الله عنه لا يرى بأسا في بيع درهم بدرهمين حتى بلغه حديث أبي سعيد الخدري فتراجع عن قوله.
ولهذا كان المخالفون فيه صغار الصحابة " ابن عباس - ابن مسعود - معاوية - البراء - أسامة - ابن عمر - ابن الزبير " رضي الله عنهم.
إن اختلاف العلماء ليس في أصل تحريم ربا الفضل، بل في نطاق هذا التحريم وشموله لأنواع متعددة في المعاملات
(1) السبكي تكملة المجموع (10/ 39).
بسبب اختلافهم في مناط الحكم وعلته، فالأعيان الستة ليست محل اختلاف، بل الاختلاف في تعديتها بالعلة.
إن الشريعة عندما تحرم أمرا فإنها تضيق المسالك والطرق المؤدية إليه لتقتلع جذوره، ففي الخمر لم يحرم الإسلام شرب القدر المسكر فقط، بل حرم شرب القليل والكثير " ما أسكر كثيره فقليله حرام "؛ وما ذلك إلا لأن المرء إذا اعتاد القليل خلص إلى الكثير، ولهذا حرم الإسلام قليل الخمر وكثيره، بل حرم تصنيعها وترويجها والمساعدة فيها، ومثل هذا في الربا، حيث حرم ربا الفضل كي لا يتوصل به لربا النسيئة- الربا الكامل الجلي- تضييقا لمسالك الربا، وقطعا لدابره في المجتمع، فتحريم ربا الفضل إنما هو سد للذرائع، فنهى عن بيع الجنس بجنسه متفاضلا، ونهى عن بيع الجنس بغير جنسه إلا بشرط الحلول والتقابض في المجلس.
قال ابن القيم: " فمنعهم من ربا الفضل؛ لما يخاف عليهم من ربا النسيئة، وذلك أنهم إذا باعوا درهما بدرهمين ولا يكون هذا إلا للتفاوت في الجودة والسكة والثقل والخفة تدرجوا بالربح المعجل إلى الربح المؤخر، وهو ربا النسيئة، وهي ذريعة قريبة، فمن الحكمة منعهم من ذلك لسد باب المفسدة "(1).
وكما حرم ربا الفضل حرم العمل عند المرابي وإعانته على الربا، فالآخذ والمعطي سواء، وكذلك كاتبه وشاهداه كلهم في
(1) إعلام الموقعين (2/ 130).
الإثم سواء، ويدخل في اللغة من يؤجر عماراته للمرابين، ومن يودع الأموال عندهم وإن لم يتقاضوا منهم الربا.
وتضييقا لمسالك الربا نهى صلى الله عليه وسلم عن منافع القروض كهدايا المقترضين للدائنين وغيرها من الخدمات المقدمة بسبب القرض ما لم تكن لعادة سابقة على القرض، وقد تواتر ذلك عن الصحابة بأحاديث كثيرة.
ومن هذا الباب حرم الإسلام بيوع الجاهلية المؤدية إلى ربا الفضل فنهى عن المخابرة: المزارعة ببعض ما يخرج من الأرض، والمزابنة: بيع التمر على الأرض بالتمر في النخل، والمحاقلة: وهي بيع الحب في سنبله. قال ابن كثير: " وإنما حرمت هذه الأشياء وما شاكلها؛ حسما لمادة الربا؛ لأنه لا يعلم التساوي بين الشيئين قبل الجفاف، ولهذا قال الفقهاء: الجهل بالمماثلة كحقيقة المفاضلة "(1)، " أينقص الرطب إذا يبس؟ ".
وقد حرم الإسلام كل صور التحايل على الربا المحرم؛ كبيع العينة، وتوسيط شخص ثالث بينهما، وغير ذلك من الحيل التي ابتدعها أكلة الربا.
أكدت السنة تحريم ربا النسيئة المذكورة في القرآن الكريم وأضافت أحاديث الأعيان الستة النهي عن معاملات لا يظهر فيها الإنساء والتأجيل، وإنما فيها فضل- زيادة أحد البدلين على الآخر- وهو ما عرف بربا الفضل.
(1) تفسير القرآن العظيم- ابن كثير (1/ 581).
وقد يتوهم بعض الباحثين أن العلاقة بين ربا القرآن الكريم - الديون- وربا السنة- البيوع- هي علاقة التباين، فالتمسوا لربا الفضل حكما تختلف عن حكمة تحريم ربا الديون، وكانت هذه الحكم تتنافى مع يسر الشريعة وإباحتها للمسلم التمتع في مباهج الحياة والحلال الطيب من المتاع مما يشي بتسرب شيء من تعاليم الكنيسة في الحجر والتضييق.
ولو صدقت هذه الحكم لما رخص النبي صلى الله عليه وسلم في بيع العرايا توسعة لمن اشتهى الرطب، مما يدل على أن المقصود حظر طريقة معينة في التعامل، وليس حظر الحصول على الجيد من الطعام، وقد أصاب ابن القيم عندما أشار إلى أن تحريم الفضل إنما هو لسد الذريعة إلى ربا النسيئة، وهو ما يؤكده الشاطبي في حديثه عن حكمة التحريم.
والحقيقة أن حكمة التحريم واحدة في ربا القرآن وربا السنة، هي: منع الظلم الذي دلت عليه آيات الربا نصا في أكثر من موضع، وأن اختصاص الأصناف الستة بالذكر ليس لذواتها أو لصفات معينة فيها، بل مراعاة للواقع حيث كانت تمثل ما يجري به التعامل الفعلي (فيما يكال ويوزن، أو في السن كالحيوان) ويؤكد ذلك نصوص العهد القديم والجديد في الديانات السابقة.
ولقد جاءت الأوامر بالزكاة في القرآن الكريم دون تحديد أصناف الأموال التي تخرج منها، وفصلت السنة ذلك، ولم يقل أحد بالتفريق بين الزكاة في القرآن الكريم والزكاة في السنة النبوية، فيجب أن ينسحب ذلك على الربا، فليس في المحرمات
ما له حكمة تحريم قرآنية تختلف عن حكمة واردة في السنة النبوية وحكمة التحريم في كل واحدة. وكذب المستشرقون في ادعاءاتهم أن ربا الفضل أخذه المسلمون عن اليهود، فالفقه اليهودي لا يعرف ربا البيوع نهائيا.
والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
صفحة فارغة
البيع بشرط البراءة من العيب
د. عبد العزيز بن محمد الحجيلان (1)
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، هدانا للإسلام، وأكمل لنا الدين، وبين لنا الحلال والحرام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.
أما بعد:
فإنه لا بد للناس من التعامل فيما بينهم بالبيع والشراء وغيرهما، فيحتاجون لمعرفة أحكام ذلك، ليكون تعاملهم وفق ما جاء به الشرع.
وقد كنت ألاحظ منذ زمن طويل مخالفات من بعض الناس في " البيع بشرط البراءة من العيب " وخاصة في بيوع المزاد، ولهم في ذلك أساليب متنوعة، منها تعداد العيوب الممكن حصولها في المبيع ولو لم تكن فيه في الحال، ومنها اشتراط المبيع على حال لا يصلح معها للانتفاع، بل هو في حكم التالف كقولهم في السيارة مثلا: كومة حديد، وفي البيت: كوم تراب،
(1) الأستاذ المشارك بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم