الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أمثلتها في الحيوان: الجرب، والعمى، والعض، والرفس (1)، ومن أمثلتها في الدور: انكسار خشب السقف إذا كان من خشب، تصدع الجدران، وعدم الطريق (2)، ومن أمثلتها في السيارات إذا اشتراها جديدة: الاستعمال ولو يسيرا، أو تغيير بعض أجهزتها، أو بعض أجزائها، كعجلاتها، أو أبوابها، أو غير ذلك (3).
(1) روضة الطالبين 3/ 61، وخيار المجلس والعيب للدكتور الطيار ص 149، 150.
(2)
خيار المجلس والعيب للدكتور الطيار ص 151.
(3)
خيار المجلس والعيب للدكتور الطيار ص 153، 154.
المسألة الأولى: حكم اشتراط البراءة من العيب:
صورة المسألة والتمثيل لها: أن يبيع شخص عينا من الأعيان كدار، أو آلة، أو حيوان، ويشترط على المشتري البراءة من كل عيب فيها، أو من عيب معين لغرض من الأغراض (1).
وقال الدكتور عبد الله الطيار في صورتها: أن يشترط البائع على المشتري التزام كل عيب يجده في المبيع على العموم (2).
ومثالها: اشترى زيد من عمرو سيارة، وقال عمرو لزيد عند العقد: بعت هذه السيارة على أن أكون بريئا من دعوى العيب، فاشتراها زيد على هذا الشرط.
(1) ينظر في ذلك في الجملة: القوانين الفقهية ص 207، وبداية المجتهد 2/ 184.
(2)
ينظر خيار المجلس والعيب في الفقه الإسلامي ص 155.
تحرير محل النزاع:
يجب على البائع أن يبين للمشتري كل عيب يعلمه في المبيع ولا يجوز له كتمه، قال صاحب المغني في كلامه على مسائل الخيار:". . . أحدها أن من علم بسلعته عيبا لم يجز بيعها حتى يبينه للمشتري، فإن لم يبينه فهو آثم عاص. . " ثم ساق الأدلة على ذلك (1). فإذا فعل ذلك، أي بين للمشتري العيب، وأوقفه عليه فقد برئ منه، ولزم المشتري، ولا رد له بذلك العيب، وهذا بالإجماع.
جاء في مراتب الإجماع: " واتفقوا أنه إذا بين له البائع بعيب فيه، وحد مقداره ووقفه عليه إن كان في جسم المبيع فرضي بذلك أنه قد لزمه، ولا رد له بذلك العيب ".
(1) ينظر: المغني 6/ 224، 225، كما ينظر الهداية لأبي الخطاب 1/ 142 وغيرهما.
الخلاف في المسألة:
فإن شرط البراءة من العيب مع علمه به ولم يبينه، أو مع عدم علمه فقد اختلف أهل العلم في براءته بهذا الشرط على سبعة أقوال:
القول الأول: أن هذا الشرط صحيح، ويبرأ به البائع مطلقا. روي ذلك عن زيد بن ثابت (1) وابن عمر (2)، وبه قال الحنفية، وهو قول للشافعية.
وهو رواية عن الإمام أحمد، خرجها بعضهم من قوله
(1) سيأتي تخريج قوله في الأدلة إن شاء الله.
(2)
سيأتي بيان قوله في قصته مع عثمان- رضي الله عنهم في الأدلة إن شاء الله.
بجواز البراءة من المجهول.
القول الثاني: أن هذا الشرط باطل، ولا يبرأ به البائع إلا فيما علمه من العيب فسماه للمشتري، فأبرأه منه كما تقدم في أول المسألة.
وبهذا قال إبراهيم النخعي، والحكم (1).، وحماد (2)،
(1) ذكر ذلك عنه ابن قدامة في المغني 6/ 265
(2)
ذكر ذلك عنه ابن قدامة في المغني 6/ 265.
والحسن. والشعبي. وهو قول للشافعية.
وهو المشهور من الروايات عن الإمام أحمد، وهو المذهب عند أصحابه، وعليه جمهورهم.
قال المرداوي عن قول ابن قدامة: " وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب لم يبرأ "(1). " وهذا المذهب في ذلك بلا ريب، وعليه جماهير الأصحاب. . . "(2)
(1) ينظر: المقنع ص 102.
(2)
ينظر: الإنصاف 4/ 359.
وبه قال ابن حزم (1).
القول الثالث: لا يصح الشرط، ولا يبرأ به البائع إلا فيما أراه ووضع يده عليه وبهذا قال عطاء، وشريح،
(1) ينظر: المحلى 9/ 41، 44.
وطاووس (1).
وذكره السبكي في تكملة المجموع رواية عن الإمام أحمد (2)، ولم أعثر عليها في كتب أصحابه (3).
القول الرابع: لا يصح هذا الشرط، ولا يبرأ به البائع إلا إذا عينه البائع وسماه إلا في الرقيق خاصة فإنه يصح إذا لم يعلم، ولا يصح إذا علم.
وهذا هو المشهور من الروايات عن الإمام مالك.
القول الخامس: لا يصح هذا الشرط، ولا يبرأ به البائع إلا
(1) ذكر ذلك عنه السبكي في تكملة المجموع 12/ 356.
(2)
ينظر: تكملة المجموع 12/ 357.
(3)
وحتى الكتب التي تعتني بجميع الروايات كالإنصاف، والفروع، وغيرهما.
من العيب الباطن الذي لم يعلمه في الحيوان والرقيق، أما الظاهر والباطن الذي علمه فلا يبرأ. وهذا هو الأظهر من الأقوال عند الشافعية.
القول السادس: لا يصح هذا الشرط ولا يبرأ به البائع إلا في الحيوان والرقيق. وهذا رواية عن الإمام مالك (1).
وهذا القول قريب من سابقه إلا أنه يعمم الحكم في الحيوان والرقيق.
القول السابع: أن البائع يبرأ بالشرط مما لم يعلمه من العيب عند البيع، ولا يبرأ مما علمه عنده. وهو رواية عن الإمام أحمد. واختارها شيخ الإسلام ابن تيمية (2)، وتلميذه ابن
(1) تنظر في: الكافي لابن عبد البر 1/ 713، وبداية المجتهد 2/ 184.
(2)
ينظر: الاختيارات ص 124. كما ذكر أن هذا اختيار المرداوي في الإنصاف 4/ 359.
القيم - عليهما رحمة الله-.
الأدلة في المسألة:
أدلة أصحاب القول الأول:
واستدل أصحاب هذا القول بأدلة من السنة، وآثار الصحابة رضي الله عنهم والمعقول:
أولا: من السنة:
1 -
ما روته أم سلمة رضي الله عنها قالت: «أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان خصمان في مواريث لهما لم تكن لها بينة إلا دعواهما، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع منه، فمن قضيت له من
حق أخيه بشيء فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة من نار ". فبكى الرجلان، وقال كل واحد منهما: حقي لك، فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: "أما إذ فعلتما ما فعلتما فاقتسما، وتوخيا الحق، ثم استهما، ثم تحالا (1)».
2 -
وجه الاستدلال:
أن الحديثين يدلان على أن البراءة من الحقوق المجهولة جائزة، والبراءة من العيب براءة من حق مجهول، فتجوز (3).
وقال في المبسوط عن حديث علي " فهذا دليل جواز الصلح عن الحقوق المجهولة "(4).
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الأقضية- باب في قضاء القاضي إذا أخطأ 3/ 301، الحديث رقم 3584، وسكت عنه. والإمام أحمد في مسنده 6/ 325. وأصله في الصحيحين.
(2)
ذكر ذلك ابن هشام في سيرته على شكل غزوة طويلة 4/ 70 وأصله بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة في صحيح البخاري في كتاب المغازي- باب بعث النبي- صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة 5/ 107.
(3)
ينظر: المغني 6/ 265.
(4)
ينظر: المبسوط 13/ 92.
3 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المسلمون على شروطهم (1)» (2).
وجه الاستدلال:
أن هذا الحديث عام في جواز الاشتراط، فيدخل في عمومه شرط البراءة من العيب فيصح.
مناقشة هذا الحديث: نوقش من وجهين:
الأول: أنه حديث باطل، لا يصح (3).
الإجابة عن هذا الوجه: يجاب بعدم التسليم ببطلانه، بل هو صحيح، فقد صححه صاحب إرواء الغليل وقال بعد أن ذكر طرقه: " وجملة القول أن
(1) أخرجه أبو داود في سننه في كتاب الأقضية- باب في الصلح 3/ 304، الحديث رقم 3594 واللفظ له، وسكت عنه. والدارقطني في سننه في كتاب البيوع 3/ 27، الحديث رقم 96. والبيهقي في سننه الكبرى في كتاب الشركة- باب الشروط في الشركة وغيرها 6/ 78، وفي كتاب الوقف باب الصدقة على ما شرط الواقف من الأثرة والتقدمة والتسوية 6/ 166. والحاكم في المستدرك في كتاب البيوع 2/ 49، وسكت عنه، وقال الذهبي في تلخيصه:" ضعفه النسائي، ومشاه غيره ". وقد رواه بالإضافة إلى أبي هريرة عائشة، وأنس بن مالك، وعمر بن عوف، ورافع بن خديج، وعبد الله بن عمر، وله ألفاظ متعددة، وفيه زيادات.
(2)
استدل بذلك ابن حزم في المحلى 9/ 44، والسبكي في تكملة المجموع 12/ 362.
(3)
ينظر: المحلى 9/ 44، وتكملة المجموع للسبكي 12/ 363.
الحديث بمجموع هذه الطرق يرتقي إلى درجة الصحيح لغيره " (1).
الثاني: أنه لو صح لم يكن لهم فيه حجة، لأن شروط المسلمين ليست إلا الشروط التي نص الله تعالى على إباحتها ورسوله صلى الله عليه وسلم، لا الشروط التي لم يبحها الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل (2)» (3)
(1) ينظر: إرواء الغليل 5/ 146، الحديث رقم 1303.
(2)
أخرجه من حديث عائشة رضي الله عنها في قصة بريرة- رضي الله عنها المشهورة، البخاري في صحيحه في كتاب المكاتب- باب المكاتب ونجومه. . . . 3/ 126، وباب ما يجوز من شروط المكاتب. . . . 3/ 126 - 127، وباب استعانة المكاتب وسؤاله الناس 3/ 127، وفي كتاب الشروط- باب الشروط في الولاء 3/ 177، وفي مواضع أخرى، ومسلم في صحيحه في كتاب العتق- باب إنما الولاء لمن أعتق 2/ 1141، 3/ 1143، الأحاديث 6 - 9. وأبو داود في سننه في كتاب العتق- باب في بيع المكاتب إذا فسخت الكتابة 4/ 21، الحديث رقم 3929 والترمذي في سننه أبواب الوصايا- باب رقم 7 (بدون عنوان) 3/ 295، الحديث رقم 2207. والنسائي في سننه في كتاب البيوع- باب المكاتب يباع قبل أن يقضي من كتابته شيء 7/ 305، 306، الحديث رقم 4656. وابن ماجه في سننه في كتاب العتق- باب المكاتب 2/ 842، 843، الحديث رقم 2521 باللفظ المذكور. ومالك في الموطأ في كتاب الولاء والعتق- باب مصير الولاء لمن أعتق 2/ 780، 781 - الحديث رقم 17. والإمام أحمد في مسنده 6/ 206، 213، 271 - 272. وغيرهم
(3)
ينظر: المحلى 9/ 44، تكملة المجموع للسبكي 12/ 363.
الإجابة عن هذا الوجه:
يجاب عنه بأن الأصل جواز الاشتراط لهذا الحديث، ولا يلزم لصحة اشتراط الشرط أن يكون منصوصا عليه من الله ورسوله صلى الله عليه وسلم بل الذي يلزم ألا يكون مخالفا لما جاء عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما جاء في بعض روايات الحديث «إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا (1)» .
وأما «كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل (2)» فمعناه كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل، قال ابن عمر، أو عمر:" كل شرط خالف كتاب الله فهو باطل "(3).
جاء في فتح الباري: " وهنا أراد تفسير قوله: (ليس في كتاب الله) وأن المراد به ما خالف كتاب الله "(4).
ولم يرد عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ما يدل على عدم جواز شرط البراءة من العيب إلا إذا كان البائع قد علم به فكتمه لما فيه من الغش والتدليس.
ثانيا: الآثار عن الصحابة- رضي الله عنهم:
1 -
ما روي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه باع غلاما له بثمانمائة درهم، وباعه بالبراءة، فقال الذي ابتاعه
(1) سنن الترمذي الأحكام (1352)، سنن ابن ماجه الأحكام (2353).
(2)
صحيح البخاري البيوع (2168)، صحيح مسلم العتق (1504)، سنن أبو داود العتق (3929)، موطأ مالك العتق والولاء (1519).
(3)
أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الشروط- باب المكاتب وما يحل من الشروط التي تخالف كتاب الله 3/ 184.
(4)
ينظر: فتح الباري 5/ 188، 353، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية كما جاء في مجموع فتاواه 29/ 347.
لعبد الله بن عمر: بالعبد داء لم تسمه لي، فاختصما إلى عثمان بن عفان، فقال الرجل: باعني عبدا وبه داء لم يسمه لي، قال عبد الله بن عمر: بعته بالبراءة، فقضى عثمان بن عفان على عبد الله بن عمر أن يحلف له لقد باعه العبد وما به داء يعلمه، فأبى عبد الله بن عمر أن يحلف، وارتجع العبد، فباعه بعد ذلك بألف وخمسمائة درهم.
وجه الاستدلال:
وجه الاستدلال بهذا الأثر أنهم اتفقوا على جواز البيع بشرط البراءة من العيب، وإنما اختلفوا في صحة الشرط، فيستدل باتفاقهم على جواز البيع، وبقول النبي صلى الله عليه وسلم:«المسلمون على شروطهم (1)» على صحة الشرط (2).
(1) تقدم تخريجه قبل قليل.
(2)
ينظر المبسوط 13/ 92.
مناقشة هذا الدليل: يناقش بأنه لا ملازمة بين صحة البيع وصحة الشرط، فقد يصح أصل العقد ويبطل الشرط، وفي حديث عائشة رضي الله عنها المتقدم أبطل النبي صلى الله عليه وسلم الشرط ولم يبطل العقد، وأما الحديث فقد جاء في آخره في بعض رواياته:". . . «إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا (1)» وشرط البراءة إذا كان مع علم البائع بالعيب وكتمه له فقد أدى إلى تحليل الحرام وهو الغش والتدليس، جاء في تكملة المجموع: " قال الإمام: الضابط فيما يحرم من ذلك أن من علم شيئا يثبت الخيار فأخفاه فقد فعل محرما" (2).
2 -
ما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أنه كان يرى البراءة من كل عيب جائزا
(1) تقدم تخريجه قبل قليل.
(2)
ينظر تكملة المجموع للسبكي 12/ 118.
مناقشة هذا الدليل:
الأول: أنه غير ثابت، قال يحيى بن معين: حديث شريك عن عاصم بن عبد الله عن زيد بن ثابت: البراءة من كل عيب براءة، ليس يثبت، تفرد به شريك وكان في كتابه عن أشعث بن سوار، وسئل ابن المبارك عن هذا الحديث فقال: أجاب شريك عن غير ما كان في كتابه، ولم نجد لهذا الحديث أصلا (1).
الثاني: أنه رأي لزيد، وقد خالفه فيه غيره من الصحابة.
ثالثا: المعقول:
1 -
أن هذا الشرط إسقاط حق، والإسقاط لا يفضي إلى المنازعة، فيجوز مع الجهالة (2).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بعدم التسليم بأن ذلك لا يفضي إلى المنازعة مطلقا، بل قد يفضي إليها إذا كان العيب فاحشا يتعذر معه الانتفاع بالمبيع، أو تعددت العيوب.
كما أن المانع من ذلك لا يقتصر على الإفضاء إلى المنازعة، بل هناك جانب آخر وهو حصول الغبن عند وجود العيب، حيث إن العين لا تساوي الثمن الذي حصل به البيع، والله أعلم.
(1) ذكر ذلك البيهقي في سننه الكبرى بعد ذكر الأثر 5/ 328.
(2)
ينظر في: الهداية للمرغيناني 3/ 41، وتبيين الحقائق 4/ 43، والاختيار 2/ 21.
2 -
أنه عيب رضي به المشتري، فبرئ منه البائع، كما لو أوقفه عليه (1).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بعدم التسليم بمماثلة ذلك لإيقاف المشتري على العيب، لأن الوقوف تزول به الجهالة، وينتفي به الغبن، والغرر بخلاف ذلك.
كما أن هذا الدليل يرد له: كان هناك إعلام من البائع بالعيب، مع أن الخبر ليس كالمعاينة كما هو معلوم.
3 -
أن البراءة من العيب إسقاط حق لا تسليم فيه، فصح من المجهول، قياسا على العتاق، والطلاق.
مناقشة هذا الدليل:
يناقش من ثلاثة وجوه:
الأول: أن اشتراط البائع البراءة من عيب يعلمه وقد كتمه تدليس وغش، لأن البراءة المطلقة لا تعني وجود العيب، وليس فيها العلم بمقداره، ولذا فإن اشتراط ذلك يفضي إلى المنازعة.
الثاني: أن القياس على العتاق والطلاق قياس مع الفارق، لأن البيع عقد معاوضة، وكل صفة في المبيع لها مقابل من الثمن
(1) ينظر في: المهذب 1/ 395.
بخلاف العتاق والطلاق (1).
الثالث: أن الطلاق والعتاق يصح تعليقهما، فصحا في المجهول، بخلاف الرد بالعيب (2).
4 -
أن القيام بالعيب حق من حقوق المشتري قبل البائع، فإذا أسقطه سقط، أصله سائر الحقوق الواجبة (3).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن الإبراء يختلف عن سائر الحقوق، لأن سائر الحقوق ملك للشخص، فيصح إبراؤه منها، ولا يضر جهالة قدرها ونوعها، بخلاف الإبراء من العيب فإن إسقاط الحق لم يملكه.
أدلة أصحاب القول الثاني:
استدل أصحاب هذا القول بأدلة من السنة، والمعقول:
أولا: السنة:
1 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم «نهى عن
(1) ينظر: بيع المزاد للدكتور عبد الله المطلق ص 76، 77.
(2)
ينظر: تكملة المجموع للسبكي 12/ 363.
(3)
ينظر: بداية المجتهد 2/ 184.
بيع الغرر (1)».
2 -
ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من حمل علينا السلاح فليس منا، ومن غشنا فليس منا (2)» .
وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم «مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها، فنالت أصابعه بللا، فقال: " ما هذا يا صاحب الطعام؟ " قال: أصابته السماء يا رسول الله، قال: " أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس؟ من غش فليس مني (3)» .
(1) أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب البيوع - باب من قال: يجوز بيع العين الغائبة 3/ 1153، الحديث رقم 4. وأبو داود في سننه في كتاب البيوع - باب بيع الغرر 3/ 254، الحديث رقم 3376. والترمذي في سننه في أبواب البيوع - باب ما جاء في كراهية بيع الغرر - 2/ 349، الحديث رقم 1248. والنسائي في سننه في كتاب البيوع - باب بيع الحصاة 7/ 262، الحديث رقم 4518. وابن ماجه في سننه في كتاب التجارات - باب النهي عن بيع الحصاة 2/ 739، الحديث رقم 2194. والدارمي في سننه في كتاب البيوع - باب النهي عن بيع الغرر 2/ 251. والإمام أحمد في مسنده 2/ 250، 376، 436، 439، 496.
(2)
أخرجه مسلم في صحيحه في كتاب الإيمان - باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من غشنا فليس منا " 1/ 99، الحديث رقم 164 بهذا اللفظ.
(3)
أخرجه بهذه القصة مسلم أيضا في صحيحه في الكتاب والباب السابقين 1/ 99، واللفظ له. وأبو داود في سننه كتاب البيوع - باب ما جاء في كراهية الغش في البيوع 2/ 389، الحديث رقم 1329. وابن ماجه في سننه في كتاب التجارات - باب النهي عن الغش 2/ 749، الحديث رقم 2224. والإمام أحمد في مسنده 2/ 242، 417.
وجه الاستدلال بهذين الحديثين:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الغرر والغش في البيع، والبيع بشرط البراءة لا يخلو من الغرر والغش.
قال في بداية المجتهد: " وحجة من لم يجزه [يعني البيع بشرط البراءة] على الإطلاق أن ذلك من باب الغرر فيما لم يعلمه البائع، ومن باب الغبن والغش فيما علمه "(1).
مناقشة هذا الاستدلال:
أن القول بأن البراءة من العيوب التي لا يعلمها من باب الغرر غير صحيح، لأن السلعة قائمة، ووسائل معرفتها متوفرة، وإذا كان البائع لا يعرف شيئا بسلعته فإن بإمكانه أن يشترط على المشتري إسقاط حقه من خيار العيب بالبراءة (2).
وأما القول بالغبن والغش فيما علمه فلا يرد هذا على القول بعدم الصحة عند العلم بالعيب حين الاشتراط عند العقد.
3 -
ما رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) ينظر: بداية المجتهد 2/ 184.
(2)
ينظر: بيع المزاد للدكتور عبد الله المطلق ص 78.
وجه الاستدلال:
أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البيع مع الاشتراط فيه، وشرط البراءة من العيب اشتراط في البيع، فيدخل في عموم هذا النهي، فلا يصح.
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأنه ضعيف كما في تخريجه، فلا يصح الاحتجاج به.
قال في المغني: " ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع وشرط، وإنما الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شرطين في بيع "(3).
4 -
ما رواه عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
(1) أخرجه ابن حزم في المحلى 8/ 415 في قصة حصلت بين ابن أبي ليلى وابن شبرمة مع أبي حنيفة. وقد ذكره الخطابي في معالم السنن 3/ 146، وابن حجر في تلخيص الحبير 3/ 12، والزيلعي في نصب الراية 4/ 17، 18. وقال ابن حجر في التلخيص:" بيض له الرافعي في التذنيب، واستغربه النووي، وقد رواه ابن حزم في المحلى والخطابي في المعالم، والطبراني في الأوسط، والحاكم في علوم الحديث ". وقال الزيلعي في نصب الراية: " قال ابن القطان: وعلته ضعف أبي حنيفة في الحديث ".
(2)
ذكر استدلالهم به السبكي في تكملة المجموع 12/ 363.
(3)
ينظر: المغني 6/ 165، 166.
قال: «لا يحل لامرئ مسلم يبيع سلعة يعلم أن بها داء إلا أخبر به (1)» .
وجه الاستدلال:
أن هذا الحديث يدل على أنه لا بد من تحديد العيب وإعلام المشتري به، فلا يبرأ البائع باشتراط البراءة.
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأنه يدل صراحة على وجوب الإعلام بالعيب عند العلم به من قبل البائع، وهذا لا ينافي صحة اشتراط البراءة من العيب عند عدم العلم به.
ثانيا: المعقول:
1 -
أن شرط البراءة من العيب شرط يرتفق به أحد المتبايعين، فلم يصح مع الجهالة كالأجل المجهول.
2 -
أنه شرط يرتفق به أحد المتبايعين، فلم يصح مع الجهالة،
(1) أخرجه البخاري في صحيحه معلقا في كتاب البيوع - باب إذا بين البيعان ولم يكتما ونصحا 3/ 10. ووصله ابن ماجه في سننه في كتاب التجارات - باب من باع عيبا فليبينه 2/ 755، الحديث رقم 2246. وقال الإمام ابن حجر في فتح الباري 4/ 311: " إسناده حسن ".
كالرهن المجهول (1).
مناقشة هذين الدليلين:
عند التأمل في هذين الدليلين يتضح أن مقتضاهما عدم صحة الشرط للجهالة، وقد ناقش ذلك صاحب المبسوط من وجهين:
الأول: أن نفس الجهالة لا تمنع صحة الالتزام، ولكن جهالته تفضي إلى تمكن المنازعة، ألا ترى أن التمليك يصح في هذا وهذا أضيق من الإسقاطات.
الثاني: أن الجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة التمليك، كجهالة القفيز من الصبرة، فلأنه لا يمنع صحة الإسقاط أولى، فالسقوط يكون متلاشيا لا يحتاج فيه إلى التسليم، والجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة أولى (2).
3 -
أن شرط البراءة إسقاط لخيار العيب، وخيار العيب إنما يثبت بعد البيع، فلا يسقط بإسقاطه، كالشفعة فإنها لا تسقط إذا أسقطها قبل البيع (3).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بعدم التسليم، بأن الشفعة لا تسقط بالإسقاط قبل
(1) ينظر في: المهذب 1/ 295، وتكملة المجموع للسبكي 12/ 363.
(2)
ينظر في المبسوط 13/ 92، 93.
(3)
ينظر في: الفروع 4/ 61، والاختيارات الفقهية ص 124، وكشاف القناع 3/ 196، 197.
البيع، بل تسقط، بدليل حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال:«قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة (2)، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به» فمفهوم هذا الحديث أن الشريك إذا آذن شريكه بالبيع لا حق له بالشفعة (3)(4).
4 -
أن خيار العيب ثابت بالشرع، فلا ينفى بالشرط، كسائر
(1) أخرجه بهذا اللفظ مسلم في صحيحه في كتاب المساقاة - باب الشفعة 3/ 1229. والنسائي في سننه في كتاب البيوع - باب الشركة في الرباع 7/ 320، الحديث رقم 4701. وأخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الشفعة - باب الشفعة فيما لم يقسم فإذا وقعت الحدود فلا شفعة 3/ 47 وغيره بلفظ: " قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة ".
(2)
(1) أو حائط قال ابن الأثير: الحائط البستان. (ينظر: النهاية في غريب الحديث 1/ 462.
(3)
ينظر: المبدع 5/ 212.
(4)
ذكر هذه المناقشة الدكتور عبد الله المطلق في كتابه " بيع المزاد " ص 77.
مقتضيات العقد (1).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن الشرع أثبت الخيار للمشتري بجعله حقا من حقوقه، والحقوق تسقط بإسقاط مستحقيها، ولذلك إذا لم يشترط البائع البراءة ووجد عيبا ورضي به المشتري سقط حقه في الخيار.
5 -
أن من باع بالبراءة من العيوب فلا يخلو من أن يكون أراد بذلك أن لا يقام عليه بعيب إن وجد، وأنه بريء منه فقد ذكرنا أن البيع هكذا باطل، أو يكون أراد فيه كل عيب فهذا باطل بيقين، لأن الحمى عيب وهي من حر، والفالج عيب وهو من برد، وهما متضادان، وكل بيع انعقد على الكذب والباطل فهو باطل، لأنه انعقد على أنه لا صحة له إلا بصحة ما لا صحة له، فلا صحة له (2).
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بعدم التسليم بأن البيع بشرط عدم البراءة باطل، بل هو صحيح كما سيأتي في المسألة الثالثة إن شاء الله، ويبرأ به
(1) ينظر في: فتح العزيز مع المجموع 8/ 339، وتكملة المجموع للسبكي 12/ 363.
(2)
ينظر في: المحلى 9/ 44.
البائع إن لم يكن عالما بالعيب فكتمه، ولا يكون البيع منعقدا على الكذب والباطل إلا إذا كان فيه علم بالعيب وكتم له من قبل البائع. أدلة أصحاب القول الثالث:
الظاهر أنهم يستدلون على عدم صحة البراءة بما استدل به أصحاب القول الثاني واستدلوا أيضا على قولهم بما يلي:
ما رواه أبو عثمان النهدي قال: " ما رأيتهم يجيزون من الداء إلا ما بينت ووضعت يدك عليه "(1) فالظاهر أنه يقصد بذلك الصحابة، قال في تكملة المجموع:" وأبو عثمان النهدي كبير أدرك جميع الصحابة وفاتته الصحبة بشيء يسير، والإسناد إليه في هذا جيد "(2).
مناقشة هذا الدليل:
قال صاحب المحلى في مناقشته له: " وأما نحن فلا نقطع بالظنون، ولا ندري لوضع اليد معنى، ومثل هذا لا يؤخذ إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا غيره "(3).
(1) أخرجه ابن حزم في المحلى 9/ 42.
(2)
ينظر: تكملة المجموع للسبكي 12/ 356.
(3)
ينظر: المحلى 9/ 42
كما يمكن مناقشته بأنه قد ورد عن بعض الصحابة - إن كان القائل يقصدهم - ما يخالف ذلك كما تقدم عن ابن عمر وعثمان، وزيد بن ثابت، ولا حجة في قول الصحابي إذا خالفه فيه صاحبي آخر.
أدلة أصحاب القول الرابع:
أولا: أدلتهم على عدم جواز شرط البراءة في غير الرقيق:
الظاهر أنهم يستدلون على ذلك بما استدل به أصحاب القول الثاني.
ثانيا: دليلهم على القول بجواز الاشتراط في الرقيق إذا عين العيب وسماه:
استدلوا على ذلك بآثار الصحابة، والمعقول:
فمن آثار الصحابة:
قصة ابن عمر رضي الله عنهما التي تقدمت في أدلة أصحاب القول الأول، وقضاء عثمان رضي الله عنه فيها (1).، (2). .
وجه الاستدلال بها: أن عثمان رضي الله عنه طلب اليمين من ابن عمر رضي الله عنهما، وحكم عليه لما امتنع منها، وهذا يدل على أنه يبرأ إذا لم يعلم ولا يبرأ إذا علم، إذ لو
(1) تقدم تخريجها في أدلة أصحاب القول الأول
(2)
وممن ذكر الدليل لهم: الباجي في المنتقى شرح الموطأ 4/ 179، وابن رشد في بداية المجتهد 2/ 184
كان لا يبرأ مطلقا لما كان لطلب اليمين فائدة، ولو كان يبرأ مطلقا لما قضى عثمان رضي الله عنه عليه.
مناقشة هذا الدليل: نوقش من وجوه:
الأول: أن هذا رأي لعثمان رضي الله عنه وقد خالفه فيه غيره من الصحابة.
الثاني: أنه ليس في هذه القصة ما يدل على قصر الحكم على الرقيق، لعدم وجود دليل على أن الحكم سيتغير لو كان الذي به عيب غير رقيق، والأصل العموم في الأحكام، وعثمان رضي الله عنه لم يقل: إن هذا الحكم خاص بالرقيق (1). .
الثالث: أنه قد ورد في بعض روايات القصة ما يفيد التعميم، فقد جاء عن سالم. عن أبيه عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه باع سلعة كانت له بالبراءة. . .، فساق القصة إلى أن قال: وقضى عثمان عليه باليمين أنه ما باعه وبه داء يعلمه، فكره ابن عمر اليمين وارتجع السلعة (2). .
قال في المحلى: " فهذا عموم لكل بيع، وإسناده متصل،
(1) ينظر: الشروط في البيع للدكتور صالح السلطان ص 339
(2)
أخرجه ابن حزم في المحلى 9/ 42، 43 مناقشا به
سالم عن أبيه " (1).
ومن المعقول:
أن الرد بالعيب مبني على علم البائع بالعيب وتدليسه، وما استوى فيه علم البائع والمبتاع فلا سبيل إلى الرد به، والرقيق يكتم عيوبه ولا يظهرها، سترا على نفسه، ورغبة في بقائه في محله، فيستوي علم البائع والمشتري، فلا يثبت الرد (2). .
مناقشة هذا الدليل: نوقش بعدم التسليم بأن الرد مبني على علم البائع بالعيب وتدليسه، بل للمشتري أن يرد المعيب ولو لم يعلم البائع بالعيب إذا تحقق أن العيب حادث عنده (3). .
أدلة أصحاب القول الخامس:
أولا: أدلتهم على عدم صحة البراءة في غير الرقيق والحيوان، وفيما علمه فيهما: - الظاهر أنهم يستدلون على عدم صحة الشرط وعدم البراءة به في غير الرقيق والحيوان، وفي الظاهر والباطن الذي علمه في الرقيق والحيوان بما استدل به أصحاب القول الثاني على عدم صحة الشرط وعدم البراءة به مما لم يعلمه البائع، أو علم ولم يسقه ويوقف المشتري عليه.
ثانيا: أدلتهم على صحة الشرط والبراءة به من العيب
(1) ينظر المرجع السابق 9/ 43.
(2)
ينظر: المنتقى شرح موطأ الإمام مالك 4/ 180، وبداية المجتهد 2/ 184 باختصار
(3)
ينظر: المبدع 4/ 87
الباطن الذي لم يعلمه في الحيوان والرقيق.
استدلوا على ذلك بآثار الصحابة، والمعقول:
فمن آثار الصحابة:
قصة ابن عمر رضي الله عنهما وقضاء عثمان رضي الله عنه (1).،. - فيها.
وجه الاستدلال:
أن عثمان رضي الله عنه فرق في العيب بين المعلوم وغيره، لأنه طلب اليمين على عدم العلم، ولو لم يكن هناك فرق بينهما لما طلبه، إذ ليس لطلبه إذن فائدة (2). .
والحيوان يأخذ حكم الرقيق عندهم، قال في مغني المحتاج بعد ذكر القضية المذكورة:" دل قضاء عثمان رضي الله عنه على البراءة في صورة الحيوان المذكورة "(3). .
مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجوه:
الأول: أنها قضية عين، فلا يقصر الحكم عليها.
الثاني: لو قلنا بالتسليم بأن الحكم في قضايا الأعيان يقصر
(1) سبق تخريجها في أدلة أصحاب القول الأول
(2)
ينظر: فتح العزيز مع المجموع 8/ 339
(3)
ينظر: مغني المحتاج 2/ 53
فيها الحكم عليها لكان الحكم هنا مقصورا على الرقيق دون غيره من الحيوان (1). .
الثالث: أن هذا رأي لعثمان رضي الله عنه وقد خالفه فيه غيره من الصحابة، قال في المحلى:" وهذا عجيب جدا إذ قلد عثمان ولم يقلد ابن عمر "(2). .
ومن المعقول:
أن الحيوان يتغذى بالصحة والسقم، وتتحول طبائعه، وقل ما يبرأ من عيب يظهر أو يخفى، فيحتاج البائع إلى هذا الشرط؛ ليثق بلزوم البيع فيما لا يعلمه من العيوب الخفية. .
مناقشة هذا الدليل: يناقش من وجهين:
الأول: أنه لا يرد بالعيب إلا إذا ثبت حدوثه عند البائع.
الثاني: أن مراعاة جانب البائع ليس أولى من مراعاة جانب المشتري (3). .
ثالثا: دليلهم على عدم صحة الشرط وعدم البراءة به من غير العيب الباطن في الرقيق والحيوان:
أن ما يعلمه البائع مطلقا في الحيوان وغيره فيه تلبيس على
(1) ينظر: الشروط في البيع للدكتور صالح السلطان ص 238
(2)
ينظر: المحلى 9/ 42
(3)
ينظر: الشروط في البيع للدكتور صالح السلطان ص 238
المشتري، فلا يبرأ منه البائع وما لا يعلمه من الظاهر منهما يندر خفاؤه عليه، فلا يبرأ منه (1). .
أدلة أصحاب القول السادس:
الظاهر أنهم يستدلون على عدم صحة الشرط وعدم البراءة به في غير الرقيق والحيوان بما استدل به أصحاب القول الثاني على عدم صحة الشرط وعدم البراءة به مما لم يعلم البائع أو علمه ولم يسقه ويوقف المشتري عليه.
ويستدلون على صحته والبراءة به في الرقيق والحيوان بما سبق في أدلة أصحاب القول الأول من فعل ابن عمر رضي الله عنهما في قصته مع عثمان رضي الله عنه في بيع الرقيق.
ووجه استدلالهم به:
أن ابن عمر رضي الله عنهما احتج عند الخصومة باشتراط البراءة من العيب عند البيع، واعتبر ذلك حجة في عدم استحقاق المشتري للرد، وكان ذلك في الرقيق، وغيره من الحيوان يأخذ حكمه.
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن هذا رأي لابن عمر رضي الله عنهما وقد خالفه فيه غيره من الصحابة. كما يمكن مناقشته بما سبق من مناقشة أصحاب القولين الثالث والرابع له.
(1) ينظر: فتح العزيز مع المجموع 8/ 340، ومغني المحتاج 2/ 53
أدلة أصحاب القول السابع: استدل أصحاب هذا القول بما سبق أن استدل به أصحاب القول الأول من قصة عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مع عثمان رضي الله عنه في بيع الرقيق (1). .
ووجه استدلالهم به:
أن ابن عمر قد اشترط البراءة عند بيعه، فطلب منه عثمان الحلف أنه لم يعلم بالعيب عند البيع، فامتنع ابن عمر، فحكم عليه عثمان بالرد، فدل ذلك على أن البائع إذا اشترط البراءة ولم يعلم بالعيب صح الشرط وبرئ، وإن علم فكتمه لم يصح الشرط ولم يبرأ.
وهذا الحكم لا يقتصر على الرقيق والحيوان بل يشمل غيرهما، قال في المغني بعد ذكر الواقعة السابعة:" ولا فرق بين الحيوان وغيره، فما ثبت في أحدهما ثبت في الآخر "(2). .
مناقشة هذا الدليل:
يناقش بأن هذا رأي لعثمان رضي الله عنه وقد خالفه فيه غيره من الصحابة.
كما يمكن الاستدلال لهم على صحة الشرط والبراءة به فيما لم يعلمه البائع بما استدل به أصحاب القول الثالث والله أعلم.
(1) ذكر هذا الدليل لهم ابن قدامة في المغني 6/ 265، والكافي 2/ 63، وابن مفلح في المبدع 4/ 61
(2)
ينظر المغني 6/ 265
الترجيح:
بعد التأمل في هذه المسألة، والأقوال فيها، والأدلة، والمناقشات الواردة عليها ظهر لي أن الراجح من الأقوال - والله أعلم بالصواب - هو القول السابع القائل بصحة اشتراط البراءة من العيب عند البيع والبراءة به إذا لم يكن البائع علم بالعيب ولا يبرأ مما علمه فكتمه، وذلك لما يلي:
1 -
موافقته لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «المسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما، أو حرم حلالا (1)» . .
وشرط البراءة إذا لم يكن مع علم البائع بالعيب وكتمه فإنه لا يحل حراما، ولا يحرم حلالا.
2 -
موافقته لقضاء عثمان بن عفان رضي الله عنه.
3 -
أن فيه جمعا بين الأدلة الواردة في النهي عن كتمان العيب والغش والغرر، وبين الأدلة التي تجيز البراء من المجهول، ومتى أمكن الجمع بين الأدلة فهو أولى.
وهذا القول هو ما رجحه كثير من المحققين من أهل العلم ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم كما تقدم، وقد جاء في الاختيارات قول شيخ الإسلام:
" والصحيح في مسألة البيع بشرط البراءة من كل عيب، والذي قضى به الصحابة، وعليه أكثر أهل العلم أن البائع إذا
(1) تقدم تخريجه في أدلة أصحاب القول الأول