المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌دراسة تحليلية تراث عبد الله النديم الفكري متعدد الجوانب فمنه التراث - مجلة التنكيت والتبكيت - جـ ١

[عبد الله النديم]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌دراسة تحليلية

- ‌ثبت المصادر والمراجع

- ‌أولاً: وثائق غير منشورة:

- ‌ثانيًا: المخطوطات:

- ‌ثالثًا: المصادر والمراجع العربية:

- ‌رابعًا: مراجع أجنبية:

- ‌خامسًا: الدوريات:

- ‌العدد 1

- ‌إعلان

- ‌تنبيهات

- ‌أيها الناطق بالضاد

- ‌مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي

- ‌تذكار

- ‌عربيٌّ تفرنج

- ‌سهرة الانطاع

- ‌تخريفة

- ‌محتاج جاهل في يد محتال طامع

- ‌لا تصدقني ولو حلفت لك

- ‌غفلة التقليد

- ‌تبصرة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 2

- ‌انذار صادر عن لسان الانسانيه

- ‌تنبهات

- ‌اضاعة اللغة تسليم للذات

- ‌جرايد الاخبار

- ‌هف طلع النهار

- ‌كم في الزوايا خبايا

- ‌معروض فرللريدركه

- ‌جواب عن سوال

- ‌تخريفة

- ‌حكمة

- ‌لطيفة

- ‌شكر القبول

- ‌تقاريظ من محبي الآداب

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 3

- ‌ايقاظ

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌اعتراضات على التنكيت

- ‌تسمية البهيم بالمتوحش

- ‌مجلس انس

- ‌حوادث خارجية

- ‌حوادث داخلية

- ‌روى عن امه التخريف طفلاً

- ‌التماس عذر

- ‌منثورات

- ‌تذكار

- ‌مسئلة

- ‌التجارة

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌مراسلة

- ‌الفهرس

- ‌شروط المراسلة

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 4

- ‌اخطار

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌حر الكلام كلام الحر

- ‌درس تهذيب تحاور به تلميذٌ

- ‌نهاية البلادة

- ‌عادة قبيحة الفناها

- ‌عادة جميلة فقدناها

- ‌جهل العواقب جالب العواطب

- ‌النجم ذو الذنب

- ‌مراسلات الجهات

- ‌جمعية التوفيق الخيري

- ‌الجمعية الخيرية بدمنهور

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌اعتراض على التبكيت

- ‌اظهار المخبأ

- ‌اخبار داخلية

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 5

- ‌اعلان

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌كيف ظهرت وانا لك بالمرصاد

- ‌كلمة غيور على لغته

- ‌النجم ذو الذنب

- ‌منام يعرض على النبهاء لتعبير يلتمسه

- ‌عمدة سكران بميت غمر

- ‌رسالة مصطفى ماهر

- ‌افتتاح مدرسة الجمعية الخيرية

- ‌مسئلة حسابية

- ‌حوادث خارجية

- ‌الفهرس

- ‌اعلان

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 6

- ‌تنبيه

- ‌رجاء

- ‌استعطاف

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌متى يستقيم الظل والعود اعوج

- ‌اسمعوا واعجبوا

- ‌ثمرة الاجتماع

- ‌النبيه والفلاح

- ‌التاجر الحمار والفلاح المكَّار

- ‌تابع افتتاح المدرسة الخيرية بدمنهود

- ‌التجارة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 7

- ‌الحجاز

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌اياكِ اعني يانفسي فسمعي وعي

- ‌اتبع الحق وان عز عليك ظهوره

- ‌الذئاب حول الاسد

- ‌رواية الوطن وطالع التوفيق

- ‌تهذيب البنات من الواجبات

- ‌قد يدرك الحيوان ما لا يدركه الانسان

- ‌رسالة

- ‌عرضي لجناب الخديوي

- ‌المراسلات

- ‌محفل سياسي حشاشي

- ‌اخبار داخلية

- ‌سكران طينه

- ‌تلغرافات التنكيت

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌التجارة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 8

- ‌اعلان

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌اعلان

- ‌تهذيب البنات من الواجبات

- ‌العاقل من اتعظ بغيره

- ‌بعدا للقوم الظالمين

- ‌الفرق بين التمدن الشرقي والاوروبي

- ‌عادة شرقية

- ‌تغفيلة

- ‌المزة المطهرة

- ‌المراسلات

- ‌كفر الزيات

- ‌رسالة في جريدة العصر الجديد

- ‌أسئلة

- ‌برهان تقدم الامم الشرقية

- ‌افوكاتو جاهل لم يحسن وضع اسمه

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 9

- ‌تحفة

- ‌التماس

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌سامح اخاك اذا خلط

- ‌لغز

- ‌تهذيب البنات

- ‌ذهاب العقل باستعمال المكيفات

- ‌عادة شرقية ومقابلتها غربية

- ‌استكشافات ومخترعات جديدة

- ‌دمنهور

- ‌افوكاتو جاهل لم يحسن وضع اسمه

- ‌حمل زجل عال

- ‌المراسلات

- ‌تلغرافات التنكيت

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 10

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌لا انت انت ولا المثيل مثيل

- ‌سلطنة التخريف

- ‌مجلس ادبي

- ‌المتيم المتحوف

- ‌تغفيلة وجهاله

- ‌الحبيبيه

- ‌حل اللغز

- ‌رواية الكونت مونغوميري

- ‌ميت غمر

- ‌اخبار داخلية

- ‌اخبار الجنينة

- ‌المراسلات

- ‌اخبار اخر ساعة

- ‌مخترع جديد

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 11

- ‌تخريفه مدنيه

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌التجرة البائرة

- ‌اماتك من اسلمك للجهالة

- ‌لك مني بقدر مالي من الانسانة

- ‌وصية نديم لاحد ابنائه

- ‌قطمير

- ‌وداع وتهنئة

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 12

- ‌تعريف

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌الاعتدال طريق النجاح

- ‌نهاية الصداغه

- ‌آفة السكوت

- ‌وداع وعزاء وتعذير

- ‌تلميذ العجايز

- ‌كفر الشيخ

- ‌الوشي المرقوم في حل المنظوم

- ‌جمعية الصنايع والفنون الخيرية

- ‌لغز

- ‌المراسلات

- ‌حديث خرافة

- ‌أخبار داخلية

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 13

- ‌جمعية الصنايع والفنون الخيرية

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌لطيفة

- ‌شيخ زفتي او جاهلها

- ‌نكته ادبية

- ‌حل اللغز

- ‌نادرة

- ‌الولاية الخرافية

- ‌الارشادات الجلية في التذكر الطبية

- ‌كلمة عاقل

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 14

- ‌لفته

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌درس تهذيبي

- ‌صيام الشيخ عشماوي

- ‌توحش الانسان

- ‌عادة شرقية ومقابلتها غربية

- ‌جاهل الكذب

- ‌لغز

- ‌تقدم البلاد

- ‌فكاهات

- ‌اخبار داخلية

- ‌شروط المراسلات

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 15

- ‌بقية من بقايا التخريف

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌السن الخطباء تحيي وتميت

- ‌الخطبة

- ‌المولد الاحمدى

- ‌حل اللغز

- ‌قصيدة حسن بك حسني

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 16

- ‌تخريفة بلدية

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌تهذيب الاخلاق يطهر الاذواق

- ‌المسجد الاحمدي

- ‌قصيدة عبد الله أفندي

- ‌ مصر

- ‌رسالة من الحكيم شبلي أفندي شميل

- ‌لغز

- ‌اعتذار

- ‌كم فينا من النبهاء

- ‌فاني

- ‌رأيت فوق ما سمعت

- ‌رسالة أدبية

- ‌شروط المراسلة

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 17

- ‌عجائب وغرائب

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌درس تهذيبي

- ‌مسامرات ادبية

- ‌المحاسن التوفيقية

- ‌نبذة من تاريخ الهمام احمد بك عرابي

- ‌البشرى

- ‌تقريع الاغبياء

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 18

- ‌اشارة

- ‌وكلا الصحيفة

- ‌سيف النصر

- ‌وصية وطنية

- ‌التفنن في السرقة

- ‌حل اللغز

- ‌لغز

- ‌همم وطنية

- ‌المفيد

- ‌مسألة حسابية

- ‌الفانوس السحري

- ‌شروط المراسله

- ‌شروط الاشتراك

- ‌العدد 19

- ‌صورة كتاب أحمد بك عرابي إلى إدارة المطبوعات

- ‌المصرية

- ‌وكلاء الصحيفة

- ‌الديبا والعرب

- ‌ليالى الانس

- ‌تعصب الروساء

- ‌حل اللغز

- ‌لغز

- ‌شروط المراسلة

- ‌شروط الاشتراك

الفصل: ‌ ‌دراسة تحليلية تراث عبد الله النديم الفكري متعدد الجوانب فمنه التراث

‌دراسة تحليلية

تراث عبد الله النديم الفكري متعدد الجوانب فمنه التراث الصحفي وهو ما كتبه النديم من مقالات في صحفه الثلاثة التي أسسها وحملت اسمه والمسماه "التنكيت والتبكيت" و"الطائف" و"الأستاذ" وما كتبه أيضاً في صحف عصره مثل "العصر الجديد" و"التجارة" و"مصر" و"المحروسة" ومنه مؤلفاته (1) التي تفتقت عنها قريحته خصوصًا خلال الأزمات السياسية التي تعرض لها سواء أثناء إختفائه داخل قرى مصر ونجوعها حوالى عشر سنوات حيث ألف كتابه المعنون "كان ويكون" ومخطوطه المعنون "تاريخ مصر في هذا العصر" أو في أثناء وجوده في منفاه داخل عاصمة الدولة العثمانية حيث ألف "المسامير" في هجاء أبو الهدى الصيادي يضاف إلى ذلك ما جمعه عبد الفتاح نديم من تراث أخيه ونشره تحت عنوان "سلافة النديم في منتخبات السيد عبد الله النديم" ومنها خطبه المتعددة سواء التي ألقاها قبيل الثورة العرابية أو خلالها، ومنها وثائقه الخاصة بدوره في التمهيد للثورة العرابية وخلالها، ودور الجهاز المشرف على اختفائه بعد انتكاسة الثورة، وتخبط أجهزة الحكومة في تحرياتها على النديم هذا بالإضافة إلى مراسلاته إلى عرابي بعد نفيه إلى سيلان والخاصة بضرورة توحيد الكلمة ولم الشمل بينه وبين زملائه في النفي.

ومع أن هذا التراث يمثل ذخيرة فكرية وقومية هامة لأحد الرجال الذين لعبوا دورًا هامًا وحيويًا في تاريخ مصر، فإنه كاد يبلى مع عوامل الزمن وأهوائه، ومن هنا فقد رأى مركز وثائق وتاريخ مصر المعاصر جمع هذا التراث وتقديمه إلى الناطقين بلغة الضاد مذيلاً بمقدمة تحليلية مني لكل قسم منه.

(1) عن هذه المؤلفات انظر:

عبد الفتاح نديم: سلافه النديم في منتخبات السيد عبد الله النديم ج 1 القاهرة - مطبعة هندية. الطبعة الثانية 1914 ص 20 - 21.

ص: 5

وطبقا للتسلسل الزمني والموضوعي في جمع هذا التراث فقد رأينا أن نبدأ بتراث النديم الصحفي، خصوصًا وأن هذا التراث هو الذي بدأ به النديم الاتصال بسواد الشعب المصري في محاولة منه لتكوين رأي عام، ونجح في ذلك إلى حد كبير لدرجة أن لقبه البعض بأنه صحفي القرن التاسع عشر بلا منازع، ولقبه البعض الآخر بأنه أذكى ناقد لأوربا في مصر (2)، وقبل أن نتعرض لهذا التراث ينبغي أن نتطرق إلى نشأة النديم ومصادر ثقافته.

ولد عبد الله النديم بالإسكندرية في عام 1843 ونشأ في أسرة كادحة حيث لعب الفقر دوره في حياته الأولى وتآزرت العوامل التي جعلته يشعر بآلام شعبه فقد كان والده خبازًا يصنع الخبز ويبيعه ويحصل من ذلك على مقدار الحاجة من العيش البسيط هو وأسرته، وتربى النديم في مسكن متواضع في حارة ضيقة من حواري حي الجمرك بالإسكندرية وأرسله والده إِلى كتاب الحي لتعلم مباديء القراءة والكتابة فبرز بين أقرانه، وظهر نبوغه حيث أعانته موهبته على سرعة الفهم والحفظ، ولما كانت أحوال والده المادية ضعيفة أحجم عن إرساله إلى الأزهر، واستبدل بذلك إرساله إِلى الجامع الأنور لقربه من منزله، ولكن النديم لم يصبر طويلاً على الدراسة في هذا الجامع حيث أحس بجفافها وعقم الطريقة التي تدرس بها فضلاً عن رداءة الكتب كما وجد في نفسه ميلاً واستعدادًا لشيء لا يستطيع منه خلاصًا ولا عنه انصرافًا وهو الأدب فخرج من الجامع إلى الشارع أو إلى الحياة الواقعية فكانت بمثابة الجامعة التي تعلم منها كثيرًا وشاهد فيها كثيرًا واغترف منها ما يشبع مزاجه وهوايته في الأدب فأحاط بالحياة الشعبية، وسمع الأمثال والحكايات من شعراء الربابة ونوادر الظرفاء كما ارتاد النديم المنتديات والمقاهي والمجالس الأدبية التي كانت تعقد في بيوت الأثرياء، وفي حوانيت التجار المحبين للأدب يتطارحون الشعر وغير ذلك من فنون الأدب فنزل النديم إلى هذه الحلبة وفاق أقرانه وتفوق على أساتذته واشتهر أمره حيث برزت قدراته الخطابية والكتابية ولما سمع النديم

(2) Gamal M. Ahmed: The Intllectual

Origins Of Egyptian Nationalism P.68.

ص: 6

بجمال الدين الأفغاني حضر مجلسه فاستهوته أفكاره الجريئة لذلك تردد على حلقته، وانخرط في سلك تلاميذه وتعلم منه حرية البحث والنقد والجرأة في الدفاع عن الحق فتشبع بمباديء الوطنية وتشرب منه مباديء الحريهَ.

ولما لاحظ الأفغاني في النديم نبوغه وقوة حجته في المناظره والجدل وسرعة بديهته ووضوح دليله إن كتب أو خطب أخذ يدربه وأعطاه من وقته وإهتمامه الكثير لثقته في أنه سيكون الرجل المؤثر في عواطف الجماهير.

وهكذا يتضح أن النديم ثقف نفسه ثقافة حرة واسعة النطاق وغير مقيدة بمنهج دراسي أو غيره مما جعله موسوعيًا في فكره فكتب في الأديان والحكمة والتاريخ والأدب كما التجأ إلى النشاط السياسي وعمل على توسيع قاعدة النضال الوطني بتحويل المجتمع كله إلى قوة وطنية ضاربة ونتيجة لذلك قدم النديم أفكاره عن طريق الصحافة في محاولة منه لتكوين رأى عام يقف ضد الظلم الواقع على أبناء مصر سواء من الداخل أو الخارج، وشجعه الأفغاني على ذلك.

وقد نالت مقالات النديم الصحفية إعجاب الناس لأنها كانت غريبة عليهم من حيث الأفكار والجرأة في التعبير، كما كانت جديدة عليهم من ناحية الأسلوب الذي تناول فيه النديم الأحوال السياسية التي مرت بها مصر بأسلوب رمزي (3) اتخذ فيه من بعض الكائنات غير الإنسانية ستارًا لبث أفكاره ومبادئه حيث لم تتح له ظروف مصر السياسية ما يريد أن يقوله بطريق مباشر.

ولم يقتصر النديم على ذلك بل اتجه إلى تأسيس صحيفة تحمل إلى الناس أفكاره، واستطاع الحصول على إذن من رياض باشا رئيس النظار في ذلك الوقت بإصدار جريدة تحت عنوان التنكيت والتبكيت وعن ذلك قال "إجتمعت برياض باشا في مصر، وقد أضمر لي الأضر فنافقته ونافقني، وجاذبته الحديث فوافقني حتى أخذت منه إذا بجريدة التنكيت وما أردت إلا

(3) للتفاصيل انظر: د. عبد المنعم الجميعي: عبد الله النديم ودوره في الحركة السياسية والإجتماعية. القاهرة - دار الكتاب الجامعي 1985 ص 422 - 424.

ص: 7

التبكيت، وقصدت أن تكون لساني إذ تركت الجمعية ليكون لي في كل بلد محافل خطابية" (4).

وفي مطبعة جريدتي المحروسة والعصر الجديد في الإسكندرية صدر العدد الأول من التنكيت والتبكيت في يوم الأحد 6 يونيو 1881 صحيفة وطنية إسبوعية أدبية هزلية في هيئة كراسة بهدف تسهيل جمعها في مجلد في آخر كل سنة (5) وقد كتب اسم هذه الصحيفة في الجزء العلوي من الغلاف بالخط النسخ بحجم كبير ، وزين العنوان هلال ونجمة.

وعن موضوعات الجريدة وغايتها فقد أوضحها النديم في إفتتاحيته للعدد الأول منها حيث قال "إنما هي صحيفة أدبية تهذيبية تتلو عليك حكمًا وآدابًا ومواعظ وفوائد ومضحكات بلغة سهلة لا يحتقرها العالم ولا يحتاج معها الجاهل إلى تفسير"(6) و"تصور لك الوقائع والحوادث بصورة ترتاح إليها النفوس وتميل، ويخبرك ظاهرها المستحسن المستهجن بأن باطنها له معان مألوفة، وينبهك نقابها الخلق بأن تحته جمالاً يعشق وحسنًا تذهب الأرواح في طلبه".

ويضيف النديم بجانب ذلك قوله "ولا تظن مضحكاتها هزءًا بنا ولا سخرية بأعمالنا فما هي إلا نفثات مصدور وزفرات يصعدها مقابلة حاضرنا بماضينا".

وعن أسلوب الصحيفة فقد ذكر النديم أنه ليس منمقًا بمجازات واستعارات ولا مزخرفًا بتورية واستخدام، ولا مفتخرًا بدقة قلم محرره، وفخامة لفظه وبلاغة عباراته، ولا معبرًا عن غزارة علمه وتوقد ذكائه وإنما هو "أحاديث تعودنا عليها، ولغة الفنا المسامرة بها لا تلجئك إلى قاموس الفيروز بادي، ولا تلزمك مراجعة التاريخ ولا نظر الجغرافيا، ولا تضطرك لترجمان يعبر لك عن موضوعها، ولا شيخ يفسر لك معانيها فهي في مجلسك كصاحب

(4) د. محمد أحمد خلف الله. عبد الله النديم ومذكراته السياسية. القاهرة الانجلو المصرية 1956 ص 55.

(5)

التنكيت والتبكيت: العدد الأول في 6 يونيو 1881 ص 3.

(6)

نفسه.

ص: 8

يكلمك بما تعلم، وفي بيتك كخادم يطلب منك ما تقدر عليه، ونديم يسامرك بما تحب وتهوى" (7).

وعن مقالات النديم في هذه الصحيفة فقد صور فيها بأسلوب سهل يفهمه الخاصة والعامة معًا الحياة المصرية في حزنها وضحكها وما فيها من سخرية ورثاء في قسمين قسم للتنكيت بمعنى السخرية التي لحقت بالمصريين، وقسم للتبكيت بمعنى توبيخهم على ما وصلوا إليه من عيوب فكانت صحيفة مؤثرة في موضوعاتها وأسلوبها تناولت آفات المجتمع بأسلوب التزم اللغة السهلة البسيطة، كما احتوت على قوالب متعددة مثل القصص الرمزية، والنوادر والزجل، والمحاورات، والأبحاث الهادفة التي فتحت أمام الكثيرين آفاقًا من فنون القول والمعرفة.

ومع أن النديم كان ينتقد أبناء وطنه فقد كان يأبى أن يقلل أجنبي من شأنهم لذلك هاجم على صفحات جريدته كل من حاول أن يقلل من شأن المصريين من الأجانب (8).

ولم تقتصر هذه الصحيفة على كتابات النديم فقد وجه الدعوة إلى كتاب عصره بأن يوافوه بمقالاتهم على النمط الذي اختطه لجريدته قائلا "كونوا معي في المشرب الذي التزمته، والمذهب الذي انتحلته أفكارًا تخيلية، وفوائد تاريخية، وأمثال أدبية، وتبكيت ينادي بقبح الجهالة وذم الخرافات"(9).

وعن فن الإخراج الصحفي لهذه الجريدة فيبدو أن النديم مثله كمثل الكثيرين من صحفي ذلك العصر لم يراع فن التبويب، وإخراج الصفحات لذلك كانت صحيفته عبارة عن صفحات مكتوبة لا يفصل الموضوع عن الآخر إلا عنوان الموضوع التالي، كما كانت موضوعاتها متداخلة في كثير من الأحيان، وإن كان يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام رئيسية هي:

(7) نفسه ص 3.

(8)

للتفاصيل: انظر د. عبد المنعم الجميعي: المرجع السابق ص 380 وما بعدها.

(9)

التنكيت والتبكيت: العدد الأول في 6 يونيو 1881 ص 2.

ص: 9

1 -

موضوعات ركزت على نقد تصرفات الحكام والأجانب، وتذكير المصريين بأمجادهم، ودعوتهم إلى التصدي للعادات والتقاليد الوافدة من أوربا إلى المجتمعات الشرقية وإيضاح مثالبها.

2 -

موضوعات حملت على أوضاع المجتمع المصري الفاسدة وخصوصًا الخرافات.

3 -

موضوعات ركزت على الدفاع عن مصر وشعبها ولغتها، وعن الوطنية والدين.

وعن أهم المقالات التي ركزت على القسم الأول نذكر "مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي"(10) و"الذئاب حول الأسد"(11) و"عربي تفرنج"(12).

وعن المقالات التي ركزت على القسم الثاني نذكر "خد من عبد الله واتكل على الله " و"أماتك من أسلمك للجهالة" و"شيخ زفتى أو جاهلها" و"تخريفة الجنون فنون" و"حديث خرافة" و"هف طلع النهار".

وعن موضوعات القسم الثالث نذكر "إضاعة اللغة تسليم للذات" و"سيف النصر نحو عدو مصر" و"نبذة من تاريخ الهمام أحمد بك عرابي" و"المحاسن التوفيقية أو تاريخ مصر الفتاة أو زفاف الحرية في مصر" و"وصية وطنية".

واللافت للنظر أن النديم قد وفق في إختيار عناوين مقالاته فجمع فيها بين الجاذبية والواقعية إلى حد كبير مما دفع مفكراً مثل عباس العقاد إلى أن يلقبه بملك العناوين (13).

وعن تحليلنا لمقالات النديم في القسم الأول يتضح أنه عرض في مقال "مجلس طبي على مصاب بالإفرنجي" بأسلوب رمزي الأضرار التي حاقت

(10) التنكيت والتبكيت: العدد الأول ص 4 - 6.

(11)

التنكيت والتبكيت: العدد السابع ص 111 - 112.

(12)

التنكيت والتبكيت: العدد الأول ص 7 - 8.

(13)

آخر ساعة في 14/ 8/1957 تحت عنوان "حياة قلم".

ص: 10

بمصر من جراء توريط الخديو إسماعيل لها وحملة مسئولية التدهور الذي وصلت إليه البلاد، موضحًا أن طريق الخلاص لا بد أن يأتي من داخل البلاد فصور مصر بشخص صحيح البنية قوي الأعصاب جميل الصورة لطيف الشكل تسلل إليه أحد المضللين -يقصد بهم الأجانب- وأوقعه في مهاوي الرذيلة حتى إصفر وجهه، وارتخت أعضاؤه، وذهبت بهجته وتسلمه المرض، وغارت عيناه وتشوه وجهه فأخذ يبكي وينتحب ويندب حظه ثم تنفس تنفس الضعيفْ ورمق من حوله بعين لا يكاد يتحرك جفنها وقال لهم بصوت خفي إنكم تركتموني لصاحبي -يقصد الخديو إسماعيل- يدور بي فعرضني على من لم أعرف طبعه ولا عاداته ولا لغته ووكل بي من يغرني ويسلك بي سبيل الغواية فلم أجد بدًا من الموافقة ودرت معه في أماكن اللهو -يقصد الإستدانه- حتى أصبت بالداء الإفرنكي (14).

وبعد أن شرح النديم حالة هذا المريض أيقن بأن علاجه سيكون محليًا بقوله على لسان المريض "أعالج نفسي بحشائش تربتي وعقاقير أرضي من يد أطباء بلادي وصيادلة دياري".

وهكذا شخص النديم الداء في الخديو إسماعيل الذي جلب الأجانب الذين لا يعرفون طبيعة المصريين ولا عاداتهم، وكان بارعًا في التورية بكلمة "الداء الإفرنجي" دقيقًا في تصويره للمشكلة (15).

أما عن الدواء والعلاج فقد شخصهما النديم بأنهما محليان وموجودان داخل مصر في النهاية.

وهكذا يتضح أن النديم قسم مقاله إلى ثلاثة أقسام:

1 -

مرحلة ما قبل تولي الخديو إسماعيل حكم مصر، وفيها كانت مصر صحيحة البنية قوية الأعصاب جميلة الصورة لطيفة الشكل.

(14) التنكيت والتبكيت: العدد الأول ص 5.

(15)

د. على الحديدي: عبد الله النديم خطيب الوطنية.

ص: 11

2 -

مرحلة عصر إسماعيل وتغلغل النفوذ الأجنبي، واضطراب أحوال البلاد، ووقوعها في الديون وتسرب الأفكار والعادات الدخيلة عليها.

3 -

مرحلة الإصلاح وفيها يمسك أبناء البلاد زمام الأمور فيشخصون الداء ويوصون بالدواء المستخرج من أرض مصر وتربتها (16).

وعن تنبؤ النديم بقيام حركة إصلاحية تصلح المعوج من الأحوال وتعيد الأمور إلى نصابها كتب مقالاً بعنوان "الذئاب حول الأسد" صور فيه أمجاد مصر في العهود الغابرة وقارنها بما آلت إليه أحوالها من تدهور وتأخر فشبهها في صورة الأسد الذي يكتب تاريخه وهو "كاسف البال باكي العين متغير اللون"(17) لتغلب الوحوش وصغار الحيوانات عليه حتى آل الأمر إلى أسد إستطاع رأب الصدع بعد أن كانت الأمور مختلة لدرجة أصبحت عندها تهابه النمور وتخشاه الفهود.

وعن خطورة تقليد الأجانب وإنتقاد العادات السلبية الواردة من الغرب كتب النديم مقالاً بعنوان "عربي تفرنج" تحدث فيه عن شاب من أبناء الفلاحين سماه زعيط أرسلته الحكومة إلى أوربا لتلقي العلم، وبعد أن أتم دراسته عاد إلى بلاده متبرمًا بعادات قومه وأخلاقياتهم، فنهر والده عندما أخذه بالحضن وقبلَّه شأن الوالد المحب لولده، ولم يكتف بذلك بل أخذ يذم أهله بنعوت مقذعة حيث قال لوالده "أنتم يا أبناء العرب زي البهايم"(18) يضاف إلى ذلك أنه نسي لغته العربية. وقد وصف النديم هذا الشاب بأنه لم يتهذب صغيرًا، ولم يعرف حقوق وطنه، ولا حق لغته، ولا قدر شرف أمته، ونعته باللئيم الجاهل بحق الوطن (19).

وهكذا ومن خلال الأسلوب السهل المؤثر أوضح النديم خطورة الأحوال التي تردت إليها مصر من جراء تسلط الخديو والأجانب عليها، وإستطاع أن يبرزه في حكايات تقبلتها النفوس وفهمها القاريء العام والقاريء المثقف معًا.

(16) علي عباس: عبد الله النديم صحافته وفكره - رسالة ماجستير غير منشورة ص 303

(17)

التنكيت والتبكيت: العدد السابع في 24 يوليو 1881 ص 111.

(18)

التنكيت والتبكيت: العدد الأول ص 8.

(19)

نفسه.

ص: 12

وعن الموضوعات التي حملت على العادات الفاسدة في المجتمع المصري وحاربت الخرافات فقد تعرض لها النديم، وبين أضرارها فتعرض للشعوذة والمشعوذين، والإحتيال والكذب، والبدع التي تسمم بها النساء العجائز أفكار الشابات مثل الندب والصراخ خلف الميت والجلوس على المقابر والزار وغير ذلك من البدع (20) التي لا تتفق لا مع أصول الدين، ولا مع شعب يبغي السير في مسيرة الحضارة والتقدم.

وعن الشعوذة والمشعوذين دعا النديم الناس إلى الحذر من ضاربي الرمل الذين أفسدوا عقول الناس فصارت "لعبة في أيدي المحتالين"(21) وطالبهم بالإنطلاق في أثر الشعوب المتقدمة كما هاجم هؤلاء المشعوذين وحذرهم من أنهم سيكشف أمرهم بقوله "مهلاً أيها المشعوذ فقد جاءك التنكيت والتبكيت يظهر مخبئاتك وما أنت عليه من الإضلال والإفك، فما أضرنا إلا شعوذتك فلو تعلمت صنعة غير هذه لكانت أشرف لك"(22).

وحذر النديم الأهالي من خطورة الإلتجاء إلى مدعي الطب من المشعوذين، والإلتجاء إلى الأطباء الذين تلقوا العلم الذي يؤهلهم لعلاج المرضى، وذلك في مقاله "أماتك من أسلمك للجهالة" الذي أوضح فيه أن أحد شبان زفتى قد أصيب بالجنون بسبب إدمانه للحشيش فاستحضر له والده دجالاً من مدعي الطب، ولم يستمع إلى نصيحة من نصحه بإستدعاء طبيب من البندر بقوله "خليها بالبركة شي لله يا سيد، الحكيم رايح يعمل أيه"(23) وقد قام الدجال بدق ثوم ووضعه في أذن المريض كما "وضع محرقة على ظهره، ووضع عامودًا صغيرًا من الحديد في النار حتى أحمر وكلما تأوه المريض ضربه على رأسه"(24) حتى ساءت حالته وقد استنكر النديم ذلك وانتقد والد المريض، ووصف ما فعله بالجهل وبالغرابة الخارجة عن التصور الإنساني السليم.

وحول هذا الموضوع أيضاً، ورغبة من النديم في تحذير أبناء وطنه من الإلتجاء إلى المشعوذين في حل مشاكلهم أو الإستماع لأقوالهم ضرب مثلاً آخر

(20) حول هذا الموضوع انظر د. عبد النعم الجميعي: المرجع السابق ذكره ص 310.

(21)

التنكيت والتبكيت في 19 يونيه 1881 ص 28 تحت عنوان "خذ من عبد الله واتكل على الله".

(22)

التنكيت والتبكيت العدد السابع في 24 يوليو 1881 ص 117.

(23)

التنكيت والتبكيت: العدد الحادي عشر في 11 اغسطس 1881 ص 173 تحت عنوان "أماتك من أسلمك للجهالة".

(24)

نفسه ص 173 - 174.

ص: 13

على ذلك قائلاً أن رجلاً مقيمًا في ميت غمر "حفر بركة وأشاع أن ماءها يشفي من كل داء، فهرع إليه الناس من كل بلد حتى ضاقت ميت غمر بالوفود، وكان يعطي الإبريق بعشرة قروش، ويأخذ الخادم عشرة قروش، وعشرة قروش أخرى ثمن البن، ونذر الشيخ عشرة قروش ثم يظهر التعفف، ويقول أنه يعالج الناس إبتغاء مرضاة الله؟ وقد امتدت شهرة هذا الرجل فقصده الناس من كافة الأرجاء وأغرب ما روى من علاجه للعاقر "أنه يأمر المرأة أن تنام على ظهرها ثم يضرب

بيده ويقول (أنت مأذون بالحبَلْ) ولما علا صيت هذا الرجل، وعرفت الحكومة به أمرت بطرده والتنبيه عليه بإبطال هذه الأكاذيب وقد علق النديم على ذلك بقوله "هل بمثل الجهالة نضارع الأمم المتمدنة"(25).

وعن خطورة الدجالين على تقدم المجتمع أوضح النديم في مقاله المعنون "شيخ زفتى أو جاهلها" فذكر أنه بعد دعوته لإنشاء المدارس أثناء تجواله بزفتى وميت غمر خرج من هؤلاء رجل يدعي أنه من أهل العلم صار يمر في الطرقات والمجامع ويقول "المدارس من محدثات الأمور، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار"(26) ثم أخذ يخوف الناس من المدارس بقوله أنها "تزيغ العقائد وتفسد الأخلاق فتبعه خلق كثيرون من أوباش زفتى ورعاعها يؤيدون قوله وينشرون مفترياته"(27).

وقد ناشد النديم أمثال هؤلاء الناس بالكف عن الخرافات التي أفسدت العقول والأخلاق.

وعن الكذب والتخريف وتخريب عقول الناس بإبعاد أدبهم الشعبي عن هدفه هاجم النديم مروجي هذه الآفات فكتب تحت عنوان "تخريفة الجنون فنون" مقالاً ذكر فيه أن أحد المحتالين جلس على قهوة، وأخذ يقرأ تخاريف سماها قصه عنترة "فاجتمع إليه عدد كبير من الرعاع والهمج الذين ولعوا

(25) التنكيت والتبكيت: العدد الحادي عشر في 11 أغسطس 1881 ص 174.

(26)

التنكيت والتبكيت: العدد الثالث عشر في 11 سبتمبر 1881 ص 208.

(27)

نفسه.

ص: 14

بسماع الأكاذيب والخرافات فلما رآهم منصتين إليه أخذ يفتري عبارات ينسبها إلى عنترة" (28).

وظل يتفنن في إختلاق الأكاذيب حتى اقترب الفجر، وقد انقسم المستمعون إلى فريقين، وكل فريق يدفع لهذا المحتال نقودًا ليؤيد مشربه حتى قال وبينما هم في قتال ونزال، وقد انكشف الغبار عن أسر عنترة، وسنخلصه في الليلة المقبلة قال له أحد المستمعين من الجهلاء لا بد أن تخلصه الآن، وخذ عشرة جنيهات فرفض المحتال وحدثت مشادة بينهما ثم ذهب المستمع الجاهل، وقد تذكر أن عنده قصة عنترة، ولكنه أمي لا يقرأ فقصد بيت ابنه، وأيقظه من النوم وهو يبكي وطلب منه أن يحضر الكتاب، ويخلص عنترة من الأسر وإلا قتل نفسه، ولما حاول الإِبن إقناع والده بأن هذه القصة من وحي الخيال، وبها تخاريف وما عنترة إِلا عبد أسود أخذ شهرة بما صنعه من قتل بعض الناس بلا حق قام الرجل وضرب ابنه بعصاه حتى سال دمه، وحلف عليه بالطلاق ألا يبيت في المنزل فخرج الإِبن يسب الجهل وأصحابه قائلا "لا شك أن الجنون فنون"(29).

وعن عادة الإتكال على الغير والتكاسل والجبن في مواجهة المواقف والتنصل من السئولية بإعتبار أن كل شيء يخضع للقضاء والقدر حذر النديم أبناء وطنه من هذه العادات الضارة وضرب لهم مثلاً على ذلك فذكر في مقال له بعنوان "نهاية البلادة - كلها عيشة وآخرها الموت"(30) وتمنى ألا يكون من بين المصريين من ينطبق عليه هذا المثل فقال أن رجلاً ذهب إلى قريه فاستضافه شيخها، ولما أقبل الليل ونام الرجل أحس بسارق يحاول خلع باب منزل الشيخ فأيقظ مضيفه وقال له إن بالباب لصًا يحاول خلع الباب وسرقة المنزل، فلم يهتم صاحب البيت بالأمر وقال لصاحبه "اللي على الجبين لازم تشوفه العين" و"المقدر كائن ولا بد من إنفاذه" ولما طلب منه صاحبه الإستعداد للمدافعة عن بيته ونفسه وأهله وماله رفض وقال له "توكل على سيدك ونام"

(28) التنكيت والتبكيت: العدد الأول في 6 يونيو 1881 ص 10.

(29)

نفسه.

(30)

التنكيت والتبكيت: العدد الرابع في 3 يوليو 1881 ص 56 - 58.

ص: 15

وجبن عن الوقوف في وجه اللص فقام صاحبه وأمسك اللص وشد وثاقه ومع ذلك لم يأبه صاحب البيت للأمر بل نام وقال لصاحبه "كلها عيشة وآخرها الموت".

وقد إتهم النديم صاحب البيت بالغباء، وعدم معرفة قدر نفسه وشرف بيته، وطالب أمثاله بالنظر إلى الإفرنج الذين يهاجرون من بلادهم ويتحملون المشاق لكسب الدراهم وذكرهم بأن المدنية والتقدم لا تحصل عليهما البلاد عن طريق الجبن والكسل بل ببذل الجهد والعمل.

وعن الخرافات الشائعة في ذلك الوقت باسم "الإستخارة" و"المندل" تحدث النديم عن إقبال الناس عليهما فذكر أن أحد الدجالين حضر من المغرب مدعيًا أنه عليم بالإستخارة والخرافة الذائعة في مصر باسم المندل فهب الناس قائمين إجلالاً له وذهب إليه الكثيرون ليكتب لهم خرافة من أساطير الأولين، فكانوا يأخذونها فرحين وألسنتهم تقول (خذ من عبد الله وتوكل على الله).

وقد نصح النديم أبناء وطنه بعدم الإعتقاد في هذه الخرافات التي تعطل الفكر والإرادة لأنها لو كانت صادقة ما بقي في الدنيا غامض ولا مخبأ ولا إعتمدت عليها المحاكم في كشف السرقات والجناة ولصار أصحاب هذه الخرافات من أغنى أغنياء الدنيا.

وقد ندب النديم الوطن لتواجد مثل هذه البدع والخرافات فيه فقال هل توجد مدنية على جانب من الجهل مثل مدنيتنا وعقائدنا الواهية. يقوم الغربي من رقاده باكرًا ويفتح عينيه على قوته العاملة، ويقوم الشرقي صحوة النهار إلى مشعوذ سخيف ينظر في مستقبله فينحرف هذا حتى يشبع ذاك مالاً.

كما انتقد النديم تقليد الناس. لبعض الأفراد دون النظر إلى النفعة التي ستعود عليهم من ذلك فقال تحت عنوان "غفلة التقليد"(31) أن "رجلاً بنى بيتًا

(31) التنكيت والتبكيت: العدد الأول في 6 يونيه 1881 ص 13 - 15.

ص: 16

وزخرفه وملأه بالأثاث والمتاع ثم دعا بعض أصدقائه إلى وليمة، وكان في جملة المدعوين أحد النبهاء، ولما انتهي بهم المجلس أخذ يقص عليهم مقدار ما صرفه في بناء هذا البيت وأنه اشترى خزانة كتب، وضع بها كتبًا بمائة جنية، ولما سئل عن الكتب التي يفضل قراءتها قال أنه لا يفضل منها شيئاً ولكنه دخل بيت الشيخ فلان والسيد فلان والحاج فلان والهمام فلان والأمير فلان فوجد في مضيفة كل منهم خزانة بها كتب وعليها ستارة خضراء وبجانبها منشة من الريش والخادم كل يوم ينفضها ويمسح الزجاج والخزانة فأحس أن هذا طراز جديد في بناء البيوت فرتب مضيفته مثلهم ليكون في صف المتمدينين" فلعن النبيه الجهل وسب التقليد قائلاً لقد "أصبح الكل نائمًا في غفلة التقليد" (32).

وعن علة الطلاق وإسراف المسلمين فيه وفي التزوج بأكثر من واحدة طالب النديم الحكومة ورجال الشرع بوضع حد له وأن يكون هناك نظامًا للطلاق حتى لا تتشرد الأسرات ويتحطم الأبناء وحتى لا يساء فهم الدين، وطالب من يتدخلون لفض النزاع في مثل هذه الحالات أن يكون تدخلهم للخير والإصلاح، ولا يحكمون على شيء قبل التروي حتى لا تشتعل نار الحقد بين العائلات بل يقومون بإصلاح ذات البين درءًا للمفاسد المترتبة على الخلاف والخصام لأن أكثر النزاع بين الناس يكون سببًا عن وشايات أرباب المفاسد، وسعايات سيء المقاصد.

وعن العادات البالية والخرافات التي يسمم بها العجائز أفكار الشابات من النساء حذر النديم في مقاله "تهذيب البنات من الواجبات" من أن الصراخ خلف الميت مخالف للدين والشرع فقال "لو علمت علم اليقين أن الولولة والندب خلف الميت لا يجوزان شرعًا لما حصل منهن ذلك ولما خرجن خلف الميت صارخات متهتكات صابغات وجوهن وأيديهن بالنيلة أو الطين بل كن يمتثلن لأمر الدين"(33)، كما هاجم جلوس النساء فوق المقابر، واتخاذهن من

(32) التنكيت والتبكيت: العدد السابق ص 15.

(33)

التنكيت والتبكيت: العدد التاسع في 7 أغسطس 1881 ص 143.

ص: 17

أيام الخميس والأعياد مهرجانًا يتزين فيه ويتبهرجن حتى يراهُن الشبان موضحًا أن ذلك لا يجوز شرعًا.

وانتقد النديم "الزار" الذي تهواه بعض النساء بحجة أن الشياطين يركبوهن فكتب مقالاً تحت عنوان "حديث خرافة"(34) قال فيه أن بعض من يثق فيه حدثه بتخريفة جرت في منزله قائلاً "بينما كان بمنزلي في أحد الأيام بعض من النساء، وإذا بجارية سوداء دخلت عليهن، ومعها امرأتان من تبعتها فقام النساء إجلالاً لها وأجلسنها في صدر مجلسهن، وبعد تناول الطعام بقليل بدأت المرأتان تغنيان وتطبلان، فأخذت الجارية في الإنتفاض ثم قامت من وسط المجلس وصاحت بصوت مزعج (السلام عليكم) فأجابها كل من بالمجلس (وعليكم السلام سيدنا الشيخ) ثم صارت كل واحدة تحييه بتحية غير الأخرى"، وأخيرًا حدد الشيخ طلباته "بإحضار ديك وفرخة سوداء من غير إشارة"(35).

وقد ندد النديم بما سمعه، واعتبره بدعة قبيحة مسيئة للمجتمع ولسمعة أفراده (36) وطالب بمدرسة تهذب فيها البنات حتى لا يسلكن طريق الأمهات حتى لا يسمع بعد ذلك حديث خرافة (37).

وعن محاربة الإسراف والتبذير والتحذير من مصاحبة إخوان السوء عرض النديم في قصته "هف طلع النهار" قصة شاب ورث عن والده الأموال الطائلة ونظرًا لمصاحبته لزملاء السوء أنفقها على الملاهي والندماء ولعب القمار والإنهماك في شرب الخمر والتردد على أماكن النساء حتى فرغت نقوده فأخد يبيع أطيانه، ويرهن بيوته ومجوهراته، وبعد أن نفد من عنده كل شيء فارقة الخلان - وتركه الخدم وعاش فقيرًا ذليلاً متبلد الفكر سيء الخلق يسأل الناس عن "لقمة أو سيجارة".

(34) التنكيت والتبكيت: العدد الثاني عشر في 4 سبتمبر 1881 ص 198.

(35)

نفسه ص 198.

(36)

عبد المنعم الجميعي: المرجع السابق ص 318.

(37)

التنكيت والتبكيت: المقال السابق ص 199.

ص: 18

وقد أرجع النديم ما حدث إلى عدم تهذيب هذا الإبن وتأديبه من الصغر ونصح بالإبتعاد عن رفاق السوء حتى لا ينادي أحد لسان الفقر وختم قصته بقوله "خد من التل يختل"(38).

وهكذا تناول النديم الآفات الإجتماعية التي لحقت بالمجتمع المصري بأسلوب مؤلم استخدم فيه التبكيت الذي كان لازمًا للإيقاظ والإنهاض لأن الإصلاح لا يتأتى إِلا من فهم الناس لأخطائهم وإيضاح الأسباب المعينة على العلاج لهم فقد هاجم النديم عادات وتقاليد أبناء وطنه في محاولة منه لتهذيبها فكان المصري الصادق الذي لا يتملق أبناء وطنه أو يداهنهم بل بصرهم بعيوبهم وعرض عليهم مشاكلهم وشاركهم في البحث عن أقصر الطرق لعلاجها في أسلوب واقعي جذاب يحمل بين دفتيه التنكيت والتبكيت معًا.

وعن الموضوعات التي تعرضت إلى التعليم وضرورة الإهتمام بإنشاء المدارس، وغرس دروس الوطنية في نفوس التلاميذ حتى يرتفع شأن الوطن ويرقى إلى مشارف المدنية كتب النديم على صفحات التنكيت والتبكيت مناشدًا الأغنياء المساهمة في إنشاء المدارس فقال "ما بالنا لا نتعاون على تشييد المدارس في بلاد أوقعها الجهل في مواقع الخسران مع العلم بأن المدارس هي الأصل الذي نبني عليه نجاح المقاصد إذ أنها هي الواسطة العظمى في إكتساب الفضائل التي أقل ما فيها حسن تربية الأبناء التي نحن في حاجة إليها" (39) وندد بالبخلاء الذين يكنزون الأموال ولا ينفقونها فيما يعم على البلاد بالنفع فقال:

"لو كان عندي مليون من الجنيه، وأحكمت غلق الصناديق عليه، ولبست من الثياب أفخرها، وركبت من الخيل أشهرها، وكنت مع ذلك بلا لب أعقل به، ولا فكر به أنتبه، ولا خير يؤثر عني ولا صديق يقرب مني أيحسن بي أن أقول أنا إنسان وأنا بهذه الحالة أقل من الحيوان"(40) ثم أخذ يطوف البلاد فزار شبراخيت، وميت غمر والمنصورة وغيرها لحث الناس على إفتتاح

(38) التنكيت والتبكيت: العدد الثاني في 19 يونيو 1881 ص 22 - 24 تحت عنوان "هف طلع النهار".

(39)

التنكيت والتبكيت: العدد الثاني عشر في 4 سبتمبر 1881 ص 190 تحت عنوان "آفة السكوت".

(40)

التنكيت والتبكيت: العدد الخامس في 10 يوليو 1881 ص 83 - 84.

ص: 19

الكتاتيب والمدارس الأهلية لتعليم الأولاد حتى تنتشر المدارس ويعم التعليم (41) لأنه لا إصلاح بدون إفتتاح المدارس ونشر المعارف.

وانتقد النديم المصاريف الفادحة التي يفرضها أصحاب المكاتب البسيطة على الأبناء نظير تعليمهم وطالب بإنشاء المدارس العمومية فقال "لا يخفى على العارفين بأحوال الأهلين الذين مازالوا يتكبدون المصاريف الفادحة لقاء تعليم أولادهم في المكاتب البسيطة التي قل أن تنتج زيادة عن معرفة القراءة والكتابة، إن هذا ليس هو الغرض المطلوب بل الذي ينبغي الإجتهاد في الوصول إليه هو أن يكون التعليم في مدارس عمومية توصل المتعلم إلى ما يقتضيه حقوق الهداية (42).

وطالب النديم بوضع نظام قومي لمناهج التعليم الأولي في مصر فنادى بأن "يملأ ذهن التلميذ بأخبار المؤلفين والمهذبين من المتقدمين والمعاصرين، ويشرح له فضل من مضى من علماء جنسه، وما كانوا عليه من الإجتهاد والتقدم والإشتغال بما يبث فيهم روح المعارف لئلا يغلب عليه فضل غيرهم فيحتقر معارف بلاده ويفخر بغيرها"(43)، ثم تحدث عن أهمية دروس الوطنية فقال "أن يعرف التلميذ أصل نشأة جنسه ومقدار ما وصل إليه من العزة والقوة والثروة والأسباب التي تحل عروة الجنسية وتضعف قوتها ويحذره من الإختلاف والتحاسد والتقاعد عن دعوة الإتحاد والألفة"(44) كما صور الوطنية في صورة غذاء ينتفع به جميع الجسم بحيث لا يترك عرقًا من عروق أبناء وطنه إلا وقد "أجرى فيه ماء الوطنية" وكما أن النديم لم يغفل الوطنية في منهجه فإنه لم يغفل الدين أيضاً فطالب المعلم "أن يغرس في ذهن التلميذ أصوله قبل أن يشغل فكره بالعقليات لترسخ قدمه في طريق المذهب فلا تزحزحه العقليات عند الإشتغال بها"(45) وطالب المعلم بإلتزام الطرق السهلة في تعليم تلاميذه وخصوصًا في اللغة العربية حتى لا يصعب الأخذ بها، ولا تمل النفس من ملازمتها (46)، وحثهم على الرغبة في تحصيل العلوم وملازمة الجد

(41) التنكيت والتبكيت: العدد الثالث عشر في 11 سبتمبر 1881 ص 208.

(42)

التنكيت والتبكيت: العدد الثاني عشر في 4 سبتمبر 1881 ص 190.

(43)

التنكيت والتبكيت: العدد الرابع في 3 يوليو 1881 ص 54 تحت عنوان درس تهذيب تحاور به تلميذ مع نديم.

(44)

نفسه ص 55.

(45)

نفسه.

(46)

التنكيت والتبكيت: العدد الثاني في 19 يونيه 1881 ص 19 تحت عنوان "إضاعة اللغة تسليم للذات".

ص: 20

والإجتهاد، كما وضع النديم مواصفات للمعلم المثالي فقال "يجب أن يكون الأستاذ متواضعًا لين العريكة سهل الأخلاق واسع العبارة في فنه، غير ماجن ولا محملق ولا فاحش ولا قاس ولا معجب بنفسه ولا كسول ولا عابس"(47)، وحث النديم الحكومة على الأخذ بيد أساتذة المدارس ومكافأتهم على أتعابهم ومساعدتهم حتى يقف الشرق أمام الغرب علمًا وعملاً.

وهاجم النديم الدعوة القائلة بأن المصري ليس فيه أهلية للتعليم، وضرب الأمثلة على حب المصريين للتعليم ورغبتهم في التعلم. وهكذا كان النديم مهتمًا بالتعليم ومناديًا بضرورة تعميمه والمحافظة على الثقافة القومية، حتى يتعلم الناس أصول الوطنية ويخلصوا في الإيمان بالله والوطن والنفس وصدق قوله إذ يقول:

أروني أمة بلغت مناها

بغير العلم أو حد اليماني (48)

وعن دفاع النديم عن اللغة العربية ووقوفه في وجه محاولات الإستعمار للتقليل من شأنها ونقده لأبناء الوطن الذين يتفاخرون بإستعمال اللغات الأجنبية كلغة للتفاهم والتعامل والمخاطر التي ستترتب على مستقبل الوطن والدين نتيجة لما يفعلون كتب مقالاً تحت عنوان إضاعة اللغة تسليم للذات خاطب فيه المتفرنجين قائلاً "أيها الناطق بالضاد - بم تستبدل لغتك وليس لها من مثيل وأن تتركها وأنت لها كفيل، وما الذي استحسنته في غيرها واستقبحت مقابلة فيها"(49) كما بين لهم أن اللغة هي سر الحياة يترجم بها اللسان عن خواطر القلب، وأنها في حد ذاتها شخصية إستقلالية لأن الذي يعبر بلغته يشعر بالقوة وتتطبع نفسه على حب الكرامة والإستقلال ثم انتقدهم بقوله "بقى لما تتكلم بلغة ضيوفك وكل من جه تأخذ لك من لغته كلمتين حتى تركب لك لغة من هنا ومن هنا حتى بقيت غريب عن الديار، وضيعت مجدك وشرفك". وطالب النديم بالإكثار من مدارس الجمعيات وصرف ثلث وقت

(47) التنكيت والتبكيت: العدد الرابع في 3 يوليو 1881 ص 54 تحت عنوان "درس تهذيب تحاور به تلميذ مع نديم".

(48)

التنكيت والتبكيت في 9 أكتوبر 1881.

(49)

التنكيت والتبكيت: العدد الثاني في 19 يونيه 1881 ص 19.

ص: 21

الطفل في تعلم اللغة العربية بطريقة تهذيبية (50) والجدير بالذكر أنه رغم دفاع النديم عن اللغة العربية ومناداته بإحيائها وخوفه من ضياعها نجد له بعض المحاورات والمقالات في التنكيت والتبكيت باللغة العامية، ورغم خطورة العامية على الفصحى نجده يعلل ذلك بأن كتابتة بالعامية الهدف منها تحويل العامي الجاهل من كراهة الكتب إلى محبتها، وتناول موضوعات تمكنه من مسايرة أحوال بلاده.

وعن الموضوعات ذات الصبغة الوطنية والقومية الثى تعرض لها النديم في مقالاته، فبعد أن شعر بإنتصار الثورة خلال مظاهرة عابدين وتعاظم شأن العرابيين تدفق قلمه بالكتابة عن الحرية التي نالها الشعب بفضل أبنائه الفرسان فكتب مقالاً تحت عنوان "سيف النصر نحو عدو مصر" تحدث فيه عن قوة الجند واشتداد حميتهم وسعيهم لمصلحة الوطن وحفظ البلاد وزيادة قوة الأمة (51) وكتب عن الاتحاد والتمسك بحبل الائتلاف قائلاً "أوصيكم بكلمة الاتحاد والتمسك بحبل الائتلاف، وأحذركم من التخاذل وسماع أقوال أهل الأهواء الذين شربوا دماءنا ولم يرثوا وأكلوا لحومنا ولم يشبعوا"(52).

وشرح النديم الأسباب التي أدت بالعرابيين إلى القيام بمظاهرتهم موضحًا أن ما حدث كان موجهًا ضد رئيس النظار الذي بذل جهوده في التقليل من شأن الجند، وتبديد شملهم رغم أهميتهم في المحافظة على حدود البلاد ورد الأعداء والمحافظة على الأمن (53)، كما أشاد بعرابي قائد الثورة في مقاله المعنون "نبذة من تاريخ الهمام أحمد بك عرابي" أرجع فيه نسب عرابي إلى سيدنا الحسين، وأشار إلى أن أسباب قيامه بالثورة يرجع إلى أنه بعد أن أطال النظر في أعمال الحكام واستبدادهم رأى أن لا نجاة من هذا الإستعباد إلا بفتح مجالس الشورى فاجتمعت كلمته مع إخوانه الأمراء علي فهمي وعبد العال بك حلمي، وأحمد عبد الغفار وأتحدوا على المطالبة بحقوق الأمة" (54) كما أشار إلى أن نجاح العرابيين في تملك زمام الموقف يرجع إلى أن زعيمهم له إلمام بالتواريخ

(50) نفسه.

(51)

التنكيت والتبكيت: العدد الثامن عشر في 16 أكتوبر 1881 ص 291.

(52)

التنكيت والتبكيت: العدد السابق ص 294 تحت عنوان "وصية وطنية".

(53)

نفسه ص 291 - 293.

(54)

التنكيت والتبكيت: العدد 17 في 9 أكتوير 1881 ص 285.

ص: 22

وأخبار الأمم، وله قدم ثابتة في نقد أفكار السياسيين وحيلهم، كما أنه كامل ومهذب ومؤدب تفخر الديار بمثله (55).

وفي مقال للنديم بعنوان "المحاسن التوفيقية أو تاريخ مصر الفتاة أو زفاف الحرية في مصر" وصف العرابيين بالأسود حماة الوطن الذين ألبسوا الأمة ثياب الحريهّ، وفتحوا العيون ونبهوا الأذهان إليها بعد أن استفحل الاستبداد، كما تعرض لاستقبالات الأهالي لعرابي عند سفره إلى رأس الوادي حيث ازدحمت شوارع القاهرة بالمشاهدين تستقبله بحماس، وقد خطب فيهم عرابي خطبة قوية أوضح فيها أحوال البلاد، كما خطب النديم خطبة بناء على طلب الحاضرين أخذت بعقول الناس حتى كادوا يبكون (56) أوضح فيها أحوال البلاد قبيل انتفاضه الجيش مبينًا الإرهاب الذي تعرض له أهالي البلاد حتى "رأينا المشنوق من أهلنا والمصلوب والمذبوح والحريق والموضوع على الخازوق والمشرد والمغرب والمنفي والمسجون والمنهوب والمسلوب، ولا ذنب لنا في هذا كله إلا عدم المحافظة على البلاد .. حتى نهض الأحرار من أبنائها فخلصوها من هذه المحنة"(57).

وأشار عرابي إلى الأطماع الخارجية المتربصة بالوطن، وطالب التمسك بالحكمة والصبر واجتماع الكلمة لمواجهتها.

كما كتب النديم مقالاً عن الاتحاد وحقوق الشعب في مقاله المعنون "وصية وطنية" قائلا "أوصيكم بكلمة الاتحاد والتمسك بحبل الائتلاف وأحذركم من التخاذل، وسماع أقوال أهل الأهواء الذين شربوا من دماءنا ولم يرتوا وأكلوا لحومنا ولم يشبعوا"(58) كما ندد النديم في هذا المقال بتهديدات انجلترا وفرنسا للعرابيين ومحاولاتهما للوقيعة بينهم وبين الخديو من ناحية، والسلطان من ناحية أخرى بدسهما للدسائس موضحًا رغبتهما في الفرقة بين المسلمين والأقباط مع أنه يجب أن تجمعهم وحدة الوطنية، ووحدة الدين التي تقتضي الاتحاد ومنع

(55) نفسه ص 286.

(56)

ميخائيل شاروبيم: الكافي في تاريخ مصر القديم والحديث ج 4 ص 254.

(57)

التنكيت والتبكيت: ص 281.

(58)

التنكيت والتبكيت: العدد الثامن عشر في 16 أكتوبر 1881 ص 294.

ص: 23

التخاذل وطالب الناس بالهدوء والسكينة، وأشاد بالحكومة التي نبهت الأفكار وتبحث عن تقدم البلاد (59).

ونظرًا لتطور كتابات النديم، وإحساس شريف باشا رئيس النظار بخطورتها حاول الترصد للنديم ولصحيفته، بغية عدول النديم عن الكتابة في الأمور السياسية، ولكن النديم لم يتراجع عن موقفه بل كتب مقالاً تحت عنوان "تقريع الأغبياء" ندد فيه بالاستبداد والأفكار الفاسدة موضحًا بأنه قد جاء زمن القوانين التي تحمي المواطن من بطش الحاكم فقال لقد "مات زمن تحرير التذاكر السرية لإبعاد زيد أو نفي عمرو، وجاء زمن القوانين والأحكام الحقه فقل لمن غاظه الحق وغلبه الصدق وخاب سعيه في إهلاك أخيه موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور"(60).

ونتيجة لانضمام النديم إلى العرابيين، وبعد أن أصبح داعيتهم الأول وأصبحت جريدته هي لسان حالهم طلب منه عرابي تغيير اسم جريدته من التنكيت والتبكيت إلى اسم يتناسب مع الظروف التي يمر بها الوطن، واقترح عليه أن يكون هذا الاسم هو لسان الأمة (61)، وأن يكون موضوعها سياسيًا تهذيبيًا للذب عن حقوق الأمة والمدافعة عنها (62) وقد أرسل إلى إدارة المطبوعات بخصوص هذا التغيير خطابًا قال فيه "لدخولنا في عصر جديد وفوت زمن التنكيت والتبكيت أقتضى تبديل اسم جريدة التنكيت والتبكيت الأدبية التهذيبية كما استقر الرأي عليه بالممارسة مع حضرة الفاضل عبد الله أفندي نديم محررها ومدير إدارتها باسم لسان الأمة (63) ولكن يبدو أن هذا الإسم لم ينل إعجاب النديم فصدرت تحت اسم "الطائف" لتفاؤله بأن هذه الجريدة ستطوف البلدان الإسلامية وتيمنًا منه بالبلدة الموجودة بهذا الإسم في الحجاز ومن هنا ظهرت الطائف بدلاً من التنكيت والتبكيت.

وعن أسباب تغيير اسم الجريدة قال النديم "خلصنا من زمن التنكيت والتبكيت وأصبحنا في زمن الحرية ومعرفة الحقوق، وهذا الذي قضى علينا

(59) نفسه ص 297.

(60)

التنكيت والتبكيت. العدد السابع عشر في 9 أكتوبر 1881.

(61)

دار الوثاثق القومية. سجلات الثورة العرابية - سجل رقم 109 مسلسل عمومي رقم 4124 تحت عنوان "مكاتبات الداخلية".

ص: 24

بتغيير اسم الجريدة ومشربها فقد صيرناها سياسية سياسة ظاهرة بعد أن كنا ندمجها في محاورات ودروس تهذيبية وجعلناها تطالب بحقوق الأمة وتدافع عن حقوق الحكومة" (64).

كما اعتبر النديم هذه الصحيفة امتدادًا للتنكيت والتبكيت فذكر أن الطائف ظهرت في أول أمرها تحت عنوان "التنكيت والتبكيت"(65) ولكننا نرى أن الطائف كانت مختلفة تمامًا عن التنكيت والتبكيت للأسباب الآتية:

1 -

التنكيت والتبكيت كان يكتب بها مقالات ومحاورات بالعامية بينما لم يحدث ذلك في الطائف.

2 -

التنكيت والتبكيت صدرت أسبوعية بينما الطائف كانت تصدر يومية في بعض الأوقات.

3 -

التنكيت والتبكيت اهتمت بالإصلاح الإجتماعي بينما تفرغت الطائف للحديث عن أمور مصر السياسية والحربية وإن لم تهمل النواحي الإجتماعية (66).

وعلي كل حال فتحليلاً لما سبق ذكره يتضح ما يأتي:

1 -

إستعمال النديم في جريدته للأسلوب الرمزي حيث اتخذ من بعض الكائنات غير الإنسانية ستار لبث بعض الأفكار والمباديء السياسية والاجتماعيهّ خصوصًا في بعض القضايا التي لم يستطع أن يجهر فيها برأية صراحة نظرًا للظروف السياسية والإجتماعية التي كانت تمر بها مصر خلال هذه الفترة.

2 -

صياغة النديم لنصائحه في أسلوب قصصي، وفي شكل نكت ونوادر جذبت النفوس والعقول لقراءتها خصوصًا وأنه كان داعية لمباديء جليلة تكمن في الدفاع عن حقوق مصر والمصريين.

3 -

عالج النديم الموضوعات المتصلة بحياة الإنسان المصري العادي ونجح في أن يكون في هذه المعالجة واقعيًا مما يدل على شدة ارتباطه بالناس،

ص: 25

ومعرفته الكاملة بآلامهم وآمالهم فكانت مقالاته صورة للحياة المصرية في حزنها وضحكها، وما فيها من سخرية ورثاء، لم يداهن فيها الحكام أو يتملق لأبناء وطنه، بل بصرهم بعيوبهم، وشاركهم في البحث عن الطرق المناسبة لعلاجها.

4 -

استعمال النديم للغة العامية خصوصًا في الحوار، وتهذيب وتعليم العامة (67) فكان صادقًا وأكثر تأثيرًا وأوضح معنى فعالج عيوبهم الإجتماعية المنتشرة بينهم بعين الخبير الذي يضع على لسان كل منهم ما يليق به في دقة وإحكام وظرف (68).

5 -

تحول النديم من أسلوب المهادنة ومداراة السلطة إلى الدعاية المباشرة للحركة الوطنية، وإرشاد الشعب إلى الطريق الموصل إلى الحرية فكان بوقًا قويًا في الدفاع عن حقوق مصر والمصريين.

وهكذا كانت التنكيت والتبكيت بوقًا عظيمًا للشعب، اتخذ فيها النديم طريق توعية أبناء مصر إلى حقوقهم وواجباتهم مجالاً لمقالاته، وقد نجحت هذه الصحيفة في تأدية رسالتها ووصل نداؤها إلى أكبر عدد ممكن من المصريين فمن كان قارئا قرأ ومن لم يكن سمع ففهم وبذلك قدمت للوطن وللمواطنين أروع الخدمات وأجلها في فترة حرجة من تاريخ مصر الحديث.

ونحن إذ تقدم هذه الدراسة لهذه الصحيفة التي تحتل في تاريخ الصحافة المصرية مكانًا مرموقًا إنما نرجو أن نكون قد أدينا واجبنا نحو جزء من تراث النديم.

والله ولي التوفيق

أ. د عبد المنعم إبراهيم الجميعي

أستاذ التاريخ الحديث بجامعة القاهرة فرع الفيوم

ص: 26