الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 267 -
درس تهذيبي
بين نديم وتلميذ
(ت) اي استاذي اخذت عنك الدرس الماضي وحفظته ثم تلوته على اخواني التلامذة فلما فهموه قالوا من الان لا نترك الاساتذة يرتبون المدرسة وينظمونها بافكارهم فان هذا مضر بصحتهم مشوش لا فكارهم ويكفيهم الاشتغال بالتعليم والتلقين ونحن معاشر التلامذة نتحمل عنهم اتعاب الترتيب والتنظيم لنكون عوناً لهم على قطع عقبات التقدم وانتظام المدرسة انتظاماً بديعاً فقلت لهم من منكم فيه قوة التدبير حتى يشارك الاساتذة في هذا العمل فقالوا نجتمع ونتشاور في الامر فيخرج من بين الافكار فكر حر صالح. فقلت لهم لا بد وان يقدم هذا الامر الى رئيس المدرسة فان اقركم على ذلك كان حسناً فارتضوا بهذا الرأي وقدموه اليه ففرح بنجابة تلامذته واجتهادهم في مساعدة الاساتذة وضابط المدرسة واقرهم على الطلب بالاجابة الا انهم وقعوا في حيرة لتضارب الافكار فيمن يختارونه لهذا العمل الصعب فقلت لا بد وان ارجع الى الاستاذ واسأله عن الشورى وثمرتها وكيفية ادارة محفلها وقد جئتك مستفتياً فاسمح بالجواب فالى اخوانى في الانتظار
(ن) الشورى ياولدي عبارة عن غرس الافكار في ارض التبادل وسقيها بماء الحرية وخدمتها يد الاعتدال لتفت العدل وتزهر الحق وتثمر العمران. ولا يقوم بها الا عاقل مدرب على سياسة المدارس عالم باحوال كل مدرسة وسيرها وما تريده من الاخرى خبير باحوال قومه وحدود مدرسته عارف بميل رؤساء المدارس ومطامعهم حر في فكره لا يرى الا منفعة المدرسة بحيث لا ترهبه الظواهر ولا تخفيه الهيئات. ولا يخفا كان المدارس لها عهود مع بعضها وتداخل في انتقال التلامذة من مدرسة الى اخرى وكيف يد العدو عنها بما لا يجلب على التلامذة شراً
(ت) وهل يوجد في مدرستنا من فيه اهلية لذلك او جامع لهذه الخصال غير الاساتذة
(ن) لا يجفا كان المدرسة فيها الذكي والبايد والغبي والنبيه والغني والفقير والامير والحقير فان كان الانتخاب قاصراً على الاغنياء دون الاذكياء كان المحفل وبالاً على التلامذة والمدرسة
(ت) من اين ياتي الوبال وهم من اهل المدرسة الحئزين لرتبة القلفاوات والمعيدين وهم
ادرى بحال المدرسة وصالح التلامذة
(ن) لا يخفا كان ابن الغني مولع بالاستبداد والاستعباد فهو يميل لاستخدام الفقراء بلا مقابل وضرب الضعفاء من غير ان يعارض او يحاكم وهذا بعينه هو الاستعباد المضر باهل المدرسة على اناباه ان كان من عمد البلاد فانه ادرك الثروة بنهب الفلاح وظلمه فان اغلب العمد متسلطون على الانفار تسلط الهواء على النار يضربون ويحسبون وينهبون ولا قانون
- 268 -
يردعهم ولا حاكم يرجعهم فان عرف الفلاح باب الحاكم لحقه العمدة واستعمل الرشوة والنفاق فيقبض الحاكم على الفلاح ويضربه ويسلمه لعمدته بعد تعذيبه ومن كانت هذه افعال ابيه كان بعيداً عن الحق اجنبياً من الانصاف لا يميل للتساري ولا يعترف للفقير بحق معه في الوجود فوجود مثله في المحفل علة لزيادة هلاك التلامذة والزامهم بدروس لا طاقة لهم بها واقراءهم كتباً ما رأوها ليضعفوا بذلك حدة اذهانهم ويحسبوا الثروة لانفسهم. ومع ذلك فان الاولاد مثل هولاء تربوا في الريف على التخريف والهذيان فلا يعرفون صالح المدرسة ولا ما بوجب تقدم التلامذة لانهم عي عن طرق التقدم بسبب فساد مخيلتهم وضعف مدركتهم وقليل منهم من له المام ضعيف بالاداب وقد قدمت لك صفة العضو اللازم لهذا المحفل ولا يمكنك ان تطبقها الا على افراد تعد بالاصابع من هذا القبيل فلا بد لهم من مرشد يرشدهم ويعلمهم حتى يتمرنوا على اشغال المحافل ويؤمنوا على مدرسة مثل هذه المدرسة العظيمة. وانت تعلم ان العظيم منهم قد غرس في قلبه الخوف من الامراء لما قاسوه من الظلم وما راوه من التعذيب والترشيد فاذا وجد معهم امير في المحفل وقال من رايي في هذه المسألة كذا وجدت الجميع مقراً عليه مصوباً ما قاله خوفاً من بطشه وفتكه فانه يعلم ان هذا من القسم الذي اذا غضب اعدم وان عورض فتك فهو يأخذ كل ما يقول قضية معلمه لعدم تمكنه من حرية فكره ولما غرس في قلبه من الخوف والاذلال. ومثل هذا لا شك في انه يجلب على المدرسة ضرراً غير ضررها ويزيد ارادتها ارتباكاً وبنيانها تخريباً
(ت) وان كان من اولاد الامراء العارفين باحوال المدرسة وادارتها الحائزين لرتبة القلفة
(ن) اعلم يا ولدي ان الحكم على الشيء فرع عن تصوره ولا نحكم على الامراء الا بعد معرفة اسباب ثروتهم فان كانت بجدهم واجتهادهم كانوا احرص الناس على حفظ الهيئة
الاجتماعية وان كانت بطريق الظلم والنهب والرشوة كانوا اشد ضرراً من العمد لحبهم الظلم الذي صيرهم في هذه الثروة بعد ان كانوا لا يملكون قوت يومهم على ان معظمهم ما تيسر له شراء اطيان الا وهو حاكم في جهتها ولا يخفاك ما يستعمله في تلك الحالة خصوصاً في المدة السالفة ايام كان الحاكم يتصرف في البلد واهلها تصرف الملاك في املاكهم ولو نشرت صحف الحقائق بيننا لرايتهم لا يملكون شيئاً مما يتمتعون به الان فانه اما مال ارملة خدعت حتى تنازلت او فقير ضرب عني اعترف انه باع او ضعيف اهين حتى هرب من البلد او غني تقرب ببعض طينه خوفاً من التصدي والاذلال ومن ملك ملكا بهذه الصورة كان ابعد الناس عن الحق واضلهم عن طريق الانصاف وولده كذلك يجتهد في مشاكلة ابيه فهو يرى ان الفقير يسقيهبلا مقابل والضعيف يخدمه بلا اجر ولا يرضى بالتساوي ومرافعة مع تلميذ فقير امام
- 269 -
الضابط او المدير وما دام هذا القسم بهذه الافكار فانه يضر بالمدرسة ضرراً لم يجلبه الضابط الساقط ولا المدير السالف
ومن هذا القسم كثير ممن لم يخدم في الارياف وتحصل على ملك بما له او هبة من الرئيس او بطريق الارث غير انه يميل لخدمة ارضه وريها وحرثها وزرعها بلا مقابل خصوصاً وان اسم الباشا او البك كالاسم الاعظم يقضي به الانسان ما يشاء فترى الفلاح يخدمه وان لم يكن حاكماً في بلاده تزلفاً اليه وتقرباً خوفاً من مجيئه حاكماً عنده يوماً ما او رغبة في توسطه في قضاياه ومشاكله
نعم ان في هذا القسم كثيراً من اهل الخبرة والدراية الذين تقلبوا في الاحكام وعرفوا سياسات المدارس واغراضها ولكن حبهم لذاتهم يعطل كثيراً من المنفعة ويجلب كثيراً من الضرر فاذا وجدوا في المحفل ولم يكن معهم احد من النبهاء الاذكياء كان اهل المحفل عبارة عن لعبة يديرونها كيف شأوا فاذا تشكل محفلكم من هذين القسمين جعلتكم المدارس رواية تياترية يشخصونها في المحافل ليضحكوا على اهلها
كل هذا اذا كان المحفل مطلق الحرية في افكاره لا يعارض في المصلحة ولا يلزم بشي لم يقر عليه اما اذا كان مقيداً بما يصدر له من الاساتذة فلا تسأل عن اعضائه واهله فانهم صورة وهمية لا حقيقة لها ولا اثر
(ت) ممن ترى تشكيل المحفل اذا ومدرستنا لا تخلو من هذين القسمين
(ن) ياولدي المدرسة فيها الكثير من النبهاء العارفين بقوانين المدارس وافانين سياستها المتكلمين بلغات عديدة المطلعين على فنون جليلة نورت افكارهم وصيرتهم من الرجال الذين يمكنهم ان يسوسوا مدرسة عظيمة ولكنهم في زوايا الاهمال والخمول فاذا انتبهت التلامذة وانتخبت من هذا القسم جانباً يرد نفوذ الامراء ويعلم الاغنياء كان المحفل سيفاً في نحر عدو المدرسة وحصنا يحتمي فيه رئيسها ويداً يتقوي بها الضابط والاساتذة على تحسين المدرسة وخلاصها من مخالب العدو ولا تصل التلامذة لهذه الدرجة الا بحرية الانتخاب من الارهاب والاغراء والغرير
(ت) ارى الضابط امر بتشكيل المحفل من الاعيان والامراء اذا لا فائدة فيه الان
(ن) اظنه انما جمعهم ليدونوا نظاما يسيرون عليه ويحددون حدوداً يعرفونها ويجعلون للمحفل روابط يتقيد بها في اشغاله فاذا تم لهم ذلك اجروا الانتخاب على نظامهم الجديد والا فان هولاء كانوا فيه في العام فما الذي نجم عنهم وما الذي صنعوه في المدرسة وقد الجؤا للتخلي عن المحفل وطردوا منه من غير معارضة فان الرئيس كما استحضرهم طردهم فلو كانوا بانتخاب التلامذة ما استطاع احد صرفهم ولا معارضتهم الا بما يخشى منه على المدرسة واهلها فانهم نواب عن التلامذة منتخبون بمعرفتهم فمغضبهم مغضب الامة ولا يستطيع
- 270 -
احد اغضاب امة في سائر مدارس الدنيا
(ت) وما ثمرة المحفل الحر
(ن) حفظ البلاد والمدافعة عن شرف الرئيس والاساتذة فلو ارسلت مدرسة اساتذة من عندها ليقيموا بالمدرسة ونادى المحفل يمنعهم من الدخول او التعرض لشيء من ادارة المدرسة كان له الحق وساعده على ذلك جميع ارباب المدارس ولو جاء رئيس وطعن في رئيس المدرسة واراد استخدامه مكانه كان المحفل وقاية له منكل سوء فان الئيس انما يحكم التلامذة وما داموا في رضاعته فلا تداخل لاحد في رئاسته ولا مطمع وان اراد الغير معارضته بالقوة كان التلامذة امامه كالاسود الضارية يدافعون عنه ويردون عدوه ولو عدموا في ذلك الكثير من الارواح وهذه اكبر ثمرات المحفل في سائر المدارس فترى المدرسة اذا كان لها خمسون بواباً وليس بها محفل كانت عرضه للدمار ومناوشة الاعداء لضعف قوتها بتفرق كلمتها وعدم اتحاد تلامذتها وان كان لها محفل ولم يكن لها ولا بواب
واحد كانت اعز من بيض الانوق فان العدو يعرف ان كل تلميذ متيقظ ممتعد للحرس والوقاية والدفاع
(ت) وهل تحتمل تلامذتنا اطلاق حرية الافكار قبل ان يتدربوا على اشغال المحفل
(ن) نعم يحملونها ويحفظونها ويسيرون بها في طريق يعز على غيرهم الوصول اليها ولكن باختلاط المحفل وتشكيله من نبهاء واذكياء وامراء واغنياء وعلماء وصناع واعيان
(ت) نخشىان بقية المدارس تمثل بنا وتقول عادوا الى جهالتهم والتوحش القديم
(ن) اعلم يا ولدي ان اشيء في اوله لا يجيء على صورته الحسناء في سائر الجهات لابد من النقض والابرام والتغيير والتبديل حتى تتقدم الافكار وتحسن الاعمال ولا تنظر لجهل كثير من اهل بلادك فانهم وان جهلوا احسن من مبداٍ اعظم دولة متمدنة الان واما اقص عليك طرفاً من انبائهم لتعلم قومك وما هم عليه - افتتحت دولة من الدول المتمدنة محفلها الشوروي من عهد مائتي سنة وكسور فوقع الانتخاب على تجار البطاطس والفحم والحديد لكونهم اغنى اهل البلاد فلما عقدوا المحفل وتذاكروا في ضرائب البلاد راى ثلاثة منهم ان قرية من القرى لا تستطيع دفع الضريبة لفساد ارضها فغضب بقية النواب ولفوا الثلاثة في قماش واطفأوا شموع المحفل وكبوا الجاز على هولاء المساكين واحرقوهم وختموا القرار على لهيب احتراقهم اطن اناهل مدرستك وان جهلوا وضلوا عن طرق التقدم وعموا عن الحق فانهم لا يفعلون ما فعل هولاء البهائم الذين ينددون بمدرستكم الان
(ت) حاشا لله ان يحصل من تلامذتنا هذا الفعل القبيح فانه ملاعيب فيهم غير خوفهم من الاساتذة وعدم اقتدارهم على معارضة القلفاوات بسبب ماراوه منهم من الاهانة والقسوة
- 271 -
والظلم الذي كان يذهب برونق البلاد. وانما باي طريقة تتوصل لانتخاب اذكياء يساعدون اهل المحفل على حل المشاكل باللطف وترتيب المدرسة بالرفق والتعقل فان الدنيا كلها ناظرة الينا رقيبة علينا فان لم نحسن كنا مثله بين العباد
(ن) حيث ان حرية الانتخاب متعذرة الان لعدم معرفة التلامذة قدر المحفل وجهلهم حقيقة الانتخاب الحر يلزم النبهاء ان يقدموا انفسهم للنيابة والاساتذة تعرضهم على فرق المدرسة لينتخبوا منهم القدر المعين ويتداول الايام وظهور ثمرة المحفل تهتدي التلامذة للانتخاب الحر وتترك ما كانت عليه من الميل للاغنياء واخوف من العمد والرهبة من الامراء
وتنتخب من تريد من اهل المعرفة والدهاء
(ت) اترى اننا نبلغ هذه المنية الان
(ن) هذا امر متعلق بالتلامذة فان بحثوا فيه وطلبوه قوبلوا بالاجابة وان اهملوا حقوقهم لعبت بهم الافكار واصبحوا في سعيهم من الخائبين
(ت) وماذا ترى في رئيس المدرسة وضابطها واساتذتها
(ن) ارى ان الرئيس من اهل الرحمة والشفقة وله ميل كلي لاصلاح المدرسة وهو محب لتلامذتها يود تقدمهم ونجابتهم ليفاخر بهم المداوس ويتقوى بهم على دفع ما كان يقال من سوء ادارة الرئيس السابق فعلى التلامذة ان تعقد الخناصر على محبته وطاعته ورد كل عدو عنه. والضابط هو المدبر العظيم الذي خدم هذه المدرسة بافكاره مدة من السنين وقد عاد اليها بعد ان كادت تسلم للعدو وبمساعدة الضابط الساقط فان المدرسة الشقراء كانت تخادعه بالتحف وتعده ان يكون نائبا عنها في المدرسة فهو يساعدها على غرضها وان اضر بالتلامذة فلما احس بهذا ضابط المدرسة تجمعوا وطلبوا من الئيس تغييره لحفظ المدرسة من الصياع وقد اجاب الطلب وعين من تعلمون شرف نفسه ونزاهته فجمع اليه رجالاً يعرف حسن طويتهم. غيرلنهم اعترضهم من المشاكل ما نسال الله منها السلامة فان ديوان عموم المعارف عين اساتذة للبحث في اسباب التظاهر وخول بعضهم حق مخاطبة المدارس الاخر عن مصالحهم وهذا مما يكدر البال ويشوش الخاطر ولكن ضابط المدرسة لما علموا هذا انتقل بعضهم من المدرسة لتغيير الهواء في بعض انحائها بعد ان خضعوا لرئيسهم كل الخضوع فلا وجه لفتح مذاكرة في هذا الامر بعد اتحاد الرئيس مع الضابط وربط العلائق بينهما. واما المسألةالادارية فان التلامذة هم الذين طلبوا المحفل وكل فرقة حرة في مدرستها فمخابرة المدارس الاجنبية مما يوجب تداخلها في شان هذه المدرسة خصوصاً وانها تحسدها على طيب هوائها وحسن موقعها وبهجة رونقها فالفاتح لهذا الباب عدو للمدرسة واهلها لامحب لها ولا خائف عليها ولكن حكمة الرئيس وتبصر الضابط وتقيظ الاساتذة مما