الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} (1) و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} (2)(3)
هـ - وقال أيضا في تفسير قوله تعالى: {وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ} (4): هذا نص صريح في أن الله تعالى هو الآخذ لها والمثيب عليها، وأن الحق له عز وجل، والنبي صلى الله عليه وسلم واسطة، فإن توفي فعامله هو الواسطة بعده، والله عز وجل حي لا يموت، وهذا يبين أن قوله سبحانه وتعالى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} (5) ليس مقصورا على النبي صلى الله عليه وسلم (6).
(1) سورة الأحزاب الآية 1
(2)
سورة الطلاق الآية 1
(3)
ج 8 ص 244، 245.
(4)
سورة التوبة الآية 104
(5)
سورة التوبة الآية 103
(6)
ج8 ص 251.
3 -
النقول من كتب الشافعية:
أ - جاء في الأم تحت عنوان: (باب جماع قسم المال من الوالي ورب المال):
قال الشافعي رحمه الله تعالى: وجميع ما أخذ من مسلم من صدقة فطر، وخمس ركاز، وزكاة معدن، وصدقة ماشية، وزكاة مال، وعشر زرع، وأي أصناف الصدقات، أخذ من مسلم فقسمه واحد على الآية التي في براءة:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (1). الآية، لا يختلف، وسواء قليله وكثيره على ما
(1) سورة التوبة الآية 60
وصفت، فإذا قسمه الوالي ففيه سهم العاملين منه ساقط؛ لأنه لا عامل عليه يأخذه فيكون له أجره فيه، والعاملون فيه عدم، فإن قال رب المال: فأنا إلى أخذه من نفسي وجمعه وقسمه فآخذ أجر مثلي، قيل: إنه لا يقال لك عامل نفسك، ولا يجوز لك إذا كانت الزكاة فرضا عليك أن يعود إليك منها شيء، فإن أديت ما كان عليك أن تؤديه وإلا كنت عاصيا لو منعته، فإن قال: فإن وليتها غيري؟ قيل: إذا كنت لا تكون عاملا على غيرك لم يكن غيرك عاملا إذا استعملته أنت، ولا يكون وكيلك فيها إلا في معناك أو أقل؛ لأن عليك تفريقها فإذا تحقق منك فليس لك الانتقاص منها لما تحققت بقيامه بها. قال: ولا أحب لأحد من الناس يولي زكاة ماله غيره؛ لأن المحاسب بها المسئول عنها هو، فهو أولى بالاجتهاد في وضعها مواضعها من غيره، وأنه على يقين من فعل نفسه في أدائها وفي شك من فعل غيره لا يدري أداها عنه أو لم يؤدها، فإن قال: أخاف حبائي فهو يخاف من غيره مثل ما يخاف من نفسه ويستيقن فعل نفسه في الأداء ويشك في فعل غيره (1). انتهى.
(1) الأم 2/ 66.
ب - قال الشيرازي: ويجوز لرب المال أن يفرق زكاة الأموال الباطنة بنفسه، وهو الذهب والفضة وعروض التجارة والركاز؛ لما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه قال في المحرم: " هذا شهر زكاتكم فمن كان عنده دين فليقض دينه ثم ليزك بقية
ماله ". ويجوز أن يوكل من يفرق؛ لأنه حق مال جاز أن يوكل في أدائه كدين الآدميين، ويجوز أن تدفع إلى الإمام؛ لأنه نائب عن الفقراء، فجاز الدفع إليه كولي اليتيم. وفي الأفضل ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الأفضل أن يفرق بنفسه وهو ظاهر النص؛ لأنه على بينة من أدائه وليس على ثقة من أداء غيره.
الثاني: أن الأفضل أن يدفع إلى الإمام عادلا كان أو جائرا؛ لما روي أن المغيرة بن شعبة قال لمولى له وهو على أمواله بالطائف: كيف تصنع في صدقة مالي؟ قال: منها ما أتصدق به، ومنها ما أدفع إلى السلطان. فقال: وفيم أنت من ذلك؟ فقال: إنهم يشترون بها الأرض، ويتزوجون بها النساء. فقال: ادفعها إليهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن ندفعها إليهم. ولأنه أعرف بالفقراء وقدر حاجاتهم. ومن أصحابنا من قال: إن كان عادلا فالدفع إليه أفضل، وإن كان جائرا فتفرقته بنفسه أفضل؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:«فمن سئلها على وجهها فليعطها، ومن سئل فوقه فلا يعطه (1)» ، ولأنه على ثقة من أدائه إلى العادل وليس على ثقة من أدائه إلى الجائر؛ لأنه ربما صرفها في شهواته (2).
(1) صحيح البخاري الزكاة (1454)، سنن النسائي كتاب الزكاة (2455)، سنن أبو داود كتاب الزكاة (1567)، سنن ابن ماجه الزكاة (1800)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 12).
(2)
المهذب وعليه المجموع 6/ 161.
ج - وقال النووي: الأثر المذكور عن عثمان صحيح، رواه البيهقي في سننه الكبير في كتاب الزكاة في باب الدين مع الصدقة بإسناد صحيح عن الزهري عن السائب بن يزيد الصحابي، أنه
سمع عثمان بن عفان خطيبا على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «هذا شهر زكاتكم فمن كان منكم عليه دين فليقض دينه حتى تخلص أموالكم فتؤدوا منها الزكاة (1)» .
قال البيهقي: ورواه البخاري في الصحيح عن أبي اليمان عن شعيب، وينكر على البيهقي هذا القول؛ لأن البخاري لم يذكره في صحيحه هكذا، وإنما ذكر عن السائب بن يزيد أنه سمع عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزد على هذا، ذكره في كتاب الاعتصام في ذكر المنبر. وكذا ذكره الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن البخاري كما ذكرته. ومقصود البخاري به إثبات المنبر وكأن البيهقي أراد أن البخاري روى أصله لا كله والله أعلم.
وأما حديث المغيرة فرواه البيهقي في السنن الكبير بإسناد فيه ضعف يسير، وسمى في روايته مولى المغيرة فقال: هو هنيد - يعني بضم الهاء - وهو هنيد الثقفي مولى المغيرة، وأما الحديث الآخر:«فمن سئلها على حقها (2)» فهو صحيح في صحيح البخاري، لكن المصنف غيره هنا. وفي أول باب صدقة الإبل: وقد سبق بيانه هناك وقد جاءت أحاديث وآثار في هذا المعنى، منها عن جرير بن عبد الله قال: " جاء أناس من الأعراب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إن أناسا من المصدقين يأتونا فيظلموننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«أرضوا مصدقيكم (3)» رواه مسلم في صحيحه.
وعن أنس رضي الله عنه: «أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
(1) موطأ مالك الزكاة (591).
(2)
صحيح البخاري الزكاة (1448)، سنن النسائي كتاب الزكاة (2447)، سنن أبو داود كتاب الزكاة (1567)، سنن ابن ماجه الزكاة (1800)، مسند أحمد بن حنبل (1/ 12).
(3)
صحيح مسلم الزكاة (989)، سنن الترمذي الزكاة (647)، سنن النسائي كتاب الزكاة (2460)، سنن أبو داود كتاب الزكاة (1589)، سنن الدارمي الزكاة (1670).
إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فقال: " نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله، ولك أجرها وإثمها على من بدلها (1)». رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.
وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه قال: " اجتمع عندي نفقة فيها صدقة - يعني بلغت نصاب الزكاة - فسألت سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبا هريرة وأبا سعيد الخدري أن أقسمها أو أدفعها إلى السلطان، فأمروني جميعا أن أدفعها إلى السلطان ما اختلف علي منهم أحد ". وفي رواية فقلت لهم: " هذا السلطان يفعل ما ترون فأدفع إليهم زكاتي؟ فقالوا كلهم: نعم فادفعها ". رواهما الإمام سعيد بن منصور في مسنده.
وعن جابر بن عتيك الصحابي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «سيأتيكم ركب مبغضون، فإذا أتوكم فرحبوا بهم، وخلوا بينهم وبين ما يبتغون، فإن عدلوا فلأنفسهم، وإن ظلموا فعليها، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم وليدعوا لكم (2)» . رواه أبو داود، والبيهقي وقال: إسناده مختلف.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: " ادفعوا صدقاتكم إلى من ولاه الله أمركم فمن بر فلنفسه ومن أثم فعليها ". رواه البيهقي بإسناد صحيح أو حسن. وعن قزعة مولى زياد بن أبيه أن ابن عمر قال: " ادفعوها إليهم وإن شربوا بها الخمر ". رواه البيهقي بإسناد صحيح أو حسن.
قال البيهقي: وروينا في هذا عن جابر بن عبد الله وابن
(1) مسند أحمد بن حنبل (3/ 136).
(2)
سنن أبو داود الزكاة (1588).
عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم. ومما. جاء في تفريقها بنفسه ما رواه البيهقي بإسناد عن أبي سعيد المقبري، واسمه كيسان، قال:" جئت عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمائتي درهم، فقلت: يا أمير المؤمنين، هذه زكاة مالي، قال: وقد عتقت، قلت: نعم قال: اذهب بها أنت فأقسمها " والله أعلم.
وأما قول المصنف: لأنه حق مال، فاحتراز من الصلاة ونحوها. (وقوله) لأنه مال للإمام فيه حق المطالبة، احتراز من دين الآدمي (أما) أحكام الفصل ففيه مسائل:
إحداها: قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله تعالى: للمالك أن يفرق زكاة ماله الباطن بنفسه. وهذا لا خلاف فيه، ونقل أصحابنا فيه إجماع المسلمين. والأموال الباطنة هي: الذهب والفضة، والركاز، وعروض التجارة، وزكاة الفطر. وفي زكاة الفطر وجه أنها من الأموال الظاهرة، حكاه صاحب البيان وجماعة، ونقله صاحب الحاوي عن الأصحاب، ثم اختار لنفسه أنها باطنة. وهذا هو المذهب، وبه قطع جمهور الأصحاب، منهم: القاضي أبو الطيب، والمحاملي في كتابيه، وصاحب الشامل، والبغوي، وخلائق، وهو ظاهر نص الشافعي، وهو المشهور وبه قطع الجمهور. ذكر أكثرهم المسألة في باب زكاة الفطر، قال أصحابنا: وإنما كانت عروض التجارة من الأموال الباطنة، وإن كانت ظاهرة؛ لكونها لا تعرف أنها للتجارة أم لا، فإن العروض لا تصير للتجارة إلا بشروط سبقت في بابها. والله أعلم.
الثانية: له أن يوكل في صرف الزكاة التي له تفريقها بنفسه، فإن شاء وكل في الدفع إلى الإمام والساعي، وإن شاء في التفرقة على الأصناف، وكلاهما جائز بلا خلاف، وإنما جاز التوكيل في ذلك مع أنها عبادة؛ لأنها تشبه قضاء الديون، ولأنه قد تدعو الحاجة إلى الوكالة لغيبة المال وغير ذلك.
الثالثة: له صرفها إلى الإمام والساعي، فإن كان الإمام عادلا أجزأه الدفع إليه بالإجماع، وإن كان جائرا أجزأه، على المذهب الصحيح المشهور، ونص عليه الشافعي، وقطع به الجمهور، وفيه الوجه السابق عن الحناطي والماوردي.
الرابعة: في بيان الأفضل، قال أصحابنا: تفريقه بنفسه أفضل من التوكيل بلا خلاف؛ لأنه على ثقة من تفريقه، بخلاف الوكيل، وعلى تقدير خيانة الوكيل لا يسقط الفرض عن المالك؛ لأن يده كيده، فما لم يصل المال إلى المستحقين لا تبرأ ذمة المالك، بخلاف دفعها إلى الإمام، فإنه بمجرد قبضه تسقط الزكاة عن المالك. قال الماوردي وغيره: وكذا الدفع إلى الإمام أفضل من التوكيل لما ذكرناه، وأما التفريق بنفسه والدفع إلى الإمام ففي الأفضل منهما تفصيل: قال أصحابنا: إن كانت الأموال باطنة، والإمام عادل، ففيها وجهان، أصحهما عند الجمهور: الدفع إلى الإمام أفضل؛ للأحاديث السابقة، ولأنه يتيقن سقوط الفرض به،
بخلاف تفريقه بنفسه، فقد يصادف غير مستحق، ولأن الإمام أعرف بالمستحقين، وبالمصالح، وبقدر الحاجات، وبمن أخذ قبل هذه المرة من غيره، ولأنه يقصد لها، وهذا الوجه قول ابن سريج وأبي إسحاق. قال المحاملي في المجموع والتجريد: هو قول عامة أصحابنا وهذا المذهب وكذا قاله آخرون. قال الرافعي: هذا هو الأصح عند الجمهور من العراقيين وغيرهم، وبه قطع الصيدلاني وغيره. والثاني: تفريقها بنفسه أفضل، وبه قطع البغوي.
قال المصنف: وهو ظاهر النص، يعني قول الشافعي في المختصر: وأحب أن يتولى الرجل قسمتها بنفسه؛ ليكون على يقين من أدائها عنه. هذا نصه، وهو ظاهر فيما قاله المصنف، وتأوله الأكثرون القائلون بالأول، على أن المراد أنه أولى من الوكيل، لا من الدفع إلى الإمام، وتعليله يؤيد هذا التأويل؛ لأن أداءها عنه يحصل بيقين بمجرد الدفع إلى الإمام وإن جار فيها لا إلى الوكيل، أما إذا كان الإمام جائرا فوجهان حكاهما المصنف والأصحاب:
أحدهما: الدفع إليه أفضل لما سبق. وأصحهما: التفريق بنفسه أفضل، ليحصل مقصود الزكاة، هكذا صححه الرافعي والمحققون. . .
فرع: قال الرافعي حكاية عن الأصحاب: لو طلب الإمام زكاة الأموال الظاهرة وجب التسليم إليه بلا خلاف. . . وأما الأموال الباطنة فقال الماوردي: ليس للولاة نظر في زكاتها، بل